اقتربت السيدة الثلاثينية من أم أحمد.. أعطتها مسبحة صغيرة من الودع، همهمت بعض الكلمات ثم أعطتها لقارئة الودع. دقات قلبها تكاد تختلط بأصوات السيارات المهرولة، فرائصها ترتعد، تجمدت أطرافها من الخوف، الخوف من المستقبل الذى تتطلع لسبر أغواره. دست السيدة خمسة جنيهات فى يد أم أحمد: «قلبك أبيض ونيتك صافية.. لكن قضيت ثلاثة أشهر فى كرب لأن هناك سيدتين، أحدهما كالحرباء تريد إيذاءك»، تصمت أم أحمد ثم تستطرد: «ارمى بياضك أكثر، أقولك أسماء العدوين. لا تتردى، لماذا تبخلين على نفسك وعلى حياتك، هذه عشرين جنيها.. اشترى بها نفسك». فتحت السيدة حقيبتها لتبحث عن نقود فلم تجد فهى قادمة من السوق بعد أن أنفقت كل ما لديها. أضافت أم أحمد: «قرشك دائما طاير ولا يمكث فى جيبك؟ أخبرينى جيدا، محمد قريب منك ولا بعيد؟ وأحمد؟» تراجعت السيدة إلى الوراء، كادت تسقط مغشيا عليها لأن محمد ابنها، خافت أن يصيبه مكروها. على الرصيف المواجه لأحد مطاعم الوجبات السريعة بشارع عباس العقاد بمدينة نصر، يبدو وجه خضراء وأم أحمد مألوفا للكثيرين من المارة، فهما فلاحتان نازحتان من قرى الشرقية، ورثتا فنون قراءة الودع والكف عن أسرتيهما. وبعد أن قدمتا إلى العاصمة قررتا استثمار هذا الميراث من أجل كسب لقمة العيش. اختيارهما مكان العمل لم يكن وليد الصدفة، فشارع عباس العقاد معروف بسمعته التجارية بالإضافة إلى أن كثيرين من قاطنى المنطقة قد سافروا يوما للعمل فى الدول النفطية. الثنائى قسم العمل بشكل منظم، فخضراء تتولى قراءة الكف وأم أحمد تتولى شئون الودع، ولا تكفان عن التجوال فى أرجاء الشارع لعرض خدماتهما على الزبائن. وأحيانا يضطرهم الأمر للاندساس بين العشاق لكى يطمئنوا الفتاة إلى أن الشاب سوف يتزوجها وأنه لا يخدعها أو يتلاعب بمشاعرها. رغم لعبة القط والفأر التى تمارسانها يوميا مع الشرطة، فقد استطاعت السيدتان بعلاقتهما الوطيدة «بالسياس» المنتشرين بالشارع أن ينعما بقسط من الأمان فعملهما، مزدهر منذ أكثر من خمس سنوات. تشير أرقام دراسة أجراها المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية إلى أن المصريين ينفقون قرابة 10 مليارات جنيه سنويا على أعمال السحر والتنجيم. ويقول أحمد، مسئول إنتاج فى إحدى الفضائيات التى تقدم فقرة فى نهاية الأسبوع عن التنجيم وعلم الأبراج: «الإعلام يسعى إلى تلبية ما يريده الناس، قد لا توجد دراسات عن حجم المشاهدة، التى تحظى بها هذه النوعية من البرامج لكن هناك ثمة مؤشرات، فخلال تقديم هذه الفقرة يصل عدد رسائل المحمول إلى أكثر من 500، بينما تصل الرسائل الإلكترونية إلى المائتين». من ناحية أخرى، رغم أن حجم الأمية فى المجتمع المصرى يصل إلى 26%، تسجل كتب الأبراج أرقام توزيع عالية علما بأن كتاب المنجمة ماجى فرح وهو الأكثر مبيعا يقدر ثمنه ب150 جنيها. (باعت مكتبات الشروق العام الماضى نحو 300 نسخة من كتاب ماجى فرح، تبعه كتاب لبنانية أخرى وهى كارمن نحو 250 نسخة، ثم جومانا 200 نسخة، أما المصرية الوحيدة التى دخلت المنافسة فهى هالة عمر بموسوعة الأبراج التى حققت نحو 250 نسخة). وقد لا يختلف الأمر كثيرا على مستوى الوطن العربى فقد نشرت جريدة الشرق الأوسط اللندنية فى العام الماضى استطلاعا للرأى على مستوى العالم العربى تبين من خلاله أن 70% من الشباب يؤمنون بعلم الأبراج والتنجيم، بل إنهم قاموا بالفعل بزيارة واحدة على الأقل