كاريكاتير خضر حسن أظهرت الأيام العشرة الأخيرة، كثيرا من مؤشرات دخول السلفية وجماعات الصوفية مرحلتى المواجهة، والتكفير العلنى، ربما لأول مرة منذ أكثر من50 عاما فاستقالة الدكتور محمد الدرينى من منصبه كرئيس لجمعية آل البيت، كانت إشارة إلى أن البيت الشيعى بدأ فى الغليان، بينما كان البيت السلفى فى المقابل، قد دخل بدوره طور الارتباك، من تواجد شيعى واضح، بدأ الظهور دون استحياء على ساحة السياسة، بسرعة لم تكن متوقعة بعد يناير. ربما لم يكن هناك الكثير من الجديد، قبل احتفال الصوفية، والشيعة بمولد السيدة آمنة بنت وهب أم النبى، الأسبوع قبل الماضى. لكن بعد الاحتفال، ضربت الزلازل أوساط السلفية، بعدما رأوا أن الأمور قد فاقت المدى. حسب مشايخ السلف، ماتت السيدة آمنة على الشرك، ما يعنى أن المساواة بينها وبين السيدة زينب، والإمام الحسين، المبشرين بالجنة، فى التقديس، زيادة فى كفر الشيعة، وكفر الذين يوالونهم من جماعات الصوفية. فى المقابل، واجه الشيعة، جماعات السلف الفترة الأخيرة، بتوصيفات قاسية، قبل مطالبتهم المجلس العسكرى، بفحص مصادر تمويل السلفية التى حصلوا عليها، حسب الشيعة، من «بعض دول النفط»، لمحاربة مذهب يدين أتباعه بالإسلام هم الآخرون! - أزمة «آل البيت»! فجأة، اتهم السلفيون الشيعة بالتجديف فى الدين، للحد الذى حدا بالشيخ يوسف البدرى، التأكيد لوسائل الإعلام عن تخوفاته من إيران، واستخدامها بعض جماعات المتصوفة لنشر المذهب الإثنى عشرى بين المصريين. وهو ما دعا، رئيس جمعية آل البيت، محمد الدرينى قبل استقالته، للرد بدعوة الجماعات الصوفية، لحمل السلاح إحياء للصوفية الجهادية، دفاعا عن مذهب «آل البيت» ضد السلفية! بعض الشيعة اعتبروا، أن تصريحات الدرينى، كانت فلتة، وزلة لسان، وتهورا. فى الوقت الذى اعتبرت الجماعات السلفية أن الدرينى، كشف، حتى إن كان لم يقصد، عن وجه الشيعة الصحيح، وانتهى الأمر، باستقالة الدرينى، ليعلن خلفه، محمد الطبطبائى تجميد عمل الجمعية ثلاثة أشهر، بغرض ترتيب البيت الشيعى من الداخل.. وبدا أن الطبطبائى يطلب «استراحة محارب»! تصريحات الدرينى، ثم استقالته، كانت رجة عنيفة للبيت الشيعى، تماما، مثلما كان الظهور الشيعى الصوفى، وما بدا منه من شعبية لا يستهان بها، كانت معضلة بالنسبة للتيارات السلفية، التى بدأت فى مكافحة التشيع بنعت أتباعه بالكفر. فى الوقت الذى كان الشيعة، قد بدأوا بالفعل فى اختراق الوسط السياسى، بالتعاون مع الأحزاب الليبرالية، لاعبين على وتر التعاون مع الأقباط، على خلاف أحزاب السلفية التى لم تحدد موقفها من قضية المواطنة، بوضوح.. حتى الآن. الفترة الأخيرة، حل الشيعة أنفسهم، مع بعض الجماعات الصوفية، من كثير مما وصم به السلفيون. ففى مولد الإمام الحسين، علق الشيعة لافتات، رسموا عليها صورة ملك السعودية، عبدالله بن عبدالعزيز، معلقا فى مشنقة، إلى جانب الرئيس السابق حسنى مبارك، فى إشارة خبيثة للدعم السعودى للجماعات السلفية، وإشارة من جانب