الرئيس السيسي ونظيره الروسي يشهدان حدثا تاريخيا بمشروع الضبعة النووي اليوم    فى الإعادة إفادة    وزير الري يؤكد استعداد مصر للتعاون مع فرنسا في تحلية المياه لأغراض الزراعة    ندوات تدريبية لتصحيح المفاهيم وحل المشكلات السلوكية للطلاب بمدارس سيناء    أبناء القبائل: دعم كامل لقواتنا المسلحة    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025    أسعار اللحوم اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025    وزير الزراعة: حرمان المتعدين على الأراضى من الحصول على الأسمدة المدعمة    سعر الجنيه الاسترلينى فى البنوك بداية تعاملات اليوم الأربعاء 19-11-2025    وزير التموين: إنشاء بيئة تشريعية مناسبة لتحفيز الاستثمار ودعم القطاع الخاص    تريليون دولار استثمارات سعودية .. الولايات المتحدة ترفع مستوى علاقاتها الدفاعية مع السعودية وتمنحها صفة "حليف رئيسي من خارج الناتو"    حريق هائل يلتهم أكثر من 170 مبنى جنوب غرب اليابان وإجلاء 180 شخصا    بولندا تستأنف عملياتها في مطارين شرق البلاد    وزير الإعلام البحريني يبحث في زيارة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية سبل التعاون الإعلامي ويشيد بنجاح احتفالية المتحف المصري الكبير    هل تكون الثالثة| صلاح ينافس حكيمي وأوسيمين على أفضل لاعب أفريقي في 2025.. اليوم    تنمية متكاملة للشباب    موعد إجراء القرعة الإلكترونية لاختيار حجاج الجمعيات الأهلية    أجواء باردة وسقوط أمطار.. الأرصاد تكشف حالة طقس الساعات المقبلة    مصرع 3 شباب فى حادث تصادم بالشرقية    الشيخ الإلكترونى.. ليلة سقوط نصّاب تحرش بالسيدات بدعوى العلاج الروحانى    مهرجان القاهرة السينمائي، العرض العالمي الأول لفيلم "كوندافا" الليلة    «اليعسوب» يعرض لأول مرة في الشرق الأوسط ضمن مهرجان القاهرة السينمائي.. اليوم    رانيا فريد شوقي تدعو لتامر حسني بعد الكشف عن أزمته الصحية    رحلة اكتشاف حكماء «ريش»    7 آلاف سنة على الرصيف!    المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026 بعد صعود ثلاثي أمريكا الشمالية    بعد انسحاب "قنديل" بالثالثة.. انسحاب "مهدي" من السباق الانتخابي في قوص بقنا    طن عز بكام.... اسعار الحديد اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025 فى المنيا    أبرزها دولة فازت باللقب 4 مرات، المنتخبات المتأهلة إلى الملحق الأوروبي لكأس العالم 2026    محكمة الاتحاد الأوروبي تعتزم إصدار حكمها بشأن وضع أمازون كمنصة كبيرة جدا    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    خبراء: الأغذية فائقة المعالجة تعزز جائحة الأمراض المزمنة    طريقة عمل كيكة البرتقال الهشة بدون مضرب، وصفة سهلة ونتيجة مضمونة    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    أكثر من 30 إصابة في هجوم روسي بطائرات مسيرة على مدينة خاركيف شرق أوكرانيا    زيلينسكي يزور تركيا لإحياء مساعي السلام في أوكرانيا    ارتفاع أسعار الذهب في بداية تعاملات البورصة.. الأربعاء 19 نوفمبر    حقيقة ظهور فيروس ماربورج في مصر وهل الوضع أمن؟ متحدث الصحة يكشف    زيورخ السويسري يكشف حقيقة المفاوضات مع محمد السيد    ترتيب الدوري الإيطالي قبل انطلاق الجولة القادمة    النيابة العامة تُحوِّل المضبوطات الذهبية إلى احتياطي إستراتيجي للدولة    نشأت الديهي: لا تختاروا مرشحي الانتخابات على أساس المال    انقلاب جرار صيانة في محطة التوفيقية بالبحيرة.. وتوقف حركة القطارات    ما هي أكثر الأمراض النفسية انتشارًا بين الأطفال في مصر؟.. التفاصيل الكاملة عن الاضطرابات النفسية داخل مستشفيات الصحة النفسية    النائب العام يؤكد قدرة مؤسسات الدولة على تحويل الأصول الراكدة لقيمة اقتصادية فاعلة.. فيديو    أبرزهم أحمد مجدي ومريم الخشت.. نجوم الفن يتألقون في العرض العالمي لفيلم «بنات الباشا»    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    أحمد الشناوي: الفار أنقذ الحكام    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    قوات الاحتلال تطرد عائلة الشهيد صبارنة من منزلها وتغلقه    أحمد فؤاد ل مصطفى محمد: عُد للدورى المصرى قبل أن يتجاوزك الزمن    جامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر تطلق مؤتمرها الرابع لشباب التكنولوجيين منتصف ديسمبر    مشروبات طبيعية تساعد على النوم العميق للأطفال    فيلم وهم ل سميرة غزال وفرح طارق ضمن قائمة أفلام الطلبة فى مهرجان الفيوم    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    هل يجوز أداء العشاء قبل الفجر لمن ينام مبكرًا؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورات مصرية (3 - 3)

ما أشبه الليلة بالبارحة، قاعدة تاريخية تكاد تنطبق على عالمنا العربى، خاصة فى القرن الماضى الذى شهد تراجعاً تاريخياً، وشاع فيه تراجع العلوم، والأنظمة المستبدة، وصارت الأمة العربية أمة تابعة بعدما كانت رائدة فيما مضى من التاريخ العربى، غير أن مثل هذه الأنظمة المستبدة كثيراً ما كانت تنسى أو تتناسى أن التاريخ يعيد نفسه مع ما يندلع ضدها من ثورات، وحركات مناهضة نجحت فى نهاية المطاف فى دحر الاستبداد والقهر، لتنتصر مشيئتها فى نهاية الأمر حيث الله غالب على أمره، وفى مصر تحديداً تكرر هذا التاريخ الثورى أكثر من مرة وفى أكثر من عهد، فقد اندلعت ثورات مماثلة لثورة 25 يناير 2011، مع اختلاف السيناريوهات والخلفيات التاريخية، ومنها ثورتا القاهرة الأولى والثانية خلال الحملة الفرنسية على مصر، وثورة 1919 ضد الاحتلال البريطانى، وثورة 1924 وثورة 1935، وثورة 23 يوليو 1952 التى نجحت بمباركة ودعم شعبى، ونقدم هنا ملفاً توثيقياً لبعض هذه الثورات والمظاهرات، بتفاصيل أحداثها وشهدائها وأبطالها ونتائجها.
«مظاهرات الطلبة على كوبرى عباس».. اندلعت للمطالبة بعودة دستور 1923 واستمرت شهراً
بدأ عام 1935 بداية ساخنة، وقعت إرهاصاتها أواخر عام 1934، حينما دعا الوفد المصرى أعضاء لجانه وأنصاره إلى عقد مؤتمر عام للنظر فى شؤون البلاد التشريعية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وبالفعل انعقد المؤتمر بالزمالك، يومى 9 و10 يناير عام 1935، ليكون أول مؤتمر عام للوفد المصرى، حضره خمسة وعشرون ألفا من أنحاء مصر، وكان من أعظم المؤتمرات الوطنية شأناً وأهمية.
خطب فى هذا المؤتمر من الرجال يوسف الجندى، ومحمد صفوت باشا، والدكتور على أيوب، ومحمد توفيق دياب، وأحمد ثابت موافى، وإبراهيم عبدالهادى باشا، وعباس العقاد، وعزيز ميرهم. ومن النساء ايستر فهمى ويصا، ونور حسن.
وكان من أهم ما قرره المؤتمر عودة دستور 1923 كاملاً، وعلى إثر ذلك سادت حالة وطنية عامة فى مصر، كان مطلبها الأساسى هو عودة دستور 1923، ووقفت الوزارة فى خندق الشعب، ورفعت معه نفس المطلب.
