الحلم الأمريكى مليء بالمنغصات.. حلم ليس ورديا على الإطلاق.. فالظلال السوداء تحاصر دائما الإنجازات.. والدولة الأفضل فى العالم من حيث تقديم الخدمات لمواطنيها - كما تقول آلة واشنطن الإعلامية - ترزح تحت أغلال مخاطر «طبقية» تهددها صباح مساء! يقول أندريه دامون، فى موقع جلوبال ريسيرش أنه ومع استعداد الرئيس باراك أوباما والكونجرس لاقتطاع تريليونات الدولارات من البرامج الاجتماعية التى تبقى أعدادا كبيرة من الناس خارج دائرة الفقر، بلغ تفشى الجوع والفقر فى الولاياتالمتحدة، معدلات لم تشهدها البلاد منذ عقود.
يحتكم الكاتب إلى الإحصائيات والأرقام فيقول إن عدد الأمريكيين الذين يتلقون قسائم معونة غذائية، بلغ فى أغسطس الماضى رقما قياسيا جديدا هو 47.1 مليون شخص، وفق آخر أرقام وزارة الزراعة الأمريكية ويزيد هذا الرقم بمقدار مليون شخص على الرقم فى السنة الماضية، كما يزيد بأكثر من النصف عما كان عليه فى أكتوبر 2008 حيث كان 30 مليونا وفى مدينة واشنطن، وولاية مسيسبي، يتلقى أكثر من خمس السكان الآن قسائم معونات غذائية.
والمعدل الشهرى للمعونة الغذائية لكل شخص هو 130 دولارا أى حوالى 4.33 دولار فى اليوم، أى أقل من ثمن فنجان قهوة فى منطقة منهاتن الجزء الجنوبى من منهاتن، حيث مركز التجارة والأعمال والحكم فى مدينة نيويورك.. ومع ذلك، تجرى الآن مناقشة مشروع قانون فى مجلس الشيوخ، من شأنه أن يقتطع مليارات الدولارات من البرنامج على مدى عشر سنوات، ويلقى بعدد غير محدد من الأطفال والشيوخ والعجائز فى الفقر، ففى الولاياتالمتحدة الآن، حوالى 50 مليون شخص يفتقرون إلى الأمن الغذائي، وقد حقق العدد قفزة عالية عما كان عليه عام 2007 إذ كان 36 مليونا، ومن بين هؤلاء الجياع 17 مليون طفل.
وقد بلغ معدل الفقر الرسمى رقما قياسيا هذا العام على الرغم من أنه يقلل كثيرا من المستوى الحقيقى للحرمان الاجتماعى ففى الولاياتالمتحدة الآن حوالى 49.7 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر أى 16.1% من المجموع الكلى للسكان، وفقا للمقياس التكميلى للفقر، الذى أصدره مكتب الإحصاء الأمريكى هذا الشهر، وفى عام 2006 كان هناك 37.3 مليون شخص فقراء، وكان معدل الفقر الرسمى 12.5%.
وقد وجد التقرير معدلات فقر عالية بصورة استثنائية فى الولايات التى تتميز بتكلفة معيشة عالية ويبلغ معدل الفقر فى كاليفورنيا، وفق المقياس الجديد 23.5% أى أن واحدا تقريبا من كل أربعة من سكان الولاية الأكثر ثراء، والأشد ازدحاما فى البلاد، فقير أى أن كاليفورنيا موطن هوليوود ووادى السيليكون بالإضافة إلى مصانع الملابس الضخمة التى يعمل فيها العمال بأجر زهيد، ومعسكرات العمل التى تؤوى عمال المزارع المهاجرين - تملك واحدا من أعلى مستويات التفاوت فى الدخل فى الولاياتالمتحدة.
وفى الوقت نفسه، تكشف بيانات مكتب الإحصاء أن متوسط دخل الأسرة فى أمريكا - قد انخفض بنسبة 1.5% عن السنة الماضية وكان هذا الرقم أقل ب8.1% عما كان عليه عام 2007 وب8.9% عما كان عليه عام 2009 وقد انخفض دخل الأسرة الأمريكية النمطية عام 2011 للسنة الرابعة على التوالي، وبلغ مستويات منخفضة شهدتها البلاد آخر مرة عام 1995 ويقول الكاتب إن ما فاقم معدلات الفقر العالية والبؤس الاجتماعى الذى سببته الأزمة الاقتصادية هو استمرار الاقتطاعات من ميزانيات البرامج الاجتماعية.
