بعد ماراثون درامى استمر شهرا كاملا تنقلنا خلاله شرقا وغربا مع جميع القنوات الأرضية والفضائية بحثا عن هذا الكم الهائل من مسلسلات رمضان التى وصل عددها لأكثر من 35 مسلسلا من أصل 64 تم إنتاجها هذا العام وجدنا أن بها نماذج جيدة استطلعنا عليا رأى 30 شخصية عامة من سياسيين ومفكرين وكتاب ونقاد ورياضيين ليختاروا لنا أفضل عشرة أعمال منها، خاصة وأن من كم الأعمال التى كانت معروضة من لم يأخذ حقه فى كثافة المشاهدة أو ممن تحققت له نسبة مشاهدة عالية لكنه دون المستوى. قائمة لجنة التحكيم ضمت حسب الحروف الأبجدية كلا من: د. «أحمد تيمور»، د. «أحمد سخسوخ»، د. «أسامة القوصى»، «بشير الديك»، الأب «بطرس دانيال»، د. «حافظ شمس الدين»، د. «حسن عطية»، الموسيقار «حلمى بكر»، «خيرية البشلاوى»، د.«درية شرف الدين»، «رفيق الصبان»، د. «زينب شاهين»، «سيد حجاب»، «سناء منصور»، «صلاح عرام»، «عبدالرحمن الأبنودى»، «فؤاد قنديل»، «محمد صفاء عامر»، «محمد خان»، «محمد كامل القليوبى»، «محمود الطوخى»، «محمود قاسم»، «د.مسعد عويس»، د. «ناجى فوزى»، «نادر عدلى»، «هانى مهنى»، «وجدى الحكيم»، «يسرى الجندى»، «يوسف القعيد»، «يوسف شريف رزق الله».
عمر بن الخطاب
كان من الممكن الاستغناء عن إطلاق اسم «عمر بن الخطاب» على المسلسل بعد أن اكتشفنا أنه لا علاقة له بالفاروق، فكان من الممكن أن نسميه «ظهور الإسلام» أو «فجر الإسلام»، لأننا عندما نقدم سيرة «ابن الخطاب» لابد أن يكون التركيز على الشخصية نفسها، وليس على الأحداث التى عاشها أو الأشخاص الذين عاصرهم ويكون هو مجرد شخصية عادية فى العمل. رغم أن مؤلف العمل «د. وليد سيف» كاتب مقتدر له رصيد قيم من الأعمال، وقادر على صياغة الحوار بلغة فريدة، كذلك «حاتم على» مخرج مجتهد قدم أعمالا ضخمة منها «الملك فاروق» وله بصمته فى «عمر بن الخطاب»، من حيث تفاصيل الديكورات والملابس والإكسسوارات والأصنام التى قدمها برؤية أكثر دقة ومختلفة عما كنا نراه من قبل فى الأعمال الدينية، إلا أن ما أصاب المسلسل فى مقتل أنه لم يقدم شيئا جديدا عن الحياة فى تلك الفترة، بل استحضر كل ما قدمته الدراما العربية من قبل سواء فى السينما أو التليفزيون.
وكانت شخصية «عمر» فى المسلسل شخصية ثانوية، كما أن المخرج جانبه التوفيق فى اختيار «سامر إسماعيل» لأداء شخصية «عمر بن الخطاب» الذى لم تتطابق مواصفاته لا الشكلية ولا الروحية مع شخصية الفاروق الذى سمعنا وقرأنا عنه كثيرا، فكان أداء الممثل ضعيفا وهى نقطة الضعف الشديدة فى المسلسل رغم وجود العديد من القامات فى العمل مثل منى واصف وغيرها، لكننا فى النهاية أمام عمل ضخم وإنتاج كبير وصلت ميزانيته إلى 120 مليون جنيه.
فرقة ناجى عطاالله
الموضوع شديد الأهمية وهو الدخول إلى عالم الصهيونية الذى مازلنا لا نعرف عنه كثيرا واختراق حواجزهم الشخصية التى وصلت إلى غرف نومهم.
العمل ملىء بالإثارة من أول مشهد إلى آخر مشهد بالدرجة التى تجعلك تفكر معهم وأنت تشاهده ولأول مرة منذ فترة طويلة نرى الأسرة المصرية تجتمع على حب عمل واحد بحجم «ناجى عطاالله»، وكان الأكثر مشاهدة بما يحمله من فانتازيا ممتعة كعمل مثير أكثر منه عملا سياسيا، ورغم أن المسلسل قدم فكرة الوحدة الوطنية بأسلوب استهلاكى إلى حد ما فإن هذا يحسب ل «عادل إمام» الذى لم يرد أن يحمل القضية أكبر من حجمها.
