«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد سلماوي في حضرة نجيب محفوظ .. رحلة ثقافية نلتقي فيها مع كبار كتاب الرواية حول العالم .. باولو كويللو يقبل يد محفوظ الذهبية التى أنتجت أعظم إبداعات العالم

ينفرد كتاب الروائي والكاتب الصحفي القدير محمد سلماوي بعرضه جوانب جديدة علي القراء المعجبين بأدب نجيب محفوظ حول شخصية أديبنا الكبير الذي لم يكن مجرد كاتب وروائي مصري وعالمي حصل علي جائزة نوبل في الآداب‏. لقد غاص محفوظ بعمق في أرض مصر وحضارتها القديمة, وإقترب من المصريين بحكم حبه ومعايشته لكل فئات وطبقات الشعب المصري عبر العصور, ثم تابع حركة الأدب العالمي وتطوره قديما وحديثا, وتعرف علي كبار أدباء العصر العالميين من خلال كتاباتهم.
نقلنا محمد سلماوي رئيس إتحاد الكتاب المصريين والعرب من خلال ثقافته الموسوعية الرفيعة وصداقته عن قرب بكبار الأدباء والمثقفين, في رحلة حول العالم عبر400 صفحة في كتاب' في حضرة نجيب محفوظ' الذي صدر منذ أسبوعين عن' الدار المصرية اللبنانية..'بمناسبة مئوية أديب نوبل العظيم. قدم لنا سلماوي في الرحلة التي أعدها لقرائه أديبة جنوب أفريقيا' نادين جورديمر' و'باولو كويللو' أديب البرازيل الكبير الذي عندما دخل علي محفوظ في منزله قبل' يده الذهبية التي أنتجت للعالم أعظم الابداعات الروائية و'ماريو بارجاس يوسا' أديب بيرو الحائز علي جائزة نوبل في الآداب و' أورهان باموك' أديب تركيا الحائز علي جائزة نوبل, وعشرات غيره من الأدباء والسياسيين حول العالم.
الكتاب الذي هو أحدث ما صدر عن الأديب نجيب محفوظ, يعد متابعة دقيقة ودءوبه علي مدي12 عاما للقاءات أديبنا العالمي في بيته بكبار الكتاب والأدباء والسياسيين حول العالم, وقد أظهر فيه المؤلف جوانب جديدة وخافية عن أديبنا الكبير من خلال حضوره ومشاركته في جميع هذه اللقاءات. فبعد تعرض محفوظ لمحاولة إغتيال آثمة علي أيدي أحد أشرار العصر في عام1994 لم يعد قادرا علي الحركة بسهولة والخروج للقاء الأصدقاء الذين هم كل أبناء مصر- بمفرده, وكان يفضل أن يلتقي بضيوفه في بيته بحضور محمد سلماوي الذي كان أقرب أصدقائه وموضع ثقته, وقد أنابه لتسلم جائزة نوبل عنه في ستوكهولم عام.1988 لكن الكتاب تضمن أيضا لقاءات نجيب محفوظ مع كتاب ومثقفين وعلماء مصريين وعرب من الأسماء المعروفة عالميا مثل: الدكتور أحمد زويل والأستاذ محمد حسنين هيكل وياسر عرفات والكتور أحمد كمال أبوالمجد.
تضمن الباب الأول نص الحوارات التي دارت بين نجيب محفوظ وزواره من كبار العقول في العالم في مختلف التخصصات, ممن سعوا جميعا ليكونوا' في حضرة نجيب محفوظ'. أما الباب الثاني فيضم مقالات كتبها المؤلف عن نجيب محفوظ في عدد من المناسبات علي مدي عقدين, ومعظمها ينشر للمرة الأولي, وهي تعرض بعض الجوانب من حياة الأديب الكبير وإنتاجه الأدبي وآرائه في الثقافة والسياسة فتضع القارئ في حضرة نجيب محفوظ يجالسه ويتعرف عليه. وتضمن الباب الثالث مجموعة من كلمات محفوظ, ومن بينها حكايته مع القراءة والكتابة, وكلمته في إحتفال نوبل عام1988. ولم ينس سلماوي المعروف عنه دماثة الخلق النادرة أن يتوجه بالشكر الي الزملاء في قسم الاستماع بالأهرام الذين قاموا بتفريغ الشرائط التي سجل عليها الحوارات واللقاءات.
