كنت قد تنبأت فى مقال سابق لى فى مجلة «روزاليوسف» منذ نحو العام بملامح الوضع الراهن ومآلاته، وتحدثنا عن أن موجة الثورة القادمة ستكون حاسمة، وتتبعها ثورة جياع.. والسيناريو الأسوأ هو عدم تنفيذ مطالب الثوار كاملة، وتشويههم وشيطنتهم، والربط بينهم وبين الأجندات الأجنبية، وللأسف الشديد صدقت نبوءتى!! وإذا بنا ونحن على عتبات الذكرى الثانية «الحزينة» للثورة، تفاجئنا الأحداث بكوارث إن لم نتداركها بحكمة وواقعية مبنية على منهج علمى قويم، سننجرف إلى تدمير الوطن من باب التفريط فى الأمن القومى.
آثرتُ صك مصطلح «الخطايا» للفت النظر من خلال تجسيد مخاطرها، التى تَنْتُج عما يظنه أصحابها أنه صواب، وهو فى نظر البعض هنَّات، إلا أنه فى حقيقة الأمر خطيئات، ونرصد هنا الخطايا السبع. ∎ الخطيئة الأولى: الانفصال الشعورى والمادى عن بقية الشعب. ومن مظاهر ذلك: تغليب الاستعانة بأهل الثقة على أهل الخبرة، مما أدى إلى تقسيم الشعب إلى «فسطاطين»، الأول: قوى التيار «الإسلامى»- اليمين الدينى- والثانى: قوى التيارات المدنية بمختلف مشاربها، ويجسد هذا الانفصال صورة «سفينة الوطن المثقوبة التى استقلها الرئيس وجماعته وحواريوه، تاركًا خلفه على شاطئ المخاطر وفى المياه بقية شعبه». ومن التداعيات الحتمية لهذا المنهج التفكك الاجتماعى «social disintegration» المُنذِر باحتراب أهلى وشيك «درجة حدته أقل من مثيلتها فى سوريا وليبيا، وبنكهة مصرية خالصة». والحل: تحقيق الاندماج الوطنى على أساس طائفى وجغرافى، وفق برامج علمية متعارف عليها فى مثل هذه الحالات، لإزالة أسباب الاحتقان والتهميش التى أدت إلى التفكك. ∎ الخطيئة الثانية: المساهمة فى ترسيخ الفتنة الطائفية ومن مظاهر ذلك: عدم حضور الرئيس حفل تنصيب بطريرك الكنيسة المرقسية الجديد فى وقت علت فيه حدة التوتر الطائفى، مما أضاع فرصة سانحة لرتق النسيج الوطنى المتهتك عبر عقود أربعة، بالإضافة إلى ما تبع ذلك من تصريحات غير مسئولة من قيادات إخوانية تجاه شركاء الوطن من المسيحيين، منها: أنهم أقلية، وأن المعارضين فى تظاهرات «الاتحادية» وغيرها أغلبهم من المسيحيين، وغيرها من التصريحات والمواقف- غير الموفقة- لرموز اليمين الدينى. ومن تداعيات ذلك: مزيد من الانقسام بين المسيحيين والمسلمين من جهة، وبين المسيحيين والدولة المصرية من جهة أخرى، وأتوقع أن يسفر ذلك عن دخول المسيحيين عالم «الجيتو ghetto»، فى الأماكن التى يتواجدون فيها بكثافة لتأمين أنفسهم، وحماية مصالحهم وممتلكاتهم، وسيكون فى ذلك- لا قدر الله- إنفاذًا للمخطط الخارجى الهادف إلى تقسيم مصر إلى أربع دويلات- عن غير قصد- وزيادة معدلات الهجرات إلى الدول الغربية، مما يسىء إلى صورة مصر أمام المجتمع الدولى وأمام أنفسنا قبل ذلك. والحل: حزمة سريعة وناجعة من السياسات والقرارات الرئاسية، لإزالة هذه التوترات، ومن أبرزها: القانون الموحد لدور العبادة، والتمثيل العادل للمسيحيين فى المواقع والمناصب السياسية والإدارية، وغيرها. ∎ الخطيئة الثالثة: عدم تقنين وضع جماعة الإخوان المسلمين. ومن مظاهر ذلك: عدم خضوعها لأى رقابة مالية أو إشراف إدارى من أجهزة الدولة، فى الوقت الذى شنت فيه