العمل رغم أنه لم يكن من ورائه أية قصدية سياسية فإنه ضرب إسرائيل فى مقتل بعد أن أخذت ما قدمه المسلسل من انتقاد وهجوم لاذع للمجتمع الإسرائيلى محمل الجد وناصبت كل من عمل به العداء وهو شرف لهم بالطبع.
عادل إمام استعاد لياقته الأدائية وكان المايسترو الذى نجح فى تحريك كل أفراد فرقته بالشكل المناسب ساعده فى ذلك رؤية «رامى إمام» الإخراجية الواعية الذى نجح هو الآخر فى تسكين الممثل المناسب فى الدور المناسب واكتسبنا بذلك مخرج تليفزيونى واعد.
أما أفراد الفرقة فكونوا سيمفونية رائعة عزفت مقطوعة بديعة، من خلال كتابة النوتة الدقيقة التى كتبها يوسف معاطى، وتبقى الإشادة الرائعة بموسيقى «عمر خيرت» الساحرة.
الخواجة عبد القادر
موضوع ذو طابع صوفى يتم تناوله لأول مرة بهذه الصورة بعيدا عن المسحة العقائدية وبصرف النظر عن الدخول فى تفاصيل أسلمة الخواجة «هربرت» الملحد وتحوله إلى الخواجة «عبدالقادر». فإن المسلسل مزج بين الواقع المأساوى الذى عاشه «هربرت» فى ظل الخيانات المتعددة التى تعرض لها سواء من زوجته أو أصدقائه وأقربائه، وبين عالم آخر مغلف بالسمو الروحى دون أدنى علاقة بالفوارق الدينية، وهو السمو الروحى الذى من الممكن أن نراه فى اليهودية أو المسيحية بجانب الإسلام.
«الخواجة عبدالقادر» نموذج إنسانى بالدرجة الأولى يجسد رحلته من الكفر إلى الإيمان، يتواصل فيها مع الله فى سياق إيمانى حقيقى بعيدا عن الدروشة أو الشعوذة. الكتابة عند «عبد الرحيم كمال» فى هذا المسلسل أقرب إلى الأدب اللاتينى الذى يتميز بالواقعية السحرية التى تمزج بين الواقع والأسطورة، ورغم اللغة الدرامية المعقدة - إلى حد ما - التى قدمه بها والتى يصعب فهمها ليس فقط على المشاهد العادى وإنما على بعض النخبة الذين اعتبروا ما يقدمه «عبدالقادر» هو نوع من الدروشة، إلا أن اللغة التليفزيونية كصورة تظل مبهرة وهو ما اكتسبنا به مخرجا واعدا مثل «شادى الفخرانى». المسلسل يحتاج إلى إعادة مشاهدة أكثر من مرة ليتم استيعابه وهضمه جيدا. حضور «الفخرانى» طاغٍ إلى حد بعيد وكعادته يتميز بقدرته العجيبة على تقمص أى دور مهما كان معقدا. «شادى» لم ينجح فقط فى الاهتمام بعناصر الإبهار، بل تفوق أكثر فى كيفية اختياره لبقية فريق الممثلين بالعمل.
مع سبق الإصرار هو إعادة لاكتشاف موهبة غادة عبدالرازق التمثيلية بعد أن اعتادت تقديم نوعية الأدوار المبتذلة فى أعمال كثيرة من قبل، وقد تكون هى المرة الأولى التى تقدم فيها غادة عملا يقوم على الصراع الإنسانى وليس على الصراع الغرائزى.
صحيح أن فى أعمالها السابقة كان هناك نوع من الانتقام بينها وبين بقية أطراف العمل، لكنه كان صراعا وهميا بلا هدف حقيقى، أما الصراع فى «مع سبق الإصرار» فهو صراع بين جوانب إنسانية تعلى من شأنه.
المجهود الذى بذلته غادة فى أدائها واضح وبشكل ملحوظ ويشير إلى تطور كبير ونضج فى الأداء رغم المبالغة الواضحة فى مظاهر الثراء التى لا تتناسب مع محامية مهما كان دخلها.
«ماجد المصرى» كان خارج سياق الدور وكانت انفعالاته مبالغا فيها لدرجة كبيرة التفت خلالها إلى النيولوك الذى تصور أنه به يشبه «كريم» التركى دون الاهتمام بعمق تفاصيل الشخصية وأحاسيسها، وهو نفس الانفعال والمبالغة الذى وقع فيهما طارق لطفى خاصة مشهد الضرب الذى جمعه بغادة قبل موته.
