شتان بين النهضة الثقافية التى شهدتها مصر بعد ثورة يوليو على يد الأديب ثروت عكاشة «وزير الثقافة والإرشاد» والنكسة التى نعيشها الآن بعد أن اختار د. علاء عبدالعزيز وزير ثقافة «مكتب الإرشاد» الطريق الصعب بالدخول فى مواجهة مع المثقفين نتائجها ستكون وخيمة على الثقافة المصرية العريقة. الوزيران كانا ابنى المرحلة بكل تفاصيلها الأول صاحب إنتاج أدبى وموسوعى رفيع ونظرة واسعة عرفت (مصر) فى عهده المؤتمرات الثقافية والمعاهد الفنية المتخصصة والمهرجانات الفنية والثقافية ومعرض القاهرة للكتاب، فضلا عن مشروعاته العملاقة لإنقاذ التراث والآثار المصرية وفتح نوافذ لمصر على ثقافات العالم.. أما الثانى فقد دخل فى معارك صاخبة مع المثقفين حاملا الأختام والأجندات الإخوانية وتضييق الخناق عليهم وتقييد حرياتهم مع غلق نوافذ الإبداع وهو ما حذرنا منه فور حمله الحقيبة الثقافية.. وما توقعنا بعد حدث إظهار العين الحمراء لدار الأوبرا ،والضحية كانت رئيسته د إيناس عبدالدايم وبدون وجه حق وصمته الغريب عن الهجوم المخطط على فنون رفيعة مثل ( الباليه ) بعد أن أشهر طيور الظلام أسلحتهم حوله وما خفى كان أعظم .وزير ثورة يوليو كان أديبا عسكريا، ولكنه مرهف الحس أسس نهضة ثقافية فى فترة الستينيات أسفرت عن مولد مبدعين لم تعرف الثقافة المصرية مثلهم حتى الآن. أما وزير ثقافة مكتب الإرشاد فهو مونتير سينمائى جاء لقصقصة الإبداع واختزاله لمصلحة فكر الجماعة. ( عكاشة ) كان ابن المؤسسة العسكرية والثورة المصرية ولكنه تمرد عليها لمصلحة الثقافة المصرية ورفض مغالات قيادة الثورة فى ترسيخ الدعوة للقومية العربية بينما كان هو سبق بمصر بالانفتاح على الثقافات العالمية والرهان على الثقافة المصرية وقدرتها على هضم وابتلاع الثقافات الأخرى باعتبار مصر رمزا للحضارات الإنسانية. د. عبدالعزيز حمل مصباح علاء الدين الإخوانى، ليس فقط بنظرة ضيقة للفنون والآداب التى تمثل ذاكرة الشعوب لمحو إبداعاتها من الشخصية المصرية العريقة، بل لتجريد الوطن من مبدعيه وحصار قوته الناعمة فى معركة خاسرة بعد دخوله فى خصومة معهم، ولهذا لم يكن غريبا أن يقفوا أمامه فى مشهد نادر وغير مسبوق وقيام مجموعة من المبدعين المصريين فى مقدمتهم الكاتب الكبير بهاء طاهر والمخرج خالد يوسف والمنتج محمد العدل والشاعر سيد حجاب ونبيل الحلفاوى ومحمود قابيل وسامح الصريطى وهم يمثلون جناح الإبداع وجبهته وقاموا بتحرير وزارة الثقافة من وزيرها والاعتصام بمكتبه رافعين شعار الوزير لازم يمشى. وزارة الثقافة مثلها مثل معظم مؤسسات الدولة طالتها يد الفساد خلال ال 30 عاما الماضية، لكن إصلاح الفساد والقضاء عليه لن يحدث بإعلان الحرب على المبدعين وخنق المثقفين وقصقصة أجنحة الإبداع لتصفية حسابات شخصية وتنفيذ أجندات إخوانية.مصباح ( علاء الدين ) اختار الطريق الخطأ فى المكان والزمان الذى يخاصم الواقع المحتقن والشواهد تقول إنه الشرارة الأولى لليوم الموعود.