انطلاق فعاليات الملتقي التوظيفي السنوى لكلية الزراعة بجامعة عين شمس    التنظيم والإدارة: 59901 متقدم بمسابقة شغل وظائف معلم مساعد مادة    محافظ القاهرة يؤدي صلاة الجمعة بمسجد السيدة زينب    إزالة 30 حالة تعدي بأسيوط حفاظا على الرقعة الزراعية وأملاك الدولة    إطلاق مراجعات الثانوية العامة لمبادرة «تقدر في 10 أيام» بمطروح.. 29 مايو الحالي    توريد 572588 طنًا من القمح لمراكز التجميع بالشرقية    محافظ المنوفية استمرار تلقى طلبات التصالح على مخالفات البناء أيام العطلات الرسمية    تراجع اسعار الحديد بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 17 مايو 2024    تيسير إجراءات استيراد المكونات الإلكترونية للشركات الناشئة بمجال التصميم الإلكتروني    وفد جنوب إفريقيا: نأمل أن تتخذ «العدل الدولية» قرارًا بمنع تفاقم الأوضاع في غزة    إذا هوجمت رفح.. ماذا سيفعل نتنياهو بعد ذلك في الحرب؟    متحدث "فتح": نخشى أن يكون الميناء العائم الأمريكي ممرا للتهجير القسري للفلسطينيين    إصابات إسرائيلية إثر إطلاق 80 صاروخا من لبنان تجاه الجليل الأعلى والجولان    من بوابة «طلاب الجامعات».. بايدن يسعى لأصوات الأمريكيين الأفارقة بانتخابات 2024    كولر: لا نمتلك الأفضلية على الترجي.. ومباراة الغد تختلف عن لقاء الموسم الماضي    وفاة المراسل أحمد نوير.. ماذا كتب قبل رحيله عن عالمنا؟    فرق الصحة المدرسية بالقليوبية تستعد لامتحانات الشهادة الإعدادية    جمارك الطرود البريدية بقرية البضائع تضبط 3995 قرص ترامادول داخل كمبروسر    متحف الطفل يحتفي باليوم العالمي للمتاحف.. غدا    حفل ختام مهرجان المسرح وإعلان الجوائز بجامعة قناة السويس    منهم يسرا وعدوية.. مواقف إنسانية لا تنسى للزعيم عادل إمام يكشفها النجوم    «الصحة» توجه عددًا من النصائح لحماية المواطنين من مضاعفات موجة الطقس الحار    لأطفالك.. طريقة عمل ميني الكرواسون بالشوكولاتة    قافلة دعوية مشتركة بين الأوقاف والإفتاء والأزهر الشريف بمساجد شمال سيناء    لعدم تركيب الملصق الإلكتروني .. سحب 1438 رخصة قيادة في 24 ساعة    بشهادة عمه.. طارق الشناوي يدافع عن "وطنية" أم كلثوم    في يوم الجمعة.. 4 معلومات مهمة عن قراءة سورة الكهف يجب أن تعرفها    "الإفتاء" توضح كيفية تحديد ساعة الإجابة في يوم الجمعة    تفاصيل حادث الفنان جلال الزكي وسبب انقلاب سيارته    الأمن العام: ضبط 13460 قضية سرقة تيار كهربائى خلال 24 ساعة    محافظ أسيوط ومساعد وزير الصحة يتفقدان موقع إنشاء مستشفى القوصية المركزي الجديد    بحوزته 166 قطعة.. ضبط عاطل يدير ورشة تصنيع أسلحة بيضاء في بنها    روسيا: مستعدون لتوسيع تقديم المساعدات الإنسانية لسكان غزة    أحمد السقا عن أصعب مشهد بفيلم «السرب»: قنبلة انفجرت حولي وخرجت سليم    كوريا الجنوبية: بيونج يانج أطلقت صاروخًا باليستيًا تجاه البحر الشرقي    بعد 3 أسابيع من إعلان استمراره.. برشلونة يرغب في إقالة تشافي    برنامج للأنشطة الصيفية في متحف الطفل    ليفربول يُعلن رحيل جويل