فبرامج الحكومة لمكافحة الفقر تبقى حوالى 50 مليون شخص خارج دائرة الفقر وبدونها سوف يتضاعف معدله.. وفى عام 2001 قدم التأمين ضد البطالة معونة ل26 مليون عامل، ورفع 2.3 مليون شخص، من بينهم أكثر من 600 ألف طفل، فوق خط الفقر وفى عام 2010 تلقى نحو ثلثى الناس الذين يدخلون ضمن إحصاءات الحكومة للعاطلين عن العمل، معونات بطالة. ولكن هذا الرقم، انخفض فى عام 2011 إلى 54% وهبط فى هذا العام إلى 45% فقط.
والآن من المقرر أن توقف معونات البطالة، المطبقة بسبب التدهور الاقتصادى ونمو البطالة طويلة الأمد، فى 31 ديسمبر وما لم يتم تجديد البرنامج فسوف يفصل منه مليونا شخص، ولن يحصل أى عاطل من العمل، فى أى مكان فى البلاد، على راتب بطالة، لأكثر من 26 أسبوعا بعد تسريحه من العمل.
وإذا ترك البرنامج ليتهاوى فسوف يعنى ذلك أن ما لا يزيد على ربع العاطلين من العمل رسميا سوف يتلقون أى شكل من أشكال المعونات ويقول الكاتب: إن أغلب الناس ترى أن انتخابات 2012 جاءت ورحلت بدون أن تعالج همومهم واحتياجاتهم الحقيقية.
ومع انتهاء انتخابات نوفمبر الماضى تفرغ الديمقراطيون والجمهوريون لمهاجمة برامج المعونات وكل ما يتبقى من شبكة الأمان الاجتماعية، غير مفكرين إلا بمصالحهم وعذرهم دائما عدم وجود أموال لهذه البرامج فى حين أن أصحاب المليارات، ممن يقفون وراء الساسة ويدعمونهم، متخمون بالأرباح القياسية ونعم سوق البورصة فى وول ستريت وإذ يوجد هذا الفقر المدقع جنبا مع الثروة الطائلة الفاقدة لأى إحساس، يتقبله التحالف المكون من أرباب المال والساسة، باعتباره من حقائق الحياة فى الولاياتالمتحدة ولكن السكان، الذين لم يأخذ أحد رأيهم فى ذلك، يغلون بالغضب.. فالمجتمع الأمريكي، الذى يسوده التصلب، والظلم واللامساواة، متجه نحو هبة اجتماعية، لا محالة ومن ناحية أخرى فهناك قرية أمريكية يئن سكانها تحت وطأة الفقر والظروف المعيشية الصعبة وحالهم كحال أى قرية عربية عادية بل أسوأ تقع مقاطعة «APPaIachian» آبالاشيان شرق ولاية كنتاكى الامريكية وهى بنيت قبل 19 عاما من اندلاع الحرب العالمية ومن يدخل هذه القرية لا يصدق أنه فى الولاياتالمتحدةالأمريكية فهى محرومة من الخدمات الأساسية كالكهرباء وماء الشرب النظيف والأجهزة المعاصرة والسيارات الحديثة أو حتى متوسطة العمر كما أن نسبة 41% من سكانها يعيشون تحت خط الفقر وبصفة عامة فإن الشخص الذى يبلغ دخله السنوى حوالى 19.500 دولار أو 45.500 دولار للأسرة المكونة من 4 أفراد يعتبر من ذوى الدخول الضعيفة ويستحق الإعانات الحكومية ولا يسدد الضرائب المستحقة كاملة ولكن الأمور مختلفة فى هذه القرية الفقيرة فالسكان يعملون فى أعمال يدوية بسيطة وشاقة وغير مربحة كبناء المنازل ونقل البضائع والمعدات على ظهر الاحصنة والدواب ويقبض الفرد هناك فى مقابل تأديته للاعمال اليدوية حوالى 8 دولارات فى الساعة وبالطبع هذا النوع من الاعمال لا يكون ثابتا أو منتظما لذلك يعتمد معظم السكان بل وإن لم يكن جميعهم على الاعانات الحكومية وعلى مساعدات أهل الخير وعلى التعاون بين اهل القرية ومؤازرتهم لبعضهم البعض فى وقت الشدائد وقد أظهر استطلاع حديث لمعهد بيو أن عددا متزايدا من الأمريكيين يعتبر أنه ينتمى إلى الطبقات الأقل فقرا وبين الاستطلاع أن ثلث الأمريكيين يعد نفسه من الطبقة المتوسطة الدنيا أو من الطبقة الأقل، مقابل الربع منذ أربع سنوات كما أظهر الاستطلاع أن الأكثر فقرا يواجهون ظروفا قاسية أو صعبة، حيث قال 84% من الأشخاص المستطلعين أنهم خفضوا نفقاتهم السنة الماضية، مقابل 62% بين الطبقات المتوسطة و41 بين الطبقات