اعتبر كثيرون ثورة 25 يناير التي أبهرت العالم.. إنذار قوي ومؤشر خطر لإعادة تقديم مصر "القوية" التي عرفوها عبر التاريخ إلى المعادلة الدولية. الإنذار أرعب الجميع.. من نعده صديقاً قبل العدو.. ومن السذاجة الاعتقاد بأن يسمح هؤلاء للمشروع المصري بالنجاح دون مقاومة. هناك مؤامرة حقيقية على مصر تتشابك خطوطها الآن في هدوء، وسط إشغالنا بكل تافه.. المؤامرة أطرافها الدولية عديدة ولها أياد قوية في الداخل.. وهدفها الرئيسي ضرب المشروع المصري، تحت مسمى التصدي للتعصب الديني والإسلام الراديكالي، وإن كان لها أهداف أخرى فرعية. ولأنها كانت ثورة بلا قيادة.. فمازال الملعب خالياً أمام الجميع لتمرير مخططاته.. وقد رأى الكثيرون في نجاح التيار الإسلامي في الانتخابات وتوليه القيادة فرصة ذهبية للقضاء على الحلم المصري.. فبعض الإسلاميين يحمل مشاريع نهضوية لمصر.. وقد يمتلكون حلولا اقتصادية لمشاكلنا المزمنة والمفتعلة، و"نية خالصة للوطن".. لكن ما أسهل ضرب مشروعهم وإجهاض الحلم. فمشروعهم إسلامي.. وما أسهل تشويه كل ما يرتبط بالإسلام في عالم تحكمه الصهيونية.. والقضية الرئيسية لهؤلاء.. هي "نهضة مصر" وليس المشروع الإسلامي.. لأنهم يدركون تماما أن مصر القوية عودة للإسلام، وأنه لا عودة للإسلام بدون مصر القوية. وللأسف يجئ المشروع الإسلامي لمصر في أسوأ حالتها ليسهل مهمة المتربصين في النيل منها. وإشاعة كلمات خبيثة مثل "الراديكالية" و"الأصولية الإسلامية" بكل ما تعنيه من أبعاد في ذهن المجتمع الدولي على المشروع المصري، كفيلة بحصاره. إنها "الفزاعة".. ذهب مبارك وبقي من يسعون لتحويلها حقيقة على أرض الواقع.. وعلى من لم يدرك مدى جدية الخطر الذي يتهدد المشروع المصري إعادة قراءة الخريطة "الجيوسياسية" من حولنا. فبالنظر شرقاً نجد دولا عربية أزعجتها الثورة المصرية،"كرهتها".. خشيت من تكرار التجربة على أراضيها.. استدعت ذاكرتها التجربة الناصرية وزمن تصدير المد الثوري. وغربا جارة تتخاطفها الأطماع من كل جانب.. ولم تكن مساعي بعض مسئوليها الجدد لاستبعاد الشركات المصرية من عقود إعادة الإعمار "حتى من الباطن"، إلا امتثالا لأوامر محددة تستهدف إحكام خطة الحصار على مصر أو تجويعها. وإذا نظرنا جنوبا حيث واحدة من أهم نقاط الأمن القومي المصري"منابع النيل".. نرى تضاؤلاً متزايداً للدور والتواجد المصري.. في الوقت الذي تتداعى عليها عدة دول في "مقدمتها إسرائيل" كما تتداعى الضباع على الفريسة.. تمويل ومساعدات، معونات، مشاريع زراعية ومائية، اتفاقات معلنة وسرية، كلها تستهدف الأمن المصري. وشمالاً حيث الدول الرئيسية في أوروبا وواشنطن.. هناك المايسترو المخطط وصاحب الكلمة العليا الذي يمتثل الجميع لأوامره.. وما كان الإحجام الجماعي عن تقديم أي مساعدة مالية لمصر بعد الثورة "رغم شلال الوعود" إلا البروفة الأولى للمايسترو.. وبالتوازي بدأت بروفة حصار تجاري غير معلن على مصر.. وتجسد ذلك في تصريح رئيس الوزراء بامتناع المستوردين الرئيسيين للقطن المصري عن تقديم عروضاً لشرائه، كمثال.. والحديث في الملف التجاري يطول ويحمل العديد من المفاجآت التي ستتكشف تلقائياً مع الوقت. وبدأ الشحن الإعلامي لتنفيذ ذلك المخطط، بالفعل بحملة إسرائيلية عبر وسائل إعلامها عنوانها الرئيسي"مصر لم تعد دولة الإسلام المعتدل في المنطقة".. "علينا التوجه لدولة محورية أخرى لقيادة الاعتدال في المنطقة".."