القومي للمرأة ينظم لقاء تنسيقي مع محافظة القاهرة    عيار 21 مفاجأة.. تراجع كبير في أسعار الذهب اليوم بالتعاملات المسائية    بالصور.. تنفيذ إزالة على الرقعة الزراعية بقرية تفهنا العزب بزفتى    إيران لمجلس الأمن: استهداف إسرائيل دفاع عن النفس    إيران: إحالة 28 متهمًا في 15 قضية متصلة بإسرائيل إلى النيابة العامة    ليتوانيا تبدأ إجلاء مواطنيها من إسرائيل برًا مع تصاعد التوترات مع إيران    زيلينسكي يطالب خلال زيارته لفيينا بفرض المزيد من العقوبات على روسيا    كأس العالم للأندية| تشكيل تشيلسي لمواجهة لوس أنجلوس    وفاة مسن داخل مطار القاهرة إثر أزمة قلبية مفاجئة    مقتل فتاة بإحدى قرى كفر الشيخ في ظروف غامضة    ذكريات تترات الدراما المصرية تشعل مشاعر الحنين فى حفل كامل العدد بالأوبرا    "مطروح للنقاش" يسلط الضوء على محاولات إسرائيل تدمير البرنامج النووي الإيراني    معتز هشام يكشف تفاصيل دوره في مسلسل«ابن النصابة»    بعد العيد.. 5 مشروبات طبيعية تساعدك على استعادة رشاقتك بطريقة صحية    تأجيل محاكمة 11 متهما بالانضمام لجماعة إرهابية فى الجيزة ل8 سبتمبر    نراهن على شعبيتنا.. "مستقبل وطن" يكشف عن استعداداته للانتخابات البرلمانية    وزير الثقافة: تدشين منصة رقمية للهيئة لتقديم خدمات منها نشر الكتب إلكترونيا    وائل جسار يجهز أغاني جديدة تطرح قريبا    "كوميدي".. أحمد السبكي يكشف تفاصيل فيلم "البوب" ل أحمد العوضي    ما الفرق بين الركن والشرط في الصلاة؟.. دار الإفتاء تُجيب    وزير خارجية إيران: مكالمة من ترامب تنهي الحرب    طبيب يقود قوافل لعلاج الأورام بقرى الشرقية النائية: أمانة بعنقي (صور)    العثور على جثة شاب مصاب بطلق ناري في ظروف غامضة بالفيوم    محافظ الدقهلية يتفقد أعمال إنشاء مجلس مدينة السنبلاوين والممشى الجديد    نقيب المحامين يترأس جلسة حلف اليمين القانونية للأعضاء الجدد بنقابة المنوفية.. ويطالبهم بالتسلح بالفكر والعلم    لمست الكعبة أثناء الإحرام ويدي تعطرت فما الحكم؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    ما هي علامات عدم قبول فريضة الحج؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    أمين الفتوى يوضح حكم الجمع بين الصلوات في السفر    وزير العمل يستقبل المدير التنفيذي للأكاديمية الوطنية للتدريب- صور    سي إن إن: إيران تستبعد التفاوض مع واشنطن قبل الرد الكامل على إسرائيل    البنك المركزي يطرح سندات خزانة ب16.5 مليار جنيه بسعر فائدة 22.70%    إلهام شاهين توجه الشكر لدولة العراق: شعرنا بأننا بين أهلنا وإخواتنا    مفوض الأونروا: يجب ألا ينسى الناس المآسي في غزة مع تحول الاهتمام إلى أماكن أخرى    البنك التجارى الدولى يحافظ على صعود المؤشر الرئيسى للبورصة بجلسة الاثنين    «لترشيد استخدام السيارات».. محافظ قنا يُعّلق على عودته من العمل ب «العجلة» ويدعو للتعميم    تقرير يكشف موعد خضوع فيرتز للفحص الطبي قبل الانتقال ل ليفربول    عضو ب«مركز الأزهر» عن قراءة القرآن من «الموبايل»: لها أجر عظيم    التضامن تعلن تبنيها نهجا رقميا متكاملا لتقديم الخدمات للمواطنين    افتتاح توسعات جديدة بمدرسة تتا وغمرين الإعدادية بالمنوفية    وفود دولية رفيعة المستوى تتفقد منظومة التأمين الصحي الشامل بمدن القناة    بعد عيد الأضحى‬.. كيف تحمي نفسك من آلالام النقرس؟    