باب الخلق تجربة مريرة رمى فيها الإنسان المصرى البسيط «محفوظ زلطة» نفسه ليصبح بين شقى الرحى «الإرهاب الداخلى» المتمثل فى الفقر والمعاناة التى عاشها داخل وطنه و«الإرهاب الخارجى» الذى ارتمى فى أحضانه بحثا عن الخلاص إلا أنه وجد نفسه يدخل دائرة معاناة أشد عندما وجد نفسه فى «أفغانستان» معقل الإرهاب، وعندما يقرر العودة بعد غياب أكثر من 20 سنة يعانى مرة ثالثة من مرارة الأجهزة الأمنية وينكشف له الواقع المصرى الذى وجده كما تركه لم يتحرك فيه ساكن، فأيادى الفساد كما هى والواقع الذى طرده إلى «أفغانستان» أكثر قسوة، وتظل مأساته فى عالم خلقه أعداء الوطن وأعداء الإسلام. المسلسل مصنوع بشكل حرفى استحضر فيه عالم «أفغانستان» لأول مرة بهذه الصورة التفصيلية الدقيقة، وبشكل أكثر اضطرابا يظهر فيه الجحيم الحقيقى الذى يرمى فيه كل يائس نفسه دون وعى أو تفكير. «محمود عبدالعزيز» يعود أكثر إبهارا وفائق القدرة بتلقائيته المعهودة، كذلك هناك تحسن واضح فى اللغة الإخراجية ل «عادل أديب» كصورة، إلا أن المسلسل يعيبه التطويل الملحوظ فى مساحات درامية لو اختصرت لأصبح الإيقاع أسرع والعمل أمتع.
كوميديا راقية يغلب عليها طابع إنسانى شديد الخصوصية أداها ببراعة كل فريق العمل الذين تنافسوا على إخراج المخزون الكوميدى المتوافر بداخلهم، سواء النجوم «هانى رمزى»، «حسن حسنى»، «لطفى لبيب» أو الوجوه الجديدة التى نجحوا فى احتضانها ليزيلوا الرهبة منها ويساعدوهم على تفجير طاقاتهم التى كانت عند حسن الظن ومنهم «محمد شاهين» و«دعاء طعيمة» و«محمد سلام».
استغلال العمل للثورة وما أحدثته فى الإطاحة بالنظام القديم فيما يتعلق بالاسم «ابن النظام» كان فى محله وهو اختيار موفق للفت الأنظار إليه، رغم أنه ظلم فيما يتعلق بمساحات العرض التى لم تخرج عن إطار عرضه بالقناة الرسمية الأرضية الأولى، ومع ذلك تحققت له نسبة مشاهدة لا بأس بها. الخطوط العريضة للمسلسل امتدت أطرافها إلى عالم واقعى كشف عن استغلال الكبار لنفوذهم فى تحقيق مكاسبهم ونشر سياسة القهر والفساد فى المجتمع ليحافظوا على أماكنهم، ورغم أن نماذج الفساد قدمت كثيرا والفكرة قد تكون مكررة إلا أنها هذه المرة تقدم من منظور الثورة، وكان صوت «هشام عباس» فى التيتر مثيرا للتفاؤل. لغة «حمدى يوسف» رغم بساطتها فإن بها عمق المعنى الذى يجعلك تشعر بأنه يشبه كلامك وكذلك رؤية «أشرف سالم» الإخراجية كانت مريحة بصريا وخالية من استعراض العضلات.
يظل اسم «نور الشريف» محل تقدير لما يقدمه من دراما تحترم عقل المشاهد قبل أن تمثل له متعة وتسلية، ويظل ل «نور الشريف» جاذبيته الخاصة فى إطلالته عبر الشاشة، تشعر معه كأنه حكيم يطل عليك ليحتضنك بفكره ويزيدك وعيا. كثير من الأعمال السينمائية والتليفزيونية تناولت فكرة صراع الصيادين ووقوفهم أمام الفساد، إلا أن «عرفة البحر» يحاكى صراع الإنسان الداخلى حول الممكن والمتاح الذى شبه الناس بعالم البحر الذى يأكل فيه السمك القوى السمك الضعيف فى صراع أزلى بين قوى الشر وقوى الخير.
«نور» كعادته هادئ فى أدائه لا يشعرك أبدا أنه يمثل، بل تشعر معه كأنه يقف معك فى حوار ودى، وهو يعرف جيدا متى ينفعل ومتى يهدأ فى سيمفونية مليئة - بلغة الموسيقى - بالجوابات والقرارات. اللعب على تيمة المسلم والمسيحى فى العمل كان بها نوع من الاستهلاك فى قضية قتلت بحثا ولم يعد لها تأثيرها القوى، كأننا نريد أن ننبه أن هناك تفرقة بين عنصرى الأمة فى إصرار على نكأ الجراح. الشخصية جديدة على «نور الشريف» الذى يتعامل مع البحر بعشقه المعهود حيا، وكعادته يقدم كتيبة من الوجوه الجديدة معه ليتعلموا منه كيف يكون أصول التمثيل عمليا. الموسيقى كانت مناسبة لجو البحر والصيادين والغموض المسيطر على العمل.
