فى شوارع مصر، لم يعد صوت «التوك توك» غريبًا على الأذن، ولا مظهره رغم عشوائيته، مفاجئًا للعين. فهذه المركبة ثلاثية العجلات تسللت تحت سمع وبصر المحافظين إلى الأحياء الشعبية والقرى. تحوّل «التوك توك» من وسيلة بديلة محدودة الانتشار إلى ظاهرة تفرض نفسها بقوة على المشهد الاجتماعى والاقتصادى والأمنى فى البلاد. والغريب أن «التوك توك» رغم عشوائيته وآثاره بات حاضرًا فى قلب الجدل بين من يراه وسيلة نقل غير رسمية وفوضوية تهدد السلامة والأمن، وبين من بات يعتبره مصدر رزق لعشرات الآلاف من الأسر.
لكن أغلب الآراء تتفق على أن ظاهرة انتشار مركبات «التوك توك» خرجت عن السيطرة، وأصبحت عبئًا على الشوارع والقرى والمدن الكبرى، وصولًا إلى الشوارع الرئيسية، بلوائح اتهام موجهة للمحافظين فى المقام الأول.. ناهيك عن نتائجه التى أدت إلى هجر العديد من العُمَّال والحرفيين لمهنهم الأساسية. تأشيرة دخول دخل «التوك توك» فى نهاية تسعينيات القرن الماضى وبداية الألفية الجديدة، عبر الاستيراد من الهند ودول شرق آسيا. وفى البداية، كان ظهوره محدودًا فى القرى النائية والمناطق الريفية التى تُعانى من ضعف خدمات النقل، ولكن مع غياب الرقابة الصارمة، توسّع انتشاره ليغزو المدن الكبرى والمراكز الحضرية. القاهرةوالجيزة كانتا أولى المحافظات التى شهدت تزايدًا ملحوظًا فى أعداد «التوك توك»، تلاهما انتشار واسع فى محافظات الدلتا، وعلى رأسها الغربيةوالقليوبية، قبل أن يمتد إلى الإسكندرية. وفى 2009، صدر القرار رقم51بتخفيض الرسوم الجمركية على استيراد «التوك توك» من 20% إلى 10%، مستهدفًا خلق فرص عمل جديدة كما كان الظن الحكومى وقتها. لكن فى غضون سنوات قليلة، تحوّل «التوك توك» من «وافد جديد» يحبو فى خطواته الأولى إلى «أمر واقع»؛ حيث قُدِّرت أعداده، وفق إحصاءات رسمية وغير رسمية، بما يزيد على 3 ملايين مركبة، منها نسبة كبيرة غير مُرخَّصة تسببت فى أزمة جديدة وأثر شديد الخطورة. النتائج تشير إلى أن دخول «التوك توك» إلى السوق المصرية كان دون رؤية حكومية واضحة لتنظيمه أو دمجه فى منظومة النقل؛ لأنه إذا كان قد وفر فرص العمل للشباب، فإنه فى الوقت نفسه فتح الباب أمام فوضى مرورية، وجرائم متنوعة، وتحوّل اجتماعى غير محسوب. انتشار عشوائى رغم مرور أكثر من 20 عامًا على دخول «التوك توك» الشارع المصرى؛ فإن الحكومة لا تزال تواجه أزمة فى وضع إطار قانونى حاسم يضبط هذه الظاهرة.