آخر، إلى أن الذى يدعم السلفيين، هو الذى يعمل على تأخير محاكمة الرئيس المصرى السابق. وفى مولد السيدة زينب، ظهرت لافتات شيعية، كتبوا عليها «السيدة زينب سيدة مصر الأولى»، وهو الشعار الذى توافق بذكاء مع رغبة البسطاء، فى حكم إسلامى لمصر، وهو ما فاجأ السلفية، بلعب الشيعة بالرموز، فيما كان السلفية، يدورون ويلفون حول فقه التشدد والتعقيد.. وكأن الزمن فى الانتظار. ما بدا من تجاوب شعبى رهيب، مع الشيعة فى احتفالاتهم حول أضرحة آل البيت أزعج السلفية. ففى مولد الحسين، ومولد السيدة، سحبت شعارات الشيعة، والقصص التى حكوها فى الشوادر، وأمام المقامات عن مآثر «عترة النبى»، الكثير من الدراويش، بإيمان فى «كرامات الأولياء»، فخصمت من تيارات السلفية التى استفزت وجهة النظر العامة، بتحريمهم التبرك بالأولياء، ورفضهم الاعتقاد فى مآثر الموتى. كسب الشيعة عدة نقاط «شعبية»، خلال مناسبات آل البيت الأخيرة، وهو ما كان سببا فى أن تقع السلفية فى الحيرة. ففى حين كان السلفية لايزالون يترنحون، بين شكل تكوين الأحزاب، ومشروعية المشاركة مع قوى المجتمع من غير السلفيين، كانت الجماعات الصوفية، مع قيادات الشيعة يتقربون للمصريين، بالولاء، والطاعة لآل بيت النبى. ليس هذا فقط، إنما كان رفع الشيعة فى مولدى الحسين، والسيدة زينب شعار «الهلال مع الصليب»، نقطة ثقيلة، وضعها المتشيعون فى ميزان حسناتهم، بالمجتمع المصرى الجديد بعد يناير. - أزمة مولد السيدة آمنة لما ضغط الشيعة من باب «محبة آل بيت النبى»، انتظر، السلفية، وردوا من باب «الحلال والحرام»، فكانت معركة احتفال الصوفية، بمولد السيدة آمنة بنت وهب أم النبى (ص)، التى جعلت الرصاص يتدفق من الجانبين، نحو الآخر، فاتهم السلفية إيران بمحاولات نشر التشيع بين المصريين، بينما اتهم الشيعة، الفكر الوهابى، السلفى، ورغبته فى إعادة المصريين إلى عصور الانغلاق، والتشدد، ورفض الآخر. فعلناً، اتهم مشايخ السلفية إيران، بتشغيل، الشيعة المصريين، للحد الذى قال الشيخ يوسف البدرى المحسوب على السلفيين، أن سياسات حكومة طهران قد وجدت فرصتها بعد يناير، لغزو العالم الإسلامى السنّى، باستغلال بسطاء الصوفية ومحبى آل البيت فى الترويج للمذاهب الشيعية، الخارجة عن الدين! لم يكن احتفال الشيعة بمولد السيدة آمنة، مجرد حادثة، وواقعة، وساء سبيلا، حسب الخطاب السلفى، بقدر ما كانت فرصة ذهبية، لهجوم سلفى منظم على «نزق» دينى جديد. فالذى حدث، أن بالغت الطريقة العزمية الصوفية فى الاحتفال بمولد السيدة آمنة، وبمشاركة شيعية واضحة. وفى المولد، تجادل الصوفيون فى مسائل فقهية، خاصة بجواز الاحتفال بآل بيت النبى جميعا، بما فيهم أمه، السيدة آمنة، قبل أن يتندروا، بتحريم السلفية إقامة موالد آل بيت النبى، فى الوقت الذى يحتفلون فيه، بمولد محمد بن عبدالوهاب، عميد حركات التشدد الإسلامى. فى مولد السيدة آمنة، رفع الشيعة، لافتات المئذنة، وجرس الكنيسة، ما اعتبرته جماعات السلف، فخاً لاصطياد البسطاء، خصوصا