وفى أبريل سنة 1935، رفع توفيق نسيم باشا تقريراً إلى الملك فؤاد، يتضمن اقتراحات وزارية تتعلق بعودة الحياة الدستورية، بأى من الوسيلتين: عودة دستور 1923 أو الدعوة لتشكيل لجنة وطنية لوضع دستور ترضاه البلاد، فقبل الملك فؤاد بالوسيلة الأولى، وهى عودة دستور 1923، غير أن الحكومة البريطانية عارضت عودة الدستور، وقام المندوب السامى بإبلاغ رئيس الوزراء بمذكرة شفهية، مفادها أن الحكومة البريطانية لا تعارض وجود حياة دستورية، على أن يحدث هذا فى الوقت الملائم. وبدا الاعتراض البريطانى كما لو كان اعتراضاً على التوقيت، أما التوقيت المناسب كما رأته بريطانيا، فكان توصيفه وتحديده مطاطاً، إذ قال المندوب السامى إنه لا بد أن يكون الدستور موافقاً لحاجات البلاد، وكان الاعتراض البريطانى برمته بمثابة تدخل سافر فى شؤون البلاد.
وفى التاسع من نوفمبر سنة 1935، ألقى وزير الخارجية البريطانى، السير صمويل هور، خطبة فى «جولد هول» بلندن، وتحدث فى سياقها عن الدستور المصرى قائلاً: إنه عندما استشيرت الحكومة البريطانية بشأنه، نصحت بعدم عودة دستور 1923 أو دستور 1930، إذ قد ظهر أن الأول غير صالح للعمل، والثانى لا يتوافق ورغبات الأمة. وكان لهذا التصريح وقع الصدمة فى نفوس المصريين، وأجج بداخلهم حالة الغليان، كما أثار السخط فى الأوساط الوطنية والشعبية، بعد أن عرف الجميع من سياقه أن الحكومة المصرية هى التى قبلت التدخل ولم ترفضه من البداية.
على إثر ذلك اندلعت المظاهرات، التى بدأت فى القاهرة، وامتدت إلى ربوع مصر ومحافظاتها، احتجاجاً على التدخل البريطانى السافر.
وفى مناسبة عيد الجهاد يوم 13 نوفمبر، وفى مواجهة هذه الغضبة الشعبية والوطنية، تصدت قوات الأمن لها بإطلاق النار، ووقعت أحداث دامية، وسقط أول شهيد، وهو إسماعيل محمد الخالع، حيث أصابته رصاصة أودت بحياته فى الحال وكان عاملاً يعمل فى السرادق المخصص للاحتفالات.
وفى اليوم التالى، الخميس الموافق 14 نوفمبر، تأججت المظاهرات وتواصلت، وكان أهمها المظاهرة الكبرى، التى قام بها طلبة جامعة الملك فؤاد (القاهرة حالياً)، وبدأت من ساحة الجامعة، متجهة إلى قلب العاصمة، فقابلها البوليس بالأعيرة النارية. وهى المظاهرة التى ما زالت محفورة فى وجدان كل مصرى باسم «مظاهرة كوبرى عباس»، وسقط فيها عدد من الطلاب الشهداء، ومنهم: محمد عبدالمجيد مرسى، الطالب بكلية الزراعة، ومحمد عبدالحكم الجراحى الطالب بكلية الآداب، وعلى طه عفيفى الطالب بكلية دار العلوم الذى أصيب فى السادس عشر من نوفمبر عام 1935 وتوفى متأثراً بجراحه. كما سقط فى طنطا الشهيد عبدالحليم عبدالمقصود شبكة، الطالب بالمعهد الدينى بطنطا.
وفى مظاهرة كوبرى عباس سقط الطالب إبراهيم شكرى الطالب بالسنة الثانية بكلية الزراعة، مثخناً بجراحه إلى جوار الشهيد عبدالحكم الجراحى والشهداء الآخرين، وتم نقلهم إلى مستشفى قصر العينى، وهناك اكتشف الأطباء أن إبراهيم شكرى مازال على قيد الحياة، ليكتسب من حينها لقب «الشهيد الحى»، ويصبح وزير الزراعة لاحقا ثم مؤسس حزب العمل.
وظلت المظاهرات المتأججة تتواصل حتى الثامن والعشرين من نوفمبر، الذى أعلن كإضراب عام حداداً على أرواح الشهداء، فأغلقت المتاجر، واحتجبت الصحف، وعطلت الأعمال، ودخلت العاصمة فى حداد رهيب، جدد ذكرى ثورة 1919.
