يعيش المصريون مشهدا تاريخيا بين ثلاثة رؤساء خلال 30 شهرا، مخلوع ومعزول ومؤقت.. ويجب أن يعى الرئيس القادم عبرة مبارك ومرسى حتى لا تهتف الميادين «يسقط الرئيس القادم»، ويجب أن يكون الدستور محددا لصلاحيات الرئيس الحقيقية بدون ألاعيب الإخوان التى كشفها المصريون، فلا نريد ديكتاتورا مدنيا مثل مبارك أو ديكتاتورا دينيا كمرسى! عندما خرج المصريون يهتفون «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية» فى ثورة يناير، كان الكيل قد طفح من حكم مبارك، صحيح أن سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كانت من أهم أسباب قيام الثورة، بالإضافة إلى زيادة معدلات الفقر وانتخابات برلمان 2010 المزورة ومقتل خالد سعيد شرارة الثورة وتبعه سيد بلال الشاب السلفى على يد الشرطة، وعندما قامت ثورة 30 يونيه ضد الرئيس مرسى كان سببها الأول انهيار مصر وتغيير هويتها، فخرج الشعب ضد أخونة مؤسسات الدولة.
وبعد خلع مبارك وعزل مرسى أصبحت البلاد فى يد الرئيس الانتقالى عدلى منصور رئيس المحكمة الدستورية لحين إجراء انتخابات جديدة بعد وقف العمل بدستور 2012 وما بين دستور 1971 ودستور 2012 ظل باب صلاحيات الرئيس مصدر جدل واسع بين أطياف المجتمع المصرى الذين يطالبون الآن برئيس دولة وليس فرعونا بعد أن ذاقوا الأمرين: فرعون مدنى متمثل فى مبارك وفرعون دينى متمثل فى مرسى.. كلاهما استخدم سلطاته الواسعة التى منحها الدستور لهما. لرئيس الجمهورية وفق دستور 1971 حق إصدار القوانين والاعتراض عليها، إصدار اللوائح التنفيذية للقوانين، وله أن ينيب غيره فى إصدارها.
كما أن له الحق فى إصدار لوائح الضبط وإصدار القرارات اللازمة لإنشاء وتنظيم المرافق والمصالح العامة، ويمكن للرئيس اتخاذ تدابير تكون لها قوة القانون فى حال تعطل البرلمان، وإصدار جميع التدابير التشريعية التى تتناسب مع حالة الطوارئ، كما منحه الدستور حق العفو عن العقوبة وتخفيفها.
بالإضافة إلى ذلك هناك سلطات رئاسية مطلقة تتمثل فى إبرام المعاهدات الدولية دون الرجوع إلى البرلمان، أما المادة 189 من الدستور فتمنح رئيس الجمهورية منفرداً الحق فى تعديل أى مادة من الدستور، كذلك كان يحق له حل مجلسى الشعب والشورى فى أى وقت شاء، كما يتيح له الدستور رخصة إنشاء المحافظات وإلغائها وتحديد نطاقها، وكان الرئيس - وفق دستور 71 - يترأس السلطة التنفيذية وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ورئيس مجلس الدفاع الوطنى، والرئيس الأعلى لمجلس القضاء، والرئيس الأعلى للشرطة، وهو أيضا رئيس جميع الهيئات الرقابية، بما فيها الجهاز المركزى للمحاسبات، والجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، وهيئة الرقابة الإدارية وغيرها من الهيئات الرقابية.
وكان للرئيس صلاحية تعيين رئيس مجلس الدولة وتعيين النائبالعام، وكذلك تعيين رئيس مجلس الوزراء ونوابه وعزلهم، وتعيين الوزراء ونوابهم وعزلهم، وتعيين الموظفين المدنيين والعسكريين وعزلهم، والممثلين السياسيين وعزلهم على الوجه المبين فى القانون، واعتماد ممثلى الدول الأجنبية، والعفو عن العقوبة وتخفيفها، أما العفو الشامل فلا يكون إلا بإصدار قانون. وله كذلك حق تعيين عشرة أعضاء بمجلس الشعب وثلث أعضاء مجلس الشورى، ودعوة البرلمان للانعقاد وفضه، وأيضا حل البرلمان.
كما كان للرئيس- وفق دستور 1971- حق إصدار قرارات لها قوة القانون.
ومن صلاحياته أيضا إصدار لوائح الضبط، وحق إصدار القرارات اللازمة لإنشاء وتنظيم المرافق والمصالح العامة، كما أن له حق إعلان حالة الطوارئ وفق القانون، ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس الشعب، الذى كان يسيطر عليه الحزب الذى يتزعمه الرئيس.
