عشت ليلة من ليالي ألف ليلة وليلة.. ليلة لا تنسي ستظل في تاريخ وأذهان الناس علي مر العقود وستسجلها الذاكرة الوطنية في تاريخها، حيث رأيت بعيني وكنت شاهد عيان علي عودة الكرامة والعزة إلي المصريين علي يد الشاب المصري أحمد الشحات الذي خاض تجربة لم تحدث مثلها في العالم حيث قرر أن ينوب عن ملايين المصريين في إنزال علم إسرائيل الذي دنس سماء القاهرة طويلا، ويحقق الحلم فتسلق العمارة المجاورة للسفارة الإسرائيلية في موقف مدهش ولم يهتم بآلاف الجنود والدبابات التي تحيط بالمبني، وبدأ يستوعب الثوار هذا المشهد الدرامي الحقيقي بعد صعوده واتجهت أنظارهم إلي أعلي مع ازدياد ضربات قلبهم وخيم الصمت علي الجميع وهم يتابعون هذه المحاولة في مشهد يماثل أكثر مشاهد الإثارة في السينما.. كانت الأسئلة تتبادر إلي الأذهان ولا تستطيع الشفاه أن تنطق بها هل سينجح في الوصول؟ هل سيقتل الشحات؟ يا تري ماذا سيحدث؟ هل سيتم القبض عليه؟ تسلق الشحات العمارة المجاورة في خفة ورشاقة يحسد عليها ثم انتقل منها إلي عمارة السفارة بكل مهارة وكأنه مدرب علي تسلق الجبال والارتفاعات، فهل كان حب الوطن والرغبة في استرداد الكرامة هما المعلم والدافع لصعود تسعة عشر دورا والوصول لمقر السفارة الإسرائيلية لكي ينزل العلم الخاص بها ولم نشعر للحظة أنه متردد أو خائف علي حياته وكانت المفاجأة أنه بعد ذلك قرر أن ينزل بنفس الطريقة وبعد دورين أو أكثر اكتشف البطل أن علم مصر علي كتفه فقرر الرجوع مرة أخري لكي يضع العلم المصري مكان العلم الإسرائيلي لتعلو صرخات الجماهير وتنطلق كلاكسات السيارات وتطلق الصواريخ النارية وكأنه حقق هدفا غاليا في مرمي العدو، مهما أصف لا أستطيع أن أجد الكلمات التي ترصد المشاعر الرائعة التي شعر بها المتظاهرون في هذه اللحظة التاريخية وكل من كان موجودا في ميدان الجامعة.. وبعد استيعابهم لما حدث ومع صوت ضربات القلب هتفوا «ارفع راسك فوق انت مصري». وقبل أن ينزل إلي أسفل العمارة مثلما صعد متسلقا الجدران وتكييفات العمارة فتح له أحد سكان العمارة نافذة الشقة وأنزله من خلال أسانسير العمارة التف حوله الجميع يحتضنونه ولم يتعرض له أحد أفراد الأمن أو الجيش بأي أذي وتركوا الثوار يستقبلونه بكل ترحاب وفخر وعزة حاملينه علي الأعناق وسط هتافات ثورية. وبمجرد رؤية المصريين المحتشدين أمام السفارة لرفرفة علم مصر فوقها رسمت علي وجوههم ابتسامة ممزوجة بملامح الكرامة والعزة المصرية وعاشت ليلة من الفرح استمرارا لحفلات انتصار ثورة25 يناير، استمر الاحتفال بالألعاب النارية ورفع الأعلام المصرية مع الفلسطينية إلي صباح اليوم التالي وكان المتجمعون يقومون بتوجيه الألعاب النارية إلي السفارة الإسرائيلية محاولين الإنارة بها لرؤية العلم المصري وتكسير زجاج مقر السفارة. «صباح الخير» قضيت معهم الليلة حتي الصباح لنكتشف أننا نسينا أن نتسحر لكن طعم الكرامة الذي شعرنا به في هذه الليلة كان هو زادنا وزوادنا - المظاهرات العائلية من الملاحظات التي استوقفتني بشدة في هذه الليلة نوعية المتظاهرين حيث كان معظمهم من الأسر الزوج والزوجة والأبناء. ناصر الصياد تاجر هو وزوجته وابنته الصغيرة بدأ كلامه معنا قائلا: يجب علي كل مسلم ومسيحي أن يشارك في هذ اليوم، يجب أن نشعر أن لنا كيانا وإلي متي سنظل مضطهدين ودمنا رخيصا أنا فخور بما حدث اليوم وأحمد الله أنني دائما معي أسرتي لكي تحتفل معي ويكون لهم دور أساسي في البلد وقال الصياد: أنا لا أقلق علي أسرتي إطلاقا من أي شيء عندما كنت أشارك في مظاهرات 25 يناير فأنا أؤمن أن الموت يحضر في أي وقت ولا أحد يضمن حياته فكفاية جبنا واستفزازا، يجب أن نكون شعبا منظما فكريا. وأثناء مرورنا أمام السفارة التي يتجمع أمامها كل التيارات الفكرية وجميع طبقات المجتمع وجدنا عبدالظاهر مفيد عضو أمانة القاهرة في حزب الحرية والعدالة وقال: صدر لنا بيان وأعلنا فيه عن تأييدنا للشعب المصري وخصوصا