من يقرأ المجلد التذكاري الذي أصدرته مكتبة الإسكندرية عن دار الهلال لا يتخيل مصر والثقافة العربية دون هذه المدرسة الصحفية التي أدت دورا بارزا في التنوير منذ نهاية القرن التاسع عشر، و هذه المدرسة التي يصعب القول إنها شامية، أو مصرية، ضمت أسماء مهمة مثل حافظ إبراهيم، وطه حسين، وعباس محمود العقاد، وأحمد أمين، وإبراهيم عبد القادر المازني، ومحمد حسين هيكل، وزكي مبارك، ونقولا فياض، وخليل مطران، وميخائيل نعيمة، وجبران خليل جبران، ومي زيادة، وأحمد بهاء الدين، ورجاء النقاش. والكتاب الذي أعده وحرره محمود عزت حمل عنوان (دار الهلال.. مؤسسة التنوير)، جاء في 196 صفحة كبيرة القطع، ضمن سلسلة (ذاكرة مصر المعاصرة). فصول الكتاب بين هجرة الصحفيين.. وإصدارات دار الهلال واستعرض الفصل الأول (بزوغ الهلال وارتقاؤه.. الصحافة الشامية وهجرتها إلى مصر) هجرة الصحفيين الشوام نتيجة "ما كانوا يعانونه من اضطهاد وقسوة القيود التي وضعها الحكم العثماني التركي على أعمالهم، وكذا فقدهم لحقهم في حرية التعبير" في ظل استبداد السلطان عبد الحميد الثاني الذي حكم بين عامي 1876 و1909 وكان يخشى "دولة الصحافة". يضم الكتاب عشرات الوثائق والصور الفوتوغرافية من أرشيف جورج شكري زيدان حفيد مؤسس الهلال منها صور لجرجي زيدان في مراحل عمره المختلفة وصور لشكري جرجي زيدان (1900-1984) مع سياسيين وصحفيين وفنانين منهم مكرم عبيد، ومصطفى النحاس، والرئيس المصري الأسبق محمد نجيب، والرئيس السوري الأسبق شكري القوتلي، وجبران تويني، ومحمد التابعي، وأنطون الجميل، ومحمد عبد الوهاب، ويوسف وهبي، والأمريكي سيسيل دي ميل مخرج فيلم (الوصايا العشر). كما يضم وثائق منها خطابات تهنئة في العيد الذهبي للمجلة عام 1942 من ملك مصر السابق فاروق، وملك الأردن الأسبق عبد الله بن الحسين، من "البلاط الملكي العراقي" ورئاسة الجمهورية السورية، ويعد الكتاب وثيقة تؤرخ لمائة عام من تطور الطباعة "أعظم انقلاب في تاريخ البشرية". ويقدم الفصل الثالث سردا تاريخيا لإصدارات دار الهلال وفي مقدمتها مجلة (المصور) الأسبوعية التي صدر عددها الأول يوم 24 أكتوبر 1924، وثمن النسخة 10 مليمات، وحمل غلافه صورة ملك مصر آنذاك فؤاد الأول، وحمل غلاف العدد الثاني صورة الزعيم سعد زغلول، ومجلة (الكواكب) الفنية التي صدر عددها الأول يوم 8 فبراير 1949 وثمن النسخة خمسة قروش، إضافة إلى مجلات خاصة بالأطفال. جرجي زيدان يصدر مجلة الهلال نقلا عن الكتاب، أصدر المؤرخ اللبناني جرجي زيدان (1861-1914) بالقاهرة في سبتمبر 1892 مجلة (الهلال)، أقدم مجلة عربية، وهو مؤلف كتب منها (تاريخ التمدن الإسلامي)، و(تاريخ آداب اللغة العربية)، و(تراجم مشاهير الشرق)، إضافة إلى روايات تاريخية منها (أبو مسلم الخراساني)، و(العباسة أخت الرشيد)، و(الأمين والمأمون)، و(أحمد بن طولون)، و(فتاة القيروان)، و(شجرة الدر)، و(المملوك الشارد). وعرفت الهلال نفسها في هذا السطر الإيضاحي "مجلة علمية تاريخية صحية أدبية" وقيمة الاشتراك 50 قرشا مصريا في السنة في القطر المصري، وقال الكتاب إن اسم (الهلال) أصبح "يجوب الآفاق في مشارق الأرض ومغاربها واعتبرت من أوسع المجلات العربية انتشارا في ذلك الوقت"، وفي 1894 أصدر زيدان سلسلة روايات الهلال التي تخصصت في نشر الترجمات العربية للإبداعات العالمية. صابونجي.. أول صحفي شامي يهاجر إلى مصر وكان أول صحفي شامي يهاجر إلى مصر لويس صابونجي، الذي أصدر 31 عددا من مجلة (النحلة الحرة) في بيروت، ثم استأنف إصدار (النحلة الحرة) وهي أول مجلة شامية في مصر. وجاء في كتاب محمود عزت، أن صابونجي كتب في افتتاحية العدد الأول عام 1871 بالقاهرة "النحلة الحرة تطبع في بلاد حرة. تنشر عند اللزوم ودون ميعاد.."، وفي رأيه أن الأخوين سليم وبشارة تقلا "من أبرز الصحفيين الشوام الذين هاجروا إلى مصر"، حيث أصدرا بمدينة الإسكندرية الساحلية صحيفة (الأهرام) أسبوعيا في الخامس من أغسطس 1876، وفي العام التالي أصدرا صحيفة يومية هي (صدى الأهرام)، وتمكنا من انتقاد سياسة الخديوي إسماعيل نظرا لأنهما حملا الجنسية الفرنسية. وفي عام 1892 تولى الخديوي عباس حلمي الثاني حكم مصر، وأقيم جسر جديد على نهر النيل بالقاهرة، وشهدت البلاد تطورات عمرانية وسياسية، حيث انتعشت صحف الأحزاب، وصحف ومجلات مستقلة منها مجلة (الأستاذ) لعبد الله النديم، التي تعد امتدادا لمجلة (العروة الوثقى) لجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وجاء ميلاد (الأستاذ) قبل صدور مجلة (الهلال) بأسبوع.