فى واحدة من أهم وأجمل مناطق العاصمة الإيطالية روما، وعلى مقربة من أكاديمية الفنون الكائنة بها، نجد تمثالًا رائعًا لأمير الشعراء أحمد شوقى، صممه النحات المصرى الفنان جمال السجينى، أحد رواد النحت الحديث فى مصر خلال القرن العشرين، وقد وضع المجسم فى هذا الميدان الذى يحمل اسمه أيضًا، فتشعر بحالة من الزهو والكبرياء حينما تجد هذه القامة الأدبية تتوسط رموز الأدب العالمى أمثال الشاعر الروسى ومؤسس الأدب الحديث بروسيا الكسندر بوشكين، الشاعر والأديب الألمانى الأشهر يوهان فولفجانج فون جوتة، الروائى البولندى الحاصل على جائزة نوبل فى الأدب عام 1905 هنريك سينيكيفيتش، القاص الروسى والمسرحى الساخر نيكولاى جوجول، والشاعر الملحمى الأذربيجانى نظامى جنجوى، وأيضًا الشاعر والأديب الفرنسى المرموق فيكتور هوجو. وقد شهدت بدايات القرن المنصرم تدشين نصب هذه الرموز الأدبية بحديقة الشعراء، لتظل تلك المنطقة تربط الطبيعة الجمالية بالأدب والشعر، فى تأكيد لأن روعة الطبيعة هى مصدر الإلهام الأول للشعراء والأدباء. ولأن مكان المجسم على مقربة شديدة من الأكاديمية، فيوميًا أشعر بسعادة أثناء مرورى بجانبه، حيث ينطق إبداعًا وقوة وشموخًا بتناسقه وانسجامه، كما تتضاعف سعادتى مع التقاط المارة للصور الفوتوغرافية لأحد الرموز المصرية الأيقونية، فيتملكنى الفخر بقيمة ومكانة شاعر مصرى رصين، له رسوخ واضح وسط قامات الأدب العالمى، استطاع أن يبنى جسرًا بين التراث والحداثة، وأعاد للشعر العربى مجده الكلاسيكى، وأثر فى أجيال متتالية من الشعراء الجدد، بثراء تجربته الشعرية المتنوعة، والتى تجمع بين الأصالة العربية فى قوة اللغة والوزن والقافية والصور البلاغية البديعة، والتأثر بالثقافات الغربية الأوروبية التى تلقاها كرافد جديد أثناء دراسته فى فرنسا، فأكسبته خبرات جعلته يلقب بأمير الشعراء. ترك أحمد شوقى تُراثًا زاخرًا يجمع بين الفصحى والأدب المسرحى والشعر الغنائى، وأدخل موضوعات جديدة أهمها السياسة والوطنية والتعبير عن القضايا الاجتماعية، كما جسد هموم الأمة العربية ودعا إلى تحرر بلدانها من الاستعمار، وكانت قصائده صوتًا قويًا يدعو إلى الحرية والنهضة، كذلك كانت مسرحياته الشعرية تجمع بين جمال الشعر ورونق الدراما، فقدم نصوصًا درامية بلغة شعرية فصيحة، مزجت بين البلاغة الأدبية والتشويق المسرحى، وكان شوقى من أوائل من انتهجوا كتابة المسرحية الشعرية فى العالم العربى، فهو رائد لهذا المجال ما منح أدبنا العربى بعدًا جديدًا ليكون شوقى رائد المسرح الشعرى العربى. وحين نتأمل إبداع السجينى فنشعر بالحفاوة بعلامة تاريخية مهمة، تمثلت فى قدرته على إبراز هذه القيمة الفكرية والأدبية لمن لا يعرفونه، فجسد صورته فى جلسة هادئة بهيبة ووقار ملحوظين توحى بحالة من السمو والقدرة على الإلهام، كما وازن جمال السجينى بين الواقعية التى تظهر فى ملامحه الدقيقة، مرتديًا ملابسه التقليدية، وبين التعبير الرمزى الذى تجلى فى انحناءة الجسد التى تعكس وضعية التفكير والتأمل، أما تعبيرات الوجه فتوحى بالانغماس فى عالمه الخاص بين المفردات اللغوية، والكنايات الشعرية، ولوجًا فى عالم الإبداع الأدبى. استطاع السجينى بامتلاكه لأدواته الفنية تجسيد أحمد شوقى ليس مجرد كشاعر، وإنما كرمز أدبى وثقافى خالد. لكنى دومًا ما أندهش لوضع لقبه على هذا النصب بالشاعر العربى، وليس الشاعر المصرى، وهو ما يجعلنى أشعر بالغيرة، بل والرغبة فى وضع المسمى الحقيقى لأحمد شوقى كشاعر مصرى، قبل أن يكون شاعرًا عربيًا ملهمًا. حقًا..هكذا يكون الإبداع بقدرته على التجسيد والإيحاء وترك الأثر المعرفى لكل قيمة مصرية نفخر ونعتز بها.