قانون المرور لم ينص بشكل مباشر على تنظيم «التوك توك» عند ظهوره لأول مرة، ما أدّى إلى انتشار شديد خارج المظلة الرسمية. وفى عام 2008 أصدرت الحكومة قرارًا بالسماح بترخيصه، لكن وفق شروط محددة، أبرزها العمل داخل القرى والمناطق الريفية، وألا يُسمح له بالسير على الطرق السريعة أو الشوارع الرئيسية. مع ذلك، كانت نسب الترخيص متدنية للغاية؛ فوفق بيانات وزارة الداخلية، لم يتجاوز عدد المركبات المرخصة ثلث إجمالى عدد «التوك توك» المنتشر فعليًا فى البلاد وقتها. لكن فى مارس 2024، صدّق الرئيس عبدالفتاح السيسى على قانون رقم 17 لسنة 2024 الخاص بتعديل بعض أحكام قانون المرور، وشمل القانون مواد جديدة خاصة بتنظيم «التوك توك» وترخيصه رسميًا. أبرز تلك المواد رقم 7 مكرر التى استحدثت تعريفًا جديدًا تحت مسمى «المركبة الخفيفة»، وهى مركبة آلية بأربع عجلات مخصصة لنقل الأشخاص بأجر، وتُعامل معاملة التوك توك. مادة 28 أتاحت للمحافظ تحديد الحد الأقصى لعدد مركبات الأجرة والتوك توك والخفيفة فى نطاق المحافظة، وتعريفة الأجرة بعد موافقة المجلس الشعبى المحلى. ونصّت مادة 34 – البند 8 على أن رخصة القيادة الخاصة بالتوك توك أو المركبات الخفيفة تجيز لصاحبها قيادة هذه المركبات بشكل رسمى. وأشارت المواد 7 و7 مكرر، 67 و68 و69 إلى أنه إذا ضُبط التوك توك أو المركبة الخفيفة بدون ترخيص، أو بدون لوحات معدنية، أو بلوحات غير صحيحة، تُصادر المركبة وفقًا للقانون. وحظرت المادة 65 / الفقرة الأولى ترك مركبات التوك توك أو المركبات الخفيفة (أو أى مركبات أخرى) فى الطريق العام إذا كان ذلك يُعرض حياة الناس للخطر أو يُعطل المرور. ووفقًا للتعديلات يُمنع سير «التوك توك» فى الشوارع الواسعة أو الطرق السريعة، ويقتصر عمله على القرى والمناطق الطرفية، كما تُلزم المركبات بتوافر مواصفات فنية محددة، وتأمين إلزامى.
لكن غياب مواد واضحة فى قانون المرور تُنظّم عمل «التوك توك» بشكل شامل، جعل قرارات الترخيص أشبه بالحلول المؤقتة أو الصعبة. من جانب آخر تسبب تراخى المحليات فى ضبط «التوك توك» داخل الشوارع الرئيسية فى خلق فجوة بين النص القانونى والتطبيق العملى. الدسوقى جابر، صاحب مبادرة لوقف مركبات «التوك توك»، أكد أن الغالبية العظمى من هذه المركبات غير مُرخّصة، مشيرًا إلى أن التراخيص فى الأصل يجب أن تُصدر عبر الوحدات المحلية لا إدارات المرور، لكونها مركبات تُصنّف ضمن وسائل النقل البطىء. وكشف جابر عن أنه وعددًا من سائقى سيارات الأجرة «التاكسي» أقاموا دعوى قضائية أمام القضاء الإدارى، للمطالبة بوقف استيراد التوك توك بسبب ما أحدثه من فوضى مرورية. مسئولية المحليات أصدرت بعض المحافظات قرارات محلية بتحديد خطوط سير للتوك توك، مثلما حدث فى القاهرة الكبرى، إلا أن التنفيذ ظل ضعيفًا. وفى محافظات أخرى، لجأت الوحدات المحلية إلى حملات موسمية لمصادرة المخالف، لكنها لم تُحدث تغييرًا ملموسًا بسبب عودة المركبات للعمل بعد فترة قصيرة. فى المقابل، دعا عدد من أعضاء مجلس النواب إلى إصدار قانون شامل ينظم عمل التوك توك ويضع آلية لإحلاله تدريجيًا بوسائل نقل أكثر أمانًا. عودة للدسوقى جابر الذى يرى أن الحملات التى تشنها إدارات المرور ضد هذه المركبات تأتى على فترات متقطعة، لكنها تظل وقتية ومحدودة الأثر، سُرعان ما تعود بعدها التكاتك للعمل بشكل اعتيادى.