الأصولية تسيطر على مصر".. وذلك بالطبع لا ينفصل عن "الولولة" الدائمة عن الأوضاع الأمنية في سيناء.. وعبث وإرهاب الحماسيون "إخوان غزة" هناك. وحتى لا نكون ممن يستهويهم دور الضحية، وإلقاء اللوم على تآمر الغير.. نقول صراحة إن أداء العديد من قيادات التيار الإسلامي في مصر ليست منفصلة عن ذلك المخطط.. بل إن الكثير من التصريحات المنفلتة لبعضهم تدعم ذلك المخطط بقوة وتغذيه.. منها على سبيل المثال لا الحصر تلك "الملاسنة" مع دولة الإمارات، والتي قوبلت برد موحد من دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة. تعمد بعض النواب جرح مشاعر مسيحيي مصر ورفض الوقوف حداداًً، في فظاظة الإسلام برئ منها. الحديث عن تحريم مجرد السلام على غير المسلم وإن بدأ هو بالسلام "بالمخالفة لسنة وخلق النبي الأكرم"، إلى آخر تلك التصريحات التي تعكس وجها متشنجاً ونهجاً متطرفاً لفهم الإسلام. ومن قنبلة دخان إخوانية تجاه دول الخليج، إلى قنبلة سلفية من عدم اللياقة ومراعاة للبروتوكول في أوغندا.. وبالطبع إن نجحنا في تدارك "عقدة الوقوف" مع مسيحيي مصر، فكيف يمكن تداركها بجانب عقدة التعالي المصرية التي تعاني منها الدول الأفريقية، وفي مقدمتها دول حوض النيل.. وإن تداركناها، كيف يمكننا تدارك ثرثرة القيادي الإخواني البارز هناك عن إسقاط الأنظمة الديكتاتورية "التي كان في ضيافتها"!. كل تلك الأخطاء ومشروع"فتح مصر" الإخواني، تدعم المشروع الصهيوأمريكي لحصار مصر.. أضف إلى ذلك مساعدة الكثيرين على إشعال مشاريع الفتنة والعبث الداخلي بأمن مصر بالجهل أو بالعمالة. وبات واضحاً أن كل هذه الخطايا وغيرها الكثير تمثل تجسيداً واقعياً للكوابيس المزعجة لدول الجوار والمجتمع الدولي، وتأكيد لوساوس تصدير الثورة، وتصديق وتدعيم لتهم الإسلام الراديكالي والأصولية المتطرفة التي تهدد مستقبل السلام العالمي والاستقرار والأمن في المنطقة. وهنا يجب أن نسأل قيادات الإخوان والسلفية، القادة المنتظرين لسفينة الوطن.. هل تدركون ما يحاك لمصر من حولها؟.. هل تدركون تأثير التصريحات المنفلتة للبعض منكم وكيف يستثمرها أعداء مصر و أعداء الإسلام.. هل تدركون أنكم قد تجدون أنفسكم تنطلقون بنا في هذا المنزلق بسرعة الصاروخ، رغم المباحثات و التفهمات والابتسامات الأمريكية.. هل تدركون أن وعوداً استثمارية يشاع أنكم تلقيتموها هي "كسراب بقيعة" ولا تخرج عن كونها ركن أساسي في المؤامرة. هل تدركون أن كل فتاوى فتائيكم، و تهليل مريديكم وحازميكم وشاطريكم لن تشفع لكم يوم يشعر الشعب باكتمال حلقات الحصار حول رقبته. وأخيرا أقول هل تمتلكون القدرة على تفويت ذلك المخطط القذر ضد مصر.. هل تستطيعون التصدي ل"مؤامرة عقاب الشعب المصري"، والتخطيط لذلك سريعاً وضبط التصريحات الصادرة عن تياركم خاصة ما يختص بالشأن الدولي..؟!. أتمنى هذا.