وكان لهذا الشعور الوطنى الجارف فضل عظيم فى تحقيق الائتلاف بين الأحزاب، بينما أقام الطلبة نصباً تذكارياً لشهداء الجامعة فى فنائها، ونقشت أسماؤهم على قاعدته، واحتفلوا يوم السبت 7 ديسمبر عام 1935 بإزاحة الستار عنه.
واستمرت المظاهرات وتجددت الدعوة إلى توحيد الصفوف لمواجهة اللحظة التاريخية العصيبة إلى أن عاد العمل بدستور 1923 فى 12 ديسمبر 1935 بموافقة الملك فؤاد.
وقد أرخت الصحافة لهذه المظاهرات عبر متابعات مستمرة، بل لعبت بعض الصحف دورا وطنيا مهما فى هذه المظاهرات، ومنها جريدة الجهاد لصاحبها توفيق دياب، التى ساندت انتفاضة 1935 وكانت تستقبل وفود الطلاب.
وفى جريدة الأهرام وعلى الصفحة الأولى فى الخامس عشر من نوفمبر 1935، أى فى اليوم التالى لاندلاع المظاهرة نقرأ متابعة مطولة لمجريات مظاهرة الطلبة تحت عنوان «مظاهرات أمس فى القاهرة».. إضراب طلبة الجامعة والمدارس– اشتراك الوفد المصرى فى تشييع جنازة القتيلين ....إلخ».
وتحت عنوان فرعى فى التغطية يقول «نجل شكرى باشا» نقرأ: «ومن بين الطلبة الذين أصيبوا من رصاص الكونستابلات أحد طلبة كلية الهندسة، وهو نجل صاحب السعادة محمود شكرى باشا، مدير بنك التسليف الزراعى، وقد سقط متأثرا برصاصة أحد الكونوستابلات، وظل يردد بصوت مرتفع «تحيا مصر حرة دائما».
ويذكر أن إبراهيم شكرى حينما قرر الحصول على مقر لإقامته لاحقا اختار بيتاً يقع على مقربة من كوبرى عباس، ومازالت أسرته تقيم هناك إلى الآن، بل إنه أوصى قبل وفاته بأن يدفن– حين يلقى ربه – إلى جوار عبدالحكم الجراحى، فكان له ما أراد بفضل جهود ابنه المهندس أحمد شكرى.
وكان إبراهيم شكرى يرى فى مظاهرات الطلبة على كوبرى عباس عام 1935 أنها ثورة سقطت بين ثورتين، «1919 و1952»، حيث لم تحظ بما تستحقه من الدراسة والاهتمام، مثلما حظيت الانتفاضات الثورية الشعبية الأخرى.
«إرادة الشعب».. كلمة السر لتحقيق التغيير فى كل صفحات التاريخ
رغم قوى الشر والمحن والكوارث التى حاقت بهم على مدى التاريخ الطويل، كان نور إرادة المصريين يشع وسط هذا الظلام. ويسجل التاريخ الكثير من المواقف والثورات والأزمات والتصدى للاحتلال وظلم الحكام والتخلص من الطغاة، ليصمد ويعلو صوت الشعب محققاً مطالبه.
ظهرت‏ قوة‏ وإرادة‏ الشعب‏ المصرى أثناء‏ تأييد‏ حكم‏ محمد‏ على فى‏ 13 مايو‏ سنة‏ 1805، حين أبلغته الزعامة‏ الشعبية‏ ‏برغبة‏ الشعب‏ فى تنصيبه‏ على حكم‏ البلاد‏، و‏ظلت‏ هذه‏ الزعامة‏- كما‏ وصفها‏ المؤرخ‏ عبدالرحمن‏ الرافعى فى كتابه‏ تاريخ‏ الحركة‏ الوطنية- قائمة‏ فى السنوات‏ الأولى من‏ حكم‏ محمد‏ على‏، فكان‏ لها‏ تأثير‏ فعال‏ فى تثبيت‏ دعائم‏ ملكه‏ وتذليل‏ العقبات‏، التى وضعها‏ رجال‏ الأستانة‏ من‏ جهة‏، والإنجليز‏ والمماليك‏ من‏ جهة‏ أخرى‏.