غير المسلمين، وتأليف قلوبهم بحق يراد به باطل. الفترة الأخيرة، بدا أن الشيعة هم الأعلون، وفى مولد السيدة آمنة، وصفت قيادات الشيعة فتاوى شيوخ السلفية ضد غير السلفيين والأقباط ب فتاوى ميكى ماوس، بينما دعت نفس التيارات إلى الاستعداد بالسلاح للتعامل مع الذين يهددون بهدم أضرحة الأولياء، وكنائس الأقباط، متهمين جماعات السلفية بالمسئولية عن «الفتنة الطائفية» بين المصريين. وفيما نادى الشيعة، فى مولد السيدة آمنة، بتطبيق «فقه آل البيت»، بوصفه المنقذ للبلاد من التشدد، رد مشايخ السلفية، بخروج الشيعة من الملة، باحتفالهم بمولد السيدة آمنة، التى اختلف الفقهاء فيها، فقالوا إنها ماتت وأبوه (ص) مشركين، استدلالا بالحديث المشهور عن النبى (ص) لأحد الصحابة: «أبى وأبوك فى النار»! - دعاية شيعية فى الانتخابات وجه التحدى الآخر بالنسبة للسلفية، كان سرعة عمل الشيعة، والجماعات الصوفية المحسوبة عليهم، وبطرق ليست متوقعة، للغوص فى تفاصيل المجتمع المصرى السياسية، وهو ما ظهر من خلال دعوات «قوى آل البيت»، إلى التحالف مع الأحزاب السياسية ذات التوجه العلمانى، والتى كانت فى الوقت نفسه تبحث عن وسيلة للتصدى للإخوان المسلمين والسلفية. بدأ الشيعة بحزب «المصريين الأحرار» برئاسة نجيب ساويرس، الذى تواترت أنباء، لم ينفها الحزب ولم يؤكدها، عن استعداده ترشيح، وجوه شيعية معروفة، على قوائمه فى الانتخابات البرلمانية المقبلة! لم ينف «المصريين الأحرار»، ولم يؤكد أيضا، ما تواتر عن بدء قياداته الاتصالات بمراكز قوى الشيعة فى المحافظات، الذين قبل بعضهم تمثيل الحزب فى الانتخابات، شريطة أن إبراز كلمة «شيعى»، خلال حملة الدعاية - وكانت، أن صحت، نقطة جديدة لصالح تيار التشيع.. فى حين فشل السلفية فى خطوة مماثلة. ربما اكتساب الشيعة، مزيداً من النقاط، خلال الفترة القليلة الماضية، كانت سببا فى رفضهم وكثير من جماعات الصوفية دعوات الحوار التى تقدمت بها بعض تيارات السلفية، فحتى الآن، يرى الشيعة أنهم الأقوى، وربما تشير الأحداث إلى صحة هذا الافتراض. فالتيارات السلفية، التى خرجت من القمقم بعد يناير، لم تستطع أن تفرد لنفسها مساحة بين مختلف الأوساط، مثلما قدم الشيعة أنفسهم، بقبولهم الحوار، إضافة إلى نجاحهم فى انتزاع جزء كبير من كعكة تعلق البسطاء بحب آل البيت، وتبجيل ذكراهم، بينما يحرم السلفية هذا. لا يحسد السلفية، مع ظهور الشيعة - على ما هم فيه. فبعد يناير، تصورت جماعات السلف، إمكانية النجاح فى ساحات السياسة الواسعة، بشروطهم، والنتيجة أن هذه الافتراضات هى التى أدت فى النهاية إلى الصدام مع الجميع، وربما التناحر بين السلفيين أنفسهم. على الجانب الآخر، كان الشيعة، مع بعض الصوفية قد استغلوا مقوماتهم للتوافق مع ساحة، كثرت فيها المتغيرات، والتحالفات، والتباينات.. فنهجوا عكس ما انتهجته «جماعات السلف». ليس المعنى أن نقرة «الشيعة» أفضل من «دحديرة» السلفيين، لكن من منطلق سلفى، فإن الله «يضرب الظالمين بالظالمين»!