من قلب القاهرة التى لم تغب يومًا عن مُعادلة السلام في الشرق الأوسط، تعود مصر لتتقدم الصفوف كعادتها، وهى تتهيأ لاحتضان مؤتمر دولي جديد يفتح صفحة «اليوم التالي» في غزة، فبعد أيامٍ من توقيع اتفاق شرم الشيخ التاريخى لوقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، تحركت القاهرة بسرعة البرق لتترجم الاتفاق من الورق إلى الواقع؛ حيث فُتح معبر رفح على مصراعيه للمُساعدات الإنسانية والغذائية والطبية، ودخلت إلى القطاع أكثر من 10 آلاف شاحنة مصرية خلال أسابيع قليلة، تحمل على متنها مواد الإغاثة وإمدادات الوقود والمستشفيات الميدانية، في أكبر جسر دعم عربي منذ بدء الحرب قبل عامين. ◄ سياسيون: اختبار حقيقي لصدق التزامات العالم تجاه فلسطين ◄ خبراء: الدور المصري سيكون محوريًا في التنسيق والإشراف على الإعمار لم تكتفِ مصر بدور الممر الآمن، بل شرعت فورًا فى تهيئة مسار سياسى وتنموى مُتكامل يقود إلى إعادة إعمار غزة ضمن خطة «التعافى المُبكر»، لتكون القاهرة مُجددًا منصة الحوار والإنقاذ، ومع إعلانها تنظيم مؤتمر دولى لإعادة الإعمار فى نوفمبر المُقبل، بحضور واسع من الدول المانحة والمُنظمات الدولية، بدا واضحًا أن مصر تُراهن على تحويل صمودها الإنسانى والدبلوماسى لمشروع استقرار إقليمى طويل المدى، يضع غزة على طريق البناء بعد سنواتٍ من الدمار. تتجه الأنظار إلى مصر، التى أصبحت مركز الثقل فى كل ما يتصل بالقضية الفلسطينية، من وقف الحرب إلى بناء السلام، وبينما تتدفق المُساعدات عبر معبر رفح وتُجرى الاتصالات مع العواصم الكبرى لتأمين التمويل، يعلو السؤال الأهم: هل ينجح مؤتمر القاهرة فى تدشين مرحلة جديدة من الإعمار والتنمية تعيد الحياة إلى غزة وتُعيد معها الأمل إلى المنطقة بأسرها؟! الرئيس عبدالفتاح السيسي كلف رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى بالتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدنى والجهات المعنية بالدولة لدراسة إنشاء آلية وطنية لجمع مُساهمات وتبرعات المواطنين فى إطار تمويل عملية إعادة إعمار غزة، داعيًا، خلال كلمته بالندوة التثقيفية 42 للقوات المسلحة، المصريين للمُساهمة الفاعلة بجهود إعمار غزة تعبيرًا عن التضامن والمسئولية والمحبة تجاه الأشقاء الفلسطينيين، مُشيرًا إلى أن مصر ستستضيف مؤتمرًا دوليًا لإعادة إعمار القطاع خلال نوفمبر المُقبل، مُستعرضًا جهود مصر على مدار العامين الماضيين لوقف الحرب بالقطاع وإدخال المُساعدات الإنسانية، وإطلاق سراح الرهائن والأسرى، مُشيرًا إلى أن هذا المسار تُوِّج بالتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، وعقد قمة السلام بشرم الشيخ. وكان رئيس الوزراء الفلسطينى محمد مصطفى قد كشف عن خطة لإعادة إعمار غزة بتكلفة 67 مليار دولار، تُنفذ خلال 5 سنوات، مُشيرًا إلى أن مصر ستستضيف المؤتمر الدولى المُخصص لإعادة الإعمار، لافتًا إلى أن الأموال المُخصصة لإعادة الإعمار ستوضع فى صندوق خاص مُستقل تحت إشراف دولى وتدقيق مُحاسبى مهنى مُعتمد من قبل الدول المانحة، مُضيفًا أن خطة إعادة الإعمار والإنعاش تتألف من 3 مراحل، الأولى مدتها 6 شهور