رعونة وقطع طرق رئيسية بلا أدنى رقابة
من جانبه قال اللواء مدحت قريطم، مساعد وزير الداخلية الأسبق: إن ترخيص مركبات ال «توك توك» وتقنين عملها بات ضرورة مُلحّة، موضحًا أنه طالب مرارًا بتقنين أوضاع سائقى هذه المركبات وغيرها من وسائل النقل غير الرسمية، حتى يكون السائق معلومًا لدى الدولة، ما يتيح تتبعه ومحاسبته فى حال ارتكابه أى مخالفة أو جريمة. وأشار قريطم إلى أن القانون يُلزم المحافظ المختص بإصدار قرار يحدد عدد مركبات التوك توك داخل نطاق المحافظة، كما يحظر سيرها فى عواصمالمحافظات والمدن الكبرى، ويقصر عملها على القرى والنجوع فقط، غير أن الواقع يشهد انتشارها فى العواصم بالمخالفة للقانون وتحت بصر وسمع كل المحافظين فى كل المحافظات حتى المحافظات الكبرى وفى الشوارع الرئيسية فيها. محافظة القاهرة رغم أن القانون يمنع سير التوك توك فى الشوارع الرئيسية؛ فإن العاصمة القاهرة شهدت خلال السنوات الأخيرة انتشارًا كبيرًا له داخل الأحياء الشعبية مثل المرج، المطرية، وشبرا، إلى أن امتد لشوارع وسط المدينة فى الفترة الأخيرة بإهمال شديد من أجهزة المحافظة. ففى وسط القاهرة، استطاعت مركبات «التوك توك» التسلل من الأحياء الداخلية إلى الطرق الرئيسية؛ فخرجت من حى السيدة زينب لتظهر بشارع قصر العينى. وتتسلل مركبات التوك توك عبر الشوارع الخلفية بتلك المنطقة مثل محمد عز العرب، الشيخ على يوسف، وجسور «كبارى» زينهم، الطيبي، ومجرى العيون، وصولًا لحى جاردن ستى، وطريق الكورنيش أحيانا، ووصلت الأمور إلى توك توك يسير عكس الاتجاه فى شوارع كبرى كسلوك اعتيادى! ورغم الشكاوى المتزايدة من فوضى مرورية يسببها «التوك توك» عند دخوله للشوارع الرئيسية مثل شوارع جسر السويس وعين شمس، وشبرا والترعة البولاقية وامتداد أحمد حلمي، وطريق الكورنيش، إضافة إلى تسلله إلى طريق «القاهرة- الإسكندرية» الزراعى، فإن محافظة القاهرة وأجهزتها «ودن من طين وودن من عجين!».
ريشة: سامح سمير
ووصلت عدوى التوك توك إلى حى المعادى؛ فبدأ فى التوغُّل تدريجيًّا حتى وصل إلى شوارع: 9، النصر، دجلة، والسرايات، كما تحوّل إلى وسيلة اعتيادية لتوصيل الطلاب إلى مدارسهم هناك. وتكتظ شوارع الأحياء المجاورة للمعادى بمركبات التوك توك مثل دار السلام، والبساتين، حدائق المعادي، وطرة، وباتت ظاهرة عادية هى الأخرى أن تجده متطفلًا على الطرق الرئيسية مثل الكورنيش حتى حلوان، النصر، الأوتوستراد، والدائرى. النتيجة أن سجّلت تقارير المرور بالقاهرة عشرات الحوادث بسبب تهوّر سائقى التوك توك؛ خصوصًا أن معظمهم من المراهقين والقُصّر، كما تسبب غزو مركبات التوك توك فى عرقلة شديدة لحركة المرور فى شوارع رئيسية مثل شبرا، الترعة البولاقية، وخلوصى على امتدادها. بالنسبة للجيزة! فى مناطق مثل بولاق الدكرور والوراق وإمبابة والعمرانية والطالبية وغيرها؛ أصبح التوك توك وسيلة النقل الأساسية للسكان. مرة أخرى تمكن «التوك توك» من التسلل إلى الشوارع الرئيسية مثل شوارع الهرم وفيصل والكورنيش والتحرير والدقى والبطل وجامعة الدول وشوارع حى المهندسين والسودان وترعة الزمر، «وزاد الطين بلة» بتسلله إلى شوارع الجامعة ومراد والربيع الجيزى والبحر الأعظم ومحور ترسا «أنور السادات»، فضلًا عن كورنيش المريوطية، وطريق المنصورية. ويتسلل التوك توك إلى طريقى أسوان الزراعى الغربى، وسقارة السياحى وامتداده عبر مراكز جنوب الجيزة المُطلة على الطريقين بداية من أبو النمرس وشبرامنت، مرورًا بالحوامدية، والبدرشين، والعياط، وصولًا للصف وأطفيح على حدود محافظة بنى سويف؛ إضافة إلى اجتيازه الدائرى الأوسطى. واشتكى أهالى حدائق الأهرام من تسبب مركبات التوك توك فى حالة زحام شديدة، خصوصًا بالقرب من البوابات الرئيسية، فضلًا عن تسلله إلى طريق الفيوم الرئيسى، إضافة إلى انتشاره بأحياء السادس من أكتوبر، وتسلله إلى الميادين والطرق الرئيسية مثل ميدان