تخفيف عقوبة 5 سيدات وعاطل متهمين بإنهاء حياة ربة منزل في المنيا    النائب حازم الجندي: مبادرة «مصر معاكم» تؤكد تقدير الدولة لأبنائها الشهداء    إيراد فيلم ريستارت فى 16 يوم يتخطى إيراد "البدلة" في 6 شهور    تصنيف الاسكواش.. نوران جوهر ومصطفى عسل يواصلان الصدارة عالمياً    محمد عمر ل في الجول: اعتذار علاء عبد العال.. ومرشحان لتولي تدريب الاتحاد السكندري    «فيفا» يوجه رسالة جديدة للأهلي وإنتر ميامي بمناسبة افتتاح المونديال    وزير الصناعة والنقل يشهد توقيع عقد ترخيص شركة "رحلة رايدز لتنظيم خدمات النقل البري"    لا تطرف مناخي.. خبير بيئي يطمئن المصريين بشأن طقس الصيف    بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالمنصورة الجديدة.. 6 يوليو    محافظ أسوان: 14 ألف حالة من المترددين على الخدمات الطبية بوحدة صحة العوضلاب    أسعار الأسماك بكفر الشيخ اليوم.. البلطي ب 80 جنيها    الينك الأهلي: لا نمانع رحيل أسامة فيصل للعرض الأعلى    إصابة 3 أشخاص بطلقات بندقية فى مشاجرة بعزبة النهضة بكيما أسوان    أمن الجيزة يضبط المتهمين بسرقة كابلات شركة فى كرداسة    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    إمام عاشور: ما حدث ليس غريبا على بيتي الأهلي.. وسأعود أقوى    الشرطة الإيرانية: اعتقال عميلين تابعين للموساد جنوب طهران    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورات مصرية (3 - 3)

ما أشبه الليلة بالبارحة، قاعدة تاريخية تكاد تنطبق على عالمنا العربى، خاصة فى القرن الماضى الذى شهد تراجعاً تاريخياً، وشاع فيه تراجع العلوم، والأنظمة المستبدة، وصارت الأمة العربية أمة تابعة بعدما كانت رائدة فيما مضى من التاريخ العربى، غير أن مثل هذه الأنظمة المستبدة كثيراً ما كانت تنسى أو تتناسى أن التاريخ يعيد نفسه مع ما يندلع ضدها من ثورات، وحركات مناهضة نجحت فى نهاية المطاف فى دحر الاستبداد والقهر، لتنتصر مشيئتها فى نهاية الأمر حيث الله غالب على أمره، وفى مصر تحديداً تكرر هذا التاريخ الثورى أكثر من مرة وفى أكثر من عهد، فقد اندلعت ثورات مماثلة لثورة 25 يناير 2011، مع اختلاف السيناريوهات والخلفيات التاريخية، ومنها ثورتا القاهرة الأولى والثانية خلال الحملة الفرنسية على مصر، وثورة 1919 ضد الاحتلال البريطانى، وثورة 1924 وثورة 1935، وثورة 23 يوليو 1952 التى نجحت بمباركة ودعم شعبى، ونقدم هنا ملفاً توثيقياً لبعض هذه الثورات والمظاهرات، بتفاصيل أحداثها وشهدائها وأبطالها ونتائجها.
«مظاهرات الطلبة على كوبرى عباس».. اندلعت للمطالبة بعودة دستور 1923 واستمرت شهراً
بدأ عام 1935 بداية ساخنة، وقعت إرهاصاتها أواخر عام 1934، حينما دعا الوفد المصرى أعضاء لجانه وأنصاره إلى عقد مؤتمر عام للنظر فى شؤون البلاد التشريعية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وبالفعل انعقد المؤتمر بالزمالك، يومى 9 و10 يناير عام 1935، ليكون أول مؤتمر عام للوفد المصرى، حضره خمسة وعشرون ألفا من أنحاء مصر، وكان من أعظم المؤتمرات الوطنية شأناً وأهمية.
خطب فى هذا المؤتمر من الرجال يوسف الجندى، ومحمد صفوت باشا، والدكتور على أيوب، ومحمد توفيق دياب، وأحمد ثابت موافى، وإبراهيم عبدالهادى باشا، وعباس العقاد، وعزيز ميرهم. ومن النساء ايستر فهمى ويصا، ونور حسن.
