فى روايته الجديدة.. «مولانا» يعيد إبراهيم عيسى مجد الصحفيين الأدباء، ويضيف للقائمة الطويلة التى تتضمن أسماء من بينها إحسان عبدالقدوس وفتحى غانم ويوسف القعيد، ويوظف عمله الصحفى كقارئ لخفايا وكواليس وخريطة المجتمع المصرى لتقديم رواية شائكة وجريئة، تلمس عصبا عاريا حساسا ومثيرا، ولا تهتم بالمتربصين بعالم الإبداع. «مولانا» تقع فى 544 صفحة من الحجم المتوسط ويتغلغل فيها فن السرد بأفكار مباشرة أعلنها عيسى فى مقالات سابقة له، مع مهارة التلسين أو النميمة الأدبية والتى ينتقم بها الكاتب من بعض الشخصيات المشهورة فى المجتمع سياسيا وفنيا ودينيا، وهنا يحدث التداخل بين الأديب والصحفى فى الرواية التى تفضح بلا مواربة حالة التدين المغشوش التى يعيش فيها المصريون وإن كانوا فعلا بلا دين، من خلال رصده لقصة صعود داعية عصرى يدعى «حاتم الشناوي» والذى كان مجرد إمام مسجد فقير وتحول إلى نجم على الفضائيات يرعى برنامجه أحد أكبر حيتان الاقتصاد - الحديد تحديدا - بالإعلانات.
حاتم صريح جدا مع نفسه فهو يقول عن نفسه: «أنا شخصيا كسبت من الدين فلوس أكتر من التى كسبها الخلفاء الراشدين والبخارى ومسلم وابن كثير وابن الأثير والقرطبى والزمخشري»، ويعترف أنه فى برامجه لا يقدم للزبون إلا ما يريد.. رغم كل الثراء الذى يعيش فيه إلا أن فى حياته جرحاً عميقاً هو المرض الذى دمر حياة ابنه عمر الذى تعرض لحادثة غرق فى حمام السباحة ودخل على إثرها فى غيبوبة طويلة واضطر أن يعالجه خارج البلاد هذا الجرح هو الذى حافظ على إنسانيته أو المتبقى منها.
ومن خلال شخصية الداعية قدم عيسى عددا كبيرا من القضايا الشائكة والردود عليها ومنها إرضاع الكبير - زواج الرسول «صلى الله عليه وسلم» من زينب بنت جحش - والحجاب والنقاب - والمعتزلة - أما قلب الرواية الشائك فهو الطرح الذى يقدمه عيسى عن موضوع التنصير والأسلمة من خلال تكليف ابن رئيس الجمهورية «شخصية يقدم الكاتب وابلا من التلسين حولها» للداعية حاتم الشناوى بأن يعيد شقيق زوجته - حسن - إلى الإسلام بعد تهديده بالتحول إلى المسيحية.
وبذكاء حاتم يدرك أن الشاب يعانى من فساد عائلته الرهيب وخاصة والده صهر الرئيس ويتخد أمر إعلانه المسيحية مجرد وسيلة للتمرد عليهم فهو لا يعرف الإسلام ولا المسيحية. وينتهز الكاتب الفرصة ليقدم رؤيته فى هذه المشكلة التى تشعل مصر من حين لآخر فيرى أن التنصير والأسلمة أمر بالأساس اجتماعى واقتصادى وليس عن دراسة معرفية للأديان.
ويتذكر الشناوى دعوته لحضور فرح فى إحدى القرى يقيمه أحد الأثرياء لفتاة مسيحية استطاع صيدلى سلفى أن يدخلها الإسلام، وبسخرية حاتم اللاذعة يقتل غرور الصيدلى بعد أن يجعله يسرد واقع الفتاة الاجتماعي، فيكتشف أن أباها سكير ويضربها باستمرار وأنها دخلت الإسلام هربا من واقعها لا اقتناعا بعقيدة أو فهم له وطلب من الصيدلى الذى يتباهى بانتصاره على الأقباط لكونه أول صيدلى مسلم بالمدينة، كما أنه اقتنص منهم فتاة أن يصنع أدوية بدلا من بيعه أدوية النصارى الكفرة والتى تعالج المسلمين أفضل من الأدوية المصرية وترك الفرح وفى نفسه مرارة، أما حسن فيحاول الشناوى أن يتقرب له ويدعوه للحياة فى بيته ويكشف له السر الحقيقى لفكرة تحوله عن الإسلام. وهنا تتحول الأحداث إلى الشيخ الشيعى مختار الحسينى وهو صديق لحاتم يتم القبض عليه وفتح أبواق الإعلام ضده بتهمة التخابر مع إيران، ولكن السبب الحقيقى إن ابن الرئيس طلب منه أن يفسر له حلما متكرراً يرى نفسه فيه يمارس الشذوذ الجنسى فيدرك الشيخ أنه ليس حلماً فيتم تعذيبه فى أمن الدولة حتى الموت. ويصل التهديد إلى حاتم لكونه عرف سر حسن وتسلط عليه الأجهزة الأمنية ممثلة فاشلة تدعى نشوى لتضمن صمته التام. ويختفى حسن ثم تقع حادثة تفجير الكنيسة ويتوجه حاتم مع وفد رجال الأزهر والدعاة لتقديم العزاء للبابا وهنا يقدم الكاتب شخصية من الواقع باسمها الحقيقى خارجا من إطار التلسين المعتاد باستخدام أسماء قريبة أو شبيه من الشخصية الواقعية - كما فعل مع الممثلة المعتزلة منى رمزى والتى لا تحتاج أى جهد لتعرف أنه يقصد سهير رمزى - أو استخدم وظيفة أو منصب كما فعل مع شخصية ابن الرئيس الذى لم يذكر اسمه أو البابا ولكن إبراهيم عيسى استخدم اسم ومنصب الأنبا موسى «الأسقف العام للشباب بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية» والذى انفرد بالداعية حاتم فى غرفة جانبية وأخبره أن كاميرا البنك القائم أمام الكنيسة رصدت حسن وهو يقوم بالتفجير ويظن بعض الأقباط أنه ساعده فى عملية التفجير، لذلك طلب منه أن يقنعه بأن يسلم نفسه «فى ذكاء كبير رفض الأنبا موسى أن يعلق على استخدام اسمه فى الرواية وعندما اتصلت به «روزاليوسف» وأخبرته باستخدام عيسى اسمه وصفته فى أحداث روايته اكتفى أن قال إبراهيم عيسى يكتب ما يريد ونعود للرواية، ونجد الادعاء بقيام النظام السابق بتفجير كنيسة القديسين «الرواية جعلتها إحدى كنائس القاهرة لا الإسكندرية» نعتبره أيضا جزءاً من استخدام الكاتب للتلسين فحتى الآن لم تجر تحقيقات فعلية تنفى قيام جيش الإسلام الفلسطينى بتفجير الكنيسة.
إذن فقد نجح الكاتب فى تقديم عمل روائى ممتع مزج فيه بين التلسين السياسى والدينى والفكرى بلغة سرد صحفية سلسة وبسيطة وإن كان شرح وجهات النظر فى القضايا الفكرية المختلفة التى تعرضت لها الرواية قد تسبب فى بعض الملل وأثر فنيا على سير الأحداث.■