بتكلفة 3.5 مليار دولار، والثانية مدتها 3 سنوات ب30 مليار دولار، والأخيرة لمدة عام ونصف. ◄ اقرأ أيضًا | تساحي هنجبي: يجب إجراء تحقيق شامل في الفشل الذريع الذي وقع في 7 أكتوبر ◄ أمر واقع مصر تسعى للإسراع فى خلق أمر واقع بدءًا من وقف الحرب، وتحقيق نفاذ المعونات الإنسانية إلى داخل القطاع، والانطلاق لمرحلة إعادة التعمير دون تأخير، وفقًا للدكتور أحمد سيد أحمد خبير العلاقات الدولية، الذى يؤكد أن مصر تسعى كذلك للحصول على دعم خطة إعادة الإعمار عربيًا من خلال التدابير التنفيذية اللازمة لذلك، وجذب دول العالم، وعلى رأسها الولايات المُتحدة وأوروبا والمؤسسات الدولية لتمويل الخطة، مُشددًا على أن هذه الأطراف عليها الالتزام حيال عملية إعادة الإعمار، إذ إنها تتحمل مسئولية الدمار بغزة، كما أنها ترغب فى المشاركة بهذا المشروع لتعويض ممارساتها المؤيدة لإسرائيل، وتهدئة موجات الغضب الداخلى فى دولها، فضلًا عن رغبتها فى أن تكون مُنخرطة وغير مُستبعدة عن مشروع إعادة الإعمار والترتيبات القادمة بالقطاع. ويؤكد خبير العلاقات الدولية، أن الدور المصرى يجب أن يمضى فى المرحلة المُقبلة فى إطار من التنسيق الكامل مع الولاياتالمتحدة ومع الأطراف العربية والدولية والمؤسسات الدولية ومع الأممالمتحدة ووكالاتها، ومن الأهمية أن تأتى تحركات القاهرة مُنسجمة مع السلطة الفلسطينية والفصائل، وتكون هناك وحدة رؤية لتفويت الفرصة على أى توجهات إسرائيلية للعودة إلى مناخ التوتر والمواجهة، لافتًا إلى أن قمة شرم الشيخ للسلام مثلت نقطة تحول جديدة فى مسيرة القضية الفلسطينية، خاصة فيما يتعلق بالمسارين الإنسانى وإعادة الإعمار بعد الدمار الواسع الذى لحق بغزة نتيجة حرب العامين الأخيرة، مُشددًا على أن مصر تبذل جهودًا مُكثفة منذ اندلاع الأزمة، وتسعى لقيادة مرحلة إعادة الإعمار والتعافى بالتعاون مع الشركاء الدوليين والأمم المُتحدة، كما تضع القاهرة ملف إعمار غزة على رأس أولوياتها نظرًا للكارثة الإنسانية التى يعيشها السكان فى ظل غياب الخدمات الأساسية والبنية التحتية. وأضاف أن التحرك المصرى يستند لهدفين أساسيين، أولهما تثبيت الفلسطينيين فى أرضهم ومنع تنفيذ خطط التهجير القسرى التى تسعى إليها إسرائيل، والثانى إطلاق خطة شاملة لإعادة الإعمار عبر تحالف من الشركات المصرية والعالمية، بما يعكس خبرة مصر بمجالات البناء والمقاولات، مؤكدًا أن القاهرة تواصل تنسيق جهودها مع الأممالمتحدة والدول المانحة لضمان تنفيذ سريع لمشروعات الإغاثة وإعادة الإعمار، مع السعى لتأسيس آلية رقابية دولية تضمن وصول المُساعدات لمُستحقيها دون استغلال سياسى، مُشددًا على أن هذه الجهود تأتى فى إطار الدور التاريخى الذى تلعبه مصر لدعم الشعب الفلسطينى وتحقيق الاستقرار الإقليمى، بما يُعزز من مكانتها كقوة إقليمية دبلوماسية فاعلة تسعى لتوازن بين الحل الإنسانى والسياسى بالمنطقة. ◄ مؤسسات دولية مؤتمر إعادة إعمار غزة نوفمبر المُقبل سيشهد تواجد مؤسسات دولية، حسبما يؤكد الدكتور طارق فهمى أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية الذى يلفت إلى أن المؤتمر يُمثل أهمية استثنائية