وكان‏ على رأس‏ هذه‏ الزعامة‏ الشعبية‏ السيد‏ عمر‏ مكرم‏ الذى حمل‏ لواءها‏ فى تقليد‏ محمد‏ على سلطة‏ الحكم،‏ حيث‏ اقتاد‏ الجماهير‏ ‏إلى محمد‏ على‏، وعرفه‏ مكانة‏ الشعب‏ ونفوذه،‏ وكان‏ يرجع‏ إليهم‏ ويستشيرهم‏ فيما‏ يجد‏ من‏ الأمور‏.
‏وبعدما‏ تخلص‏ محمد‏ على من‏ أعدائه‏ المماليك‏ والإنجليز‏ بفضل‏ الزعامة‏ الشعبية‏، عمل‏ على التخلص‏ من‏ عمر‏ مكرم‏ بعدما‏ رأى أن‏ مكانته‏ وثقته‏ عند‏ الناس‏ كبيرة،‏ فدبر‏ مؤامرة‏ ونفى عمر‏ مكرم‏ إلى دمياط‏ فى 9 أغسطس‏ سنة‏ 1809، وعمل‏ على التشهير‏ بسمعته‏ لمنع‏ تعاطف‏ الشعب‏ معه‏، ومن‏ هنا‏ ظهر‏ ما‏ يعرف‏ بالفراغ‏ أو‏ انقطاع‏ الصلة‏ بين‏ الحاكم‏ والشعب‏، وانفرد‏ محمد‏ على بالحكم‏.‏
وكانت ثورة عرابى نموذجا‏ آخر‏ ظهرت‏ فيه‏ إرادة‏ الشعب‏، فلم‏ تكن‏ ثورة‏ عسكرية‏ فحسب،‏ بل‏ ‏ثورة‏ قومية‏ شاركت‏ فيها‏ طبقات‏ الأمة‏ كافة، حسب تأكيد عبدالرحمن‏ الرافعى فى كتابه‏ «‏الزعيم‏ الثائر‏.. أحمد‏ عرابى‏»‏.‏
كانت الثورة‏ العرابية‏ ‏ثورة‏ دفاع‏ عن‏ الحق‏، ودفاع‏ عن‏ الحياة‏، فكانت الأسباب‏ السياسية ترجع‏ إلى تذمر‏ المصريين‏ عامة‏ من‏ سوء‏ نظام‏ الحكم‏، ورغبتهم‏ فى التخلص‏ منه‏، ولم‏ يكن‏ ثمة‏ عدل‏ ولا‏ قانون‏، ولا‏ قضاء‏ ينتصف‏ للمظلوم‏ ويعطى كل‏ ذى حق‏ حقه،‏ ولا‏ حرية‏ ولا‏ مساواة،‏ ولا‏ ضمانات‏ قانونية‏ تكفل‏ للناس‏ حقوقهم‏ وحياتهم‏.
