أتدرون.. تاريخ مصر السياسى لم يتغير منذ انتهاء الدولة الأيوبية فى حكم مصر، وتولى المماليك الحكم فى البلاد، صورة طبق الأصل من الأحداث مع تغير الشخصيات والمناخ السياسى المحيط بالبلاد، فبعد خروج الحملة الفرنسية من مصر قامت ثورتان فى أثناء الحملة، الأولى أكتوبر 1798 والثانية فى مارس 1800، وبعد جلاء الفرنسيين اكتشف المصريون أنهم يستطيعون حكم البلاد بأنفسهم واختيار حاكمهم بعد موافقة الحاكم العثمانى فى الآستانة، وهنا برز دور الأزهر وبرز دور السيد عمر مكرم، الصديق الذى تقرب له الضابط الداهية الذى ترقى ترقيات استثنائية وهو الضابط الألبانى محمد على، وهو الرجل الذى كان يقود مجموعة من الضباط والعساكر الألبان لمحاربة الفرنسيين، وبالمناسبة كان محمد على يقف على مسافة واحدة بين كل التيارات، مسافة واحدة بينه وبين المماليك والعثمانيين وشيوخ الأزهر، ويبدو للجميع أنه زاهد فى حكم مصر ولا يريد الولاية، حتى إن الوالى العثمانى سليم الأول أوكل له حكم جدة ليصبح والى جدة بعد القضاء على التيار الوهابى فى الحجاز، لكن محمد على الداهية تلكأ فى تنفيذ الأمر والسفر إلى جدة، لمعرفته الدقيقة بالأحداث السياسية فى مصر، ذلك البلد الضخم والمهم الذى اكتشف نابليون أهميته الاستراتيجية وأخرج الأزهر وثيقة للحكم أرسلها للوالى العثمانى - لاحظ الوثيقة ودور الأزهر - ثم قاموا بعزل خورشيد باشا والذهاب إلى محمد على وإقناعه بحكم مصر مع وجود لجنة من كبار شيوخ الأزهر وكبير التجار للمشاركة فى الحكم بناء على طلب محمد على نفسه، وما أن تولى الداهية الحكم بدأ فى تحديد أعدائه نفرا نفرا.. فأطاح بعمر مكرم صاحب الفضل عليه بمساعدة شيوخ الأزهر وقلب عليه محمد على كل أصدقاء عمر فطرد منفيا إلى دمياط، وأذاق بقية الشيوخ تملك الأراضى فابتعدوا عن السياسة، ثم دبر مذبحة القلعة عام 1811 وقضى على المماليك تماما وانتهى عصرهم إلى الأبد، ثم أغدق الهدايا والأموال على الباب العالى واستغل موت الوالى سليم وانشقاق الحكم فى الآستانة وراح يبنى مصر الحديثة بتكوين جيش قوى يقوم عليه عدة صناعات مهمة تخدم الجيش ووضع قانون الإلزام فى التجنيد لأول مرة فى مصر حتى وصل عدد الجنود المصريين إلى 300 ألف جندى تحت قيادة سيف - سليمان باشا الفرنساوى - وبذلك تربع الداهية «محمد على» على حكم مصر حتى وفاته عام 1849 وامتدت أسرته فى الحكم حتى عام 1952، وللتذكرة مرة أخرى محمد على كان زاهدا فى الحكم ولا يريد كما كان يقول وكان كذلك على مسافات واحدة من جميع الأطراف فى مصر وحكم البلاد بعدها منفردا، وكون دولته الحديثة الضخمة التى امتدت من جنوب السودان حتى حدود الآستانة مرورا بالحجاز وكريت فى اليونان، ترى ما هو وجه التشابه بين مصر قبل محمد على حتى توليه الحكم ومصر الآن بعد حسنى مبارك وابنه الأبله؟! حاول مرة أخرى أن تعود للتاريخ، لتعرف كم أن الأحداث المتتالية متشابهة وحتى تشابه أحداث 1954 وتولى عبدالناصر حكم مصر رئيسا، الفارق فقط أننا نقرأ هذا التاريخ، لكننا الآن نعيش هذه اللحظة التاريخية ومتعجلون النتيجة سريعا، مصر دولة قدرية، القدر يلعب لعبته الكبرى، لذلك رئيس مصر القادم لن يظهر قبل عام 2013، كما أن رئيس وزراء مصر القادم بعد عصام شرف هو رئيس دولة مصر وهو زاهد فى الحكم ويقف على مسافة واحدة مع الجميع، لكنه قوى وداهية وسنقف جميعا معه وحوله لأنه أملنا الوحيد فى تلك الفترة الحرجة!