لترجمة الالتزامات الدولية المُعلنة فى شرم الشيخ لخطوات عملية على الأرض، موضحًا أن أهمية المؤتمر تنبع من كونه سيُحدد حجم التمويل الدولى المطلوب لإعادة بناء ما دمرته الحرب، مُشددًا على أن المؤتمر سيُشكل اختبارًا حقيقيًا لمصداقية المُجتمع الدولى فى الوفاء بتعهداته تجاه الشعب الفلسطينى بعد عقود من الوعود التى لم تتحقق على أرض الواقع، موضحًا أن الأهداف الرئيسية للمؤتمر تتمثل فى حشد الدعم المالى الدولى اللازم لإعادة بناء المساكن والمدارس والمستشفيات والبنية التحتية المُدمرة، ووضع خطة زمنية واضحة للتنفيذ تضمن عودة الحياة الطبيعية لسكان القطاع بأسرع وقت مُمكن، مؤكدًا أن المؤتمر يهدف أيضًا لتنسيق الجهود الدولية والإقليمية لتجنب التشتت والازدواجية، وضمان وصول المساعدات لمُستحقيها الفعليين دون تسييس أو شروط مُجحفة. ويُشدد فهمى على أن الدور المصرى سيكون محوريًا فى التنسيق والإشراف على عملية الإعمار بحكم موقعها الجغرافى ودورها التاريخى فى دعم القضية الفلسطينية، لافتًا إلى أهمية أن يتولى الفلسطينيون أنفسهم قيادة عملية الإعمار، مؤكدًا أن القانون الدولى يحترم حق الشعوب فى إدارة شئونها الداخلية بما فى ذلك عمليات إعادة الإعمار دون وصاية خارجية. ◄ تحدٍ اقتصادي اقتصاديًا، يُشير الدكتور على الإدريسى الخبير الاقتصادى إلى أن إعادة إعمار غزة بعد حجم الدمار الواسع الذى طال ما يزيد عن 300 ألف وحدة سكنية ليست عملية بسيطة، بل هى تحدٍ اقتصادى وهندسى هائل، لافتًا إلى أن تقديرات المؤسسات الدولية تُشير إلى أن التكلفة المطلوبة لإعادة الإعمار قد تتراوح بين 60 ل70 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم يعكس حجم الكارثة التى حلت بالقطاع، مُضيفًا أنه من المُتوقع أن تمتد عملية الإعمار لفترة طويلة بين 10 ل15 عامًا على أقل تقدير، لافتًا إلى أن الأمر لا يقتصر على بناء الوحدات السكنية فحسب، بل يتطلب إعادة بناء البنية التحتية بشكل كامل، بما يشمل شبكات الكهرباء والمياه والطرق والمُستشفيات، وكل ما يضمن حياة كريمة للمواطن بغزة، لافتًا إلى أن وتيرة الإعمار لن تكون ثابتة، بل ستتأثر بعدة عوامل حاسمة، أبرزها حجم المُساعدات الدولية التى سيتم تقديمها، وسرعة إدخال مواد البناء اللازمة، إضافة لاستقرار الأوضاع الأمنية والسياسية بالمنطقة، فبدون حل سياسى مُستدام، ستظل جهود الإعمار مُعرضة للخطر. استضافة مصر المُرتقبة لمؤتمر إعادة إعمار غزة، ستكون استكمالا للشوط الكبير الذى قطعته القاهرة على طريق الحل السياسى، كما يؤكد الدكتور محمد الكيلانى، الخبير الاقتصادى، الذى يُشدد على أن مصر تمتلك القدرات والخبرة والشركات القادرة على تنفيذ مشروعات إعادة الإعمار وفقًا لأعلى المعايير الدولية، مُضيفًا أن المؤتمر يستهدف حشد التمويل الدولى وإشراك مؤسسات المُجتمع المدنى فى جهود التنمية، خصوصًا بعد ما تعرض له الشعب الفلسطينى من دمار وتشريد خلال العامين الماضيين، موضحًا أن إعمار غزة يجب أن يتم بمُشاركة الشعب الفلسطينى بنفسه وعلى أرضه، وهو ما يُشدد عليه دائمًا الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مواقفه وتصريحاته.