كان لقاء الأديب نجيب محفوظ في مكتبه بالدور السادس بالأهرام مع' ستوري ألين' السكرتير الدائم للأكاديمية السويدية التي تختار كل عام الفائز بجائزة نوبل في الأدب, وقد شكره علي قبوله الجائزة وقال:' لأنك بذلك صححت وضعا خاطئا, فقبولك للجائزة يؤكد موضوعيتها, ونحن مدينون لك بذلك, فالأدب العربي عريق يمتد تاريخه, وجاء الوقت ليحصل علي ما يستحق من تكريم'.
إعتذر محفوظ عن عدم السفر الي ستوكهولم لتسلم الجائزة لأنه لم يكن يهوي السفر في شبابه ولم يعد قادرا لظروفه الصحية بالسفر وقت حصوله علي الجائزة وكان قد اقترب من الثمانين, وقال لضيفه:' إنني أنيب صديقي محمد سلماوي' فقاطعه ألين قائلا:' محمد سلماوي يتقلد منصبا رسميا, فهو وكيل وزارة الثقافة', في ذلك الوقت] فرد محفوظ:' في الحقيقة إنني إخترته لصفته الأدبية, فهو أديب معروف وكاتب مسرحي مميز ينتمي لجيل تال لي, وقد يكون من المفيد أن نلفت نظر العالم الي أن الأدب العربي العريق الذي قلت أنه تم تجاهله طويلا يتواصل من جيل الي جيل, كما أن محمد سلماوي لديه المميزات المطلوبة في مثل هذه المناسبات الدولية'.
إلتقت نادين جورديمر كاتبة جنوب أفريقيا البيضاء الحائزة علي جائزة نوبل عام1991 بنجيب محفوظ يوم عيد زواجها ال51 وكانت في زيارة لمصر بدعوة من وزير الثقافة في ذلك الوقت- فاروق حسني. كانت جورديمر ضيفة الشرف في معرض كتاب القاهرة ال37 عام.2005 بعد ساعتين من وصول جورديمر الي القاهرة إتجهت مع سلماوي الي منزل محفوظ, وقدم محفوظ لضيفته آخر كتبه التي صدرت مترجمة الي الانجليزية' أحلام فترة النقاهة' بمناسبة عيد ميلاده ال.93 وشرح لها أديب نوبل أنه يتضمن أقاصيص قصيرة يستوحيها من أحلامه. سألت الضيفة أديبنا الكبير: هل مازلت تكتب في سنك هذه؟ فقال لها إني أكتب هذه الأحلام, وماذا عندك أنت؟ قالت: إنتهيت من رواية لم تنشر بعد, وأشعر بأنها آخر رواياتي, ربما لأنني فقدت جذوة الكتابة. إنني أشعر بأنني كتبت كل ماأستطيع أن أكتبه. رد عليها محفوظ قائلا: بعد الثلاثية شعرت أنني أفرغت كل ما في جعبتي الروائية, ولم يعد لي ما أقوله, وتصورت أن أفكاري قد نضبت وأصبت بالاكتئاب. قالت: أنا الآن في سن ال81 وأشعر بأنني خلفت ورائي الكثير. وقال محفوظ: أنا الآن في سن ال93 وما زلت أكتب, فرغبتي في الكتابة لاتزال مستمرة, فقدراتي الجسدية لاتساعدني كثيرا ولم أعد أتمكن من الامساك بالقلم بعد ما أصاب يدي اليمني علي أثر جريمة الاعتداء عليه وقد تحايلت علي ذلك بالاملاء. تبادل الكاتبان ذكريات بدايات الكتابة في أيام الطفولة, وكأنهما خرجا لتوهما من لجنة الامتحان. وفي نهاية اللقاء قدمت نادين جورديمر كتابين لمضيفهاأحدهما بعنوان الغنيمة وكتبت علي صفحته الأولي هذا الاهداء:' الي نجيب محفوظ تقديرا لعظمته, وحبا وعرفانا بالنور والسعادةالتي أدخلتهما في نفسي قراءاتي لأعماله.