وكان من أهم ما قرره المؤتمر عودة دستور 1923 كاملاً، وعلى إثر ذلك سادت حالة وطنية عامة فى مصر، كان مطلبها الأساسى هو عودة دستور 1923، ووقفت الوزارة فى خندق الشعب، ورفعت معه نفس المطلب.
وفى أبريل سنة 1935، رفع توفيق نسيم باشا تقريراً إلى الملك فؤاد، يتضمن اقتراحات وزارية تتعلق بعودة الحياة الدستورية، بأى من الوسيلتين: عودة دستور 1923 أو الدعوة لتشكيل لجنة وطنية لوضع دستور ترضاه البلاد، فقبل الملك فؤاد بالوسيلة الأولى، وهى عودة دستور 1923، غير أن الحكومة البريطانية عارضت عودة الدستور، وقام المندوب السامى بإبلاغ رئيس الوزراء بمذكرة شفهية، مفادها أن الحكومة البريطانية لا تعارض وجود حياة دستورية، على أن يحدث هذا فى الوقت الملائم. وبدا الاعتراض البريطانى كما لو كان اعتراضاً على التوقيت، أما التوقيت المناسب كما رأته بريطانيا، فكان توصيفه وتحديده مطاطاً، إذ قال المندوب السامى إنه لا بد أن يكون الدستور موافقاً لحاجات البلاد، وكان الاعتراض البريطانى برمته بمثابة تدخل سافر فى شؤون البلاد.
وفى التاسع من نوفمبر سنة 1935، ألقى وزير الخارجية البريطانى، السير صمويل هور، خطبة فى «جولد هول» بلندن، وتحدث فى سياقها عن الدستور المصرى قائلاً: إنه عندما استشيرت الحكومة البريطانية بشأنه، نصحت بعدم عودة دستور 1923 أو دستور 1930، إذ قد ظهر أن الأول غير صالح للعمل، والثانى لا يتوافق ورغبات الأمة. وكان لهذا التصريح وقع الصدمة فى نفوس المصريين، وأجج بداخلهم حالة الغليان، كما أثار السخط فى الأوساط الوطنية والشعبية، بعد أن عرف الجميع من سياقه أن الحكومة المصرية هى التى قبلت التدخل ولم ترفضه من البداية.
على إثر ذلك اندلعت المظاهرات، التى بدأت فى القاهرة، وامتدت إلى ربوع مصر ومحافظاتها، احتجاجاً على التدخل البريطانى السافر.
وفى مناسبة عيد الجهاد يوم 13 نوفمبر، وفى مواجهة هذه الغضبة الشعبية والوطنية، تصدت قوات الأمن لها بإطلاق النار، ووقعت أحداث دامية، وسقط أول شهيد، وهو إسماعيل محمد الخالع، حيث أصابته رصاصة أودت بحياته فى الحال وكان عاملاً يعمل فى السرادق المخصص للاحتفالات.
وفى اليوم التالى، الخميس الموافق 14 نوفمبر، تأججت المظاهرات وتواصلت، وكان أهمها المظاهرة الكبرى، التى قام بها طلبة جامعة الملك فؤاد (القاهرة حالياً)، وبدأت من ساحة الجامعة، متجهة إلى قلب العاصمة، فقابلها البوليس بالأعيرة النارية. وهى المظاهرة التى ما زالت محفورة فى وجدان كل مصرى باسم «مظاهرة كوبرى عباس»، وسقط فيها عدد من الطلاب الشهداء، ومنهم: محمد عبدالمجيد مرسى، الطالب بكلية الزراعة، ومحمد عبدالحكم الجراحى الطالب بكلية الآداب، وعلى طه عفيفى الطالب بكلية دار العلوم الذى أصيب فى السادس عشر من نوفمبر عام 1935 وتوفى متأثراً بجراحه. كما سقط فى طنطا الشهيد عبدالحليم عبدالمقصود شبكة، الطالب بالمعهد الدينى بطنطا.