‏وأدركت‏ الطبقة‏ الممتازة‏ من‏ الأمة‏ أن‏ إصلاح‏ النظام‏ ‏يكون‏ بقيام‏ الدستور‏ وإنشاء‏ مجلس‏ نيابى يوحد‏ مبادئ‏ العدل‏ والحرية‏، ويتحقق‏ فيه‏ معنى الرقابة‏ على الحكم‏، ويحول‏ دون‏ ارتكاب‏ المظالم‏.. فيأمن‏ الناس‏ على حقوقهم‏ وعلى حياتهم‏، ومن‏ هنا‏ اتحدت‏ الطبقة‏ المثقفة‏ من‏ الأمة‏ مع‏ الضباط‏ الوطنيين‏ فى الشعور‏ والميول‏، وأجمع‏ الكل‏ على المطالبة‏ بالمجلس‏ النيابى.. فالثورة‏ العرابية‏ كانت‏ من‏ هذه‏ الوجهة‏ ثورة‏ على المظالم‏، وثورة‏ على الحكم‏ الاستبدادى‏.‏
وتعد ثورة‏ 1919 نموذجا‏ يؤكد‏ مدى ترابط كل فئات الشعب بإرادة واحدة، عن‏ طريق‏ القيام‏ بمظاهرات‏ سلمية‏ للاحتجاج‏ على القبض‏ على زعمائهم‏ الأربعة‏ والتعبير‏ عن‏ تأييدهم‏ فى مطلبهم‏ الخاص‏ بالاستقلال‏ التام‏، ولكن‏ الأمر‏ تطور‏ بسبب‏ التجاء‏ السلطات‏ البريطانية‏ إلى مقابلة‏ محاولتهم‏ السلمية‏ هذه‏ بالعنف‏ والقسوة‏، مما‏ فجر‏ الاستياء‏ المكبوت‏ فى صدور‏ الناس‏ لمختلف‏ الأسباب‏ السياسية‏ والاقتصادية‏ وظهوره‏ فى شكل‏ ثورة‏ عارمة‏ ضد‏ الإنجليز‏، وبدأت‏ الثورة- كما‏ وصفها‏ الدكتور عبدالعظيم‏ رمضان‏ فى كتابه‏ «‏تطور‏ الحركة‏ الوطنية‏ فى مصر»- بانفجار‏ من‏ طابع‏ الارتجال‏ والخطة‏ العفوية‏ والتنظيم‏ السريع‏، ولكن‏ هذا‏ الانفجار‏ سرعان‏ ما‏ تحول‏ إلى ثورة‏ عندما‏ اشتمل‏ على عناصر‏ جديدة‏ على النضال‏ الوطنى‏، دلت‏ على وقوع‏ تغيير‏ عميق‏ فى كيان‏ المجتمع‏ المصرى،‏ وكان أبرز هذه‏ العناصر‏ الأقباط‏ والمرأة‏ المصرية‏.‏
ومن‏ القاهرة‏ انتقلت‏ الحركة‏ إلى الأقاليم،‏ وكانت‏ الطبقة‏ البورجوازية‏ فى المدن‏ أول‏ من‏ استجاب‏ لنداء‏ الثورة‏ وتبعتها‏ الطبقة‏ العمالية‏ فيها‏، أما‏ فى القرى فكان‏ الفلاحون‏ هم‏ الذين‏ حملوا‏ عبء‏ النضال‏ بتأييد‏ الأعيان،‏ وتصدرت‏ الطبقة‏ المثقفة‏ النضال‏ وقادته‏ منذ‏ البداية‏ وانبث‏ أفرادها‏ فى كل‏ مكان،‏ وتعطلت‏ حركة‏ المواصلات‏ ودار القتال‏ فى الشوارع‏ من‏ وراء‏ المتاريس،‏ وفى مدن‏ اشتد‏ طابع‏ الثورة‏ إلى درجة‏ مهاجمة‏ مراكز‏ البوليس‏ وتدمير‏ الكبارى والجسور‏ ومحطات‏ السكك‏ الحديدية‏ والاستيلاء‏ على السلطة‏ أحيانا‏ كما‏ حدث‏ فى مدينة‏ زفتى‏، وفى القرى خرجت‏ جموع‏ الفلاحين‏ لقطع‏ الخطوط‏ الحديدية‏ والتلغرافية‏ والتليفونية‏، وكان‏ أعنف‏ حوادث‏ الثورة‏ ما‏ جرى فى الصعيد‏ وما‏ حدث‏ بين‏ البدو‏ والقوات‏ العسكرية‏ البريطانية‏ فى الفيوم‏.‏
ولم‏ تخل‏ ثورة‏ 1919 من‏ عناصر‏ فاسدة‏ مثلما‏ يحدث‏ فى أى مسيرات‏ احتجاجية‏ تعبر‏ عن‏ رأيها‏، فقد‏ وجد‏ من‏ كان‏ يحمل‏ على ظهره‏ البضائع‏ المنهوبة‏ وهو‏ يهتف‏ يحيا‏ الوطن‏ وظهر‏ من‏ ينهبون‏ المنازل‏ ويسىء‏ للثورة‏.. ونجحت‏ الثورة‏ فى النهاية‏ بإرادة‏ خالصة‏ من‏ الشعب‏.‏
وجاءت ثورة 25 يناير لتظل‏ إرادة الشعوب هى كلمة السر الأولى نحو تحقيق التغيير، والخروج من الظلام إلى النور، ومن الاستعباد إلى الحرية.