كويللو والبحث عن الكنز
إنحني الكاتب البرازيلي العالمي باولو كويللو علي يد محفوظ اليمني المضمومة الي صدره عندما دخل عليه في منزله, ولما لاحظ أن أديبنا أخذ قليلا, إعتذر كويللو قائلا: أرجو ألا أكون قد آلمتك. لكنه كان علي أن أقبل تلك اليد التي أنتجت لنا بعض أعظم الابداعات الروائية في العالم. إنها اليد الذهبية التي ليس كمثلها يد.
يقول سلماوي في مقارنته بين محفوظ وبين أديب البرازيل: أن الأديبين الكبيرين بلغا القمة العالمية كل بطريقته المختلفة عن الآخر, فمحفوظ وصلها عن طريق المحلية المصرية التي حولها بعبقريته الأدبية الي مادة إنسانية عابرة للقارات والثقافات, أما كويللو فقد وصل إليها بالتحرر من المحلية والتوجه الي النزعات الانسانية, خاصة البحث عن الذات التي يرمز اليها في روايته الشهيرة' الخيمائي' بالكنز الذي يبحث عنه البطل, وقد قاده البحث من ربوع أسبانيا الي صحراء مصر.
قال كويللو لمحفوظ: لقد غزت كتبك نفسي بلا مقاومة. فرد محفوظ المجاملة قائلا: وأنت غزوت العالم بكتبك بدون مقاومة أيضا, فأعمالك ترجمت الي56 لغة تزيد مبيعاتها علي60 مليون نسخة.
سأل سللماوي الأديب البرازيلي عن السمة المشتركة بينه وبين أديبنا الكبير ؟ فقال: إننا نسعي الي بناء الجسور بين الناس من خلال الاهتمام بالبشر قبل الأفكار أو العقائد أو الأيديولوجيات... فأنا مثلا أهم شئ عندي في أي دولة أزورها محاولة التعرف علي شعبها ومخالطتهم, واذا خيرت بين زيارة المتحف أو المقهي, فأنا أختار المقهي بلا تردد.
رد سلماوي, بأن للمقهي مكانة مهمة في حياة محفوظ ربما لنفس السبب, فقد عاش حياته كلها وسط الناس وهو مشاء عظيم, مشي في جميع أحياء القاهرة جيئة وذهابا, لذلك لم يرغب أبدا في أن يمتلك سيارة.
قال محفوظ لكويللو أنه لم يعد لديه القدرة علي القراءة لكن صديقه الطيب يقصد سلماوي قرأ روايتك' الخيميائي' ورواها لي بكل تفاصيلها, وقد سيطرت قصة البحث عن الكنز علي كل إهتمامي.
قال كويللو لمحفوظ: قرأت روايتك العظيمة' الطريق' ووجدت أنك سبقتني في قصة البحث هذه, فالبطل عندك يبدو أنه يبحث عن والده لكنه في الواقع يبحث عن الحقيقة ثم يبحث منه خلالها عن نفسه, وهذا هو حال بطلي أيضا. رد محفوظ: لكل إنسان الكنز الذي يبحث عنه. فرد كويللو: وقد يكون الكنز بداخله. قال محفوظ: إن هذا هو الكنز الحقيقي لأنه اذا وجده الانسان فهو لايفقده أبدا, لأنه كنز لايفني.
إيريك إيمانويل شميت
محفوظ وأبوالهول
وهكذا يقدم سلماوي المعيد السابق بقسم الأدب الانجليزي بآداب القاهرة وأول رئيس تحرير لصحيفة' الأهرام إبدو' التي تصدر أسبوعيا عن الأهرام باللغة الفرنسية ورئيس اتحاد الكتاب المصريين والعرب من خلال ثقافته الموسوعية- دروسا للقراء في الآداب العالمية يعرفهم فيها بأهم أدباء وكتاب العالم الذين رافقهم في زيارة أديبنا الكبير, وأعتقد أنه كما كان سلماوي سعيد الحظ باختيار محفوظ لمرافقته, فقد كان نجيب محفوظ موفقا في إختيار سلماوي ومنحه ثقته التي كان جديرا بها ولم يمنحها لأي أديب مصري آخر.