ماتيب    مصر تفوز بحق تنظيم الاجتماعات السنوية للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في 2027    هل يمكن أن يؤدي الحسد إلى الوفاة؟.. الأزهر للفتوى يجيب    الحبس والغرامة.. تعرف على عقوبات تسريب أسئلة الامتحانات وأجوبتها    مواعيد مباريات الجمعة 17 مايو.. القمة في كرة اليد ودربي الرياض    تأهل هانيا الحمامي لنصف نهائي بطولة العالم للإسكواش    انطلاق قافلة جامعة المنصورة المتكاملة "جسور الخير-21" المتجهة لحلايب وشلاتين وأبو رماد    تقنية غريبة قد تساعدك على العيش للأبد..كيف نجح الصينيون في تجميد المخ؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17-5-2024 في المنيا    انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني لطلاب الشهادة الإعدادية بالجيزة.. غدا    حدث ليلا.. أمريكا تتخلى عن إسرائيل وتل أبيب في رعب بسبب مصر وولايات أمريكية مٌعرضة للغرق.. عاجل    يوسف زيدان: «تكوين» امتداد لمسيرة الطهطاوي ومحفوظ في مواجهة «حراس التناحة»    بسبب عدم انتظام الدوري| «خناقة» الأندية المصرية على البطولات الإفريقية !    أستاذ تمويل يكشف توقعاته بشأن ارتفاع سعري الذهب والفائدة    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    هانئ مباشر يكتب: تصنيف الجامعات!    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الروائي ابراهيم عيسي:
عايز حقي من الأدب
نشر في أخبار الأدب يوم 19 - 11 - 2012

في نهاية الحوار سألته: ماذا تريد من الأدب؟ لم يتفاجأ الرجل من السؤال، بل لعله كان يتوقعه- أو هكذا بدا- الكاتب الذي قدم أكثر من ست روايات صودرت إحداها بمجرد صدورها كان يتوقع استقبالا مختلفا من الوسط الذي لم يجد منه إلا التجاهل، في المقابل وبعد أن تحقق في مكان آخر »الصحافة« أصبح لا يعبأ كثيرا بهذا الوسط، لذا بمجرد أن سألته عما يريده من الأدب قال دون أن يفكر »عايز حقي«. طلبت التفسير ففسر: أريد ما أراده فتحي غانم، ويوسف إدريس، ومحمد المخزنجي، وعلاء الأسواني، أريد حق التعبير والتفاعل والصدي.
صدي ربما وجده إبراهيم عيسي عند القارئ الذي حول أعماله إلي »بيست سيللر« لكنه لم يجده حتي الآن- عند النقاد »لن انسي أن مقتل الرجل الكبير وهي في ظني رواية مهمة لم يكتب عنها ناقد مصري حرفا واحدا، لا أقول مقالا، وهي حتي لو سيئة تستحق وأستحق أن يٌكتب أنها كذلك«. علاقة ملتبسة يفسرها هو بعدم رغبة البعض في التعامل معه ومع غيره من »المتحققين« بمنطق »كفاية عليهم الشهرة« لكن ليس هذا فقط »هناك أيضا خوف وجبن من الكتابة عن رواية موضع مصادرة وملاحقة، وعدم ابتلاع وهضم للشكل المختلف عن الشكل الذي يكتبونه، لأن لدينا أزمة في الوسط الذي تتحدث عنه يريد من الجميع أن يكتب بطريقتهم رغم أن الاختلاف هو الغني الحقيقي« طريقتهم هذه كانت تحتاج بالطبع إلي تفسير سألته ووضح: »أن نكتب جميعا عن الصنايعية والمهمشين الذين لا يقرأون وهذا شيء غريب في نظري، وأنا أعتقد أني قدمت عدة أشكال روائية وأجتهد، لكن مع قلة النقاد وزيادة المزاجية في عملهم فلم أحصل علي حقي«.
