من الواضح، رغم أننا الآن فى منتصف المتابعة بالتمام لعروض المهرجان الرمضانى، فإن دورته هذه المرة أهدتنا ثلاثة أعمال من الحجم الكبير، من نوعية أو مستوى «العمل العظيم»، هى مسلسلات «عمر» و«نابليون والمحروسة» و«الخواجة عبدالقادر». وكما كتبنا هنا فى أول أيام رمضان، فإننا كنا نتوقع هذه القيمة والمستوى لمسلسل «عمر» بحكم متابعتنا للأعمال السابقة للثنائى الفذ، مخرجه السورى حاتم على ومؤلفه الفلسطينى السورى وليد سيف (مثل التغريبة الفلسطينية)، وكذلك بالنسبة لمسلسل «نابليون والمحروسة»، بحكم معرفتنا بالأعمال السابقة لمخرجه النابغة التونسى شوقى الماجرى (مثل أبناء الرشيد: الأمين والمأمون)، وكنا قد وضعنا معهما مسلسل «الخواجة عبدالقادر»، بحكم الموهبة الرفيعة والعميقة التى لاحظناها لمؤلفه عبدالرحيم كمال فيما قدم من قبل، مرشحين هذه الأعمال للمشاهدة قبل غيرها، لكن مستوى وتميز «الخواجة عبدالقادر» فاق توقعنا، فالنص هو أنضج وأرهف ما أبدع مؤلفه، كما أن من خلاله يولد مخرج موهوب متميز هو شادى الفخرانى. والناقد يفرح بميلاد موهبة مؤكدة مشعة كهذه، خاصة فى هذا المجال، فأكثر ما تفتقد إليه دراما التليفزيون فى مصر مواهب الإخراج التى تنقل الدراما إلى الحداثة والعصر، وكان ذلك بقدر فرحنا بميلاد موهبة ممتازة فى تأليف الدراما التاريخية، هى عزة شلبى فى «نابليون والمحروسة»، والمواهب نادرة فى هذا المجال بدوره. إن الجمال بلا حدود فى الأعمال (عمر، نابليون، عبدالقادر)؛ فى كل لقطة أو«كادر»، فى المشهد وحركة الكاميرا فيه وزاوية التصوير، فى الإضاءة والتكوين وحركة الممثل وأدائه، فى دقة المونتاج والديكور والموسيقى، فى شعرية الكلمة وعمقها وإيحائها واقتصادها، فى البناء الدرامى ككل للمؤلف، والرؤية الفنية الجمالية ككل للمخرج، فضلاً عن القيمة الفكرية والفلسفية لهذه الأعمال. إن مسلسل «عمر» هو العمل الإبداعى الدرامى الذى يمثل أحدث تقنية ودراية فنية فى تناول سيرة الإسلام، وكان طبيعياً أن يتداخل، وعلى الأخص فى حلقاته الأولى، عرض البعثة المحمدية مع السيرة الشخصية لعمر بن الخطاب فى تلك الفترة. كما أن «نابليون والمحروسة»، حول ملحمة مقاومة المصريين للحملة الفرنسية، يثبت للمقارنة مع «عمر» من حيث المستوى الرفيع للرؤية أو الكتابة البصرية للمخرج حسب تعبيره، والمقدرة على إعادة خلق واقع إنسانى وتاريخى بكامله وتفاصيله. كذلك فإن «الخواجة عبدالقادر» هو أصدق وأكبر عمل درامى شاهدناه عن التدين الجميل السمح وروح التصوف الحقة، من دون أن يكون دراما دينية، وهو عمل فنى ناضج على كل المستويات، عن الحب الذى لا يكون حباً حقيقياً إلا إذا كان من غير أسباب، وعن التغيير المنشود لحياة البشر الذى لا يكون تغييراً حقيقياً من غير حب. ولو لم يقدم مهرجان تليفزيون رمضان هذا العام سوى هذه الأعمال الثلاثة العملاقة، لكفاه!