الشباب من أول يوم في الأحداث التي حدثت في سينا وما كان موجودا قبل25 يناير أصبح الآن مرفوضا. وعما حدث ليلة السبت من إنزال العلم الإسرائيلي قال: هذا رد فعل طبيعي اتجاه ما حدث فالشعب خرج عن صمته واستعاد كرامته ولياقته. - عبدالناصر علي الكوبري أكثر من شاب كان يرفع بوستر للرئيس السابق جمال عبدالناصر وعندما سألت أحدهم ويدعي رضا فتحي محمد يعمل في أحد محلات الملابس قال: عندما حدث هذا الموقف الشجاع من أحمد الشحات الذي بهرنا جميعا لم أجد إلا صورة عبدالناصر أرفعها وأتجول بها بين الثوار وفوق كوبري الجامعة فهو الزعيم الوحيد الذي أرجع للمواطن المصري كرامته وعمل من أجل الفقراء فقد وزع عليهم أراضي وأمم قناة السويس وأنشأ مصانع وجعل كل شيء مصريا خالصاً دون الاعتماد علي المنتج الأجنبي فأنا أتمني من الرئيس القادم لمصر أن يكون مثل عبدالناصر في أفكاره ويجعل مصر للمصريين وليس للأجانب. ولنادية صلاح عبدالسميع «مضيفة طيران» رأي مخالف عن الجميع فقالت: أنا لا أصدق ما حدث وأشعر بالخوف والقلق مما حدث فأنا أعتقد أنها مؤامرة من السفارة الإسرائيلية لكي تهدئ الشعب وتجعله يفض الاعتصامات، وكيف تسلق أحمد الشحات 19 دورا بكل سهولة أنا أشعر أن هذا الموضوع مرتب والسفارة سهلت له هذه المهمة، وإذا كانت فعلت ذلك من أجل أن نترك الاعتصامات فلن يحدث ذلك فأنا معتصمة إلي أن يرحل السفير الإسرائيلي من مصر. وصرحت ندي: أنا فرحانة جدا بما حدث ولأول مرة أشعر بهذا الإحساس الرائع ربنا يحمي شبابنا. وأثناء التجول وجدت رجلا يبلغ من العمر63 عاما وهذا الرجل له قصة غريبة فكان يوجد في فترة 25 يناير حاملا لافتات مكتوبا عليها باللغة العربية والإنجليزية معا وتواجد أيضا أمام السفارة الإسرائيلة فجر يوم الأحد ويوجد معه اللافتات الخاصة به والتي تطالب بقطع العلاقات الدبلوماسية وطرد السفير الإسرائيلي، والتي تظهر في الصور حكي لنا عم مجدي حكايته وقال: أنا أتواجد في المظاهرات بشكل يومي وأثناء ثورة25 يناير اعتصمت داخل الميدان وكتبت من يومها إلي الآن850 لافتة فأنا الذي أكتب وأعبر عما بداخلي من خلالها وفي يوم 28 يناير استشهد ابني مينا وهو ليس سياسيا ولا يعرف عن السياسة أي شيء فهو لديه ورشة للخراطة وحدثت خناقة بينه وبين ضباط الشرطة وأحد المواطنين وتم ضرب النار عشوائيا وجاءت رصاصة في ابني مينا وفارق الحياة وأنا استلمت الجثة ودفنتها بنفسي ومن يومها حلفت ألا أحلق شعري ولا ذقني إلا عندما آخذ حق ابني الشهيد من الضابط الذي قتله وبرأته المحكمة وقلت إنه قتل ابنك بدون عمد وهذا كان أثناء تأدية عمله.
إبداعات الفيس بوك الطمي يا إسرائيل شبابنا بيطير بمجرد إنزال البطل أحمد الشحات العلم الإسرائيلي انطلقت علي الفيس بوك شعارات تعبر عن خفة دم الشعب المصري وأنه في أصعب المحن قادر علي الإبداع وإطلاق الإفيهات. «أحمد الشحات سبايدرمان المصري» هذه الصفحة التي اشتعلت بعد الواقعة مباشرة ووضعت فيها الصور الخاصة سبايدرمان مشبهينه بأحمد الشحات وقد أطلق البعض الإفيهات علي صفحاتهم الخاصة معبرين من خلالها عما يشعرون وأيضاً بخفة دم متناهية مثل «ألطمي يا إسرائيل الشباب المصري بيطير». وكان للجيش المصري نصيب أيضا من الإفيهات وهو البيان رقم 73 للقوات المسلحة. نعمل لكم إيه يعني؟! بيمشوا ع الحيط. وعلي إحدي الصفحات الأخري تناقلت: بيقولك «مرة الصهاينة حطوا سفارتهم في الدور الأخير طلع الشباب المصري بيطير». وكان له نصيب الأسد من الإفيهات عدو الثورة والمؤمن دائما بنظرية المؤامرة علينا من أي شيء حتي أنفسنا عمرو مصطفي ففي لحظات وجدنا مقولة يتناقلها الشباب: عمرو مصطفي هيطلع يقول أحمد الشحات جاسوس وجاله أمر من كاكاكولا أفرد جناحك وطير في السما». وكان ختامها مسك مع الفنان الكوميدي لطفي لبيب وأكيد ظل يردد يا ريتني ما كنت عملت الفيلم ده «السفارة في العمارة». السلطات المصرية تفكر في طرد لطفي لبيب من مصر كحل وسط.