عزيزى الدكتور عماد أبوغازى وزير الثقافة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. اسمح لى يا سيادة الوزير أن أقتحم عليك مسئولياتك الجسام ومشغولياتك العديدة والمتنوعة لأقدم لك اقتراحا. تعلم جيدا التقدير الشخصى الذى أكنه لك، ولوالدك العزيز الذى تولى وزارة الثقافة فى عصر الرئيس الراحل محمد أنور السادات ولمدة ستة شهور فقط! فعندما اختار الرئيس الراحل محمد أنور السادات قصر محمد محمود خليل باشا رئيس مجلس الشيوخ فى العصر الملكى والذى يطل على النيل، طلبت سكرتارية الرئيس من وزير الثقافة والدك إخلاء المبنى المجاور للقصر فى الحديقة ليكون مقرا لسكرتارية الرئيس! د . عماد ابو غازى وكان رد والدك بدر الدين أبوغازى: - هذا أمر مستحيل.. فقد أوصى محمد محمود خليل باشا بالقصر والحديقة وملحقات القصر ليكون متحفا من بعده، ولا يمكن عدم التزام وزارة الثقافة بالوصية! ونشرت جرائد الصباح فى اليوم التالى خبرا فى الصفحة الأولى بعنوان قبول استقالة بدر الدين أبوغازى وزير الثقافة! وتجلس أنت اليوم فى المقعد الذى جلس عليه والدك من قبل. وهو نفس الكرسى الذى جلس عليه الدكتور ثروت عكاشة الذى وضع استراتيجية الثقافة المصرية فى بداية ثورة 23 يوليو. استعان الدكتور ثروت عكاشة بكبار المثقفين والمفكرين وأساتذة الجامعة ليعاونوه فى وضع استراتيجية بوزارة الثقافة تأخذ عن أفضل خطط واستراتيجيات وزارات الثقافة فى العالم ويجىء فى المقدمة وزارة الثقافة الفرنسية، حيث عمل الدكتور ثروت عكاشة سفيرا لمصر فى باريس لسنوات، وعندما أسند إليه الرئيس جمال عبدالناصر وزارة الثقافة عام 1958، أعلن استراتيجية جديدة للثقافة فى مصر. وهى نفس الاستراتيجية التى تسير عليها وزارة الثقافة المصرية حتى اليوم. أعتقد يا سيادة الوزير وأنت ممن ذهبوا إلى ميدان التحرير مرارا وتكرارا، وعشت ثورة 25 يناير منذ بدايتها، أن الوقت قد حان لمراجعة وإعادة النظر فى الاستراتيجية التى وضعها الدكتور ثروت عكاشة، فقد تطور العالم وأخذت الثقافة أشكالا وأبعادا مختلفة ومتنوعة، وأصبح العمل الثقافى فى مختلف بلاد الدنيا عملا تنمويا، فارتبط المسرح بخطط التنمية. وارتبط الإنسان فى كل مكان بالفكر والإبداع من أجل بناء الإنسان الذى يدفع عجلة التنمية وزيادة الإنتاج فى جميع مناحى الحياة. لقد كبرت مؤسسات الثقافة فى مصر منذ الستينيات لتعج بالموظفين الذين يتمسكون باللوائح ليقتلوا أى إبداع وأى تطور، وأصبحت ميزانية وزارة الثقافة لدفع مرتبات الموظفين وليس لتطوير الأعمال الفنية وأصبح الفنانون مشغولين بالأعمال الإدارية، أكثر مما هم مهمومون بالإبداع الفنى! أصبح العمل فى المسرح من أجل الحصول على مرتب ثابت فى نهاية الشهر، وتدهورت البنية الأساسية التى شيدها طلعت حرب فى بداية القرن العشرين للنهوض بالمسرح ببناء مسرح الأزبكية، واستوديو مصر، وسينما استوديو مصر فى شارع عماد الدين ومعهدى السينما والمسرح.. إلخ. ولو تلفتنا حولنا اليوم نجد أن مسرح