الجماعة هجمة شرسة على منظمات المجتمع المدنى فى القضية الشهيرة التى اتهمت فيها شخصيات مصرية وأجنبية فى العام الماضى، وفى ذلك انتقائية أثارت القوى الثورية فى الداخل، والدول الأجنبية فى الخارج، وفى النهاية أضحت الجماعة دولة داخل الدولة.. ذات أذرع خارجها. ومن تداعيات ذلك: تشجيع الأحزاب الوليدة ذات المرجعية الإسلامية- التى تمثل أذرعاً سياسية لجماعات دينية كانت تنهج أسلوب العنف قبل الثورة، مثل: الجماعة الإسلامية، والجماعات الجهادية، وبعض الجماعات السلفية المتشددة - أن تحذو حذو الجماعة فى عدم الشفافية، والازدواجية فى المواقف، مما يقوض الأوضاع الأمنية مستقبلاً- جارى التفصيل فى دراسة منفصلة - وتمثلت ردود الفعل إزاء هذا المسلك فى تعرض مقار الجماعة لأعمال حرق وتخريب- رغم اعتراضنا على هذه الأعمال، وضرورة محاكمة مرتكبيها- إلا أن الأمر لا يخلو من دلالة سلبية مفادها أن السخط الشعبى على الجماعة بلغ مبلغًا خطيرًا يُنذر- لا قدر الله- باغتيالات سياسية، أو اعتداءات بدنية على بعض رموز الجماعة، من قوى ثورية غير رشيدة، أو من قبل مؤيدى النظام البائد أو من أجهزة استخباراتية معادية لتقويض الأمن الوطنى المصرى. والحل: يكمن فى سرعة تقنين أوضاع الجماعة، لبث رسالة طمأنة للمجتمع المصرى، ونزع فتيل الانفجار المتوقع. ∎ الخطيئة الرابعة: الاستقواء بالميليشيات أو غض الطرف عن خروقاتها. ومن مظاهر ذلك: ما قامت به هذه الميليشيات من حصار للمحكمة الدستورية العليا، ومدينة الإنتاج الإعلامى، وأحداث «الاتحادية» الشهيرة، التى راح ضحيتها نفر من أبناء الشعب المصرى، بخلاف المصابين، وما زامنها من تصريحات خطرة أسهمت فى إذكاء الفتنة بين التيارين: الدينى والمدنى، ومن أبرزها: «قتلانا فى الجنة، وقتلاهم فى النار». ومن تداعيات ذلك: كما لو أنه قد وضع حجر الأساس لدولة موازية أو بديلة، تتمثل قوتها الصلبة فى: جهاز الشرطة، وهو من الميليشيات التى ارتكبت الخروقات والجرائم السالفة، وقواتها المسلحة- الجيش- من الجماعات السلفية الجهادية المنتشرة فى ربوع الوطن ولو فى صورة خلايا نائمة، وتلك التى فى سيناء بصفة خاصة، وجهازها القضائى: القضاء العرفى، كما هو الحال فى القبائل البدوية وما شابهها، وإنه بذلك سيتم استبدال قوة الشرعية «الدولة» بشرعية القوة «الميليشيات» التى يحكمها قانون القوة «شريعة الغاب». والحل: يتمثل فى سرعة تفكيك جميع الميليشيات والتشكيلات والفرق شبه العسكرية- المشابهة لقوات الباسيج الإيرانى- علمًا بأن الدستور المصرى يحظر قيام مثل هذه التشكيلات، مع تعضيد أجهزة الدولة السيادية سالفة الذكر، التى تشكل القوة الصلبة للدولة المصرية. ∎ الخطيئة الخامسة: التشكيك فى مصداقية الأجهزة السيادية وحيادها. ويتمثل ذلك فى مظاهر، منها: تصريحات فضيلة المرشد عن قيادات الجيش، وتصريحات الدكتور محمد البلتاجى عن فساد الأجهزة السيادية فى مصر- مع إقرارى بحتمية إعادة بناء هذه الأجهزة ولكن بغير طريق التشكيك؛ وفاءً لمطالب الثورة- وكذلك قرار رئيس الجمهورية بمرافقة د. عصام الحداد- مساعد رئيس الجمهورية، ومسئول التنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين- للسيد رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية إلى الإمارات، لحل مشكلة المحبوسين على ذمة قضية «خلية الإخوان» فى الإمارات، والدلالة هنا واضحة. ومن تداعيات ذلك: ترسيخ مفهوم الدولة العميقة بحق، ومن مظاهر هذا الترسيخ ما صدر مؤخرًا عن بعض ضباط وأفراد الشرطة من رد فعل رافض لإقصاء وزير الداخلية، الذين تظاهروا رافعين شعار «ضد أخونة وزارة الداخلية»، وتربص العاملين بالأجهزة السيادية لإدارة الرئيس مرسى وأنصاره من جراء ذلك ليس مستبعدًا. والحل: سرعة إنفاذ آليات العدالة الانتقالية الخمس، ومن أبرزها: الإصلاح المؤسسى للأجهزة السيادية وفق المتعارف عليه فى تجارب الدول التى شهدت ثورات وإصلاحات جذرية فى العقدين الأخيرين. ∎ الخطيئة السادسة: ترسيخ فلسفة الإفلات من العقاب. ومن مظاهر ذلك: عدم إحراز أى تقدم ملموس فى التحقيقات المتعلقة باعتداءات بعض أعضاء الجماعة وأنصارها من التيار الإسلامى فى وقائع: أحداث الاتحادية، وكسر منصة التيارات المدنية فى مليونية «كشف الحساب» عقب المائة يوم الأولى من حكم الرئيس، وقضية فتح السجون التى كان فيها عناصر إخوانية وكذا عناصر من حزب الله وحركة «حماس» إبان أيام الثورة الأولى. والحل: يتمثل فى سرعة إعادة الهيبة إلى مؤسسات الدولة المختلفة، وفى مقدمتها الجهاز القضائى، الذى استبيحت حرمته، مع إنفاذ آليات العدالة الانتقالية فى شقها القضائى، وعدم الاكتفاء بالتعويل على المنظومة القضائية التقليدية، نظرًا لعدم مواكبتها لطبيعة الظرف الثورى الاستثنائية. ∎ الخطيئة السابعة: الارتماء فى أحضان المشروع الصهيوأمريكى فى الوقت الذى تُتَّهم فيه رموز المعارضة بالعمالة للغرب. ومن مظاهر ذلك: ما يردده بعض الدوائر السياسية فى الغرب حول العلاقات المصرية الأمريكية، وما يسمى «شهر العسل السياسى» الممتد بين إدارة الرئيس أوباما والرئاسة المصرية النوعية الجديدة، وما يثار حول صفقة تمت فى وقت ما بمباركة أمريكية لارتقاء «إخوان مصر» سلم الحكم، وكانت عَرَّابَتُهَا وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون، وأخيرًا ما يثار حول الدور الذى قدمه مرسى لإيقاف حرب غزة «2012م»، وما تمثله هذه العلاقات من تصريح أو تلميح إلى ارتماء إدارة الرئيس مرسى فى أحضان المشروع الصهيوأمريكى فى المنطقة، لإنهاء قضية الصراع العربى الإسرائيلى بأقل خسائر للجانب الصهيونى. وفى الوقت الذى تثار فيه هذه الإشارات نجد الإدارة المصرية تتهم بعض رموز معارضتها بالتآمر على النظام الحاكم، وأن أنصار التيار الدينى المعضد للنظام دأبوا على وصم تلك الرموز بالعمالة للغرب، وتوجهاته العلمانية المعادية للإسلام، وهذا يعبر عن التخبط وعدم الموضوعية والمبالغة فى إطلاق الأحكام على الآخر. ومن تداعيات ذلك: تسهيل مهمة القوى الغربيةوالأمريكية بصفة خاصة فى إذكاء الصراع بين الطرفين، واستمالتهما فى آن، واستقطابهما- إن أمكن - لتحقيق المصالح الغربية التى تتعارض فى معظم الأحيان مع المصلحة الوطنية National Interestوتوسيع هوة الشقاق بين فرقاء الوطن. والحل: يتمثل فى ضرورة تأسيس لجنة «حكماء» من رموز الجماعة الوطنية، من غير السياسيين لضمان حيدتهم، لتقوم بإصلاح ذات البين.