انا صعلوك قديم
ليلخص إبراهيم عيسي أزمته مع الوسط الثقافي المصري فيقول:" أنا لا أجلس علي مقاهيهم وأظهر في التليفزيون فأصنف تصنيفاً مختلفاً، فبعضهم يعتقد أن الأدباء يجب أن يكونوا علي المقاهي طوال الوقت، ويؤسفني أن أقول إنهم لا يقرأون يعتقدون أن الأديب يجب أن يكون مهمشاً ومحبطاً وغير متحقق، ويا حبذا لو مطلق، هذا نموذج الأديب بالنسبة لهم، لكن لو نظرت للمجتمعات الأخري ستجد أن أعظم الروائيين عكس هذا النموذج تماما، أدباء المقاهي ليسوا هم الأدباء العظام، والكلام الذي يقال عن الفنانين والكتاب الذين ضحوا من أجل الفن وأنهم ماتوا ولم يكونوا يجدون الطعام هذا كله كلام فارغ وفلكلور، فتحي غانم لم يكن هكذا، ولا يحيي حقي ولا نجيب محفوظ، هل كان يقضي يوسف إدريس يومه كله علي المقهي؟!«
يدخل أحدهم ببروفة لإحدي صفحات »التحرير« ينظر إليها بدون تدقيق. يهدأ قليلا ويقول: »أنا أقصد المقاهي المسماة بمقاهي المثقفين، فالمقاهي العادية أنا طبعا من روادها، فأنا صعلوك قديم، وبشكل عام الجميع أصدقائي، لكن بحكم السن والمهنة أصبحت أجلس علي مقاهي أخري، ومجتمعي تغير قليلا، ونموذج المثقف عندي يختلف عن المحبط المنكسر، لكن هذا لا يمنع أني أحب كتاباتهم وأحترمها وأنشر لهم جميعا«.
ورغم ذلك كله ينفي إبراهيم عيسي ابتعاده عن الوسط يقول إنه ومنذ صدور روايته السادسة »أشباح وطنية« وهو متواجد في أغلب الندوات والمؤتمرات، يعرف كل جيله ويقرأ للجميع »إذاً ما الذي يفوتني؟ ورشة الزيتون، والاتيليه مثلا؟« يسأل هو، وأقول: ليس هذا فقط أنت غير متواجد حتي في المجلس الأعلي للثقافة باعتباره ممثلا للثقافة الرسمية، فيعيدني لنقطة التجاهل »مؤتمر الرواية مثلا لم أكن أدعي إليه أساسا، حتي روايتي مقتل الرجل الكبير وضعت بضع ساعات ضمن الكتب التي تعرضها ميريت ثم تدخل الأمن ومنعها، وفي فترة مبارك ربما كان وجودي مستفزا للبعض«.
هل كونك صحفيا معارضا أثر علي استقبالك كروائي؟ قبل أن أنهي جملتي قال إن تلك هي لب المشكلة، التي يعاني منها، هو وغيره من الصحفيين الذين يكتبون الأدب »الراحل العظيم رجاء النقاش كان يحبني وراضياً عني، حكي لي مرة أنه كتب عن فتحي غانم عدة مقالات لكن أحمد بهاء الدين رفض نشرها لأن هناك إحنا بين الاثنين« مثال لما يمكن أن يصنعه التواجد في الوسط الصحفي للأديب، يكمل: »التواجد في الوسط الصحفي يصنع إحنا كثيرة للروائي، بمعني أني أتورط كصحفي ورئيس تحرير وربما دون أن أدري في تجاهل أشخاص، أو عدم الاحتفاء بهم كما يتصورون (يمكن مسلمتش علي حد كويس) فيأخذون مني موقفا«.
دعاة علي مقاعد الحكم
»مولانا« ربما تكون نقطة انطلاق جديدة في حياة إبراهيم عيسي كروائي فالرواية التي لم يمض علي صدروها أسابيع قليلة حققت مبيعات قياسية ونفدت طبعاتها الثلاث وستصدر خلال أيام طبعتها الرابعة »هذه هي جائزتي الحقيقية، فخلال 100 يوم من صدور الرواية وزعت 10 آلاف نسخة واعتقد أن هذه سابقة وهذه أعظم جائزة يمكن أن أحصل عليها«.
