قصة الكتاب عنوان الكتاب: فى الشعر الجاهلى. المؤلف: طه حسين الناشر: دار بترا - عمان - 2009
صدر فى عام 1926 واستخدم فيه طه حسين منهج الشك للفيلسوف ديكارت فى البحث عن حقائق الأشياء، وطه حسين من خريجى الأزهر، ثم التحق بالجامعة المصرية لدراسة التاريخ واللغات الشرقية حتى نال درجة الدكتوراه. وأوفدته الجامعة إلى فرنسا ونال درجة الدكتوراه الثانية، وبعد عودته إلى مصر تم تعيينه أستاذاً للتاريخ اليونانى فى الجامعة المصرية. الكتاب يتكون من 3 كتب أو أقسام، الأول تمهيد عن الشعر الجاهلى، والثانى عن أسباب انتحال الشعر، والثالث عن الشعر والشعراء، وقد استنتج أن أكثر الشعر الجاهلى منحول أى منسوب كذباً لقائله، وأنه كتب بعد الإسلام ونسب لشعراء ما قبل الإسلام، فاعترض عليه الأزهر وبعض الأدباء وكتبوا مقالات ضده. وتم تقديم طه حسين للمحاكمة بتهمة إهانة الإسلام، لكن تم الحكم ببراءته باعتبار أنه رأى أكاديمى لأستاذ جامعى ولا يوجد إجراء قانونى ضده لعدم توافر القصد الجنائى.
وفى نفس العام تمت مصادرة كتاب «فى الشعر الجاهلى»، كتابا بعنوان «فى الأدب الجاهلى» متضمناً نص الكتاب المصادر مع إعادة صياغة فصل «الشعر الجاهلى واللغة» وإضافة أقسام جديدة عن فنون الشعر والنثر الجاهلى. وقد تم تكريم طه حسين بحصوله على جائزة الدولة التقديرية فى الأدب عام 1959، وحصل على قلادة النيل عام .1965
تقوم فكرة كتاب د. طه حسين على البحث فى لغة الشعر الجاهلى وزمن كتابته، وعن حقيقة وجود الشعراء الجاهليين مثل امرؤ القيس وطرفة بن العبد.
التهم المنسوبة للكتاب تتلخص فى أن طه حسين أهان الإسلام بتكذيب القرآن فى قصصه عن النبيين إبراهيم وإسماعيل، وأن قريشا نشرت أساطير بين العرب حتى صارت معتقدات، وأكدها الإسلام لتحقيق مكاسب مادية أو معنوية مثل بناء النبيين إبراهيم وإسماعيل للكعبة، وأيضاً قوله بتأليف الأشعار فى عصر الإسلام ونسبتها إلى الجاهليين فيه إنكار لبلاغة العرب وإنكار الإعجاز القرآنى باعتباره نزل ليتحدى الشعر الجاهلى.
والتهمة الأخيرة خاطئة، لأن القرآن الكريم لم ينزل ليتحدى الشعر الجاهلى، ومع أنه جاء بما اعتاده العرب من بلاغة فى كلامهم، إلا أنه يوجد فرق بين أبيات الشعر الجاهلى التى ذكرت التوحيد والأنبياء ويوم الحساب مما لا يؤمنون به، وبين ما جاء فى القرآن من منهج متكامل عقيدة وشريعة، وأيضاً يوجد فرق بين توثيق القرآن الكريم وبين توثيق الشعر الجاهلى، فقضية نحل الشعر بمعنى كتابة أبيات ونسبتها لمشاهير الشعراء قضية معروفة فى الأدب العربى. ويبقى أن الأشعار التى توجد بها أبيات تتشابه مع ما ورد فى القرآن عن خلق السماوات والأرض وعن يوم الحساب وغيرها، أنه قد ثبت لبعض الباحثين من المستشرقين ومن العرب انتحالها وتأليفها بعد ظهور الإسلام ونسبتها لشعراء جاهليين. كما زعمت قريش أن القرآن قول شاعر: (وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تُؤْمِنُونَ «الحاقة 41» فالخطاب موجه لمن زعموا أن القرآن شعر وهم يعرفون أن النبى ليس بشاعر، وبالتالى فالقرآن ليس بشعر، والخطاب موجه للمؤمنين ليحذرهم من التعامل مع القرآن كتعاملهم مع الشعر، فالشعر وهم والقرآن واقع، والشعر كاذب والقرآن صادق، والشعر يتبعه الغاوون والقرآن يتبعه المؤمنون، وإلى الآن يتم خطأ اللجوء إلى الشعر فى تفسير القرآن. فالقرآن الكريم تحدى الناس جميعاً وليس الشعراء العرب فقط، ولذلك فالتحدى يشمل مواصفات كتابة الموضوع القرآنى، بأن تتم كتابة أى موضوع حسب الصياغة القرآنية، بمعنى أن تكون الصياغة فنية وبلاغية، مع عدم الحذف أو الإضافة أو التبديل لأى كلمة أو حرف وإلا اختلف المعنى، وأن يتضمن معلومات تتم معرفتها وفهمها بتقدم الزمن، وأن تكون الصياغة بطريقة يفهمها كل إنسان حسب إدراكه، هذه المواصفات هى التى تعطى للقرآن الكريم صفة التشابه أى نسبية الفهم الإنسانى للمطلق القرآنى. ومع أن كتاب «فى الشعر الجاهلى» يبحث فى موضوع الشعر والشعراء، إلا أن موضوعه تداخل وتعارض مع القصص القرآنى، حيث إنه يبحث عن دليل تاريخى على وجود النبيين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وقصة بنائهما للكعبة، وانتساب العرب المستعربة إليهما، وكون العرب واليهود أبناء عمومة. وأشار إلى أنه يستنكر تقسيم العرب إلى بائدة وعاربة ومستعربة، مما ينفى ضمنياً وجود عرب ينتسبون إلى النبى إسماعيل حسبما يراه طه حسين من ضمن الأسطورة، حيث يرى أن قريشا استخدمت الأقاويل المتوارثة ونشرت تلك الأسطورة لتعزيز مكانتها بين القبائل العربية، ولتجعل من مكة قبلة العرب الدينية والتجارية.