الميسورة وفى موقع انفورميشن كليرينج هاوس كتب الاقتصادى والمعلق الأمريكى بول كريج روبرتس الذى عمل مساعدا لوزير الخزانة فى إدارة رونالد ريجان مقالا بعنوان سقوط أمريكا فى الفقر قال فيه إن الولاياتالمتحدة تداعت اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وقانونيا ودستوريا وبيئيا والبلد الموجود اليوم ليس حتى ظل البلد الذى ولدت فيه وفى هذا المقال، سأبحث فى التداعى الاقتصادى لأمريكا اقتصاديا، أمريكا سقطت فى الفقر وكما يقول بيتر أدلمان محام وسياسى وبروفيسور قانون وقد عمل مساعدا للسيناتور روبرت كينيدى ثم مسئولا فى إدارة كلينتون، فإن العمل المتدنى الأجر شائع بصورة شاملة واليوم، فى أمريكا الحرية والديمقراطية، والقوة العظمى الوحيدة فى العالم، يتم تشغيل ربع القوى العاملة فى وظائف تقل رواتبها وأجورها عن 22 ألف دولار، المبلغ المحدد رسميا كخط الفقر بالنسبة لعائلة من أربعة أفراد وبعض هؤلاء الأشخاص الذين يتقاضون رواتب وأجورا متدنية هم خريجو جامعات شبان، مثقلون بعبء قروض التعليم، ويشاركون السكن مع ثلاثة أو أربعة أشخاص آخرين يعانون الوضع اليائس ذاته، وإلى جانب هؤلاء الأشخاص، هناك فئة الأهل المنفردين الذين يكفى أن يفقدوا وظيفتهم أو يتعرضوا لمشكلة طبية حتى يصبحوا مشردين وهناك آخرون يمكن أن يكونوا حملة دكتوراه يدرسون فى جامعات كأساتذة مساعدين مقابل راتب سنوى يبلغ 10 آلاف دولار أو أقل والتعليم لايزال يوصف بأنه الطريق للخروج من هوة الفقر، ولكنه يصبح أكثر فأكثر اليوم طريقا إلى الفقر، أو إلى التطوع فى القوات المسلحة.
وتظهر أبحاث أدلمان الذى يدرس هذه المسائل، أن هناك 20.5 مليون أمريكى يقل دخلهم عن 9500 دولار فى السنة أى نصف الحد الرسمى للفقر بالنسبة لعائلة من ثلاثة أفراد.
وهناك أيضا ستة ملايين أمريكى دخلهم الوحيد هو قسائم الغذاء يوزعها برنامج حكومى لتوفير الغذاء لذوى الدخل المتدني، وهذا يعنى أن هناك ستة ملايين أمريكى يعيشون فى الشوارع، أو تحت الجسور، أو فى منازل أقرباء أو أصدقاء والجمهوريون المتشددون يواصلون شجب برامج الرعاية الاجتماعية، ولكن أدلمان يقول: الرعاية الاجتماعية اختفت عمليا.
ويرى كاقتصادى أن خط الفقر الرسمى لم يعد يصلح منذ وقت طويل، إذ إن عائلة من ثلاثة أفراد لا تستطيع اليوم العيش بدخل 19 ألف دولار سنويا، فإذا أخذنا بعين الاعتبار إيجارات السكن، وأسعار الكهرباء والمياه والخبز ووجبات المطاعم السريعة، نجد أن الشخص الواحد لا يمكنه أن يعيش فى الولاياتالمتحدة على دخل يبلغ 6.333.33 دولار فى السنة، ربما يكون ذلك ممكنا فى بلاد مثل تايلاند، ولكن ليس فى الولاياتالمتحدة.
وكما أظهر تجريبيا الباحثان دان أرييلى من جامعة ديوك ومايك نورتون من جامعة هارفارد، فإن 40% من سكان الولاياتالمتحدة، وهم ال 40% الأقل فقرا يملكون 0.3% أى ثلاثة أعشار 1% من الثروات الشخصية فى أمريكا، فمن يمتلك ال 99.7% وال 20% الأكثر غنى يملكون 84% من ثروة البلد، أما الشريحتان الثالثة والرابعة من الأمريكيين أى أساسا الطبقة الوسطى فهما تملكان 15.7% فقط من ثروة الأمة، إن مثل هذا التوزيع غير المتكافئ للثروة لا سابقة له فى العالم المتقدم اقتصاديا.
إحدى النتائج الدرامية لهذا التفاوت الكبير فى توزيع الثروة فى أمريكا هى انخفاض متوسط العمر المتوقع بالنسبة للأمريكيين الأكثر فقرا، وقد ناقش هذا الموضوع السياسى الكندى باتريك مارتن فى مقال نشره موقع جلوبال ريسيرش وقال فيه: أظهرت دراسة أجريت لحساب المجلة المهنية «الشئون الصحية» أن متوسط العمر المتوقع ينخفض لشرائح كبيرة من الطبقات الشعبية.