وكأن الجوائز ليست ضمن طموحاتك كروائي؟ أسأله ويجيب: »في عالم الأدب المصري لم يكن هناك جوائز، المسألة انتشرت مؤخرا، وأنا عمري 47 سنة يعني بالتأكيد لم يكن لدخولي الأدب أي علاقة بالجوائز، واعتقد أن جيلي كله كذلك، الجائزة ليست أفضل شيء، وليست سيئة بطبيعة الحال، أنا حصلت علي جائزة أفضل صحفي في العالم هل يعني ذلك أن كل صحفيي العالم سيئون في هذا العام وأني أخذت جائزة تقاعدي؟ بالتأكيد لا لذلك أنا أضعها في الدرج ولا أعلقها علي الحائط حتي لا أذّكر نفسي بها، كما أني حصلت علي جائزة جبران تويني وجائزة نقابة الصحفيين، لكن في الأدب لم آخذ جوائز ربما لأنه لم تكن هناك سوي جائزة الدولة التشجيعية والتقديرية ولا أتذكر إن كنت قد قدمت فيها أم لا«.
لنتحدث عن "مولانا". رواية عن شيوخ الفضائيات، والتنصر، والصراع الاسلامي المسيحي، والصراع بين المذاهب الإسلامية نفسها، بعد ثورة وبعد كل التداعيات التي نعيشها، هل تأخر الموضوع، أم انك استغرقت في الكتابة؟
الكتابة عن الثورة عمل مبكر جدا، لأن الكتابة في قلب الحدث مسألة في غاية الصعوبة، كيف أنضج مشروعا روائيا له عمقه ودلالاته وأنا مستغرق في الحدث كمعلق سياسي وكاتب، وأعتقد أن الكتابة عن الثورة الآن ستنتج عملا مسطحا فضلا عن أن »مين قال أن الثورة تصلح رواية« ربما رواية كابوسية (يضحك) ويكمل: الرواية في نظري عن مصر، وهي كما هو واضح من الثورة لم تتغير كثيرا، بل لعل ما بعد الثورة أشد سوء، لأن الفضائيات الدينية احتلت دور البطولة؛ الدعاة جلسوا علي مقاعد الحكم والنظام السياسي الفردي الاحتكاري لايزال قائماً، الصراع السني الشيعي يتأجج، الصراع الإسلامي المسيحي يتأجج، فحقيقة الأمر أنه إذا ما بدا أن الرواية ليست عن الثورة فهي تقول أن الثورة ستفشل في تغيير المجتمع متي كان المجتمع هكذا كما أوضحت وفصلت وحللت الرواية.
انتهيت من الرواية في مارس 2012 أي بعد الثورة بأكثر من عام ورغم ذلك تنتهي أحداثها عند تفجير الكنيسة، هل فكرت في تجاوز ذلك والإشارة لما حدث خاصة وان الرواية تحمل إشارات واضحة علي الفساد السياسي، والنظم الأمنية القمعية؟
هناك فيلم اسمه »الحموات الفاتنات« أنتج سنة 52 ووقت تصويره قامت الثورة، موضوع الفيلم بعيد تماما عن الثورة، ورغم ذلك انتهي الفيلم بأن ينتشر جميع أبطال الفيلم في ممرات مستشفي وينشدون »الاتحاد والنظام والعمل« نشيد هيئة التحرير! أنا لا يمكن أن أفعل ذلك مطلقا. بالضبط كما فعل يوسف السباعي في رواية »جفت الدموع« الرواية عن رئيس تحرير يحب مطربة، الرواية 400 صفحة أول 10 صفحات عن الوحدة مع سوريا، ثم تبدأ أحداث الرواية الحقيقية حتي آخر 10 صفحات تظهر مجددا مسألة الوحدة مع سوريا! هذه ليست نصوصاً روائية هذه نصوص تسجيلية، تستحق التوقف عندها كحدث تاريخي وليس كنص روائي.