وفى مظاهرة كوبرى عباس سقط الطالب إبراهيم شكرى الطالب بالسنة الثانية بكلية الزراعة، مثخناً بجراحه إلى جوار الشهيد عبدالحكم الجراحى والشهداء الآخرين، وتم نقلهم إلى مستشفى قصر العينى، وهناك اكتشف الأطباء أن إبراهيم شكرى مازال على قيد الحياة، ليكتسب من حينها لقب «الشهيد الحى»، ويصبح وزير الزراعة لاحقا ثم مؤسس حزب العمل.
وظلت المظاهرات المتأججة تتواصل حتى الثامن والعشرين من نوفمبر، الذى أعلن كإضراب عام حداداً على أرواح الشهداء، فأغلقت المتاجر، واحتجبت الصحف، وعطلت الأعمال، ودخلت العاصمة فى حداد رهيب، جدد ذكرى ثورة 1919.
وكان لهذا الشعور الوطنى الجارف فضل عظيم فى تحقيق الائتلاف بين الأحزاب، بينما أقام الطلبة نصباً تذكارياً لشهداء الجامعة فى فنائها، ونقشت أسماؤهم على قاعدته، واحتفلوا يوم السبت 7 ديسمبر عام 1935 بإزاحة الستار عنه.
واستمرت المظاهرات وتجددت الدعوة إلى توحيد الصفوف لمواجهة اللحظة التاريخية العصيبة إلى أن عاد العمل بدستور 1923 فى 12 ديسمبر 1935 بموافقة الملك فؤاد.
وقد أرخت الصحافة لهذه المظاهرات عبر متابعات مستمرة، بل لعبت بعض الصحف دورا وطنيا مهما فى هذه المظاهرات، ومنها جريدة الجهاد لصاحبها توفيق دياب، التى ساندت انتفاضة 1935 وكانت تستقبل وفود الطلاب.
وفى جريدة الأهرام وعلى الصفحة الأولى فى الخامس عشر من نوفمبر 1935، أى فى اليوم التالى لاندلاع المظاهرة نقرأ متابعة مطولة لمجريات مظاهرة الطلبة تحت عنوان «مظاهرات أمس فى القاهرة».. إضراب طلبة الجامعة والمدارس– اشتراك الوفد المصرى فى تشييع جنازة القتيلين ....إلخ».
وتحت عنوان فرعى فى التغطية يقول «نجل شكرى باشا» نقرأ: «ومن بين الطلبة الذين أصيبوا من رصاص الكونستابلات أحد طلبة كلية الهندسة، وهو نجل صاحب السعادة محمود شكرى باشا، مدير بنك التسليف الزراعى، وقد سقط متأثرا برصاصة أحد الكونوستابلات، وظل يردد بصوت مرتفع «تحيا مصر حرة دائما».
ويذكر أن إبراهيم شكرى حينما قرر الحصول على مقر لإقامته لاحقا اختار بيتاً يقع على مقربة من كوبرى عباس، ومازالت أسرته تقيم هناك إلى الآن، بل إنه أوصى قبل وفاته بأن يدفن– حين يلقى ربه – إلى جوار عبدالحكم الجراحى، فكان له ما أراد بفضل جهود ابنه المهندس أحمد شكرى.
وكان إبراهيم شكرى يرى فى مظاهرات الطلبة على كوبرى عباس عام 1935 أنها ثورة سقطت بين ثورتين، «1919 و1952»، حيث لم تحظ بما تستحقه من الدراسة والاهتمام، مثلما حظيت الانتفاضات الثورية الشعبية الأخرى.
«إرادة الشعب».. كلمة السر لتحقيق التغيير فى كل صفحات التاريخ
رغم قوى الشر والمحن والكوارث التى حاقت بهم على مدى التاريخ الطويل، كان نور إرادة المصريين يشع وسط هذا الظلام. ويسجل التاريخ الكثير من المواقف والثورات والأزمات والتصدى للاحتلال وظلم الحكام والتخلص من الطغاة، ليصمد ويعلو صوت الشعب محققاً مطالبه.
