فى حال أجريت انتخابات الرئاسة «جولة الإعادة» فى موعدها المقرر 17,16 من الشهر الجارى يواجه ملايين الناخبين المصريين واحدا من أصعب وأقسى الاختبارات المصيرية فى تاريخهم، إذ عليهم أن يقنعوا أنفسهم بأن تصويتهم لصالح محمد مرسى أو أحمد شفيق هو الخيار الأكثر سلامة للوطن للانتقال من الثورة إلى الدولة. الحوارات الدائرة فى كل مصر الآن لا هم لها سوى مناقشة هذه الحيرة ما بين رجل محسوب على نظام مبارك وآخر محسوب على جماعة ساهمت بقوة فى انحراف مسار الثورة واحتفظت لنفسها بطريق منفرد وحسابات «سرية» تعلى مصلحة الجماعة على أى شىء آخر، الآلة الإعلامية لمرسى وشفيق تعمل بكل قوة وشراسة فى تطاحن شرس، والمواطن المصرى كان يتمنى أن يرأس أول جمهورية لثورة يناير رجل بحجم هذه الثورة وعظمتها، ولهذا يسعى كل طرف لإقناع هذا الناخب بمزاياه وعيوب المنافس.
مرسى وفرقته الإعلامية وشباب الإخوان يبذلون أقصى طاقاتهم لإقناع قوى الثورة والرأى العام بتقديم مرسى واعتباره «مرشح الثورة»، وشفيق ومن وراءه يلحون على أن شفيق هو مرشح الاستقرار والدولة المدنية، أما أنا فأريد فى هذا التحقيق إثبات أن «مرسى.. وشفيق.. لا فرق.. كلاهما ابن بار لنظام مبارك.. وكلاهما فوجئ بالثورة وحاول القفز عليها.. الاثنان يتمتعان بعقلية الموظف المطيع.. وكلاهما يفتقد مواصفات «رئيس الدولة» الذى يتطلع إليه المصريون بعد ثورة يناير العظيمة!
فى اليوم التالى لنطق الحكم على «عصابة مبارك» التى تواجدت بالقفص أمام القاضى أحمد رفعت وهيئة المحكمة كان شفيق يتخذ موقعه فى مؤتمر صحفى شن فيه هجوما شرسا وواضحا ضد الإخوان، بينما كانت تعليمات مكتب الإرشاد لأعضاء الجماعة بالنزول بكثافة إلى ميدان التحرير، وذلك بهدف رأب الصدع بين الإخوان والثوار من ناحية، ومن ناحية أخرى للدعوة الانتخابية الصريحة لمحمد مرسى، وانشغل الإخوان فى الميدان بالحديث عن ضرورة انتخاب مرسى وانفصلوا للمرة العاشرة عن مطالب الثوار الغاضبين المطالبين - فى الأصل- بالقصاص لدم الشهداء الذى اتضح من حكم المستشار أحمد رفعت أنه بلا صاحب.. ولا قاتل!
الاثنان «واحد».. ليسا وجهين لعملة واحدة.. فحتى قطعة العملة تحمل فروقات بين الملك والكتابة.. الأدق أنهما شخص واحد هو بطل رواية «الكونت المشطور» الذى يحمل شخصيتين فى جسد واحد لايجيد العمل إلا فى الظلام ولا يظهر فى المدينة إلا بقناع يخفى حقيقة المؤامرات التى يقضى كل الليل فى تدبيرها!
