حسام عبد الهادى روزاليوسف الأسبوعية : 20 - 08 - 2011 عندما سأل أحد الصحفيين عملاق الأدب العربي «عباس محمود العقاد»: من أشهر.. أنت أم محمود شكوكو؟! فرد «العقاد» مستغرباً: من «محمود شكوكو»؟! فذهب الصحفي إلي «شكوكو» وقال له عندما سألت «العقاد» من الأشهر أنت أم هو فاستنكرك وقال: من «محمود شكوكو»؟! فقال «شكوكو» للصحفي: اذهب إلي «العقاد» وقل له: «شكوكو» بيقولك انزل ميدان التحرير واقف علي رصيف وينزل هو ويقف علي الرصيف التاني، وشوف الناس هاتتلم عليه؟! ونقل الصحفي الرسالة إلي «العقاد» الذي قال له قول «لشكوكو» ينزل ميدان التحرير ويقف علي رصيف ويخلي واحدة رقاصة عريانة تقف علي الرصيف التاني ويشوف الناس هاتتلم علي مين أكتر؟! هذه الرسالة لها مغزي كبير أن الناس للأسف لم تعد تعطي القيمة حقها، بل تجري دائمًا وراء الإسفاف والابتذال، هذا ما يحدث بالفعل مع دراما المخدرات والجنس والنصب والعري والردح التي طفح بها الكيل علي الشاشات الفضائية والأرضية، وفي هذا الشهر الفضيل الذي من المفترض أن تتسلسل فيه الشياطين؟! ما يحدث علي الشاشات يثير الغثيان ويشعرنا وكأن الشارع المصري كله تحول إلي مدمنين وشهوانيين ونصابين وشتامين وسوقة ورعاع؟ الدراما الرمضانية هذا العام- للأسف- تتباري وتتباهي بهذا الكم من السفه والابتذال والتي أطلت علينا بوادرها في العام الماضي مع «زهرة وأزواجها الخمسة» لغادة عبدالرازق، والغريب أن هذه النوعية من الدراما «المقرفة» هي التي «تأخذ بدراعها وتبجحها» أفضل توقيتات للعرض، في الوقت الذي تخجل فيه الدراما المحترمة من المزاحمة في سوق النخاسة الدرامية، وتجدها تعرض في توقيتات «ميتة» وعلي قنوات محدودة، ورغم ذلك نجد هناك من يسعي إليها وهم الذين يحرصون علي مشاهدة الدراما النظيفة المليئة بالقيم والأهداف والقدوة، ورغم قلة هذه النوعية من الدراما إلا أنها تظل الأمل في تنظيف الدراما التليفزيونية بشكل عام، خاصة أن الدراما التليفزيونية يجب أن تعي جيداً معني أنها تدخل كل بيت ولابد أن تكون مؤدبة، وهي تطرق الأبواب لنأذن لها بالدخول بدلاً من أن نغلق الأبواب في وجهها، فهي ليست كالسينما التي نذهب نحن إليها ونتحمل تبعات اختياراتنا بمحض إرادتنا! أن تتحول الشاشات الفضائية والأرضية إلي فاترينات عرض للأجساد العارية للتسويق لأنفسهم لمن يدفع أكثر فهو أمر غير مقبول، وإذا كان مقبولا في غير أيام رمضان، فهو مرفوض وبشدة في هذا الشهر الكريم، فهل يعقل أن مسلسلا مثل «سمارة» بهذا الكم من العري والسفه والمخدرات واللحم الرخيص يعرض في رمضان، وكأن «غادة عبدالرازق» و«لوسي» يتباريان في إظهار مفاتنهما، دون أن يكون هناك اعتبار لأخلاقيات الشارع المصري الشرقي التي يجب أن نرتقي بها ولا نزيدها انحدارًا، نفس الشيء يتكرر مع «سمية الخشاب» و«فيفي عبده» في «كيد النسا»، وبخلاف الابتذال والإسفاف في هذه الأعمال، فإنك لو بحثت عن شيء جيد يشفع لهما كأداء تمثيلي أو سيناريو جيد أو لغة إخراجية عالية فلن تجد، فالحوار في العملين سوقي لأبعد الحدود واللغة ركيكة وكأنه قد أطلق للممثلين العنان في هذه الأعمال لارتجال ما يريدون من كلام وما يشاءون من حركات وكأنهم في فرح بلدي وخاصة الحركات الرخيصة التي تصدر من فنان قدير بحجم «أحمد بدير» في مسلسل «كيد النسا» والتي تصور أنها حركات كوميدية «تفطس» الناس من الضحك، «بدير» ورط نفسه للأسف في هذا العمل وقد يكون معذورا بسبب الاحتياج المادي، وإن كان هذا ليس مبررا لأن يبيع الفنان تاريخه!! الأداء البهلواني الذي يتصور مؤدوه أنه كوميدي زاد بشكل يؤكد علي أن أصحابه إما يستسهلون أو «يستهبلون» وهو حال معظم الأعمال الكوميدية إن لم يكن كلها، والتي ابتعدت عن كوميديا الموقف، وأصبحت المسألة سداح مداح وكأننا في «سويقة» بلا ضوابط إبداعية. في «الكبير قوي» يصل الأداء الكوميدي عند «أحمد مكي» إلي درجة الاستظراف