ولذلك تم تكفير طه حسين لقوله فى كتابه: «للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضاً، ولكن ورود هذين الاسمين فى التوراة والقرآن لا يكفى لإثبات وجودهما التاريخى، فضلاً عن إثبات هذه القضية التى تحدثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة ونشأة العرب المستعربة فيها، ونحن مضطرون إلى أن نرى فى هذه القصة نوعاً من الحيلة فى إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة، وبين الإسلام واليهود، والقرآن والتوراة من جهة أخرى». وقد أخطأ طه حسين فى ربطه بين تصديق القصص القرآنى وما تم اكتشافه من آثار وعلاقة ذلك بالتوراة، فالقصص القرآنى يختلف عن التوراة فى الهدف وفى التفاصيل، وفيه أيضاً قصص الأنبياء هود وصالح وشعيب عليهم السلام والذين لم تذكرهم التوراة لأنهم ليسوا من اليهود. فالله تعالى أمر بالسير فى الأرض ودراسة آثار الأمم التى هلكت بسبب كفرها للأخذ بالعبرة من قصصهم فى القرآن الكريم، وتبقى المشكلة فى أن بعض ما جاء ذكره فى القصص القرآنى لم يستدل عليه تاريخياً فى اكتشافات الآثار، ولذلك يتساءل من يشكك فى القصص القرآنى عن أدلة تؤكد وجود النبيين موسى ويوسف فى الآثار المكتشفة. مع أن عمليات الكشف والتنقيب عن الآثار لم تتم بشكل منهجى، ولم تتم مراجعة الآثار المكتشفة لمعرفة مدى حقيقة ارتباطها بالزمن الذى ترجع إليه، حتى يمكن بعد ذلك الحكم على وجود النبيين موسى ويوسف عليهما السلام تاريخياً. فقد ظهرا فى عصرين شهدا احتلالا واضطرابات، فالنبى يوسف عاش فى زمن احتلال الهكسوس لمصر، وبعد طرد الهكسوس حدث تدمير لآثار الاحتلال، ومنها ما كان يسجل وجود النبى يوسف فى مصر. والنبى موسى ارتبط وجوده فى مصر بمعارضته للفرعون والتى انتهت بهزيمة فرعون وجنوده بالغرق، مما يجعل من جاء بعده من الفراعنة يتجاهلون تسجيل معارضة الفرعون وهزيمته. كما أن القرآن الكريم أكد أن الله تعالى قد دمر ما بناه فرعون موسى من آثار، ولذلك لا يوجد أثر تاريخى يدل على ذلك العهد إلا ما جاء فى القرآن، قال تعالى: (.. وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ) «الأعراف 136»، مما يجعلنا حتى الآن غير متأكدين من شخصية فرعون موسى. لقد حاول طه حسين أن يؤسس لمدرسة جديدة فى الفكر العربى تقوم على الشك المعتمد على المناهج العلمية، واستخدم ذلك فى نقد ودراسة تاريخ الأدب العربى، ومع أنه كان يخطئ أحياناً مندفعاً بالرغبة فى البحث عن الحقيقة، فيؤدى ذلك إلى معارضة القصص القرآنى أو انتقاده لأعلام الأدب بأفكاره ومناهجه المنظمة، إلا أنه انتقد الجمود الفكرى القائم على التسليم بقبول التراث، مما أدى إلى تحريك المياه الراكدة فى الفكر العربى.