جارى الغلبان.. الذى يعانى الفلس والأزمة الاقتصادية.. فيمشى بجوار الحيط.. ويحسبها بالمليم.. ويستلف من طوب الأرض.. تبدلت أحواله فجأة.. فصار من أصحاب الشيكات.. وعرف سكة البنوك.. وارتدى الحرير والكشمير.. وتزين بالذهب والفضة.. واشترى سيارة آخر موديل.. ولم يكتف فتزوج على أم العيال.. وارتبط بعروس عصرية كراقصات الفيديو كليب.. وصار نجما من نجوم الفضائيات ومحطات الإذاعة والجرائد والمجلات!! سألته عن السبب.. فأجابنى ببساطة.. إنه التنجيم والتوقعات وحظك اليوم يفتح لك أبواب الرزق والسعادة والثروة الطائلة.. وقد افتتحت على الموضة مكتبا للتنجيم والتوقعات الفلكية.. وكنت أحسب المنجمين كاذبين ولو صدقوا.. لكن إقبال الجرائد والمحطات الفضائية عليهم.. حسم المسألة وأزال التردد.. وقد صرنا فرخة بكشك.. وهم يدفعون الشىء الفلانى للفوز بتوقعاتنا.. فى المناسبات الهامة.. ولا يجرؤ أحد على تجريمنا.. بتهمة الدجل والشعوذة.. لأننا لا نستخدم البخور.. ولا نعرف العفاريت لأنها أشياء عفى عليها الزمن.. وتجلب الفأل السيئ.. والأفضل أن تفتح مكتبا فى النور.. وتمارس فنون الدعاية والإعلان.. وترتدى الملابس العصرية.. لتقبل عليك الزبائن.. وتصبح نجما من نجوم المجتمع! قال صاحبى وقد لاحظ علامات الدهشة على وجهى: التنجيم ليس كيمياء ويحتاج فقط لتفتيح المخ.. ويتطلب الفهلوة والنصاحة.. ولو خابت توقعاتك لن يلومك أحد.. على اعتبار أنك مجرد منجم يقرأ الغيب.. أما لو صدقت إحدى التوقعات فسوف يرفعونك لمصاف العلماء.. وسوف تكسب فلوسا فشر رئيس التحرير شخصيا.. وعليك فى كل مناسبة أن ترسل بتوقعاتك للجرائد والمجلات.. التى سوف تنشرها على سبيل الدعاية والتسلية.. لكنها سوف تستعين بك لو صدق أحد التوقعات.. ولا تنس المنافسة الضارية بين محطات التليفزيون الفضائية.. التى سوف تدفع الشىء الفلانى فى مقابل احتكار جهودك التنجيمية.. والمسألة سهلة.. وقد اخترتك لتحل محلى كمنجم محلى فى أول الطريق.. لأننى أنوى السفر والهجرة لدولة أوروبية.. لأكون قريبا من استديوهات التليفزيون العربية.. التى تتخذ من عواصم أوروبا محلا مختارا لها. المسألة سهلة كما قلت.. وفى كل مناسبة اختر زعيما سياسيا ليودع الدنيا الفانية.. وابتعد عن سكة الأمراض.. فالزعماء لا يمرضون أبدا.. ولا يعرفون سكة الأطباء.. هل سمعت يوما عن زعيم يعانى الكحة أو الأنفلونزا.. هم يموتون فقط.. وفى توقعاتك اختر زعيما أو اثنين.. ومن المؤكد أن هناك زعيما سينفذ الوصية.. خصوصا أن معظمهم تجاوز تاريخ الصلاحية.. ولو لعبت البلية وتوكل الزعيم.. فسوف تدخل أبواب التاريخ.. لتكتب فى سيرتك الذاتية.. أنك تنبأت بموت فلان! قال لى صاحبى.. يعيد تأهيلى للمهمة الجديدة: نجوم السينما والفن مادة خصبة.. تلاقى النجاح والقبول.. وعليك فى توقعاتك التوفيق بين الرؤوس فى الحلال.. بين نجم شاب ونجمة لامعة.. ولا تنس الطلاق.. الذى هو عندهم أسهل من شكة الدبوس.. فتنبأ بحالتين أو ثلاث للطلاق بين النجوم!! قال صاحبى وهو يسلمنى مفاتيح المكتب.. استعدادا للإقلاع والسفر: أما الرياضة فمكسبها مضمون.. وكل شىء فيها مكشوف.. ونحن شعوب لا نكسب أبدا على أرض الواقع.. فتوقع مزيدا من الهزائم والانكسارات وسوف تكسب أموالا طائلة فشر رئيس التحرير.. شخصيا!!