لكنك قدمت أحداثا حقيقة في السياق الروائي كحكاية الشيخ ميخائيل وتفجير كنيسة القديسين وشخصية علي الكعكي الذي يتشابه تماما مع رجل أعمال بهذه المواصفات؟
لا توجد أحداث حقيقية هناك تاريخ، حكاية الشيخ كامل منصور تاريخ، والكنيسة التي تم تفجيرها في الرواية في قلب القاهرة وليست القديسين علي الإطلاق، أما الكعكي فهذا »لبس« غريب ولو في يدي تعديله في اي طبعة جديدة سأفعل فورا، هذه مصادفة غريبة فعلا، لا أعرف هذا الشخص ولم أقابله علي الإطلاق وبالتأكيد لا أقصده في الرواية. وبشكل عام لو أريد تضفير الواقع كان الأولي أن أقدم الثورة.
في »مقتل الرجل الكبير« و»أشباح وطنية« استخدمت الرمز، هنا أنت تلجأ إلي المباشرة الصريحة. ما الذي اختلف؟
اعتقد أنه علي الأقل في »مقتل الرجل الكبير« لم يكن هناك ترميز، حتي نظام مبارك نفسه فهم أنه لا يوجد ترميز، صحيح لم اكتب اسم الرئيس لكن كان واضحا أن النص كله حول الرئيس. والحقيقة أنني لم استخدم الرمز هنا كما في الروايات السابقة، لكن ما حدث أني بدأت الكتابة في 2009 وانتهيت 2012 هذا امتداد كبير ولو فرضت حياتي الشخصية والواقع أنفسهما علي النص كانت أشياء كثيرة ستتغير عبر هذه السنوات الثلاث، فأنا بدأت كتابة »مولانا« وأنا رئيس تحرير »الدستور« ثم محكوم عليه بالسجن،
ثم مفصول من رئاسة تحرير »الدستور« ثم »صايع« في البيت، كتبت ومبارك في عز مجده وكتبت و انتخابات 2010 يتم تزويرها، وكتبت أثناء الثورة، وفي ظل المجلس العسكري، وبعد الانتخابات الرئاسية، فلو كان النص الروائي عبارة عن مرآه عاكسة لأحداث يومية تضرب بعمقها أو بسطحها الكاتب فلن يكون لها أي معني علي الإطلاق، وربما ندخل بذلك في المنطقة الصحفية التي أمارسها يوميا، ومشبع بها، ومتميز فيها، ليس لدي جوع للكتابة في هذه المناطق، ربما لو كان روائي من الروائيين غير الصحفيين أو ممن لا يكتبون بشكل منتظم في الصحافة، ربما سيكون لديه شغف التعليق السياسي من خلال النص الروائي لكن أنا ليس لدي هذا الشغف بالطبع، بل علي عكس ما يقال فكل رواياتي لا علاقة لها ب"الروح الصحفية" لأني مشبع بها تماما.
تقييم الثورة
تتحدث في الرواية عن الرئيس وأولاده، والأجهزة الأمنية وعن أمن الدولة تحديدا تكتب الأسماء دون مداره لو لم تكن قامت ثورة بالتأكيد كانت المسألة ستختلف؟
الرواية لم يتغير فيها شيء نتيجة تغير الواقع السياسي، باستثناء شيء واحد أو كلمة واحدة وهي »ابن الرجل الكبير» أصبحت »ابن الرئيس« والحقيقة أنني أريد أن أبرئ الرئيس وعائلته من تصورات البعض الخاطئة عن النصوص الروائية، ما كتبته ليس حقيقة هذا نص روائي يجب أن يكون هذا واضحا، ولا أعرف لماذا يصر البعض علي معاملة النصوص الروائية باعتبارها حقائق مطلقة، هناك تخييل روائي للواقع، لكن هناك خيال محض البعض يقرر أن يعامله كواقع.
