الثورة إكلينيكيا لم تكتمل والجماعات الإسلامية تربعت على كرسى الحكم. المشهد المرتبك والمتوتر الذى يعيشه المصريون الآن وروح الميدان التى تحلق فى سماء التحرير وميادين مصرهذه الأجواء هى نفسها موضوعات الأفلام التى سوف نشاهدها قريباً والتى تدخل فى مواجهة مع سينما النهضة التى أعلنت عن نفسها مؤخُرا، وتمثل بنداً فى مشروع النهضة الذى لم يتحقق على أرض الواقع .. حيث يقوم أكثر من كاتب ومخرج حاليا بكتابة سيناريوهات أو التحضير لتصوير مجموعة من الأعمال السينمائية التى تقترب أو تحاول الاقتراب من تجسيد الحالة التى نحيا فيها الآن.
المخرج «أحمد عاطف» يبدأ بعد أيام تصوير مشاهد فيلمه «قبل الربيع» الذى كتب له السيناريو ويقوم ببطولته «أحمد وفيق» و«كوكى» وهى الشقيقة الصغرى لروبى الفيلم يتناول تفاصيل ال 60 يوما السابقة لثورة 25 يناير من خلال التركيز على المدونين أو الناشطين الإلكترونيين كما يطلق عليهم، والذين كانوا السبب وراء إشعال فتيل الثورة من خلال مدوناتهم على الإنترنت أو صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعى. ويؤكد عاطف أن الفيلم دقيق جدا وهو نوع من التأريخ والتوثيق لواحد من أهم الأحداث التى شهدتها مصر وهى ثورة يناير ولذلك حرص على عدم العبث بهذا التاريخ أو إعطاء أدوار وهمية لشخصيات لم يكن لها دور من الأساس. عاطف قال أيضا إنه استلهم الفيلم من شخصيات حقيقية هم الثوار الأصليون الذين دعوا وشحنوا الناس لهذه الثورة ويحاول بهم رد الاعتبار لهم بعد محاولات التشويه التى يتعرضون لها الآن. يذكر أن «قبل الربيع» من الأفلام التى فازت بدعم وزارة الثقافة وعلى الرغم من أنه فيلم روائى إلا أنه يعنى بالتوثيق للساعات التى سبقت انطلاق الثورة وهو ما قدم من قبل فى عدد من الأفلام الوثائقية والتى يقول المخرج «أحمد عاطف» أنه شاهدها، لكنه يؤكد أن السينما الروائية القادرة على المزج بين الواقع والخيال هى الأكثر تأثيرا على وجدان ومشاعر المتلقين ويعلق على الرأى القائل أن الأفضل أن تنتهى الثورة حتى يتم تناولها فى السينما. إنه ضد هذا الرأى لأن هناك جوانب عديدة فى الثورة مغلقة ومجهولة ويجب تناولها فى الأفلام السينمائية التى هى الأقدر على التعبير عنها أكثر من البرامج.
أما المخرج «مجدى أحمد على» الذى اقترب دائما فى أفلامه السابقة من الأصوليين أو المتأسلمين. فلاشك أنه يعد من أكثر المخرجين الذين حاولوا كشف عورات هؤلاء وتطرفهم المفرط ومحاولتهم السيطرة على الآخر مستخدمين هذه السلطة الدينية التى لم يمنحها لهم أحد بل منحوها هم لأنفسهم. وفى فيلمه القادم الذى يقوم بكتابة السيناريو له حاليا «الدنيا أحلى من الجنة» يقترب «مجدى أحمد على» ويرصد كل هؤلاء مستعينا بمذكرات نشرت قبل عدة سنوات ل «خالد البرى» تحمل نفس العنوان بالإضافة لعنوان آخر فرعى هو «سيرة أصولى مصرى».
الكتاب يتناول سيرة حياة أحد الشباب الذين تعلقوا بالجماعات الإسلامية وانضموا لها ثم تركها فى فترة التسعينيات.
لكن ما وصل إليه هؤلاء الأصوليون الآن هل كان شىء متوقعا فى التسعينيات ؟. الرد جاء بالإيجاب على لسان «مجدى أحمد على» والذى أضاف تحمست لتقديم هذا الفيلم لأنه يظهر أصول هذا الفكر المتطرف ومن أين جاء بالإضافة لما يشبهه «على» بأنه كوميديا لأن من يتحدثون عن الديمقراطية اليوم هم فى الأصل قتلة ولصوص استباحوا وأحلوا لأنفسهم إرهاب الناس، وخاصة الأقباط لذلك فالفيلم لن يعنى بتأريخ فترة معينة بقدر ما يعنى بإظهار أصل هؤلاء خاصة بعد ظهور مثل هذا الكتاب وكتب أخرى عديدة كشفت عن أسرار لم نكن نعلم عنها شيئا.. أوشك «مجدى أحمد على» على الانتهاء من كتابة السيناريو. أما عن مشروعه عن الثورة وهو فيلم «الميدان» فيقول: «لقد كنت متصورا أن نهاية فيلم «الميدان» ستكون بسقوط مبارك ولكن الأحداث تجاوزت ذلك وإذا صنعته بهذا التصور الأول له أشعر أنه سيبدو فيلما قديما لذلك أقوم بتحديثه من وقت لآخر حتى يتلاءم مع الأحداث».
