وصلتنى رسالة من فتاة تدرس بكلية الآداب جامعة عين شمس، فى السنة الثالثة قسم اجتماع تقول فيها: الحقيقة أننى لا أعانى من مشكلة بعينها لكن المشكلة التى تؤرقنى هى أن ذاكرتى ضعيفة، أو بمعنى أدق أنا ضعيفة التركيز، رغم أن حياتى ليست ممتلئة أو مزدحمة بالأحداث المهمة، ومحيط حياتى ضيق للغاية ولا اهتمامات عظيمة لدىَّ تجعلنى غير قادرة على التركيز بهذه الطريقة المخيفة وكأننى سيدة عجوز.. ولا أعرف السبب فى ذلك هو أننى أعانى من مشكلة صحية أو لأننى أعانى مشكلة نفسية ما هى التى تجعلنى فاقدة التركيز بهذا الشكل، رغم أننى متفوقة إلى حد كبير فى دراستى وأحصل على تقديرات مرتفعة. كانت رسالة الفتاة قصيرة ومختصرة للغاية ولا تحمل تفاصيل بعينها مما يجعل الإجابة عنها صعبة بعض الشىء ولكن وفق ما ذكرته الفتاة أضع يدى على بعض النقاط التى وردت: ؟ قالت الفتاة: «حياتى ليست ممتلئة أو مزدحمة بالأحداث المهمة»!!!، ربما تكون هذه هى المشكلة حيث إنه لا يوجد لديها شىء مهم يشغل انتباهها أو يحفز ذاكرتها على التركيز والانتباه. فالإنسان لا يتذكر ما هو غير مهم بالنسبة له. ؟ كما أن الفتاة ذكرت أنه لا توجد اهتمامات عظيمة لديها، فهى لم تذكر شيئا عن هواياتها او إنجازاتها أو مواهبها، ولا أعلم إذا كان هذا من قبيل النسيان أم بسبب أنه لا يوجد أساساً ما يشغلها كما أوردت، وبالفعل فإن الشخص عندما تكون لديه اهتمامات ما يصبح منشغلاً بها يصبح مجال تركيزه أكثر اتساعاً، فالذاكرة تتطلب تمارين لإنعاشها وإذا توقفنا عن ممارسة وتحفيز الذاكرة فإننا نساهم فى إبطاء عملها. وها هى بعض التمارين التى يمكنك الاستفادة منها وتطبيقها فإذ بها تساهم فى إنعاش وتنشيط ذاكرتك ولكن عليك بالاستمرارية فى تنفيذها، فالذاكرة مثل العضلة التى إن لم تستخدميها بشكل مستمر تضعف وتضمر. أولاً: التركيز: وذلك عن طريق الاهتمام والاستماع للتفاصيل والتركيز فى دقائق الأمور، بمعنى أن نتعامل مع الحياة بشكل أكثر جدية وعمق، فلا مانع من أن نسير فى الشارع ونحن ننظر إلى الأشياء ونتخيل بعض الأحداث والمشاهد بالناس الذين نشاهدهم، مثل أن ننشط عملية الخيال فنتخيل أن هذا الشاب الذى نراه سائراً منتصف الشارع ولا يهتم بالسيارات ولا يحترم قواعد المرور، هل هو شارد الذهن أم أن لديه مشكلة ويا ترى ما هذه المشكلة، ونتخيل وظيفته، هل هو لا يتبع بعض القوانين فى عمله مثلما لا يتبع قواعد المرور، وهل هو متزوج وهل لديه أولاد، هل يسير معهم فى الشارع بهذه الطريقة الانتحارية، ماذا لو أصاب أحد أطفاله مكروه بسبب عشوائيته واندفاعه هل سيتغير سلوكه وموقفه، هل.. هل.. كل هذه التساؤلات ما هى إلا طريقة لتنشيط الأفكار والذاكرة فى موقف صنعته ونسجته بنفسى لكنه ساقنى إلى عدد من الخطوات أهمهما: التتابع فى الحكى، الأسباب المنطقية والنتائج المترتبة على أى حدث، محاولة اكتشاف الآخر من خلال سلوكه. إذن فإن هذه الطريقة قد تساعد على عدة مستويات أهمها «أن الفكرة لا تتوقف عند حد معين». ثانياً: التكرار: كلما أردت تذكر شىء قومى بتكراره عدة مرات، فمن المعروف علمياً أن تكرار الشىء نطقاً أو فعلاً يضمن تثبيته فى الذاكرة وفى الوصلات العصبية للمخ، وهذا الأمر يجعلك قادرة على تذكر الشىء فى الوقت المناسب ولكن المهم هو اتباع تمرين التكرار ولنقل عشرين مرة، فإذا أردت أن تذكرى نفسك بمحادثة تليفونية تودين إجراءها ليلاً، عليك أن تقولى لنفسك: «اسم الشخص الذى تريدين الاتصال به ومتى عشرين مرة، وأغلب الظن أنك لن تنسين أبداً». ويمكن الاستعانة بمفكرة أو نوتة تكتبين فيها كل ما تريدين تذكره وما عليك إلا الرجوع لهذه المفكرة بين وقت وآخر. ثالثاً: حاولى تحفيز ذاتك ببعض الاهتمامات الجديدة لشغل وقت فراغك، لابد أن يكون هناك شىء ما يثير فضولك وذاكرتك، كتاب جديد، نشاط رياضى، اكتساب مهارة فى مجال ما مثل تحسين لغة، تحسين موهبة ما وهكذا، فالاهتمام هو الذى يجعلنا راغبين فى معرفة المزيد واكتساب معلومات جديدة ومن ثم ستنشط الذاكرة. رابعاً: إذا كنت خائفة أو قلقة من مسألة أن يكون هناك عرض صحى ما يسبب لك هذه المشكلة فعليك بمراجعة الطبيب ولكننى أعتقد وفق ما ذكرته أن المشكلة غير مرضية ولكنه سلوك وأداء فى الحياة، والدليل على ذلك أنه لا توجد مشكلة لديك فى التحصيل الدراسى، بل إنك تحصلين على تقديرات مرتفعة. ولكن هناك وصفة طبية لتحسين الذاكرة وهى الإكثار من تناول الطعام الصحى مثل الخضروات «الخضراء» غير المطبوخة مثل الخيار، جرجير، كسبرة ، بقدونس، وكذلك الفاكهة، والإكثار من شرب الماء بكميات كبيرة حيث إن هذا يساعد للغاية فى تحسين الدورة الدموية ومن ثم يساعد على تدفق الدم بمعدل جيد إلى المخ، فيقوم بوظيفته بشكل أفضل. خامساً: أتمنى أن تكثرى من الممارسات الرياضية، حيث إن الرياضة ليست رفاهية ولكنها ضرورة للحالة الصحية والنفسية والبدنية. الرياضة تساعد على رفع وزيادة نسبة الأكسجين فى الدم، وكلما زاد الأكسجين المتدفق إلى المخ قام المخ بوظيفته على أفضل حال. هذه هى بعض التمارين البسيطة التى قد تساعدك فى تنشيط وتحسين ذاكرتك، فقط غيرى أو طورى من نمط وطريقة تفكيرك، ستجدين أنك مستمتعة بكل ما تتذكرينه.. فقط عليك البداية، والاستمرار.