والأرقام التى ذكرتها الدراسة قاسية، إذا إن الفجوة فى متوسط العمر المتوقع بين الشرائح الأكثر حظا اجتماعيا وتلك الأقل فى أمريكا تزيد على 10 سنوات بالنسبة للنساء، وعن 14 سنة بالنسبة للرجال، وقال واضعو الدراسة إن «هذه الفجوات اتسعت مع مرور السنين وأدت إلى وجود أمريكيتين على الأفل.
أولى واضعو الدراسة اهتماما خاصاللانخفاض الفعلى فى متوسط العمر المتوقع بين أفقر شرائح الطبقات الشعبية أولئك الذين يقل مستوى تعليمهم عن المرحلة الثانوية، وقد وجدوا أن متوسط العمر المتوقع بالنسبة للنساء فى هذه الشريحة انخفض من أكثر من 78 سنة فى عام 1990 إلى 74 سنة فى عام 2008 وهذا المتوسط انخفض أيضا بواقع ثلاث سنوات بالنسبة للرجال.
وعلى مستوى جميع المجموعات العرقية من السكان، البيض والسود والأمريكيين اللاتينيين قال واضعو الدراسة وجدنا أنه فى الولاياتالمتحدة عام 2008 لم يكن متوسط العمر بين الرجال والنساء البالغين الذين حصلوا على أقل من 12 سنة من التعليم أفضل حالا بكثير مقارنة مع جميع البالغين فى الخمسينيات والستينيات.
وقال مايكل مارموت مدير معهد الإنصاف الصحى فى لندن، فى حديث لصحيفة نيويورك تايمز إن انخفاض متوسط العمر المتوقع بالنسبة للنساء البيض الفقيرات فى أمريكا خلال السنوات الخمس من 2003 إلى 2008 يعيد إلى الأذهان انخفاض متوسط العمر المتوقع بمقدار سبع سنوات بالنسبة للرجال الروس فى أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتى عام 1991.
فى موقع كومون دريمز عدد بول بوكيت وهو ناشط اجتماعى ومبرمج مواقع إنترنت متخصصة فى التعليم والعدالة الاجتماعية سلسلة من الخطايا الأمريكية المهلكة مشيرا إلى أنه يكتفى بعرض الإساءات الداخلية من دون التطرق إلى إساءاتنا الأكثر بشاعة، تلك الحروب العسكرية والاقتصادية ضد بقية العالم وفيما يلى القائمة التى عرضها:
1 خطيئة ضد الأطفال حرمة الحياة ربما تنتهى عند الولادة وحسب مكتب الإحصاء «الوكالة الحكومية المسئولة عن الإحصاء فى الولاياتالمتحدة» فإن واحدا من بين كل خمسة أطفال أمريكيين يعيش فى الفقر، وبالنسبة للأطفال السود الأمريكيين اللاتينيين المعدل هو واحد من بين كل ثلاثة.
2 خطيئة ضد الفقراء خلال فترة ال11 سنة الأخيرة ارتفع معدل الفقر فى الولاياتالمتحدة من 11.3% إلى 15% ما يمثل قفزة بواقع 33%.
3 خطيئة ضد الطلاب الطلاب على جميع المستويات أخذوا يخسرون دعم الأمة، فالولايات خفضت ميزانيتها للتعليم بمقدار 12.7 مليار دولار فى عام 2012، وفى العام 2013 ستنخفض أكثرية الولايات إنفاقها على التعليم.
4 خطيئة ضد الطبقة الوسطى الطبقة الوسطى أخذت تتقلص عدديا وتظهر دراسة لمعهد بيو أنه فى عام 2011 كان 51% من الأسر الأمريكية تكسب ما بين ثلثى وضعف المتوسط الوطنى للدخل مقارنة مع 61% فى السبعينيات.
5 خطيئة ضد الحس السليم بدأت الخديعة، على الأقل فى العصر الحديث، مع الاقتصادى الأمريكى ميلثون فريدمان الذى قال إن نظام السوق الحرة يوزع ثمار التقدم الاقتصادى بين جميع الناس ومن يتحرك منفرداً يتحرك أسرع.. هذا الالتزام بفردية الاقتصاد الحر ينسجم مع الداووينية الاجتماعية القائمة على الاعتقاد بأن مبدأ البقاء للأصلح «الأغني» سيفيد المجتمع بطريقة ما وأن ملايين الناس الذين يعانون مصاعب مالية إنما يفتقرون ببساطة لحافز من أجل مساعدة أنفسهم.