قال الكاتب الفرنسي الشهير إيريك إيمانويل شميت صاحب رواية' مسيو إبراهيم وزهور القرآن' لمحمد سلماوي: لحظتان لي في مصر لن أنساهما أبدا, اللحظة الأولي كانت وقت زيارتي للأهرامات ووقوفي بين قدمي أبوالهول الذي يجسد تاريخ مصر القديم ومجدها الغابر, والثانية عندما التقيت بالأديب العالمي نجيب محفوظ الذي يجسد ثقافة مصر المعاصرة وضميرها الحي.
قال محفوظ لضيفه عندما زاره في منزله لقد قرأ علي صديقي محمد سلماوي أجزاء مطولة من روايتك' مسيو إبراهيم وزهور القرآن' وأعجبت بها, فقد وجدت بها بعدا إنسانيا قويا هزني من الأعماق.
يقول سلماوي أنه كان هناك الكثير الذي يجمع الأديب الفرنسي الزائر ونجيب محفوظ, فشميت كاتب شاب ولد عام1960 بدأ كاتبا مسرحيا ثم إتجه الي الرواية فكتب روايات تميل الي القصرويعتمد علي مايبدو أنه بساطة متناهية في عرض الأحداث وفي اللغة أيضا. وظل شميت متمسكا بالقالب المسرحي حتي بعد أن كتب الرواية. وقد عرضت رواية شميت' مسيو إبراهيم وزهور القرآن' في البداية كمسرحية نالت نجاحا كبيرا, لكنها عندما تحولت الي رواية زاد إنتشارها وباعت في فرنسا300 ألف نسخة قبل أن تترجم الي20 لغة كان من بينها العربية.
يضيف سلماوي أنه عندما التقي شميت ومحفوظ, تلاقيا حول الكثير من النقاط المشتركة, فهناك البعد الانساني العميق الذي يميز رواياتهما, وهناك البعد الصوفي أيضا, ثم هناك دراسة الفلسفة التي تشكل عن طريقها البعد المعرفي لكل منهما.
'الحكاء الأكبر'
قدم الكاتب الروائي والصحفي الفرنسي روبير سوليه بعض مؤلفاته لنجيب محفوظ خلال لقائهما مع إهداء رقيق قال فيه:' الي نجيب محفوظ شيخ الحكائين جميعاالذي تعلمنا منه فن الحكي'.
يقدم سلماوي سوليه للقراء فيقول: كانت أحدث روايات سوليه- المصري الأصل والذي ولد بالاسكندرية عام1946 وتركها مع أسرته الي فرنسا عام1963 بعنوان:' المملوكة' وقد أثارت اهتماما أدبيا في فرنسا باعتبارها تتناول فترة غير مطروقة في التاريخ المصري الحديث, فالروايات التي كتبها بعض الأدباء الفرنسيين من ذوي الأصول المصرية مثل ألبير قوصيري وأندريه شديد, كانت أحداثها تدور حول مصر الحديثة, بينما عاد روائيون فرنسيون آخرون الي التاريخ المصري القديم, وأشهر هؤلاء كريستيان جاك الذي كتب20 رواية مستوحاة من التاريخ الفرعوني. وقد كانت' المملوكة' أول أول رواية في الأدب الفرنسي الحديث تتخذ من هذه الفترة موضوعا لأحداثها. أما أول رواية لسوليه التي لفتت اليه الأنظار فكان عنوانها' الطربوش'.
