الناس فى رمضان أشكال وأنواع.. أو على الأقل من أعرفهم. حسين رجل أعمال ناجح جدا.. ثروته تعدت المليون دولار بكثير.. عمله هو دينه.. والمكسب هو ما يسعى إليه.. لا يتوقف أبدا لينظر إلى مسيرة حياته.. كم شخصا داس وهو فى طريقه.. كم أسرة شرد.. كم من الرجال سحق حتى يصعد إلى السماء التى يريدها؟ باختصار حسين رجل مادى جدا فى كل شىء فى أفكاره.. ومشاعره.. ومعتقداته.. إنه لا يعبد سوى القرش.. ولا يحترم سوى الجنيه.. ولا يؤمن سوى بالدولار.. لكن فى رمضان يتحول حسين إلى شخص مختلف كل الاختلاف. اتصل بى على التليفون وقال: كل سنة وأنت طيب هتعمل إيه فى رمضان؟ أجبت: يعنى عادى! رد سريعا: بص أنا كل يوم بأفطر فى السيدة نفيسه وبقعد لبعد العشاء وبعد نص رمضان لغاية الفجر يا ريت تيجى.. ذهبت لأفطر معه حسب دعوته لأجده يرتدى جلبابا أبيض.. وطاقية بيضاء على رأسه.. ويقوم بنفسه بطهى طعام الإفطار وتوزيعه على الناس وجمع الأطباق الفارغة وغسيلها. لم أصدق نفسى هل هذا هو حسين.. من أين هبطت عليه كل هذه الطيبة والصلاح.. هل يمكن أن يتغير إنسان بين لحظة وأخرى.. سبحان الله وحده قادر على كل شىء. جلسنا نتحدث قال إنه سيسافر لقضاء الأسبوع الأخير من رمضان فى العمرة.. وأنه لا يخشى أنفلونزا الخنازير.. رب هنا.. رب هناك.. وأحسن موتة فى الحرم أو إلى جوار الحبيب والواحد يندفن هناك لا يوجد أكثر من ذلك شرف ده حتى يبقى شهيد. أنهينا صلاة التروايح وأصر على توصيلى بسيارته المرسيدس السوداء.. رن هاتفه المحمول.. وبدأ صوته يرتفع ويصيح.. ويأمر بشراء هذا وبيع ذاك وخصم من هذا.. ومكافأة ذاك.. وبدأ الصوت يرتفع أكثر.. والألفاظ تشتد والشتيمة تكتر.. طلبت منه أن يقف ونزلت وأنا غير مصدق وأنا أرى حسين شخصين مختلفين.. واحد بالنهار والآخر بالليل.. مين فيهم حسين الحقيقى.. ومن فيهم حسين المزيف والمستعار؟ هل ما يفعله فى نهار رمضان وحتى العشاء تكفير عن ذنوب العام بأكمله.. وهل تكفى التوبة لبعض الوقت فقط ثم تعود ريما إلى عادتها القديمة أقصد حسين؟! نانى أيضا نموذج فريد .. نوع مختلف من النساء.. تقريبا من النوع الذى يؤمن بأن القلب يحب ويجمع بين أكثر من رجل.. علاقاتها متعددة ومتشعبة حتى العاطفية منها.. وجسدها تمنحه لمن تشاء.. لكنها فى رمضان تتخلى عن الكثير من مباهجها.. ومن متعها التى لا تستطيع الحياة بدونها.. رأيتها ثانى أيام رمضان ترتدى عباية سوداء ولا تضع أى شىء فى وجهها. نانى النموذج الأنثوى لحسين.. رمضان أيضاً عندها مختلف.. فهو شهر العبادة والطاعة وعمل الخير.. لعلها تكفر عما تفعله طوال العام.. بالطبع لم أسالها عن السبب لكن هكذا توقعت الإجابة. سألتها أخبار الحب إيه.. قالت حب إيه حرام عليك إحنا فى شهر كريم.. شعرت بحرج بالغ ودعتها.. ودعيت لها بالتوفيق.. والهداية. بعد أيام كنت أتناول السحور فى أحد الفنادق فوجدت نانى القديمة بكامل زينتها وبدون الوجه الرمضانى.. اقتربت منها.. جاءت إلى وسلمت وقالت: ده كمال جاى يومين بس وبعدين راجع على أمريكا لازم أشوفه طبعا وبعدين ربنا غفور رحيم.