أما فى دستور 2012 فقد تضمن الدستور الجديد تحديد صلاحيات رئيس الجمهورية، وهى على النحو التالى: الرئيس فى هذا الدستور لا يحق له الترشح لفترة رئاسية أخرى إلا مرة واحدة غير قابلة للتجديد تحت أى سبب! بينما فى دستور 71 كان يترشح لمدد لا محدودة.
الرئيس فى هذا الدستور لا ينفرد بتعيين رؤساء الأجهزة الرقابية بل لابد من موافقة البرلمان، بينما فى دستور 71 هو الوحيد الذى يعين من يراقبه.
الرئيس فى هذا الدستور لا ينفرد بتعيين رئيس الوزراء، بل لابد من موافقة البرلمان. وهذا الحق ممنوح للرئيس الآن وفى دستور 71 الرئيس فى هذا الدستور لا يملك حل البرلمان إلا باستفتاء شعبى على ألا يكون ذلك أول سنة من عمل البرلمان.. وإذا رفض الشعب حل البرلمان يستقيل الرئيس! وهذا طبعا غير موجود فى دستور 71.
الرئيس فى هذا الدستور لا يعين النائب العام ولا أعضاء الهيئات القضائية وإنما تختارهم هيئاتهم ويصدر هو القرار فقط. وهذا الحق ممنوح للرئيس الآن وفى دستور 71 الرئيس فىهذا الدستور لا يملك حق التشريع تحت أى ظرف، فالتشريع حق أصيل وحصرى للبرلمان فقط. وهذا الحق ممنوح للرئيس الآن وفى دستور 71.
وبين هذا وذاك حاولنا الإجابة على السؤال المهم.. كيف لا يكون الرئيس القادم لمصر ديكتاتورا مدنيا أو دينيا تحت غطاء دستورى؟
الدكتور رأفت فودة أستاذ القانون الدستورى رد علينا: لا يوجد رئيس ديكتاتور فى أى دولة من دول العالم المتحضر، لأنه لا يوجد تغول على سلطات الدولة كما يحدث فى مصر أو دول العالم الثالث، ويجب أن يصدر دستور ديموقراطى محترم لأن الديكتاتورية تأتى من الدستور من خلال استخدام ألفاظ تحمل معنى فضفاضا وتحمل عدة معان وتقف بين الديموقراطية والديكتاتورية، وبالتالى يأخذ الرئيس المعنى الأقرب إلى الديكتاتورية.
كما أن الفرق بين الديموقراطية والديكتاتورية هو شعرة، وبالتالى هذه الشعرة الفاصلة توجد فى النصوص الدستورية وهنا نصبح تحت ديكتاتوريةدستورية لها غطاء قانونى مثل ما يحدث فى الدول ذات النظام الملكى.
فودة أضاف: يجب أن نستخرج الفقرات الموجودة فى الدستور التى يستطيع الرئيس من خلالها أن ينفذ إلى ديكتاتوريته الدستورية.
وحتى نتلافى أخطاء دستور 2012 علينا وضع دستور محكم من خلال لجنة محايدة وليس لجنة عبده مشتاق السابقة التى صاغت الدستور بينما لا يوجد فقهاء دستوريون حقيقيون وكانت اللجنة السابقة على هوى الإخوان، وبالتالى على اللجنة القادمة لصياغة الدستور ألا يكون أعضاؤها منتمين لأحزاب سياسية أو تيارات دينية وإن صحت النوايا لدى المشرع الدستورى فإنه سيخرج دستور خال من الكلمات المطاطة التى تحمل التأويل.
فودة أردف: دستور 2012 لم يكن مقوضا لصلاحيات الرئيس فى دستور 71 كما يردد البعض ولكن ما حدث أن اللجنة التى قامت بصياغته قامت بتوزيع أدوار الرئيس على جميع الأبواب الأخرى فى الدستور من أجل تقليلها فى بابصلاحيات الرئيس، وبالتالى يسهل على الشعب أن يصدق تلك الأكذوبة وقد صدقهم البعض فعلا!
أما د.ربيع فتح الباب أستاذ القانون الدستورى فقال: المشهد معقد تعقيدا بالغا ولا يقتصر الأمر فى دستور وصلاحيات الرئيس ولكن الأمر يرتبط بالمقام الأول عنصر الشعب المصرى الذى يجب عليه أن يملك قراره ولا يؤثر أحد على قراره سواء الإعلام أو التدخلات الأجنبية وأعتقد أننا سنقف بعد عدة أشهر لنقول: ماذا حدث لمصر خلال العام الماضى! والأزمة ليست أزمة تشكيل لجنة تأسيسية، وإنما أزمة وعى شعبى واختيار حقيقى للرئيس القادم.