قد سوليه نفسه لمحفوظ قائلا: أنا كاتب أعتبرك أستاذي في الفن الروائي فأنا أصولي مصرية وصديق لمحمد سلماوي. ولدت في مصر وتعلمت في مدارسها وأسرتي تنحدر من أصول شامية مسيحية, لكنني أعتبر أن أصولي مصرية, لأن الذي يحدد هوية الانسان هي عواطفه, ثم ان مصر تستوعب كل من يعيش علي أرضها. حين بدأت أكتب وجدت أن رصيدي الحضاري والوجداني مصري. حوار طويل وممتع دار بين نجيب محفوظ وروبير سوليه حول الأدب الفرنسي شارك فيه سلماوي, فقد إعترف أديبنا الكبير بأنه في شبابه تأثر بعمالقة الرواية الفرنسية, فقد قرأ أناتول فرانس بلغته الأصلية, وقال: تصورت لبساطة أسلوبه أنني ملكت ناصية اللغة الفرنسية, فذهبت الي رواية' مدام بوفاري' لفلوبير, فوجدت أنني أمضي مع القاموس وقتا أطول مما أستغرقه مع الرواية. يضيف محفوظ: لذلك قررت قراءة أعمال مارسيل بروست وبلزاك مترجمة باللغتين الانجليزية والعربية, كما قرأت راسين وكورني, أما موليير فقرأت كتبه بالفرنسية والعربية. ويبدو أن نجيب محفوظ كان من عشاق الأدب والفلسفة الفرنسية في شبابه فقد دار حوار مع ضيفه حول روايات أناتول فرانس:'الزنبقة الحمراء' و'تاييس' و'العلبة الصدفية' و'الآلهة عطشي' كما قرأ لكبار الفلاسفة الفرنسيين الذين تعرف عليهم خلال دراسته للفلسفة بكلية الآداب.
أورهان باموك
ومحفوظ الذي لم يقابله
عندما زار أديب تركيا أورهان باموك مصر ضيفا علي معرض الكتاب عام2007 كان نجيب محفوظ قد رحل في عام2006 نفس العام الذي فاز فيه باموك بجائزة نوبل, مما أحزن الضيف الذي قال:' كل ما أعرفه عن إنسانية محفوظ جعلني أتمني مقابلة ذلك الرجل العظيم'.
الحوار الذي دار بين سلماوي وباموك لم يكن حول أدب محفوظ فقط بل عن طباعه وأخلاقيته ومواقفه الانسانية وقال سلماوي لباموك: اذا كان هناك نوبل في الانسانية لكان محفوظ أول الفائزين بها.
سأل سلماوي الأديب التركي: ماذا يمثل لك نجيب محفوظ ؟ رد باموك: بعيدا عن أنه كاتب عالمي عظيم, فانني أشعر بتقارب كبير معه, أشعر أنني أعرفه رغم أنني لم ألتق به. إنه آخر كتاب الواقعية في القرن العشرين لذلك لم يكن غريبا النجاح الذي حققه في الثلاثية العظيمة التي تعتبر من أهم أعمال المدرسة الواقعية في العالم, ثم تحوله بعد ذلك الي أشكال جديدة أكثر عصرية وأكثر تجريبية.
ترجمت أعمال باموك الي51 لغة, أما إسمه الحقيقي الذي يعتز به فهو فريد, وقد اتجه في سن السابعة للرسم وكان يتطلع إلي أن يصبح فنانا تشكيليا, لكنه درس العمارة بناء عن رغبة أسرته. ورغم أنه لم ينس الفن إلا أنه اتجه للكتابة في الثانية والعشرين من عمره فترك دراسة العمارة بالجامعة في السنة الدراسية الثالثة وتفرغ للكتابة.
- سلماوي: أول كتبك كان عنوانه' الكتاب الأسود' وأشهر رواياتك بعنوان:' إسمي أحمر' ولك رواية رائعة بعنوان' القلعة البيضاء' فهل مازال الفنان التشكيلي يعيش في داخلك ؟
قال باموك: هناك مقالات سوف تظهر في كتاب بعنوان:' ألوان أخري' فأنا كاتب بصري أري الأشياء قبل كتابتها, وما أكتبه هو وصف بالكلمات قبل كتابتها. ثم يستطرد ضاحكا: ربما لهذا السبب أحول رواياتي الي لوحات ذات ألوان محددة.
وتستمر الحوارات بين أديبنا العظيم مع كبار الأدباء والعلماء والسياسيين العالميين, وهي الي جانب متعة القراءة الا أن سلماوي دون أن يتعمد القيام بدور الأستاذ المعلم فانه يضيف الي القارئ معلومات ومعارف جديدة عن الأدب العالمي.
حب الموت!