الحصرى، وطريق الواحات. محافظة الجيزة خصصت أماكن لانتظار «التوك توك» قرب الميادين الكبيرة، إلا أن غياب الرقابة اليومية جعل القرار بلا قيمة، وفرضت الإدارة العامة لمرور الجيزة كمائن مشددة بالقرب من المنطقة السياحية بالهرم، وطريق المتحف المصرى الكبير لمنع تسلل مركبات التوك توك حفاظًا على المظهر الحضارى، لكن تظل الرقابة محدودة فى مناطق أخرى. رعب مؤكد فى مدن طنطا، المحلة الكبرى، زفتى، قطور، سمنود، السنطة، بسيون، وكفر الزيات، يسيطر التوك توك على المشهد المرورى بشكل وصف ب«المرعب». وأصبح التوك توك ورجاله أداة لجرائم مُتعددة؛ فضبطت الأجهزة الأمنية عدة حوادث خطف وسرقة باستخدام التوك توك فى الفترة الأخيرة؛ فضلًا عن الفوضى المرورية بالطرق الرئيسية. كانت محافظة الغربية من أولى المحافظات التى بدأت خطوات تنظيمية صارمة؛ فأوقفت إصدار تراخيص جديدة، ومنعت سير «التوك توك» فى الشوارع التى يزيد عرضها على 6 أمتار، كما أقرّت غرامات على المخالفين. مثلًا أصدر رئيس مدينة المحلة تعليمات بتنظيم خطوط سير للتوك توك، لكنها هى الأخرى لم تُطبق بشكل كامل بسبب قلة الموارد وضعف الرقابة. لذلك أصبح خروج التوك توك إلى الشوارع الحيوية مشاهد معتادة فى الغربية أيضًا، فباتت شوارع مثل البحر والنحّاس مستباحة فى طنطا، وتحوّلت الطرق الرئيسية مثل شارعى البحر والكورنيش فى المحلة إلى مرتع لتلك المركبات.
ريشة: خضر حسن
عودة للدسوقى جابر الذى يقول: إن فى مدينة المحلة الكبرى نحو 985 سيارة تاكسى، لم يتبق منها اليوم سوى 300، فى مقابل ما يقارب 10 آلاف توك توك تنتشر فى الشوارع، ما يعكس حجم التحوّل الجذرى فى أنماط النقل داخل المدينة الصناعية. من الكورنيش إلى العشوائيات رغم الطبيعة السياحية للمدينة؛ فإن الإسكندرية لم تسلم من فوضى التوك توك؛ ففى مناطق الدخيلة، العامرية، والمنتزه، يسيطر التوك توك على حركة النقل الداخلي، واشتكى المواطنون من وصول التوك توك أحيانًا إلى طرق رئيسية مثل الطريق الساحلى الدولي، والكورنيش، ما يسبب كوارث مرورية. أما القليوبية فتعتبر من أكثر المحافظات التى انتشر بها خصوصًا فى شبرا الخيمة، قليوب، وبنها، وتتسلل تلك المركبات الصغيرة من المناطق والقرى الواقعة على امتداد طريق القاهرةالإسكندرية الزراعى، مُسببة حوادث مروّعة بسبب سيره بالطريق العكسى. وتكررت حوادث مميتة فى شوارع شبرا الخيمة، ويرى الأهالى هناك أن الأزمة الأكبر تكمن فى قيادة أطفال دون السن القانونية. ورغم قرارات المحافظ بحظر سير التوك توك فى الشوارع الرئيسية؛ فإن سائقى التوك توك لا يلتزمون بها. أبرز الظواهر الاجتماعية المرتبطة بانتشار التوك توك أن آلاف الحرفيين والعمال تركوا حرفهم التقليدية مثل النجارة، والحدادة، والسباكة، والميكانيكا، والنسيج ليتحولوا إلى سائقى توك توك. دخل التوك توك اليومى من المال، حتى وإن كان غير ثابت، يفوق أحيانًا ما يحصل عليه الحرفى من عمل شاق يستمر لساعات طويلة؛ فبعض السائقين يحققون دخلًا يوميًا يتراوح بين 150 و300 جنيه، وهو ما يُغرى الشباب بترك الحرف ويقضى على أجيال جديدة بها. مهن مثل الحدادة أو البناء تحتاج جهدًا بدنيًا كبيرًا وأدوات مُكلّفة، بينما التوك توك لا يحتاج سوى مركبة يتم تقسيط ثمنها، وبداية العمل فورية. نتيجة لذلك، تعانى القطاعات الحرفية من نقص العمالة الماهرة، بعد خروج عدد كبير من العمال المهرة من سوق العمل ما أدّى إلى تراجع جودة الخدمات الحرفية وارتفاع تكلفتها. هذا التحوّل خلق فجوة فى السوق المصرية، حيث أصبح من الصعب على المواطنين العثور على حرفيين مهرة بكثافة الماضى نفسها، حتى أصبح يهدد بعض الحرف التقليدية، خصوصًا مع عزوف الأجيال الجديدة عن تعلمها. محمد أنور شاب أرغمته الظروف المعيشية على العمل سائق «توك توك» فى مدينة المحلة الكبرى التى تعتبر مثالًا حيًّا على التحوّلات التى أحدثتها أوضاع العمالة فى المدن الصناعية.
