ربما تكون هذه أول مرة منذ معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية في كامب ديفيد.. تخرج فيها إسرائيل والكيان الصهيوني عن عنجهيته وغطرسته وغروره وعناده ويقدم اعتذاراً رسمياً لمصر جراء الأحداث الغادرة والوحشية ضد الجنود المصريين في طابا دون مبرر.. والتي راح ضحيتها ستة شهداء مصريين لا ذنب اقترفوه سوي أداء واجبهم في نقطة الحدود.. إسرائيل اعتذرت مرتين.. الأولي علي لسان وزير الدفاع.. والثانية في بيان رسمي وعلي لسان رئيس إسرائيل شيمون بيريز الذي أعلن أسفه وعزاءه لأسر الجنود المصريين. اعتذار إسرائيل رغم عدم كفايته.. ورغم أنه لم يطفئ نار الغضب العاتية للشعب المصري تجاه الممارسات الإسرائيلية.. وحصار السفارة والقنصلية المستمر وإنزال العلم الإسرائيلي إلا أن ذلك يعتبر تحولاً واضحًا في السياسة الإسرائيلية، وهذا التحول سببه بالتحديد الثورة المصرية.. وتغير الإرادة المصرية من إرادة سلبية ترضخ وتدعم أمن إسرائيل إلي إرادة ثورية إيجابية تخيف إسرائيل من ردة الفعل المصرية العنيفة تجاه الاستفزازات والممارسات الإسرائيلية وتعديها علي نقاط الأمن المصرية. إسرائيل بالطبع تعلم أنها تتعامل مع كيان آخر غير الذي تعاملت معه منذ معاهدة السلام. وهي تعلم أن الكيان الثوري الجديد لن يتساهل مع إسرائيل في حقوق ودماء المصريين وكرامتهم مهما كان الثمن، ومهما كانت النتائج.. ومهما كان الدعم الذي تلقاه إسرائيل من أمريكا.. ولذلك فإن إسرائيل ومنذ تغير الأوضاع بعد ثورة 25 يناير وهي تعيش في خوف ورعب مستمر جراء الأحداث في مصر، إذ إنها تخشي علي أمنها القومي والحدود والسلام مع مصر أكثر مما تخشاه مصر في الوقت الحاضر.. ولذا نجدها الآن تسمح بما لم تكن تسمح به من قبل للسلطات المصرية في النقاط الحدودية وأيضا في المناطق منزوعة القوات والسلاح، وكل ذلك ضمانا لأمن إسرائيل وحدود إسرائيل. ما حدث يعطينا مركز قوة لتعديل بعض الأوضاع التي كنا لا نستطيع تعديلها، وأولها اتفاقية تصدير الغاز.. وأيضا تعديلات لبعض بنود معاهدة كامب ديفيد لتواجد أمني مصري أكثر في سيناء وعلي المناطق القريبة من الحدود المصرية- الإسرائيلية وذلك ضمانا لأمن مصر.. وأمن إسرائيل معا. الأهم من ذلك أننا يجب وعلي الفور ولتحقيق أمن مصر القومي أن نبدأ عمليا وفعليا في مشروع تنمية سيناء وهو مشروع قومي أقره مجلس الوزراء في عام 1999. وكان المفترض أن ينتهي هذا المشروع القومي لتنمية وتعمير سيناء في 2017 ولم يتم تنفيذ سوي 10% فقط منه.. وكل المشروعات التنموية التي وضعت لتنمية وتعمير سيناء ونقل 3 ملايين نسمة علي الأقل ليعيشوا في شمال سيناء وحدها.. كلها عطلت أو تم تعطيلها بدعوي الأسباب الأمنية.. مع أن تنمية وتعمير سيناء هو أمن مصر القومي الفعلي الذي يجب أن نتمسك به. وأخيرا.. والأهم من ذلك كله أنه بعد سنوات طويلة أثبتت أحداث سيناء أن الشعب المصري أصبح يملك أمره فعلا.. وأصبح يفرض إرادته داخليا وخارجيا. رئيس التحرير