الباب الثاني من الكتاب يتضمن عددا من المقالات التي تشغل نحو مائتي صفحة كتبها سلماوي خلال لقاءاته ومعايشته لكثير من المناسبات والأحداث التي كان أديبنا الكبير طرفا فيها, وكلها تكشف جوانب جديدة من شخصيته. فتحت عنوان' حب الموت' يقول سلماوي أن كثيرا من الأدباء الذين زاروا مصر بعد وفاة محفوظ كانوا يسألونه عن مقولة الأديب الراحل عن' حب الموت'. كيف يحب الانسان الموت ؟ ماذا يقصد بحب الموت؟ هل كان يريد أن يموت ؟ ويرد سلماوي: حب الموت عند محفوظ لم يكن رغبة انتحارية ساذجة, إنما هو تعبير عن نظرة فلسفية ثاقبة نجدها في كثير من الأديان السماوية وغير السماوية ونجدها في بعض الفلسفات الوضعية, فاذا عدنا علي سبيل المثال الي' كتاب الموتي' في التاريخ المصري القديم نجد أن حياة المصري كانت تتطلع دائما الي الموت, فالموت ليس نهاية الحياة, وإنما هو في عقيدة المصري القديم بداية لمرحلة الخلود التي يحرص عليها الجد المصري القديم لنجيب محفوظ, وكان لهذا الخلود شروط تتلخص في التقوي خلال الحياة الدنيا, والحفاظ علي الجسد بعد الموت, وإحاطة المتوفي بالكتابات الجنائزية التي تضمن له الخلود. وقد جسد محفوظ هذه الفلسفة المصرية القديمة, فقد عاش حياته بالحب, فبعث للناس بالخير جميعا, وكان لديه رغبة دائمة للعطاء. واذا كانت النقوش الحجرية التي تغطي جدران مقبرة المصري القديم تذكر بانجازاته في الحياة كي تشفع له في الآخرة, فان ما تركه محفوظ من كتابات سيبقي شاهدا علي إنجازه الانساني الضخم الذي تخطي تأثيره حدود وطنه حتي وصل الي رحاب الانسانية جمعاء, وتلك الكتابات باقية من بعده كصدقة جارية, فهل لمثل هذا الانسان أن يخشي الموت ؟
يضرب سلماوي المثل بعد ذلك بالشاعر الانجليزي الرومانسي شيلي الذي يقول في قصيدته بعنوان:' الموت':' في البداية نموت لذاتنا ثم تموت الآمال, ثم تموت أخيرا المخاوف, واذا ماتت مخاوف الانسان فهل يخشي الموت أم يقبله مرحبا كما يلقي الحبيب'؟ لقد وصل نجيب محفوظ بحكمته الانسانية وبالشفافية الفياضة أن يقول:' اذا أحببت الدنيا بصدق, أحبتك الآخرة بجدارة'.
عشرات المقالات التي تنير الطريق لأي باحث في أدب وانسانية روائي نوبل العظيم الذي شرف الجائزة العالمية, والتي كتبها سلماوي بحب عميق وعاطفة لأستاذه وصديقه نجيب محفوظ لاتتسع المساحة لعرضها لكنني سوف أختم عرض الكتاب بمقال لسلماوي بعنوان:' الرواية المحفوظية' يقول فيه:' لم يقدر لأحد من أدباء العربية أن يلعب ذلك الدور التاريخي الفريدالذي قام به أديبنا الكبير نجيب محفوظ في تشكيل الرواية وتطويرها, فقد إلتقط الرواية في مطلع القرن العشرين من أيدي روادها هيكل والمازني والعقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم وصعد بها الي أعلي درجات الارتقاءالي آفاق غيرمسبوقة جعلت الناقد والباحث الأمريكي المعروف' روجر ألن' يقرر أن الرواية العربية أصبح لها الآن هويتهاالخاصة, واذا كان تاريخ الرواية في مصر قصيرا نسبيا, حيث أنه لا يتعدي قرنا واحدا, فان هذا التاريخ مرتبط في تطوره بمراحل الفن الروائي عند نجيب محفوظ.
لا أعتقد أن أديبا مصريا في قامة سلماوي قدم نجيب محفوظ لمصر وللعرب وللعالم مثل مافعل محمد سلماوي, لكن من يقترب من مؤلف كتاب' في حضرة نجيب محفوظ' يتأكد أن الاخلاص والعطاء ودماثة الخلق والانتماء للوطن هي صفات أساسية تشكل ليس فقط كتاباته ولكن علاقاته الانسانية بكل المحيطين به.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.