صدق من قال «صدفة خير من ألف ميعاد» معه ألف حق من قال واخترع هذه العبارة العبقرية وبالصدفة الرائعة صدر خلال العشرة أيام الماضية كتابان رائعان خطيران في غاية الأهمية عن «الخديوي إسماعيل» الكتاب الأول «تاريخ التعليم في مصر في عصر إسماعيل» تأليف المؤرخ الكبير الدكتور أحمد عزت عبد الكريم «صاحب المدرسة العريقة في كتابة التاريخ والكتاب الثاني «الخديوي إسماعيل كما تصوره الوثائق الرسمية» من إعداد وتأليف «جورج جندي بك» رئيس المحفوظات التاريخية بديوان الملك فاروق و«جاك تاجر» أمين المكتبة الخاصة للملك فاروق. الكتابان صدرا ونفدا منذ أكثر من ستين سنه تقريبا ولم يعد لهما وجود عند القراء والعامة فالكتاب الأول صدر عام 1938 والثاني صدر عام 1947 كتابان تسمع عنهما في المصادر الرصينة من كتب التاريخ المحترمة لا كتب التاريخ السخيفة والعبيطة والتافهة التي ندرسها ونحفظها ولا أقول نفهمها رغم أنوفنا وعقولنا أيضا تاريخ ينافق الحاكم حتي يسقط أو يرحل ، تاريخ يهتم بصحة الحاكم لا بصحة الشعب. لقد شوهت كتب التاريخ وظلمت ونسفت تاريخ هذا الرجل العظيم وأتهمته بخراب مصر وفسادها لكن العقلاء لم يلتفتوا لهذه السخافات الحكومية وانتبهوا لعبقرية هذا الرجل العبقري. كتاب الدكتور عزت عبد الكريم يقع في جزءين «926 صفحة غير المقدمة» ويستعرض أحوال التعليم في عصر إسماعيل الذي دام حكمه 16 سنة فقط لاغير بلغت فيها مصر من القوة والعظمة درجة جعلت دول الغرب الاستعمارية تتربص بها حتي نجحت في إجهاض تلك التجربة. لم يترك الخديوي إسماعيل مجالا يساهم في بناء وعظمة مصر إلا وكانت له مدرسة «أو كلية بلغة هذه الأيام» مئات المدارس إبتدائي وكتاتيب ومدارس للعميان والخرس ومدارس للطب والولادة والمهندسخانة والرسم والصنايع والإدارة والألسن ودار العلوم والمدارس الحربية والبحرية غير مئات البعثات التي سافرت إلي أوروبا وكان «الخديوي إسماعيل» يتلقي تقارير منتظمة عن أحوال الطلاب في بلاد الغربة الذين يدرسون علوم الطب والصيدلة والهندسة والإدارة بل وبعثة تدرس في مدرسة أركان حرب في فرنسا. وبلغ عدد هؤلاء المبعوثين 121 طالبا والمفاجأة المذهلة أن الاسم رقم 122 كان لطالبة مصرية اسمها «منتهي شافعي» أرسلها أخوها إلي فرنسا للحصول علي إجازة «شهادة» معلمة!! كان تعليم البنات أحد اهتمامات الخديوي بشكل عام والأميرة «جشمة آفت هانم أفندي» زوجته الثالثة التي كانت وراء إنشاء أول مدرسة حكومية لتعليم البنت في مصر. ويبقي الشكر والتقدير لناشر الكتاب «الهيئة العامة لقصور الثقافة» ورئيسها الشاعر الفنان «سعد عبد الرحمن» وللمقدمة الرائعة للدكتور أحمد زكريا الشلق للكتاب. أما الكتاب الثاني فهو يعتمد في المقام الأول علي كل الوثائق الأجنبية التي تناولت عصر إسماعيل المدهش وبدايات العمل الدستوري وإنشاء مجلس شوري النواب وإنشاء مجلس النظار «الوزراء» وإنشاء مجلس الدولة ونشأة المحاكم الأهلية وإلغاء السخرة وتعميم استعمال اللغة العربية ومكافحة التشرد ،هذا غير السكك الحديدية والزراعة.. ويعترف مسيو «ريني» بأن الإنتاج زاد مائة وخمسين ضعفا!! الأخطر من هذا أن قنصل الولاياتالمتحدة في مصر يخبر وكيل الخارجية الأمريكية قائلا: تم إصلاح 327385 فدانا من أراضي الصحراء في خلال الخمس سنوات الماضية أي بمعدل 65000 «خمسة وستين ألف فدان» سنويا أضيفت إلي المساحات المزروعة ولم يكن ذلك قراءة للكتاب بل إشادة طائرة له وتبقي تحية وتقدير لناشر الكتاب «ميم قسم النشر والتوزيع لشركة مودي جرافيك» ومؤسسها الفنان التشكيلي وأحد أبناء روزاليوسف وصباح الخير الذي تحمس لإعادة طبع هذا الكتاب النادرة.