اللواءطارق إسماعيل.. مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات:الانفلات الأمنى تسبب فى هروب 3000 تاجر مخدرات من السجون إذا كانت الأيام الأولى للثورة قد شهدت أكبر انسحاب إلا أن لمؤسسة الشرطة ورجالها إدارة واحدة كانت تعمل بضعف طاقتها.. دون خوف أو جزع فقط إدارة واحدة لم تشهد أى اعتداءات على مبانيها.. بل كانت اللجان الشعبية تحميها بينما كان قسم الوايلى على بعد خطوات يحترق بمن فيه ومن يجرؤ على الاقتراب منه فقط 144 ضابطا تحملوا مسئولية حماية حدود مصر البرية والبحرية والجوية من مافيا المخدرات التى كانت ولاتزال تتربص بها. اللواء طارق إسماعيل مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات يروى ل«صباح الخير» تفاصيل 33 سنة مكافحة مخدرات. شهد الشارع المصرى بعد الثورة رواجًا كبيرًا فى سوق المخدرات حيث زادت الكمية المعروضة للاستهلاك وزاد الطلب عليها - فما هو السبب؟ - لن ننكر أن هناك زيادة فى كميات المخدرات التى غزت السوق بعد الثورة، ولكن هناك متغيرات كثيرة أدت إلى ذلك ولكن الثورة المصرية ليست هى السبب المباشر، ولكن هناك متغيرات أقوى منها أدت إلى زيادة ما يعرض فى السوق، فحالة الانفلات الأمنى التى صاحبت الثورات العربية أثرت علينا بشكل أكبر لأن جريمة المخدرات جريمة دولية حيث المنتج من بلد والمستورد من بلد آخر والمستهلك من بلد ثالث. ومصر تصنف عالميا دولة استهلاك وعبور حيث تمر المخدرات عبر أراضيها بعد احتجاز جزء للاستهلاك المحلى، والحدود البرية هى المعبر الرئيسى للمخدرات فى مصر، ولذلك كانت بيننا وبين دول الجوار المعنية بالمشكلة مثل اليمن جنوبا وليبيا غربا والتى كانت تمثل خط دفاعنا الأول من خلال اتفاقيات ثنائية انهارت بعد الثورة لأن الاتفاقات لا تسرى وقت الثورات. فالحشيش مثلاً يأتى إلينا عن طريق الحدود الغربية التى تمثلها ليبيا، حيث يتم إنتاجه فى المغرب وينقل عبر الحدود إلى مالى والنيجر ثم تشاد، وأخيرا ليبيا ومنها إلى مصر لذا كانت بيننا وبينها اتفاقيات مكافحة مشتركة ولكن الثورة الليبية وانهيار الجيش الليبى أدى إلى فتح ثغرة لدخول الحشيش إلى مصر، فقط تم ضبط 4,8 طن حشيش قادمة عبر ليبيا فى سيارة لاند كروزر كانت كفيلة بالإغراق، فضلا عن 3 أطنان أخرى جلبها باكستانى وبريطانى قادمة من صلالة عبر البحر الأحمر وربع طن آخر مع أحد البدو المقيمين فى المعادى. أما الهيروين فيأتى عن طريق الجنوب الشرقى للبلاد ناحية البحر الأحمر وباب المندب وتحديدًا منطقتى المثلث الذهبى لاوس وبورما وتايلاند والهلال الذهبى وإيران وباكستان وأفغانستان التى تمثل 90% من إنتاج المخدرات فى العالم وتأتى مصر عن طريق الأنفاق فى فلسطين أو ميناء نويبع أو سيناء أو الحدود البرية للدول العربية المجاورة للعراق وسوريا ولبنان والأردن ومع التوترات السياسية التى تشهدها تلك الدول زادت الثغرات الأمنية بها. كما تم افتتاح سوق جديدة لما يسمى الحشيش الأفغانى الذى لم تكن له سوق فى مصر ولكن الظروف الأمنية أغرت المهربين بدخوله مصر. هل فترة الثورة وما تبعها من حالة انفلات أمنى كافية لإغراق السوق بهذه الكميات الضخمة وفتح أسواق جديدة؟ - التعدى على هيبة الشرطة والانفلات الأمنى الذى صاحب هذه الفترة القصيرة والذى نتج عنه هروب 3000 تاجر مخدرات كان كافيا لإغراق السوق بكميات غير مسبوقة من المخدرات.. فأنا أعمل فى إدارة المخدرات منذ 33 عاما كان أصعبها فترة ال45 يوما التالية للثورة والتى قضيتها بالكامل فى مكتبى ومعى كل ضباط المكافحة الذين بذلوا جهدا غير عادى من أجل حماية المنافذ البحرية والجوية والبرية وضرب أى مخطط لاستغلال الظروف الأمنية المتوترة التى صاحبت الثورة، ولذلك كان أهم أولوياتنا فى هذه الفترة إحكام السيطرة على الموانئ والمطارات والحدود البرية خوفا من استغلال المهربين لحالة الانفلات الأمنى وجلب كميات كبيرة للبلد وقد صدق ظنى واستطعنا تجنيب البلد كميات كبيرة من المواد المخدرة. ما أكثر الأنواع انتشارا فى الشارع المصرى وتأثيراً فى الشباب؟ - كل الأنواع الموجودة وترتيبها حسب حجم التواجد فى السوق الحشيش يليه البانجو ثم عائلة الترامادول بأنواعها المختلفة ثم الهيروين والأفيون، وأخيرًا الحبوب المنشطة بكل أنواعها والماكستون فورت ولكن بكميات قليلة، ولكن لو قارنت مصر بالدول الأخرى فنجد أننا أحسن حالا من باقى الدول، فالعالم كله يشهد زيادة كبيرة فى سوق المخدرات والدول الكبرى مثل أمريكا فشلت فى منع شبابها من الوقوع فى براثنها، خاصة مع امتلاك المهربين للوسائل والتقنيات الحديثة وسطوة رأس المال والاستعانة بالتكنولوجيا المتطورة فى الاتصالات. كانت سيناء ولاتزال إحدى الثغرات الأمنية التى يستغلها المهربون لإغراق السوق بالمخدرات ليس عن طريق الجلب فقط بل الزراعة أيضاً.. فلماذا لم تفلح كل إمكانات الوزارة وجهودها فى سد هذه الثغرة؟ - مشكلة سيناء لها شقان الأول هو التضاريس الطبيعية، حيث تتكون من جبال وأودية ومناطق وعرة يصعب الوصول إليها بدون الاستعانة بالقوات الجوية والخرائط الرقمية، ولذلك يستغلها تجار المخدرات فى الزراعة فيزرع الحشيش فى الشمال والبانجو فى الجنوب بكميات كبيرة جدا، وبعد الثورة تم اكتشاف وإعدام 509 أفدنة حشيش و580 فدان بانجو، الشق الثانى هو الوضع القانونى لهذه المزارع ففى الظروف العادية عندما تضبط مزرعة مخدرات يتم القبض على صاحبها ومصادرة الأرض ولكن سيناء كلها غير محيزة- أى أن الأرض فيها ليست مسجلة رسميا بأسماء مزارعيها- ولذلك عند اكتشاف مزرعة فقط يتم إزالتها ولا يتم القبض على صاحبها الذى يعيد الزراعة ثانية فى مكان أصعب بحيث يصعب علينا اكتشافه، ولكننا نقوم بعمل حملات موسعة لاكتشاف المزارع الجديدة بالاستعانة بحرس الحدود والقوات المسلحة كل 3 شهور، وهى الفترة اللازمة لزراعة وحصاد الحشيش، بالإضافة إلى حملة موسعة لضبط مزارع الأفيون الذى يحتاج فترة 5 شهور منذ زراعته وحتى حصاده. لسنوات طويلة كانت الباطنية أكبر أوكار المخدرات بالقاهرة واليوم ظهرت منطقة جديدة أشد وطأة وهى القليوبية أو مثلث الرعب كما يطلقون عليها فمتى يتم القضاء عليها؟ - القليوبية تمت السيطرة عليها خلال العام الماضى وتم القبض على معظم مروجيها، ولكن الظروف الأخيرة فتحت ثغرة جديدة وأعادت القليوبية لنشاطها القديم، فالانفلات الأمنى والبطالة حول الشباب العادى الذين لم يكونوا يعرفون أى شىء عن المخدرات إلى تجار فى شهور قليلة، وحاليا يجرى التنسيق مع الأمن العام والأمن المركزى لشن حملة شرسة على كل الأوكار داخل وخارج القاهرة، سنتكلم عنها فى حينها. ما هى أشد البؤر الإجرامية إزعاجا خارج القاهرة؟ - منطقة الذراع البحرى بالإسكندرية وتشمل سيدى كرير والساحل الشمالى من الكيلو 21 حتى الكيلو 40، تلك المناطق التى تكون مقصدا للمصيفين وأصحاب الفيلل وأغلبهم من أصحاب المستوى المادى المرتفع فتكون فرصة للمروجين الصغار لبيع وترويج المخدرات وتحقيق مكاسب مادية، يليها محافظة الشرقية التى عانت مؤخرًا من زيادة المعروض فى الشارع. قانون الصيادلة الخاص بتنظيم بيع العقاقير المخدرة عاجز حتى الآن عن منع الحبوب المخدرة من عائلة الترامادول من الوصول لأيدى الشباب بل يشهد سوقها رواجا باستمرار فهل نحتاج إلى تعديل بعض بنوده أم تفعيله أكثر؟ - العقاقير من هذه العائلة تتبع قانون الصيادلة رقم 27 لسنة 55 وهى مدرجة جدول أول بقرار وزير الصحة 485 لسنة 85 فلا يجوز بيعها بدون روشتة طبيب حيث تصرف لمرضى التهاب العظام والأعصاب كمسكن للآلام، ولكن البعض يقبل عليها لأنها تعطى إحساسا زائفا بالنشاط والقوة سريعا ما ينتهى مع تكرار التعاطى بينما يكون الجسم تعود عليها وحدث له نوع من الإدمان فلا تعود عليه بمنفعة بينما لو لم يكرر الجرعة يحدث له نوع من الاكتئاب والوهن وغيرهما. ولكن هناك بعض الصيادلة الذين لا يراعون هذه الضوابط مقابل مكاسب مادية أكبر، وللأسف القانون غير رادع فى مواجهة مثل هذه الحالات فلو حدث تجاوز من أحد الصيادلة فإن الأمر لا يتعدى كونه مخالفة غرامتها 10 جنيهات. أما فى حالات تداولها بعيداً عن الصيدلية فى حالات الإتجار والجلب والتصدير فتكون جنحة عقوبتها الحبس من سنة لثلاث سنوات وهى عقوبة غير رادعة بالنسبة لتجارة أرباحها بالملايين حيث إن القرص الواحد لا يتعدى ثمنه خمسون قرشا ويباع بخمسة جنيهات أو أكثر، فتحقق مكاسب مالية خيالية للمستورد والمصدر بدول المنشأ مثل الهند والصين والذين يقومون بإخفائها داخل رسائل الأجهزة الكهربائية والأدوات المنزلية التى تأتى من الهند والصين مروراً بدبى عبر ميناء العين السخنة وخلال أيام الثورة فقط تم ضبط مئات الملايين من الأقراص المخدرة. ميناء العين السخنة من أكثر الموانئ التى بها ثغرات أمنية ولذلك صار الخيار الأول لكل المهربين وليس لتجار المخدرات فقط، فلماذا لا يتم إحكام الرقابة عليه؟ - لا ننكر أن العين السخنة من أكثر الموانئ إثارة للمشاكل لما به من ثغرات أمنية يستغلها المهربون وربما يرجع هذا لكونه ميناء خاصا ولكننا نقوم بالتنسيق مع الأجهزة المعنية لإحكام السيطرة عليه. ومن ناحية أخرى نحول منع دخول الترامادول إلى البلد من المنبع، فمنذ أيام كنت فى زيارة إلى دبى وقمت بالتنسيق مع ضاحى خلفان لعمل خطة مشتركة بهذا الشأن وقد تم وضع عائلة الترامادول على قائمة المخدرات فى دبى، كى نبدأ المكافحة من هناك قبل أن يصل إلى العين السخنة وبذلك نحد من الكميات التى تدخل إلى البلد. طبيعة عملكم تجعلكم خصوما للمافيا الدولية وأعتى المجرمين فى مصر والعالم كله ألا تخشون المواجهة أحياناً؟ - صعوبة العمل بالإدارة ومغرياته الكبيرة تجعلنا ننتقى أكفأ العناصر الشرطية للعمل بها، وتحت الرتب والنياشين جروحاً كثيرة خلقتها مواجهتنا لهم طوال هذه السنوات وأكسبتنا أيضاً صلابة داخلية تنبع من إيماننا بنبل أهدافنا فلا نعرف الخوف وأيدينا لا ترتعش فنحن نعرف قدرهم تماماً ونتعامل معهم على هذا الأساس، ولكن عملنا لن يكتمل إلا إذا زاد الوعى وأدرك الشباب الآثار المدمرة للمخدرات وهى مهمة شاقة تتطلب تضافر جهودنا جميعاً لنعبر بمصر هذه المرحلة الحرجة التى نتمنى ألا تطول.