محمد مرسى «دكتور» وكذلك شفيق «دكتور»..الأول حصل على الدكتوراة فى «حماية المركبات الفضائية»، والثانى حصل على الدكتوراة فى «الاستراتيجية القومية للفضاء الخارجى» أى أن الاثنين تخصصا تقريبا فى مجالات متشابهة، محمد مرسى تمتع طيلة حياته بعقلية الموظف، فمنذ حصوله على الماجستير فى 78 وهو نموذج للريفى البيروقراطى فلم يعرف عنه طيلة رحلته الدراسية التى انتهت به رئيسا لقسم المواد فى جامعة الزقازيق أى اختلاف أو تميز عن الآلاف من أساتذة الجامعة المنغمسين فى أبحاث لا علاقة لها بالحياة، وعندما حصل على منحة دراسية إلى جامعة جنوب كاليفورنيا لم يؤثر عنه أى ذكاء لافت أو تمرد، فقد ذهب إلى كاليفورنيا وطموحه الرئيسى هو نفس طموح غالبية قيادات الحزب الوطنى المنحل، وكذلك كبار الفنانين والاستعراضيين «حصول أبنائه على الجنسية الأمريكية» وهو ما حدث بالفعل، حيث حاز شرف تمتع أبنائه بجنسية بلد تصفه أدبيات الحركة الإسلامية بأنه «الشيطان الأعظم» وهو نفس مسلكه لدى دخوله جماعة الإخوان المسلمين، فمنذ عام 79 «السنة التى انضم فيها للجماعة تنظيميا» مرورا بتصعيده داخل صفوف الجماعة حتى وصل إلى رئاسة القسم السياسى بالإخوان عند تأسيسه عام 92 ثم رئاسته لحزب الحرية والعدالة بعد الثورة كانت القيمة الرئيسية لدى مرسى هى «السمع والطاعة».. الرجل لا رأى له بتاتا فى أى قضية.. ولا يحمل أى انتقاد من أى نوع لمكتب الإرشاد وبارع تماما فى الموافقة على ما يمليه المرشد العام.. متبرع دائم بتقبيل يد ورأس المرشد.. ولم يؤثر فى مرسى طيلة تواجده فى الإخوان أى رغبة فى «استقلال الرأى»، وخاصة أن الجماعة ترتكب دائما فظائع سياسية لا يمكن لصاحب ضمير احتمالها.. لقد خرج من الإخوان قيادات كبيرة ومؤثرة لأنها أعملت عقلها وإرادتها ولم تقبل بكلام المرشد والشلة المحيطة به التى تحركها أصابع وإشارات وإيماءات الملياردير الغامض خيرت الشاطر، مثلا خرج مختار نوح وثروت الخرباوى ثم خرج عبدالمنعم أبوالفتوح، أما مرسى فكان جزءا من حشود السمع والطاعة، ولهذا نال الرجل «شرف قيادة وفد المفاوضات مع جهاز أمن الدولة حول النسب «الممنوحة» للإخوان فى البرلمان.
أحمد شفيق كذلك فى مسيرته نموذج للموظف المنتمى إلى مؤسسته والذى لا يحمل أى فكر أو رأى مستقل وما يعنيه فقط طموحه الشخصى واستقراره الوظيفى، صحيح أن رحلة شفيق كانت داخل «المؤسسة العسكرية» وهى مؤسسة بطبيعتها تستلزم الانضباط والانتماء الكامل، لكن الرجل الذى صعد إلى منصب رئيس أركان القوات الجوية فى 91 ثم قائد القوات الجوية منذ عام ,96 ولمدة ست سنوات لم يكن أبدا من ضمن قادة الجيش الذين حملوا اختلافا مع التوجهات السياسية لرأس الدولة خاصة فى قضية التوريس، يشترك شفيق ومرسى أيضا فى سمة بارزة وهى التدليس الإعلامى.. الرجلان ماكينة لا تتوقف عن هذا الأمر.. مرسى قال منذ أيام «أنا ثائر.. وسأظل ثائرا» وهى مقولة أضحكت العالمين، حيث لا توجد كلمة واحدة للرجل قبل الثورة تتناول مبارك بأى سوء. كان مرسى ملتزما بخط الإخوان القائم على الصفقات الدائمة مع نظام مبارك، لم يلعب الإخوان أى دور فى تعلية سقف معارضة النظام وجاءت الشجاعة والجرأة من آخرين فى الصحافة والسياسة كانوا يبحثون عن الإخوان وحشودهم فلا يجدونهم أبدا.
يدلس مرسى أيضا فى دعايته الانتخابية المطبوعة حين يتحدث عن إسهاماته العلمية فى وكالة «ناسا وفى اختياره كأفضل برلمانى فى العالم عام 2005» الكذبة الأولى نفتها وكالة ناسا التى أكدت أن مرسى لم يقدم أى أبحاث لها من أى نوع، وبالطبع فلا يمكن لأى جهة فى العالم أن تمنح مرسى جائزة أفضل برلمانى فى العالم، وخاصة أن البرلمان الذى كان فيه متحدثا رسميا باسم الكتلة البرلمانية للإخوان هو برلمان مزور وغير دستورى ولا قانونى من الأساس بأحكام من محكمة النقض. يدلس مرسى أيضا بإلحاحه على ذكر واقعة «اعتقاله» فى بدايات الثورة ولايذكر أن الاعتقالات العشوائية شملت الكثيرين فى الأيام الأولى للثورة لدرجة اعتقال رامى لكح «وهو رجل لايشكل أى خطورة على أى نظام.