ظهرت‏ قوة‏ وإرادة‏ الشعب‏ المصرى أثناء‏ تأييد‏ حكم‏ محمد‏ على فى‏ 13 مايو‏ سنة‏ 1805، حين أبلغته الزعامة‏ الشعبية‏ ‏برغبة‏ الشعب‏ فى تنصيبه‏ على حكم‏ البلاد‏، و‏ظلت‏ هذه‏ الزعامة‏- كما‏ وصفها‏ المؤرخ‏ عبدالرحمن‏ الرافعى فى كتابه‏ تاريخ‏ الحركة‏ الوطنية- قائمة‏ فى السنوات‏ الأولى من‏ حكم‏ محمد‏ على‏، فكان‏ لها‏ تأثير‏ فعال‏ فى تثبيت‏ دعائم‏ ملكه‏ وتذليل‏ العقبات‏، التى وضعها‏ رجال‏ الأستانة‏ من‏ جهة‏، والإنجليز‏ والمماليك‏ من‏ جهة‏ أخرى‏.
وكان‏ على رأس‏ هذه‏ الزعامة‏ الشعبية‏ السيد‏ عمر‏ مكرم‏ الذى حمل‏ لواءها‏ فى تقليد‏ محمد‏ على سلطة‏ الحكم،‏ حيث‏ اقتاد‏ الجماهير‏ ‏إلى محمد‏ على‏، وعرفه‏ مكانة‏ الشعب‏ ونفوذه،‏ وكان‏ يرجع‏ إليهم‏ ويستشيرهم‏ فيما‏ يجد‏ من‏ الأمور‏.
‏وبعدما‏ تخلص‏ محمد‏ على من‏ أعدائه‏ المماليك‏ والإنجليز‏ بفضل‏ الزعامة‏ الشعبية‏، عمل‏ على التخلص‏ من‏ عمر‏ مكرم‏ بعدما‏ رأى أن‏ مكانته‏ وثقته‏ عند‏ الناس‏ كبيرة،‏ فدبر‏ مؤامرة‏ ونفى عمر‏ مكرم‏ إلى دمياط‏ فى 9 أغسطس‏ سنة‏ 1809، وعمل‏ على التشهير‏ بسمعته‏ لمنع‏ تعاطف‏ الشعب‏ معه‏، ومن‏ هنا‏ ظهر‏ ما‏ يعرف‏ بالفراغ‏ أو‏ انقطاع‏ الصلة‏ بين‏ الحاكم‏ والشعب‏، وانفرد‏ محمد‏ على بالحكم‏.‏
وكانت ثورة عرابى نموذجا‏ آخر‏ ظهرت‏ فيه‏ إرادة‏ الشعب‏، فلم‏ تكن‏ ثورة‏ عسكرية‏ فحسب،‏ بل‏ ‏ثورة‏ قومية‏ شاركت‏ فيها‏ طبقات‏ الأمة‏ كافة، حسب تأكيد عبدالرحمن‏ الرافعى فى كتابه‏ «‏الزعيم‏ الثائر‏.. أحمد‏ عرابى‏»‏.‏
كانت الثورة‏ العرابية‏ ‏ثورة‏ دفاع‏ عن‏ الحق‏، ودفاع‏ عن‏ الحياة‏، فكانت الأسباب‏ السياسية ترجع‏ إلى تذمر‏ المصريين‏ عامة‏ من‏ سوء‏ نظام‏ الحكم‏، ورغبتهم‏ فى التخلص‏ منه‏، ولم‏ يكن‏ ثمة‏ عدل‏ ولا‏ قانون‏، ولا‏ قضاء‏ ينتصف‏ للمظلوم‏ ويعطى كل‏ ذى حق‏ حقه،‏ ولا‏ حرية‏ ولا‏ مساواة،‏ ولا‏ ضمانات‏ قانونية‏ تكفل‏ للناس‏ حقوقهم‏ وحياتهم‏.