وعن الوضع الحالى لمصر يرسم السيناريست «طارق عبدالجليل» ملخص ما يحدث فى الشارع المصرى من بلطجة عامة يمارسها بعض المصريين، فى فيلمه «أدى دقنى أهى» قال عبدالجليل: «الفيلم يعنى بحالة البلطجة أو استخدام العنف فى فرض الأشياء والتى أصبحت تمارس من أبسط مواطن وحتى رئيس الجمهورية، الجميع يستخدم البلطجة من أجل مصلحته الشخصية وكأنهم اتفقوا على قتل هذا البلد.. وهذا ما يجعلنى أرى القادم أسودا وأسوأ».. ويرى «عبدالجليل» أن الأزمة الاقتصادية هى السبب وراء هذه الحالة التى نعيشها ويتصور أنه لو كانت الأحوال الاقتصادية جيدة والدولة قادرة على توفير احتياجات المواطن حتى وإن كانت البسيطة منها لم يكن أحد ليهتم بما يطالب به الصفوة من حرية وعدالة ودستور.. فهذه أشياء لا تهم المواطن العادى الذى يسعى وراء لقمة عيشه فقط.
«طارق عبدالجليل» الذى خرجت كلماته محقونة بالتشاؤم من المستقبل بسبب ما يراه من كل من حوله أضاف: «أنا لا أنتمى لأى حزب أو جماعة، بل أنتمى فقط لهذا البلد الذى أراه ينهار وللأسف كل أبنائه أنانيون وسيئون لا يفكرون إلا فى مصالحهم الشخصية فلا جبهة الإنقاذ ولا الإخوان المسلمين الذين أرى أنهم لا يعرفون شيئا عن الحكم ولا عن إدارة البلاد وكل ما يريدونه هو الاستحواذ فقط حتى إنهم لا يعودون إلى سيرة الرسول الكريم ليتعلموا منها أبسط الأشياء وهى المشاركة والتعاون فنجد مثلاً «جمال حشمت» يصرح بأن يتم إقالة رئيس الوزراء ليكون «محمد مرسى» رئيسًا للوزراء!!
أتصور- والكلام لعبدالجليل- أن الثوار الحقيقيين الذين قاموا بالثورة لا يظهرون فى الإعلام بل يمارسون حياتهم الآن ويصنعون فيلم «أدى دقنى أهى» الذى يدور حول رجل متوسط الحال يتعرض لأزمات مادية ومشاكل عديدة فى حياته بعد الثورة.
وبخلاف كل ما تتحدث الثورة عن نفسها من خلال رواية خوسية ساراماجو الشهيرة «كل الأسماء» وهى الرواية التى ينوى المؤلف والمخرج «أحمد ماهر» تحويلها إلى عمل سينمائى سوف يقوم ببطولته «خالد أبو النجا».. الرواية التى حسب ما قاله لنا ماهر أيضا أنه يريد تقديمها منذ 12 عامًا والتى تدور حول رجل يعمل بالسجل المدنى، يصاب فيها البطل بهوس تعقب امرأة مجهولة الهوية ولكن الفيلم يأتى فى صورة مختلفة بعض الشىء ومتناسبة مع الواقع المصرى، فالأحداث تقع فى مدينة الإسكندرية فى فترة قيام ثورة 25 يناير، ولكن «أحمد ماهر» يؤكد: «أن الثورة ليست هى الأساس فى الفيلم ولكنها موجودة فى خلفية الأحداث، نشعر بأجوائها، ونشم رائحة دم الشهداء.. بل نشعر بهم كثيرًا لأننا نتعامل مع بطل وظيفته هى تسجيل الوفيات».. سألنا «أحمد ماهر» وهل سيكون هناك دور للإخوان؟
فأجاب: «وهل كان هناك دور للإخوان فى الثورة»؟.. ثم أضاف: «سوف أتعامل مع الإخوان فى سيناريو خاص بهم سأعود فيه إلى تاريخهم فى استخدام العنف دون الانتباه للحديث عن شخصياتهم فلن أقدم فيلما عن سيرة رجالهم مثل حسن البنا أو سيد قطب لأنهما لا يستحقان ذلك، ولكن سأكتب فيلمًا عن جذور وبذور العنف عند الإخوان بدءًا من الثلاثينيات والأربعينيات.. سوف أحكى عن هذه المنشأة المتصدعة التى تسمى الإخوان المسلمين التى أتصور أنها ستسقط بضغطة واحدة لكن القوى السياسية غير قادرة على التعامل مع الموقف وتنهى الأمر لذلك سوف يقضون هم- أى الإخوان- على أنفسهم بأنفسهم».
المتوقع بعد أى ثورة أن تظهر الكثير من الأعمال السينمائية والفنية عامة، وسوف تشهد الأيام القادمة مولد أكثر من عمل سينمائى يفتح ملف الثورة التى لم تتم فى ظل انصراف السينمائيين عن تقديم أعمال عن هذه الثورة وقليل منهم من يفكر فى التعامل معها فنيًا، لذلك ظهرت أفلام روائية قليلة عن الثورة أو «نصف الثورة».