مظاهرات 1946 أطاحت بحكومة «النقراشى».. والحصيلة 23 قتيلاً
فى شهر يوليو 1945 جرت الانتخابات البريطانية لمجلس العموم (النواب) البريطانى، وفاز فيها حزب العمال على المحافظين. وفى الثالث والعشرين من سبتمبر 1945 اجتمع مجلس الوزراء المصرى وأقر البيان الذى أصدرته الهيئة السياسية، والذى أقر مطلب جلاء البريطانيين عن مصر، وجاء فى البيان: «ترى الهيئة السياسية بإجماع الآراء أن حقوق مصر الوطنية، كما أجمع عليها رأى الأمة وأعلنتها الحكومة، هى جلاء القوات البريطانية، وتحقيق مشيئة أهل وادى النيل فى وحدة مصر والسودان».
وفى 20 ديسمبر من نفس العام، سلم سفير مصر فى لندن (عبدالفتاح عمرو) إلى وزارة الخارجية البريطانية، مذكرة من الحكومة المصرية، طلبت فيها الدخول فى مفاوضات لإعادة النظر فى معاهدة 1936.
وفى 26 يناير 1946 ردت الحكومة البريطانية على هذا الطلب بمذكرة أعلنت فيها استعدادها لإعادة النظر مع الحكومة المصرية فى أحكام المعاهدة، وأنها سترسل تعليمات إلى سفيرها فى مصر لإجراء محادثات تمهيدية معها، ولأن الشعب المصرى يضيق بالتسويف، وعلى إثر إذاعة مذكرة الحكومة المصرية إلى بريطانيا ورد الحكومة البريطانية، تبين للرأى العام سوء نية الإنجليز تجاه مصر، اندلعت مظاهرات بين يومى 9 و10 فبراير 1946، بعدما تبين إصرار الإنجليز على إبقاء قواعد معاهدة 1936 كأساس للعلاقات بين البلدين، وكأن انتهاء الحرب العالمية الثانية والمبادئ الحديثة، التى أقرها ميثاق الأمم المتحدة، لم يغيرا من سياسة الإنجليز الاستعمارية.
خرجت مظاهرات الشباب من جامعة فؤاد الأول (القاهرة)، قاصدة قصر عابدين، ولما وجدوا كوبرى عباس مفتوحا هبطوا إلى قوارب فى النيل، وأغلقوا الكوبرى ليمر من فوقه آلاف المتظاهرين الشباب الذين هتفوا بالجلاء، وعدم التفاوض إلا بعد الجلاء، فواجههم البوليس بضراوة، وحُسب هذا الأمر سقطة لوزارة النقراشى باشا، رغم عدم وجود ضحية واحدة بين المتظاهرين، سوى أنها أسفرت عن 84 مصاباً.
وتجددت المظاهرات فى اليوم التالى، وانتقلت إلى محافظات ومدن أخرى، حتى استقالت وزارة النقراشى فى 15 فبراير 1946، وتألفت وزارة إسماعيل صدقى فى 17 فبراير. ولما رأى صدقى أن أسلوب تصدى أحمد ماهر للمظاهرات قد أسقط وزارته، اعتمد أسلوب الملاينة، فسمح بالمظاهرات مع الحفاظ على مقدرات الدولة وممتلكات الأجانب، وحددوا يوما اسمه (يوم الجلاء) شهد إضرابا عاما.
واندلعت مظاهرة كبرى سميت مظاهرة الجلاء فى 21 فبراير 1946، وما لبث أن انضمت لها كل طوائف الشعب، وتعامل معها الإنجليز بوحشية فى ميدان الإسماعيلية (ميدان التحرير الآن)، وواجه الإنجليز المتظاهرين بالسيارات المسلحة، مما أدى إلى إزهاق أرواح الكثيرين، فسقط 23 قتيلا و121 جريحا، وسارت عدوى المظاهرات فى محافظات مصر، وأعلنت الأمة الحداد، وكانت روحا وطنية عارمة شملت البلاد، إلى أن وقع إسماعيل صدقى معاهدة (صدقى - بيفن).