‏وأدركت‏ الطبقة‏ الممتازة‏ من‏ الأمة‏ أن‏ إصلاح‏ النظام‏ ‏يكون‏ بقيام‏ الدستور‏ وإنشاء‏ مجلس‏ نيابى يوحد‏ مبادئ‏ العدل‏ والحرية‏، ويتحقق‏ فيه‏ معنى الرقابة‏ على الحكم‏، ويحول‏ دون‏ ارتكاب‏ المظالم‏.. فيأمن‏ الناس‏ على حقوقهم‏ وعلى حياتهم‏، ومن‏ هنا‏ اتحدت‏ الطبقة‏ المثقفة‏ من‏ الأمة‏ مع‏ الضباط‏ الوطنيين‏ فى الشعور‏ والميول‏، وأجمع‏ الكل‏ على المطالبة‏ بالمجلس‏ النيابى.. فالثورة‏ العرابية‏ كانت‏ من‏ هذه‏ الوجهة‏ ثورة‏ على المظالم‏، وثورة‏ على الحكم‏ الاستبدادى‏.‏
وتعد ثورة‏ 1919 نموذجا‏ يؤكد‏ مدى ترابط كل فئات الشعب بإرادة واحدة، عن‏ طريق‏ القيام‏ بمظاهرات‏ سلمية‏ للاحتجاج‏ على القبض‏ على زعمائهم‏ الأربعة‏ والتعبير‏ عن‏ تأييدهم‏ فى مطلبهم‏ الخاص‏ بالاستقلال‏ التام‏، ولكن‏ الأمر‏ تطور‏ بسبب‏ التجاء‏ السلطات‏ البريطانية‏ إلى مقابلة‏ محاولتهم‏ السلمية‏ هذه‏ بالعنف‏ والقسوة‏، مما‏ فجر‏ الاستياء‏ المكبوت‏ فى صدور‏ الناس‏ لمختلف‏ الأسباب‏ السياسية‏ والاقتصادية‏ وظهوره‏ فى شكل‏ ثورة‏ عارمة‏ ضد‏ الإنجليز‏، وبدأت‏ الثورة- كما‏ وصفها‏ الدكتور عبدالعظيم‏ رمضان‏ فى كتابه‏ «‏تطور‏ الحركة‏ الوطنية‏ فى مصر»- بانفجار‏ من‏ طابع‏ الارتجال‏ والخطة‏ العفوية‏ والتنظيم‏ السريع‏، ولكن‏ هذا‏ الانفجار‏ سرعان‏ ما‏ تحول‏ إلى ثورة‏ عندما‏ اشتمل‏ على عناصر‏ جديدة‏ على النضال‏ الوطنى‏، دلت‏ على وقوع‏ تغيير‏ عميق‏ فى كيان‏ المجتمع‏ المصرى،‏ وكان أبرز هذه‏ العناصر‏ الأقباط‏ والمرأة‏ المصرية‏.‏
ومن‏ القاهرة‏ انتقلت‏ الحركة‏ إلى الأقاليم،‏ وكانت‏ الطبقة‏ البورجوازية‏ فى المدن‏ أول‏ من‏ استجاب‏ لنداء‏ الثورة‏ وتبعتها‏ الطبقة‏ العمالية‏ فيها‏، أما‏ فى القرى فكان‏ الفلاحون‏ هم‏ الذين‏ حملوا‏ عبء‏ النضال‏ بتأييد‏ الأعيان،‏ وتصدرت‏ الطبقة‏ المثقفة‏ النضال‏ وقادته‏ منذ‏ البداية‏ وانبث‏ أفرادها‏ فى كل‏ مكان،‏ وتعطلت‏ حركة‏ المواصلات‏ ودار القتال‏ فى الشوارع‏ من‏ وراء‏ المتاريس،‏ وفى مدن‏ اشتد‏ طابع‏ الثورة‏ إلى درجة‏ مهاجمة‏ مراكز‏ البوليس‏ وتدمير‏ الكبارى والجسور‏ ومحطات‏ السكك‏ الحديدية‏ والاستيلاء‏ على السلطة‏ أحيانا‏ كما‏ حدث‏ فى مدينة‏ زفتى‏، وفى القرى خرجت‏ جموع‏ الفلاحين‏ لقطع‏ الخطوط‏ الحديدية‏ والتلغرافية‏ والتليفونية‏، وكان‏ أعنف‏ حوادث‏ الثورة‏ ما‏ جرى فى الصعيد‏ وما‏ حدث‏ بين‏ البدو‏ والقوات‏ العسكرية‏ البريطانية‏ فى الفيوم‏.‏
ولم‏ تخل‏ ثورة‏ 1919 من‏ عناصر‏ فاسدة‏ مثلما‏ يحدث‏ فى أى مسيرات‏ احتجاجية‏ تعبر‏ عن‏ رأيها‏، فقد‏ وجد‏ من‏ كان‏ يحمل‏ على ظهره‏ البضائع‏ المنهوبة‏ وهو‏ يهتف‏ يحيا‏ الوطن‏ وظهر‏ من‏ ينهبون‏ المنازل‏ ويسىء‏ للثورة‏.. ونجحت‏ الثورة‏ فى النهاية‏ بإرادة‏ خالصة‏ من‏ الشعب‏.‏
وجاءت ثورة 25 يناير لتظل‏ إرادة الشعوب هى كلمة السر الأولى نحو تحقيق التغيير، والخروج من الظلام إلى النور، ومن الاستعباد إلى الحرية.