هذه مسألة واضحة، ما أسأل عنه هي مساحة الحرية التي أتاحتها لك الثورة؟
واضح أن تقييمك للثورة يختلف عن تقييمي، الثورة في نظري لم تنجز، ولم تغير جذوراً، بالعكس زادت مساحة الإحباط، ثانيا أنا كنت حرا قبل الثورة، لم أكن مقيداً لا بقيود الواقع أو قيود النشر ولا أي قيود، وكنت أتحمل نتائج حريتي، وبعد الثورة لم يجد علي شيء، مازلت حرا، الثورة لم تضف أو تنقص من حريتي. ربما يجوز هذا الكلام علي كاتب لم يكن علي خطوط النار، مغرما بالكتابة عن البطل المهزوم أو عن »رواية المنزل« والحياة الشخصية والمهمشين وصبي المكوجي، والحقيقة أني لم أكن مشغولاً بهذا إطلاقا، والروايات العظيمة ليست بالضرورة سياسية أو مشغولة بعالم السياسة، يمكن أن تكون قصة حب.
كما أن الرواية في نظري لا تقاس بمقاييس الحرية. أنت تحدثني عن المستقبل في حين أنا مشغول بكتابة رواية عن التاريخ، أنا مشغول فعلا بالرجوع لمرحلة اغتيال الصحابي عثمان بن عفان الخليفة الراشد، وأبحث عن ترجمة روائية لأحداث الفتنة الكبري، لأني طوال الوقت أعمل علي الجذور وهي جذور عفنة في الواقع، مثلا العلاقة بين مذاهب الإسلام، التطرف والتشدد والغلو، السلفيين والوهابيين وأنصار الدولة المدنية، كل هذا مشاكل في الجذور والحلول لاتكون إلا بعلاج هذه الجذور من أصل »الخراج« لأن العلاج من علي السطح لايفيد في شيء.
الانشغال بالحكاية
الواضح انك انشغلت بالحكاية بشكل مبالغ فيه إلي حد ما، ربما بتأثير المباشرة فالرواية لاتقدم أي حيل أو ألاعيب فنية..
مقاطعا: لا أعرف المقصود بالألاعيب الفنية، لكن هذه هي الرواية كما أحبها، الرواية المعرفية، أو رواية الفضاء المعرفي. الرواية التي لاتقدم فقط حكياً أو سرداً لكن تقدم معرفة، تستضيفك في عوالم مختلفة ومتناقضة، تبحر فيها وتدفعك دفعا للعودة إلي الأصل المعرفي. أسعدني مثلا الشباب الذين قرأوا الرواية ثم بدأوا البحث في المعتزلة وعلم الكلام وتفسير القرآن، هذه هي الرواية النموذجية بالنسبة لي، وحاولت أن أحقق في »مولانا« طموحي في الرواية المعرفية، فأجمل فن هو ما يجمع السرد الروائي مع الأفق المعرفي.
من الحيل الفنية مثلا أن يكون هناك أكثر من صوت، الرواية صوت واحد، ولا توجد أي فواصل..
حاولت أن أحافظ علي الصوت الروائي بنفس النغمة 550 صفحة، وغياب الفواصل تعبير عن زخم الأحداث وتوتر الواقع، وعالم حاتم الشناوي (بطل الرواية) الذي لا يهدأ أبدا، الرواية عن شيخ فضائيات وليس عن أي شيء آخر، وما يحدث هو عالم شيخ الفضائيات الذي يتماس مع الفن والسياسة والرياضة وأمن الدولة وليس رغبة في عمل قوس واسع لرصد الحياة السياسية في مصر. ترجم هذا الشخص في صورة أي شيخ فضائيات ستجد أنه شامل لهذا كله دون افتعال.
الرواية أيضا بها جانب بحثي كبير جدا، فلكي تطرق هذا العالم المعرفي وتعمق فكرتك كان لابد من جهد، ومجموعة الكتب والأبحاث التي قرأتها من أجل كتابة هذه الرواية أضعاف مضاعفة للرواية نفسها، ولو تركت نفسي لتوسيع الفضاء المعرفي ربما زادت عن الألف صفحة، ومسألة الأصوات المتعددة قدمتها من قبل في "أشباح وطنية" والعوالم الميتافيزيقية قدمتها في »العراة«.