أجمل ما فى المسلسل أنه استعان بصوت مصر «محمد منير» فى أغنيته الشهيرة «أهل الطرب والعرب» لتكون تميمة العمل الذى لعب على أوتار الثورة. صحيح أن الأغنية قديمة وأذيعت مرارا وتكرارا، إلا أنها مازالت لها سحرها عند جمهور «منير»، الأغنية مناسبة للمواقف والأحداث التى تناولت الثورة.. رغم أن التناول فى ذلك التوقيت يمثل خطا أحمر لأن الثورة حتى الآن لم يستقر على صورتها بعد. رغم جماهيرية المسلسل والتفاعل معه، إلا أن «كريم عبدالعزيز» لم ينجح بعد فى التخلص من طبيعة أدائه الذى مازال مصرا على أن تكون مزيجا بين الجدية والسخرية والاستظراف، لا ننكر وجود إثارة وتشويق فى العمل، إلا أن هناك مشاهد كثيرة توقع المشاهد حدوثها بعد أن تعود على أن يرى مثلها فى أفلامه «واحد من الناس» و«خارج على القانون» و«أبو على» و«محطة مصر» وكان المسلسل عبارة عن مزيج من كل هذه الأعمال أداء وموضوعا.
خطوط حمراء
يبدو أن عشق «أحمد السقا» لضابط الشرطة جعله ينحسر فى هذه النوعية من الأدوار التى قدمها فى كثير من أعماله، حتى بعد طول غيابه عن التليفزيون أبى ألا يعود إليه إلا من خلال نفس الشخصية التى يرى كثير من الناس أنها بمثابة ناقوس الخطر الذى يدق أبوابه الفنية والتى يجب أن يتخلص منها فورا ورغم ذلك لا ننكر أن المسلسل كان ملئ بالإثارة والتشويق، وإذا كان المسلسل قد كشف عن ثبات أداء السقا فإنه شهد مولد نجم جديد هو الممثل السورى «منذر ريحانة» الذى قام بدور «دياب»، الغريب أن بعض أحداث المسلسل المأساوية أصابت بعض الناس بالاكتئاب بعد أن سجل أعلى معدل فى موت نجوم،ه فعلى مدار حلقاته مات أكثر من عشر شخصيات.
كما اتهم البعض المسلسل بأنه استنساخ من فيلم «المصلحة» خاصة فى الصراع الدائر بين ضابط شرطة وتاجر مخدرات، وإن كان السقا قد استبدله فى المسلسل بتاجر سلاح.
رغم محاولات التعتيم الشديد على هذا المسلسل بعرضه على قناة أو اثنتين بالكاد وقلة عدد مرات إعادة عرضه إلا أنه حقق نسبة مشاهدة لا بأس بها. هذه النسبة - كما يقولون - «جت على السيرة» من خلال سمعته التى كانت أفضل وسيلة للترويج له. المسلسل يقدم كاتبة تعرضت لحقبة شائكة جدا هى «عزة شلبى» التى كان يمكنها أن تكتبه بشكل تاريخى بحت إلا أنها اجتهدت لتكتبه بشكل تحليلى جيد وبلغة تليفزيونية مشوقة قدمت فيها عالمين. «العالم الغربى المتقدم» و«العالم الاستعمارى المتخفى وراء تحضره». فى «نابليون والمحروسة» واحتلال فرنسا لمصر كشفت «شلبى» عن وجه الشعب المصرى الأصيل فى تأكيد تمتعه بإرادة المواجهة حتى وإن كان الجهل والتخلف مسيطرين عليه فى تلك الحقبة الزمنية، فحسه الوطنى وحده هو الذى كان دائما يزيده إصرارا ويدفعه للتمسك بقدرته على المقاومة. الصورة البديعة التى كانت مبهرة ومعبرة فى المسلسل، هى تصدر شيوخ الأزهر الصغار لمشهد المقاومة كونهم محل تقدير من المجتمع لما يتمتعون به من ثقة وعلم ليس بالقدر القليل، و هو ما أكد دورهم فى الحفاظ على الكرامة الإنسانية ورفضهم للغزو الاستعمارى بمختلف أشكاله.
الموضوع شديد الأهمية لا يعتمد على الشعارات الرنانة ولا الثرثرة بقدر اعتماده على القيمة والهدف والرسالة، والأكثر إبهارا الصورة الإخراجية التى تفوق فيها شوقى الماجرى» ليصبح واحدا من أهم المخرجين العرب الآن، ففى «نابليون والمحروسة» يسجل إضافة جديدة لرصيده جمع فيها بين التكنيك ولغة الصورة وتحريك المجاميع والإيقاع السريع الحى.