مظاهرات 1946 أطاحت بحكومة «النقراشى».. والحصيلة 23 قتيلاً
فى شهر يوليو 1945 جرت الانتخابات البريطانية لمجلس العموم (النواب) البريطانى، وفاز فيها حزب العمال على المحافظين. وفى الثالث والعشرين من سبتمبر 1945 اجتمع مجلس الوزراء المصرى وأقر البيان الذى أصدرته الهيئة السياسية، والذى أقر مطلب جلاء البريطانيين عن مصر، وجاء فى البيان: «ترى الهيئة السياسية بإجماع الآراء أن حقوق مصر الوطنية، كما أجمع عليها رأى الأمة وأعلنتها الحكومة، هى جلاء القوات البريطانية، وتحقيق مشيئة أهل وادى النيل فى وحدة مصر والسودان».
وفى 20 ديسمبر من نفس العام، سلم سفير مصر فى لندن (عبدالفتاح عمرو) إلى وزارة الخارجية البريطانية، مذكرة من الحكومة المصرية، طلبت فيها الدخول فى مفاوضات لإعادة النظر فى معاهدة 1936.
وفى 26 يناير 1946 ردت الحكومة البريطانية على هذا الطلب بمذكرة أعلنت فيها استعدادها لإعادة النظر مع الحكومة المصرية فى أحكام المعاهدة، وأنها سترسل تعليمات إلى سفيرها فى مصر لإجراء محادثات تمهيدية معها، ولأن الشعب المصرى يضيق بالتسويف، وعلى إثر إذاعة مذكرة الحكومة المصرية إلى بريطانيا ورد الحكومة البريطانية، تبين للرأى العام سوء نية الإنجليز تجاه مصر، اندلعت مظاهرات بين يومى 9 و10 فبراير 1946، بعدما تبين إصرار الإنجليز على إبقاء قواعد معاهدة 1936 كأساس للعلاقات بين البلدين، وكأن انتهاء الحرب العالمية الثانية والمبادئ الحديثة، التى أقرها ميثاق الأمم المتحدة، لم يغيرا من سياسة الإنجليز الاستعمارية.
خرجت مظاهرات الشباب من جامعة فؤاد الأول (القاهرة)، قاصدة قصر عابدين، ولما وجدوا كوبرى عباس مفتوحا هبطوا إلى قوارب فى النيل، وأغلقوا الكوبرى ليمر من فوقه آلاف المتظاهرين الشباب الذين هتفوا بالجلاء، وعدم التفاوض إلا بعد الجلاء، فواجههم البوليس بضراوة، وحُسب هذا الأمر سقطة لوزارة النقراشى باشا، رغم عدم وجود ضحية واحدة بين المتظاهرين، سوى أنها أسفرت عن 84 مصاباً.
وتجددت المظاهرات فى اليوم التالى، وانتقلت إلى محافظات ومدن أخرى، حتى استقالت وزارة النقراشى فى 15 فبراير 1946، وتألفت وزارة إسماعيل صدقى فى 17 فبراير. ولما رأى صدقى أن أسلوب تصدى أحمد ماهر للمظاهرات قد أسقط وزارته، اعتمد أسلوب الملاينة، فسمح بالمظاهرات مع الحفاظ على مقدرات الدولة وممتلكات الأجانب، وحددوا يوما اسمه (يوم الجلاء) شهد إضرابا عاما.
واندلعت مظاهرة كبرى سميت مظاهرة الجلاء فى 21 فبراير 1946، وما لبث أن انضمت لها كل طوائف الشعب، وتعامل معها الإنجليز بوحشية فى ميدان الإسماعيلية (ميدان التحرير الآن)، وواجه الإنجليز المتظاهرين بالسيارات المسلحة، مما أدى إلى إزهاق أرواح الكثيرين، فسقط 23 قتيلا و121 جريحا، وسارت عدوى المظاهرات فى محافظات مصر، وأعلنت الأمة الحداد، وكانت روحا وطنية عارمة شملت البلاد، إلى أن وقع إسماعيل صدقى معاهدة (صدقى - بيفن).