الواقعة المعروفة إعلاميًا ب شهاب «أرض الجمعية»
قال محمد: إن دخوله هذا النشاط لم يكن رغبةً بقدر ما كان ضرورةً بعدما باتت الأجور فى المصانع «لا تكفى حتى تكاليف المعيشة»، فيما ترتفع أسعار الإيجار والاحتياجات الأساسية؛ لذلك تحولت المركبة الصغيرة إلى ملاذٍ مؤقت لسدّ العجز المالى. عودة مرة ثالثة للدسوقى جابر صاحب مبادرة «امنعوا التوك توك» الذى قال إن الإغراء المالى يلعب الدور الأكبر فى جذب الشباب. يضيف: «النهاردة مين اللى حيتعلم حرفة ويقبض 50 أو 100 جنيه يومية، وهو ممكن يشتغل على توك توك ويعمل 300 جنيه فى اليوم من غير أى مجهود كبير». ومع الانتشار الكبير للتوك توك، فإنه تحوّل فى كثير من الحالات إلى أداة ارتبطت بجرائم وأحداث مأساوية. يقول محمد أنور: إن البعض استغل نشاط التوك توك فى أنشطة إجرامية مثل تجارة المخدرات والسرقات. ورصدت تقارير أمنية خلال السنوات الأخيرة ارتفاع معدلات السرقة باستخدام التوك توك؛ خصوصًا فى المناطق الشعبية والقرى النائية، وفى بعض الوقائع، استُخدم التوك توك كوسيلة لخطف الأطفال أو النساء، مستغلين سرعته فى التنقل بالأزقة الضيقة وصعوبة تتبعه. وبسبب قيادة المراهقين دون رخصة أو خبرة كافية، تتكرر الحوادث المرورية بشكل شبه يومى، وفى عام واحد فقط، سجّلت الإحصاءات الرسمية أكثر من 12 ألف حادث سير ارتبطت بمركبات التوك توك، أسفرت عن عشرات الوفيات والإصابات البالغة. ووصف صاحب مبادرة إلغاء التوك توك تلك المركبات بأنها تحوّلت إلى «دولاب مخدرات متنقل». وبات عاديًا أن يرى المواطن فى الشارع مشادات بين سائقى التوك توك والمارة تتطوّر إلى مشاجرات عنيفة، أبرزها مؤخرًا الواقعة التى اشتهرت إعلاميًّا بحادث «شهاب جمعية» وهو قاصر كان يقود توك توك باعتدائه على مواطن لاعتراضه على سيره عكس الاتجاه! تحرش أيضًا شهد شهر سبتمبر 2025 فقط حوادث عدة بطلها «التوك توك» كان أبرزها: ضبط سائق صدم طفلة بالمحلة، وآخر اعتدى على مواطن فى الإسكندرية وسيره بالطريق العكسي، وثالث صدم فتاة خلال سيرها فى الشارع بالغربية. وكشفت الداخلية عن تفاصيل إحباط محاولة «ديلر» يروج كمية من الأقراص المخدرة باستخدام توك توك بالجيزة؛ فضلًا عن ضبط سائق تحت تأثير المخدرات فى عين شمس. هذا غير وقائع تحرش بالسيدات والقاصرات؛ حيث شهدت مدينة تلا بمحافظة المنوفية واقعة شهيرة تعرّضت فيها فتاة فى منتصف العشرينيات لاعتداء من قبل سائق توك توك وثلاثة آخرين أثناء عودتها من عملها. بينما أُلقى القبض على آخر استدرج طفلة وتحرّش بها فى الغربية، وضبطت الشرطة سائقًا لمضايقته طالبات أمام مدرسة بالجيزة؛ فضلًا عن توقيف سائق تحرّش بمعلمة أجنبية فى أكتوبر، فى واقعة هى الأخرى