الأزبكية مازال تحت التشييد وإعادة البناء، وأنه تكلف خمسة ملايين جنيه فى مرحلة سابقة مع المقاولون العرب، واليوم يتكلف سبعة ملايين جنيه أخرى مع شركة حسن علام، ولم تنته أعمال البناء والتشييد، ولقد سألت الأستاذ فؤاد السيد - سكرتير عام المسرح القومى - عن مقتنيات المسرح القومى وكنوزه التى أثث بها طلعت حرب مسرح الأزبكية، عندما بناه فى الثلاثينيات من القرن الماضى، فأجاب أنها فى الحفظ والصون رغم الحريق ورغم السرقات التى تمت قبل أن يكون مسئولا عن المسرح! ولعلك تعلم يا سيادة الوزير أكثر منى مدى التدهور الذى أصاب مؤسسات وزارة الثقافة المتعددة والمتنوعة! لهذا أكتب إليك هذا الخطاب مناشدا سيادتك بضرورة تكوين لجنة من كبار المثقفين والمفكرين الشبان الذين بقوا من الرواد الذين عاصروا الدكتور ثروت عكاشة لكى يعكفوا اليوم على إعادة النظر ومراجعة الاستراتيجية الثقافية للمصريين، ويضعوا استراتيجية جديدة تنقذ مؤسسات الثقافة فى مصر من الموظفين، وتجعل الإبداع والمبدعين فى مقدمة وطليعة الأعمال فى وزارة الثقافة. مازلت أتذكر مؤسسة المسرح ومؤسسة السينما، وقصور الثقافة والمجلس الأعلى للآثار، وبالمناسبة إننى شخصيا ضد فصل الآثار عن الثقافة! فقد كانت الآثار والمتاحف هى التى تمول صندوق التنمية الثقافية الذى يقوم بتمويل المشروعات الثقافية الكبرى التى يعجز القطاع الخاص عن المجازفة بإنجازها. لابد من عودة الآثار إلى الثقافة، حتى يمكن تمويل مشروعات ثقافية تخدم مصر، وتجعل مؤسساتها الثقافية جاذبة للفنانين من شتى بقاع العالم مثل سمبوزيوم أسوان للنحت، وسمبوزيوم الأقصر للرسم. ولقد قدم محافظ الأقصر السابق اللواء سمير فرج تسعة آلاف متر لإعادة إنشاء مرسم الأقصر للفن التشكيلى، ودعوة مختلف الفنانين من بلاد الدنيا ليحضروا إلى الأقصر كل عام لمدة أسبوعين يعيشون الحضارة المصرية القديمة ويبدعون مع الفنانين المصريين فنا تشكيليا من وحى الفنان المصرى القديم الذى أبدع بالنحت فى الحجر وبالرسم على جدران المعابد رسوما ظلت تتحدى الزمن وتظل ألوانها ثابتة حتى اليوم، فكما بهر الطبيب المصرى القديم وعالم الفلك المصرى القديم العالم بعلمه ومحاولة التعرف على رحلة الخلود، كذلك فالفنان المصرى القديم مازال يبهر العالم بما أنجزه منذ سبعة آلاف سنة! إن إنشاء مرسم الأقصر فى أقرب وقت يجعل «طيبة» منارة مصرية معاصرة تجذب الفنان التشكيلى إلى الأقصر والحضارة المصرية القديمة التى علمت العالم الفن. ويا سيادة الوزير عماد الدين أبوغازى: أرجو أن تسارع إلى تكوين لجنة الحكماء من أصحاب الفكر والعلم من الشباب والشيوخ لكى يراجعوا الاستراتيجية الثقافية ويضعوا الخطة والاستراتيجية الجديدة التى تواكب ثورة الاتصالات وثورة المعلومات وتكنولوجيا الفن الحديث، حتى تتعامل مصر صاحبة ثورة 25 يناير التى بهرت العالم مع فنانى العالم ومفكريه وهى على نفس المستوى! أملى كبير فى أن تكون أنت الوزير الذى يضع الاستراتيجية الجديدة لثقافة المصريين.