ثورة عرابى.. أثبتت أن «الجيش والشعب إيد واحدة»
فى أول فبراير 1881، وفى عهد الخديو توفيق، الذى تولى حكم مصر بعد خلع والده إسماعيل، فى 26 يونيو 1879، أصدر عثمان باشا رفقى، وزير الجهادية (الحربية)، أمرا بإحالة أميرالاى اللواء السودانى عبدالعال بك حلمى إلى ديوان الجهادية، مما يعنى تخفيض رتبته، وعين بدلا منه ضابطا شركسيا لا يصلح للمنصب، فهاج الضباط وقرروا أن يعبروا عن سخطهم، وأن يقدموا مطالبهم فبايعوا أحمد عرابى زعيما لهم، يتكلم نيابة عنهم، وأقسموا على السيف والمصحف بأن يكونوا يدا واحدة.
وكتب عرابى بيانا يتضمن مطالب الضباط، ووقعها الرؤساء الثلاثة للواءات الثلاثة، أحمد عرابى وعبدالعال حلمى وعلى فهمى، وتضمن البيان أربعة مطالب، وهى: عزل ناظر الجهادية الشركسى، وتعيين آخر مصرى، وتشكيل مجلس نواب من فقهاء الأمة، وزيادة عدد الجيش إلى 18 ألف جندى، وتعديل قوانين الجيش على نحو يكفل تحقيق العدالة الوظيفية.
حمل عرابى وصاحباه العريضة التى تتضمن مطالبهم فى اليوم التالى إلى وزارة الداخلية، واستدعاهم رياض باشا إلى مكتبه، ووعدهم بأن ينظر فى الأمر.
وانتهى مجلس الوزراء فى 31 يناير بتفويض وزير الحربية بالقبض على الضباط الثلاثة، فكان الفصل الأول من الثورة العرابية فى أول فبراير 1881 فيما عرف بواقعة قصر النيل، حيث استدرج عثمان رفقى الضباط الثلاثة، وأرسل لهم بطاقات دعوة إلى ديوان الوزارة بقصر النيل، بدعوى الإعداد لترتيبات زفاف جميلة، شقيقة الخديو، وأشتم عرابى رائحة المكيدة، فاتفق الرفاق الثلاثة على ما ينبغى عمله إذا حدث ما توقعوه، وحدث فعلا أن تم القبض عليهم، فاستنفر البكباشى محمد عبيد جنود الآلاى الأول المرابطين فى عابدين، وسار على رأسهم إلى ديوان الوزارة، واقتحم الديوان وحرر عرابى وصاحبيه، وفر الضباط الشراكسة، الذين اجتمعوا لمحاكمة عرابى، وكان الوزير على رأس الفارين.
سار عرابى ورفاقه على رأس مظاهرة عسكرية، قاصدين ميدان عابدين، وانضم إليهم قبل وصولهم لواء طرة بقيادة البكباشى خضر أفندى خضر، ولم يتخلف من اللواءات سوى لواء عرابى نفسه.
ولما وصل عرابى على رأس المظاهرة إلى سراى عابدين بدأ يعرض مطالب الثورة، فلم ينته اليوم إلا وأجيب الضباط إلى مطالبهم، وتم عزل الوزير الشركسى، وتعيين البارودى خلفا له على وزارة الحربية، فكان هذا أسرع نجاح للثورة فى مرحلتها الأولى.
وبعد أن أصبح عرابى زعيما وطنيا للبلاد، بدأ يطالب بوجود دستور للبلاد، وحث كبراء البلد وعلماءه على المطالبة بذلك، وأيده الجميع. وفى الرابعة عصر يوم الجمعة 9 سبتمبر 1881، كان أول نجاح لهذه المظاهرة هو سقوط وزارة رياض باشا، وتكليف شريف باشا بالوزارة، واستنجد الخديو بالباب العالى.
على الصعيد الشعبى سادت الأجواء الثورية أنحاء البلاد، التى انقلبت مسرحا للخطباء، وأصبح الناس كأنهم كلهم أحمد عرابى، وكان نفوذ العرابيين فى البرلمان ظاهرا، حتى قدم شريف باشا الدستور الجديد إلى مجلس النواب فى 8 يناير 1882.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.