والمبالغة بوجوهه الثلاثة المملة، فرغم أن هناك في الحياة ما يتشابه مع نفس الشخصية التي يقدمها «مكي» لكنها للأسف تكون شخصيات ثقيلة الظل لا تقدم الضحكة أو حتي تكلف صاحبها عناء الابتسامة، فما يفعله «مكي» أبعد ما يكون عن الكوميديا لكنه أقرب إلي الاستهبال، سواء علي مستوي الأداء أو المضمون، كما تستعرض العمل أنه يريد أن يكون كل شيء المثل والمؤلف والمخرج وياريت بالمرة الجمهور؟! قس علي ذلك أداء «حنان ترك» في «نونة المأذونة» والتي أتصور أنها من شدة مبالغتها في الأداء ستقفز من داخل التليفزيون ل«تزغزغ» المشاهدين وتستحلفهم بالله أن يضحكوا، رغم أن الضحك من الممكن أن تجده في أداء رصين مع «إفيه» جيد، بدون الحاجة إلي الافتعال والمبالغة، ويبدو أنها العدوي التي انتقلت إلي كل ممثلي الكوميديا هذا العام، فتجدها عند «هاني رمزي» في «عريس دليفري» و«هالة صدقي» في «جوز ماما مين» رغم أن معها واحدا من أشد الكوميديانات الارتجاليين «سمير غانم» إلا أنه يبدو أن ثقل ظلها وركالة أدائها قد انعكس عليه وعلي «الست كام» الذي أصبح باهتا بلا ملامح لا كوميدية ولا حتي تراجيدية؟! «هنيدي» قد يكون هو الوحيد الذي أفلت من تلك المنظومة نظرًا لطبيعة الشخصية التي يقدمها وهي «مسيو رمضان مبروك» التي يحاول أن يجتهد في أن يحولها إلي قدوة في زمن اختلت فيه توازنات الأخلاقيات والمثل والقدوة، وإن كنت أتمني ألا يستمر في هذه السلسلة حتي لا يفقدها بريقها أو طعمها مثلما فعل «محمد سعد» في «الليمبي»، خاصة أن الشخصية لم تحقق نجاحها المتوقع في السينما، فجاء التليفزيون لكي يكون تعويضا عن هذا النجاح. عودة إلي دراما المخدرات والجنس والنصب، فهل يتصور أحد أن يصل عدد المسلسلات التي تناولت قضايا المخدرات هذا العام إلي 10 مسلسلات هي «سمارة» التي تعد الوجبة الدسمة في هذه النوعية، و«كيد النسا» من خلال إدمان «دينا توفيق» ابنة «فيفي عبده» و«آدم» عندما تحولت «أمل رزق» إلي مدمنة بسبب معاملة زوجها «ماجد المصري» ضابط أمن الدولة العنيفة لها، «وتلك الأيام» و«نور.. مريم» و«الريان» و«المواطن X»، الذي كانت فيه إشارة واضحة لحادث «خالد سعيد» شهيد الرسكندرية، وما نسب إليه فيما يتعلق بموته عن طريق الإدمان والمخدرات. و«شارع عبدالعزيز» و«دوران شبرا»، أما مسلسل «إحنا الطلبة» فلم يترك شيئا إلا فعله «مخدرات، جنس، نصب، استظراف»، أو لنقل استهبال خاصة في الأداء التمثيلي المستفز ل«أحمد سعد» والذي كنا نحترمه كصوت حرك قلوبنا ووجداننا مع تيترات مسلسلاته وخاصة «مملكة الجبل»، واعتبرناه واحدا من الموهوبين في الغناء والذي لا يقل عن موهبة أخيه «عمرو سعد» في التمثيل، إلا أنه حركاته الأدائية المستفزة في «إحنا الطلبة» كات تفقد رصيده الغنائي الذي كونه بداخلنا، أيضا من مسلسلات النصب هذا العام «الريان» و«الدالي» و«شارع عبدالعزيز» و«نور.. مريم» و«عريس دليفري».. الحل الوحيد في القضاء علي هذه الظواهر الدرامية الرخيصة وحتي لا تتكرر في العام القادم يجب أن تكون هناك وحدة اندماجية بين مختلف الجهات الإنتاجية المصرية مثل مدينة الإنتاج الإعلامي وشركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات وقطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتليفزيون علي أن يتم التنسيق فيما بينها بعد إدماجها في وحدة واحدة وبين الجهات الإنتاجية الخاصة ليكون هناك اتجاه واحد سواء في اختيار الموضوعات والحرص علي عدم تكرارها والتي جاءت متشابهة في مضمون كثير من الأعمال هذا العام، كذلك عدم تكرار النجوم في أكثر من عمل وهو الحسنة الوحيدة التي من الممكن أن نقول أنها حدثت بالفعل هذا العام حيث لم نجد وجوها كثيرة مكررة مثلما كنا نراها في الأعوام السابقة بأن نجد الممثل الواحد في أكثر من ثلاثة أو أربعة أعمال، هنا فقط سنجد لدينا دراما راقية خالية من الإسفاف والابتذال والمخدرات والجنس والنصب.