لأحد المنجمين. أثار ذلك الرقم حفيظة بعض النشطاء، الذين طالبوا بمقاطعة البرامج والقنوات التى تعتمد على أسلوب التنجيم وقراءة الفنجان. ودراسة أخرى نشرتها أستاذة علم الاجتماع الدكتورة سامية خضر رشحت قرية طناح (150 كم شمال القاهرة)، لتكون الأولى فى مصر على مستوى التنجيم، حيث يوجد بها أغلى منجم وهو الشيخ إبراهيم الذى تبلغ استشارته أكثر من ألف دولار. المشاهير والأبراج الخوف من المستقبل خلق سوقا رائجة للتنجيم فى مصر، لا تقتصر فقط على الطبقات ذات المستوى الثقافى المحدود، فقرابة 38 فى المائة من نجوم الفن والسياسة والرياضة يعتقدون بتنبؤات المنجمين وفقا لدراسة الدكتورة سامية خضر. «لماذا لا أعتقد فى ذلك فى حين أن هناك خمسة آلاف يمارسون مهنة التنجيم وعلم الأبراج فى فرنسا، كما تصدر أكثر من ست مجلات شهرية متخصصة فى عالم الروح ورصد الأبراج وأكثرها رواجا مجلة العالم الآخر»، هكذا تقول سميرة كاتبة صحفية مولعة بالتنجيم. فهى لم تتوان عن إنفاق أكثر من مائة جنيه لكى تجرب قراءة المناديل الورقية واستقبلت فى منزلها سيدة اشتهرت بذلك بعد أن سمعت عنها من الأصدقاء. وتروى: «ذكرت لورى سبنسر فى كتاب «ليل العنكبوت»، الذى صدر فى الولاياتالمتحدة أن ستالين قبل اتخاذ قرارات سياسية والعسكرية مهمة كان يستشير المنجمين، وكذلك كان يفعل جيمى كارتر المعروف بتدينه، إذ نصحه يوما أحد العرافين بعدم ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية فلم يعبأ بكلامه إلى أن جاء ريجان وظفر بالبيت الأبيض. أما هتلر فقيل إنه كان يلجأ إلى علم الفلك قبل خوض معاركه السياسية والعسكرية، الأمر الذى دفع بتشرشل إلى تأسيس مركز للفلك بوزارة الدفاع البريطانية ليستعين بالنجوم ضد عدوه اللدود هتلر. إذا كان صناع التاريخ كانوا يعتقدون فى التنجيم فلماذا لا أجرب بدورى للتعرف على مصيرى؟». لا يقف الأمر عند هذا الحد، فمع التعثر الاقتصادى الذى شهده العالم خلال السنة الماضية انتعش ما يسمى ب«التنجيم المالى»، خاصة فى بعض الدول العربية. وهو ما كتب عنه على شبكة الإنترنت الدكتور ناصر المعلم تحت عنوان «التنجيم المالى حقيقة أم خيال». ويوضح فيه: «استجابت الدوائر الفلكية التى تتحرك فى إطارها الكواكب بشكل إيجابى والتى هى فى خدمة الأسهم، وتركت بصماتها بوضوح ابتداء من سوق دبى المالية مرورا بطوكيو إلى نيويورك، ولغرض معرفة المستقبل المالى للمستثمر يجب فحص البيوت الخاصة به لحظة ولادته على الخارطة الفلكية، وكذلك وضعية كوكب المشترى المسئول عن الحظ السعيد المطلق، خصوصا فى مجال المال، احذروا كوكب المريخ، فإن حركته تترافق دائما مع هبوط أسعار الأسهم، أما إذا اقترب كوكب المشترى من زحل، فإن الأسهم سترتفع، إنه سهمك فى الشركة أرى سعره يرتفع، البورصة تتّقدم وأنت الرابح الأكيد، وبكلمات أخرى إذا كنت تملك 100 ألف سهم فى شركة ما، مثلا وأمامك خياران، إمّا أن تبيع هذه الأسهم فى اليوم نفسه أو تضاعفها لتبيعها فى الأسبوع التالى، فإن علم الفلك المالى سيكشف لك عن التوقيت المناسب للبيع أو الشراء». تتعارض هذه النظرة مع تصاعد المد الدينى فى المجتمع المصرى، فعلى الرصيف الذى تزاول عليه خضراء وأم احمد عملهما، قد يتدخل أحد المارة لكى ينصحك أن صلاتك قد لا تقبل لمدة أربعين يوما أو يردد عليك: «كذب المنجمون ولو صدقوا». يرى الدكتور محمد الراعى أستاذ الشريعة أن الإسلام جاء بأفضل من كل ذلك كله. فقد دعا الرسول الكريم إلى التفاؤل، بل إن صلاة الاستخارة من أفضل الوسائل التى تساعد الإنسان على الاختيار والمفاضلة بين الأمور المستقبلية من أجل إغلاق هذه الأبواب، التى من شأنها استغلال الناس، على حد تعبيره. ورغم المحاربة الدينية لا يترك المنجمين الساحة، فإن البعض يقاتل بضراوة حتى لا تموت المهنة. يقول الفلكى س.