أحمد شفيق أيضا لا يمل من التدليس.. ففى كل تصريحاته الموثقة صوتا وصورة من أول تصريحاته المعادية للثورة فى ال18 يوما التى شهدت استشهاد مئات المصريين إلى تصريحاته عن مبارك «مثله الأعلى» وتصريحاته عن «سحق الثوار» لو فاز بالرئاسة على غرار «مذبحة العباسية» كل هذا الكلام الذى قاله شفيق لا يجد الرجل أى غضاضة فى أن يؤكد أنه لم يقله.
موقف الاثنين يتطابق فى قضية أخرى مهمة وهى العلاقة مع الدكتور محمد البرادعى، محمد مرسى حين كان هو وجماعته رهن حالة إذلال كامل من نظام مبارك وجدوا فى البرادعى منقذا لهم من حالة الإذلال والمهانة التى فرضها عليهم النظام السابق «يعقد معهم صفقات وقتما شاء أو يعتقل بعضهم، وهو يتوقع جبنا دائما منهم» وعلى الفور أشادوا به ولعبوا دورا فى جمع «المليون توقيع» التى طالب البرادعى بجمعها «وكانت من الخطوات الفذة التى خلخلت النظام»، لكن بعد وثوب مرسى إلى رئاسة حزب الحرية والعدالة وتمكن الإخوان من البرلمان فقد تجاهلوا الرجل واعتبروه من الخصوم لأنه قال - ومبكرا جدا - إن كل المسار السياسى بعد الثورة خاطئ وسيصل إلى طريق مسدود. نفس هذه الانتهازية هى التى تعامل بها أحمد شفيق مع البرادعى.
فى البداية هاجمه بعنف وقلل من شأنه وقال فى أحد البرامج «مين البرادعى ده»، لكنه قبل جولة الإعادة ومع احتياجه لجمهور البرادعى «وهو الجمهور الأكثر وعيا وثورية».. قال شفيق «البرادعى هو أول من حرك المياه الراكدة فى المجتمع المصرى» وأضاف «البرادعى نافذة ضوء ومنهج تفكير»!
من السمات الشخصية المتطابقة أيضا بين مرسى وشفيق أن كليهما «فاقد القدرة تماما على التواصل مع الجماهير» وهى أول وأبسط شروط السياسى. مرسى يقول كلاما إنشائيا لايتناسب أبدا مع مرشح رئاسة الجمهورية فى مصر من عينة «دم الشهدا فى رقبتى» و«المرأة نصف المجتمع» أما شفيق فهو مبدع التعبير السياسى الخالد «أنا قتلت واتقتلت»!
وعلى الرغم من أن المحكمة الدستورية العليا قد حددت جلسة 14 يونيو المقبل للفصل فى دستورية قانون العزل بما قد يطيح بشفيق خارج السباق ويقلل تماما من فرص فوز مرسى لو أعيدت الانتخابات «وهو حكم سيريح البلاد والعباد من هذا السيناريو الكابوس.. مرسى أم شفيق» إلا أن تأجيل المحكمة النطق بالحكم لجلسة تالية أو إقرار عدم دستورية قانون العزل سيجعل مصر تواجه مصيرها المأساوى باختيار أى الرجلين.. والفائدة الوحيدة فى هذه الحالة أنك ستعرف وتتأكد من عبقرية الشعب المصرى الذى هتف فى الثورة بشعاراتها الخالدة «عيش .
حرية/ عدالة اجتماعية» ولم يذكر «الديمقراطية» إذ أن الكثيرين يعرفون أنه باسم الديمقراطية قد تجرى «هندسة» انتخابات تبدو ديمقراطية، لكن نتائجها والمرشحين الذين يراد لأحدهما أن ينجح كلاهما أكبر عقاب لثورة مدنية سلمية مبهرة تحاصر بين فكى اثنين من آكلى لحوم الثورة.. ومرسى وشفيق!