شهيرة تداولتها مواقع التواصل. ويوضّح أحمد أبوالعزم، «سائق توك توك»، أن مركبته تُرخص أساسًا للعمل فى القرى والنجوع فقط لندرة وسائل المواصلات، وحاجة سُكّانها إلى وسائل بديلة، لكنه يؤكد أنه كثيرًا لا يجد سائق التوك توك ما يمنعه لتقليب عيشه فى الشوارع والمدن الرئيسية. وعن رسوم المخالفات فى حالة الضبط؛ كشف أبوالعزم أنه عند ضبط المركبة يُحال إلى ساحة المصادرات «الحضّانة»، وتُفرض رسوم مخالفة سير على صاحب المركبة تصل إلى 30 ألف جنيه لاستعادته مرة أخرى، لكنه كما قال «ممكن الأمور تتحل»! الاستيراد طرُقُ دخول «التوك توك» إلى السوق المصرية متعددة ومتشعّبة، بعضها رسمى عبر وكلاء، وأخرى عبر وسطاء وتجار محليين، كما يشير بعض سائقى التوك توك. ويقول محمد أنور، مالك توك توك ويعمل عليه: «آليات البيع تختلف؛ فهناك من يشترى عبر برامج تقسيط مؤسسية مثل فروع «مشروعي» حيث يُشترط وجود ثلاثة ضامنين من أقارب طالب الشراء مع دفع مقدم تقريبى يبدأ من 25 ألف جنيه، ثم قسط شهرى يصل إلى نحو 3 آلاف جنيه لمدة ثلاث سنوات». ويضيف: «فى السوق غير الرسمية يعمد التجار إلى تسهيلات بدفعات ومقدمات مماثلة لكن بضمان أقل أحيانًا ضمان الزوجة أو الأم أو الأب فقط». لكنه يشير إلى المشكلة الحقيقية فى الضغوط على صاحب المركبة: أقساط عالية، وأسعار قطع غيار زيادة، يصفها محمد أنور بأنها «تقرب أحيانًا من ثمن شراء عربية صغيرة»، موضّحًا أن سعر التوك توك «كاش» يصل إلى 200 ألف جنيه، ما يجعل وسيلة أكل العيش مهددة بالتوقف أمام أى عطل. ويلفت الدسوقى جابر إلى مزادات تُباع فيها مركبات التوك توك المصادَرة من الحضّانات بأسعار تصل إلى 30 ألف جنيه، ليُعاد تشغيلها بعد ذلك بدون ترخيص. عودة للواء مدحت قريطم الذى شدد على أن تقنين أوضاع التوك توك يبدأ بالترخيص أولًا، ومن ثم إعادة توجيهه للعمل فى المناطق المقررة قانونًا.، وفق رقابة صارمة هى مسئولية أساسية للمحافظين. ولفت إلى أن الحكومة كانت قد أعلنت عام 2019 عن برنامج، بقرار من رئيس الوزراء، يستهدف استبدال التوك توك بسيارات صغيرة تعمل بالغاز الطبيعى وتتسع لسبعة ركاب، بهدف توفير وسيلة نقل آمنة ومرخصة، غير أن مصير هذه الخطة التنفيذية ما زال غير واضح حتى الآن. من جانبه شدد خبير المحليّات أمجد عامر على ضرورة العمل على ترخيص مركبات التوك توك، مع تحديد خطوط سيرها بعيدًا عن المناطق الحضرية والطرق الرئيسية لتجنُّب الحوادث المرورية، وحالة الزحام المعهودة. ودعا عامر إلى تكثيف حملات الضبط بالتعاون بين المحليّات وإدارات المرور، مع العمل على تحديد هويّة السائقين لسهولة ضبطه فى حال ارتكاب الجرائم الجنائية، وتعزيز الرقابة على تلك المركبات.