المؤلف: محمد أحمد خلف الله الناشر: سينا للنشر - مصر - 1999
صدر فى عام 1925 بعد إلغاء الخلافة العثمانية بعام واحد، وفى وقت كان يتنافس فيه بعض ملوك العرب ومنهم الملك فؤاد ملك مصر على لقب خليفة المسلمين، والمؤلف الشيخ على عبد الرازق من خريجى الأزهر ثم التحق بجامعة أوكسفورد البريطانية لدراسة الاقتصاد، وبعد عودته إلى مصر تم تعيينه قاضيا شرعيا فى محكمة المنصورة.
وعند صدور الكتاب ثارت ضجة بسبب آرائه الناقدة لفكرة الإسلام دين ودولة، وبيانه لموقف الإسلام من الخلافة، وإثباته من القرآن والسنة بأنه لا يوجد دليل على إقامة شكل معين للدولة فى الإسلام، أو أن النبى عليه الصلاة والسلام قد وضع لها تنظيما محددا، ومع ذلك تم اعتبار الخليفة وكأنه نائب للنبى ويستمد سلطانه من الله تعالى.
والكتاب يتكون من 3 أقسام، الأول عن الخلافة والإسلام، والثانى عن الحكومة والإسلام، والثالث عن الخلافة فى التاريخ، ويؤكد الكتاب أنه لا توجد إشارة للخلافة فى القرآن أو فى السنة النبوية، كما أنه لم يتم الإجماع عليها، مما أدى إلى إدانة المؤلف، ومحاكمته أمام هيئة كبار العلماء فى الأزهر بتهم أهمها نفيه العلاقة بين الشريعة الإسلامية والحكم.
وحكمت الهيئة بإخراجه من مجموعة العلماء، وتجريده من شهادته الأزهرية، وفصله من وظيفته كقاضٍ شرعى، ومصادرة الكتاب. قصة الكتاب فى عام 1947 قدم محمد أحمد خلف الله رسالة بعنوان «الفن القصصى فى القرآن الكريم» للحصول على درجة الدكتوراه، تحت إشراف الشيخ أمين الخولى.وكان خلف الله أحد تلامذة مدرسة التفسير الأدبى للنص القرآنى ولذلك كانت فكرة رسالته أن: «القرآن يجرى فى فنه البيانى على أساس ما كانت تعتقد العرب وتتخيل، لا على ما هو الحقيقة العقلية ولا على ما هو الواقع العملى». الكتاب يتكون من 4 أبواب، الأول عن المعانى والقيم التاريخية والدينية، والثانى عن الفن فى القصة القرآنية، والثالث عن مصادر القصص القرآنى، والرابع عن نفسية الرسول وقصص القرآن.أثار الكتاب قضايا منها أن قصص القرآن هى رموز يقدم الرسول من خلالها أمثلة لقومه تساعدهم على الإيمان، وأن القصة القرآنية هى ما يعرفه المعاصرون للنبى من تاريخ ولا يلزم أن تكون أحداثها تمثل الحق والواقع، ويرى الكاتب أن البحث لمعرفة الحدث التاريخى كما وقع فى الحقيقة ومخالفته للقصة القرآنية لا يمس القرآن بسوء. وأثارت الرسالة موجة من الرفض والاستنكار وتم اعتبار الكتاب من الكتب الأقرب إلى الهرطقة والزندقة، وشن الأزهر حملة على الكاتب والمشرف على الرسالة ومنع طبعها، مما اضطر خلف الله إلى أن يتقدم برسالة أخرى للحصول على درجة الدكتوراه.أحداث القصص القرآنى ليست حقيقية!تقوم فكرة الكتاب على دراسة القصص القرآنى من خلال قراءة غير تقليدية للقصة، وتقديم تفسير لمعانيها الدينية والتاريخية والاجتماعية والنفسية، ويرى خلف الله أن: «أخبار المرسلين أو أقاصيصهم لم ترد فى القرآن إلا على أساس أنها من الأمثال: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا..) التحريم10 ويستشهد «بقول للإمام محمد عبده»: «أن القصص جاءت فى القرآن لأجل الموعظة والاعتبار لا لبيان التاريخ ولا للاعتقاد بجزئيات الأخبار عند الغابرين. كما تناول قضية خلق القرآن والتى يرى البعض أن القرآن لم يخلق لأنه كلام الله وبالتالى فهو صالح لكل زمان ومكان، ويرى البعض الآخر أن القرآن مخلوق بمعنى أنه نص تاريخى يرتبط بزمان نزول الرسالة وبمكان الجزيرة العربية، وفى حديثه عن مصادر القصص القرآنى يقول: «ونحن إنما نبحث عن مصادر العناصر القصصية وهى عناصر من الوقائع البشرية التى يمكن معرفتها والوقوف عليها من غير طريق الرسل والأنبياء». ويقول: «إن القرآن كان يرد بعض أمثاله إلى مصادرها من التوراة والإنجيل: (..ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِى الإِنْجِيلِ..) الفتح 29 وقوله خطأ فالإنجيل ليس به قصص للأنبياء، والتوراة من خلال الأسلوب الروائى خلطت قصص الأنبياء بالرواية التاريخية، أما القصص القرآنى فيتضمن ما ذكرته التوراة مع اختلاف فى المنهج والتفصيلات، وبه ما لم تذكره التوراة من قصص الأنبياء العرب هود وصالح وشعيب عليهم السلام.ويرى الكاتب فى قراءته ضرورة تخليص النص الدينى من الأساطير واعتماد العقلانية فى فهمه.ويقول: «القصة هى العمل الأدبى الذى يكون نتيجة تخيل القاص لحوادث وقعت من بطلٍ لا وجود له، أو لبطل له وجود. وقد أخطأ خلف الله فى رأيه عن القصص القرآنى وهو كلام الله تعالى: (.. وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِى السَّبِيلَ) الأحزاب 4» فالله يقص الحق: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ..) الكهف 13» فالقص هو قطعة من الشىء ويدل عليه، فيلزم وجود أصل تقتص منه القصة، (وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ..) القصص 11ولم يقل «تتبعيه» لأن الأم تريد من الابنة معرفة خبر ابنها، فمن الخطأ اعتبار أن القصص القرآنى به خيال، ومن الخطأ فهم كلمة قصص على أنها أحداث مختلقة. فالقصص القرآنى الهدف منه التفكر والعبرة، لذلك فيه نماذج إنسانية مختلفة كما فى قصة النبى يوسف عليه السلام، مثل إخوته، وعزيز مصر وامرأته، والنساء المترفات فى المدينة، والشاهد على امرأة العزيز، وصاحبى يوسف فى السجن.ويصف تعالى المشاعر الحقيقية للشخصيات، مثل مشاعر كراهية إخوة يوسف له: (قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ..) فلم يقولوا «أخ لنا» بل قالوا (أَخٌ لَهُ). ويرى خلف الله أن القصة الواحدة فى القرآن لا تلتزم الصدق التاريخى: «بدليل التناقض فى رواية الخبر الواحد مثل أن البشرى بالغلام كانت لإبراهيم أو لامرأته»، والخبر هنا ليس فيه تناقض فقد تمت روايته لشخصين بدون اختلاف.وفى رأى خلف الله: «إن الإجابة عن الأسئلة التى كان يوجهها المشركون للنبى ليست تاريخية ولا واقعة، وإنما هى تصوير نفسى عن أحداث مضت أو أغرقت فى القدم، سواء كان ذلك الواقع متفقًا مع الحق والواقع، أو مخالفًا له». وقد أخطأ فى رأيه، فالنبى عليه الصلاة والسلام كان ينتظر نزول الوحى ليجيب من يسأله فى أمور الدين، وبالتالى كان ينتظر نزول الوحى ليجيب عن أمور ماضية، تبدأ ب (يَسْأَلُونَكَ) مع الإجابة بكلمة (قُلِ): (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِى الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا) الكهف 83».لقد صادرت المؤسسة الدينية أفكار على عبد الرازق وطه حسين، وعادت لمصادرة المحاولة فى قراءة القصص القرآنى، ولم يشفع لخلف الله تأكيد التزامه بالدين الإسلامى وسعيه فى التصدى للمستشرقين الذى حاولوا التشكيك بالقرآن وتقديمهم لقراءات تنفى عنه مصدره الإلهى.ومرة أخرى يتجدد الحلف بين السلطتين الدينية والسياسية فى محاربة رجال الفكر بدلاً من مناقشة أفكارهم، بل تقديمهم إلى المحاكمة ومصادرة كتاباتهم، وهو تحالف تحتاجه السلطات المستبدة لما يضمنه من مصالح مشتركة للطرفين.