ثورة عرابى.. أثبتت أن «الجيش والشعب إيد واحدة»
فى أول فبراير 1881، وفى عهد الخديو توفيق، الذى تولى حكم مصر بعد خلع والده إسماعيل، فى 26 يونيو 1879، أصدر عثمان باشا رفقى، وزير الجهادية (الحربية)، أمرا بإحالة أميرالاى اللواء السودانى عبدالعال بك حلمى إلى ديوان الجهادية، مما يعنى تخفيض رتبته، وعين بدلا منه ضابطا شركسيا لا يصلح للمنصب، فهاج الضباط وقرروا أن يعبروا عن سخطهم، وأن يقدموا مطالبهم فبايعوا أحمد عرابى زعيما لهم، يتكلم نيابة عنهم، وأقسموا على السيف والمصحف بأن يكونوا يدا واحدة.
وكتب عرابى بيانا يتضمن مطالب الضباط، ووقعها الرؤساء الثلاثة للواءات الثلاثة، أحمد عرابى وعبدالعال حلمى وعلى فهمى، وتضمن البيان أربعة مطالب، وهى: عزل ناظر الجهادية الشركسى، وتعيين آخر مصرى، وتشكيل مجلس نواب من فقهاء الأمة، وزيادة عدد الجيش إلى 18 ألف جندى، وتعديل قوانين الجيش على نحو يكفل تحقيق العدالة الوظيفية.
حمل عرابى وصاحباه العريضة التى تتضمن مطالبهم فى اليوم التالى إلى وزارة الداخلية، واستدعاهم رياض باشا إلى مكتبه، ووعدهم بأن ينظر فى الأمر.
وانتهى مجلس الوزراء فى 31 يناير بتفويض وزير الحربية بالقبض على الضباط الثلاثة، فكان الفصل الأول من الثورة العرابية فى أول فبراير 1881 فيما عرف بواقعة قصر النيل، حيث استدرج عثمان رفقى الضباط الثلاثة، وأرسل لهم بطاقات دعوة إلى ديوان الوزارة بقصر النيل، بدعوى الإعداد لترتيبات زفاف جميلة، شقيقة الخديو، وأشتم عرابى رائحة المكيدة، فاتفق الرفاق الثلاثة على ما ينبغى عمله إذا حدث ما توقعوه، وحدث فعلا أن تم القبض عليهم، فاستنفر البكباشى محمد عبيد جنود الآلاى الأول المرابطين فى عابدين، وسار على رأسهم إلى ديوان الوزارة، واقتحم الديوان وحرر عرابى وصاحبيه، وفر الضباط الشراكسة، الذين اجتمعوا لمحاكمة عرابى، وكان الوزير على رأس الفارين.
سار عرابى ورفاقه على رأس مظاهرة عسكرية، قاصدين ميدان عابدين، وانضم إليهم قبل وصولهم لواء طرة بقيادة البكباشى خضر أفندى خضر، ولم يتخلف من اللواءات سوى لواء عرابى نفسه.
ولما وصل عرابى على رأس المظاهرة إلى سراى عابدين بدأ يعرض مطالب الثورة، فلم ينته اليوم إلا وأجيب الضباط إلى مطالبهم، وتم عزل الوزير الشركسى، وتعيين البارودى خلفا له على وزارة الحربية، فكان هذا أسرع نجاح للثورة فى مرحلتها الأولى.
وبعد أن أصبح عرابى زعيما وطنيا للبلاد، بدأ يطالب بوجود دستور للبلاد، وحث كبراء البلد وعلماءه على المطالبة بذلك، وأيده الجميع. وفى الرابعة عصر يوم الجمعة 9 سبتمبر 1881، كان أول نجاح لهذه المظاهرة هو سقوط وزارة رياض باشا، وتكليف شريف باشا بالوزارة، واستنجد الخديو بالباب العالى.
على الصعيد الشعبى سادت الأجواء الثورية أنحاء البلاد، التى انقلبت مسرحا للخطباء، وأصبح الناس كأنهم كلهم أحمد عرابى، وكان نفوذ العرابيين فى البرلمان ظاهرا، حتى قدم شريف باشا الدستور الجديد إلى مجلس النواب فى 8 يناير 1882.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.