بما أنها رواية معرفية كما تقول فربما كان من الضروري توضيح المصادر التي اعتمدت عليها خاصة وان الرواية تطرح بعض الأفكار الصادمة في الدين، دون ذكر واضح للمصادر، هل اعتمد علي تسامح القارئ باعتبار أنها رواية. وهل تمرر آراءك في هذه القضايا مستغلا الشكل الروائي؟
دخولي مشروعا روائيا يكون مقصود به العالم الروائي فقط، وهذه الرواية مثلا تتحدث عن المنطقة الدينية وليست بحثا في الأديان، لأن لدي كتبا منفصلة في الدين.
أما المصدر فهو حاتم الشناوي. الرواية المعرفية تدفعك للمعرفة وليست كتابا في المعرفة، كما أن كل هذه الأفكار صادرة عن شخصية روائية جهدك كقارئ أو باحث أو ناقد أن تبحث عن دقة وصحة وسلامة ومنطقية هذه الأفكار »تشغل مخك حتي برفضها« وليست تقديم كراسة مراجع تحول النص الروائي لكتاب، خاصة وان 95٪ من هذه الأفكار هي صياغة حاتم الشناوي وليست صفحات محددة في كتب. وتم الرجوع إلي ثبت المراجع في موقعين فقط موقع الأحاديث لأنه شخصية رقمية، وفي قصة »الشيخ ميخائيل« عرضت نصوصاً من مذكرات الشيخ ميخائيل وفعلت ذلك لغرابة القصة واندهاش الناس من حدوثها، وضعتها لمزيد من توثيق المعني من خلال النص.
الحقيقة أن النص من وجهة نظري لم يخدم الرواية في الحالتين، وبدا الأمر وكأنها مقالات دينية مطولة؟
هذا رأي أحترمه طبعا. لكن أنا قرأت النص عدة مرات بعد الانتهاء منه، وكان لدي هذا الهاجس »كنت خايف أكون مزودها في بعض المناطق« لكن بالنسبة لنص الشيخ ميخائيل فأنا أنقل من مذكرات بها جانب إنساني مثير جدا للتأمل، وهذا المشهد لم يتعد 4 صفحات في الرواية وكان يقاطع النص حوارات ونظرات وإحساس بوليسي إلي حد ما. أما بالنسبة للمعتزلة فظهرت في منطقتين وأقصي فقرة لم تتعد الصفحة ونصف الصفحة، كما أن البطل شيخ يعني في حياته العادية يمكن أن يتحدث في الدين طوال الوقت، وهو يشرح المعتزلة لزوجته وصديقته وكأنة في برنامج تليفزيوني. »وبعدين أنا كاتب النص وأدري به، وأقول أنه لا توجد مطولات ولو عملنا قياس كمي سأكون أنا أدق«. يضحك
هناك طرق أخري لوضع المعلومات الهوامش مثلا؟
ربما عندما لاتكون المعلومات من بنيه الشخصية أو الرواية، الأمر مختلف هنا كما أن هذه طريقة وتلك طريقة، المنهج الذي اتبعته موجود في »اسم الوردة« و»شفرة دافنشي« و»ملائكة وشياطين« و»عزازيل« وهذا هو المنهج السيد وليس السائد في رواية الفضاء المعرفي.
لنتحدث عن اللغة. استخدمت الفصحي في مواقع كان يفضل فيها استخدام العامية..
مقاطعا: لو جلست مع الشيوخ ستجد أن هذه هي طريقتهم في الحديث العام، يمكن أن »يهزر« بالفصحي ويمكن أن يتحدث بها في بيته مع زوجته وهذه هي الشخصية الروائية، ووالدي كان مدرسا للغة العربية وأعرف كيف يستخدمون اللغة. وإذا أردت أن تتأكد شاهد أي شيخ يتحدث في الفضائيات، الشعراوي مثلا راقب كيف يدمج الفصحي في العامية، واسميها العامية الفصيحة وهي لغة يبدو من منطوقها أنها عامية لكنها في الأصل فصحي.ن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.