ش. «أنا متعجب من هذا الهجوم على مهنة التنجيم فى مصر بينما كان المصريون أول من برعوا فى هذا العلم». يطرح الفلكى تساؤله هذا ويضيف: «فى القرن التاسع عشر، اكتشف علماء الآثار فتحة فى غرفة الملكات صممت خصيصا ليتخللها ضوء نجم معين فى وقت معين فيحافظ على الجثمان من التلف، كما أنه ثبت فلكيا أن بناء الأهرامات كان فى لحظة ما يكون فيها نجم يدعى الشعرى اليمانية قريبا جدا من الأرض. وأكثر من ذلك ألم يسأل أحد نفسه: ما السبب فى إطلاق اسم الفلكى على أحد شوارع القاهرة؟»، ثم يوضح أن الشارع سمى نسبة للشيخ حسين الزرقاوى، الذى أرسله محمد على لدراسة الفلك فى فرنسا، وكان يعتقد فى تنبؤاته. ويسعى بعد ذلك إلى دعم رأيه بصبغة دينية: «ألم يرد فى القرآن فى سورة الواقعة «فلا أقسم بمواقع النجوم»؟ بل ألم يتنبأ كهنة فرعون بميلاد طفل يسلب منه الحكم؟. كما ذكر فى القرآن أن سيدنا إبراهيم نظر فى السماء ليعرف أنه مريض، كما أن الكتاب المقدس قد ذكر أيضا أن المجوس قد علموا بمولد المسيح بعدما سطع نجم فى السماء»، لكن ما يؤرق الفلكى هو أن هناك دخلاء كثيرين على المهنة أضفوا عليها صفة النصب ويطرح مقياسا لكشف مصداقية المنجم. «يجب أن نقارن مدى صحة ما يقوله مع ما حدث كل عام، المشكلة أن الناس تنسى ولا تأخذ الأمور على محمل الجد». ثم يسرد بعض التنبؤات التى توقعها مع مطلع العام الفائت سواء قضايا الرأى العام التى أثارت بلبلة كقضية سوزان تميم أو تعرض مصر لمؤامرة فى شهر سبتمبر، مشيرا إلى انتخابات اليونسكو أو حتى انتشار أمراض لها علاقة بالحيوان! بدون طالع وبخلاف من يحاولون إضفاء صبغة دينية على الموضوع، هناك آخرون يرغبون فى أن يوصد باب قراءة الطالع. «لكل منجم مدرسته ونظريته»، هكذا تقول نجوما الانجليزية. بعد دراسة لعلم الفلك استغرقت أكثر من عشرين عاما بل ورحلات حول العالم، استقر بها الأمر فى إحدى عوامات الكيت كات. هنا اختارت نجوما تمضية عامين من الراحة بعد رحلة عمل شاقة، فهى ما زالت تتلمس خطواتها الأولى نحو زبائنها فى مصر، وتعتقد أن قراءة الطالع غير مفيدة للناس لأنها قد تقتل لديهم ملكة الابتكار بل وتجعلهم أكثر تواكلا. وتوضح: «الإنسان يصبح عبدا لما قيل له، فإما ينتظر الكارثة أو لا يعمل لأنه يعتقد أن العائد سيأتيه دون كد». لهذه الأسباب تعتمد نجوما فى عملها على دراسة جوانب الشخصية من خلال حسابات مواقع النجوم طبقا لتاريخ وسنة وساعة ومكان ميلاد الشخص. وبناء على ذلك تقوم بتحديد جوانب الضعف والقوة لكل شخص وتسعى بالتالى لكى تساعده على تنمية قدراته من خلال جلسات ذات طابع نفسى. وإذا كان سعر الجلسة فى انجلترا يصل إلى 75 جنيها إسترلينيا، فنجوما التى تكتب اليوم مقالات فى إحدى المطبوعات بالانجليزية لم تحدد بعد سعرا لخدماتها فى مصر، مؤكدة أنها ستقدم خدماتها بالمجان لغير القادرين. وهى الآن بصدد تصميم موقعها الخاص على شبكة المعلومات الدولية بل وتستقبل على موقع «سكيب» مكالمات من جميع أنحاء العالم للراغبين فى استشارة.