راهبًا فى محراب الفن يجول ويتغزل على أسطح لوحاته ويحاور شخوصها بعشق وشجن ليحيل الأسطح الفارغة إلى منمنمات بالغة الشاعرية ووجوه أشرقت من شواطئ السحر والإبداع، وهو ابن مدينة الإسكندرية يلهمه جمالها المزيد من الشجن.. ولكن الأمر لا يتعلق بالبيئة وحدها بل متعلق بالإبداع فى المقام الأول.. فالفنان يمتلك حسًا إبداعيًا يؤهله لترجمة شاعريته إلى فن متفرد.. وفى معرضه «وجوه الهامش» والمقام حاليًا بجاليرى «زهوة» يقدم الفنان الكبير «على عاشور» 75 عملاً فنيًا ما بين لوحات ملونة وأخرى بالأبيض والأسود بتفاصيل مدهشة عصية على الشرح والتأويل.. وكان «لصباح الخير» رحلة داخل معرضه تحدث فيها عن الفن وكينونته والإبداع والتشكيل. المعرض يقدم أحدث أعمالى ويضم 75 عملا نتاج عمل عامين.. فأنا حريص على التكوين فى العمل الفنى فلا أصنع نمطًا معيناً لأسير عليه، ففى أعمالى التنوع موجود وكل لوحة لها شخصيتها المستقلة المختلفة عن اللوحات الأخرى ولكنها فى النهاية نتاج جينات واحدة. ماذا عن موضوعات لوحاتك؟ - دائما الموضوع ذريعة، لكن نقل الموضوع من منطقة الواقع إلى منطقة دهشة الفن هذا موضوع آخر بمعنى أن تصنع السحر، هذا هو الفن بمعنى أن استقى من الواقع عناصر أطير بيها، فالفكرة عنصر لكن الفن إنك «تنشن» على حاجة تشتغل عليها، وليس فكرة نظرية أمشى عليها، لكن لازم أوصل لحالة تتحقق على سطح اللوحة ولا أخطط للعمل الفنى وأنفذه بعد ذلك، لايوجد اسكتش تحضيرى، أدخل على اللوحة «اتغزل» بيها وتبدأ «تلعب» بدماغى ونبدأ نعمل مع بعض حوار والمنتج من هذا الحوار اللى احنا ما نعرفش هنوصل لفين.. إلى أن نصل لنقطة وهى النتيجة الموجودة. الفن رحلة علاقة بين الفنان وسطح اللوحة بغرض الوصول لدهشة الفن فيها، أنا اسميها منطقة السحر.. إنت هتقدر تعمل ده إزاى. وماذا عن التقنيات فى أعمالك؟ - التقنيات أهميتها الفنان بيتعلم يعنى إيه فن إنما هى فى الحقيقة جزء من نسيج روحك.. يعنى بيبقى الدافع التشكيلى.. غريزة التشكيل هى ما يقودك أحيانا بتجاوز قدراتك وبراعتك من أجل الوصول لحالة من الصدق الذى يؤدى إلى الدهشة.. فأنا لا أراهن على البراعة، يوجد فنانون فى تاريخ الفن لهم أعمال بارعة، لكن لم يصنعوا «الطاقة».. أنا أبحث عن ذلك، هل العمل ينبعث منه طاقة أم لا، وأحياناً أصنع لوحة لا أجد بها أى طاقة فلا أكملها. هناك مرحلة من مراحل العمل الفنى إنت بتدمر حاجة من أجل البناء.. ولازم اللوحة تشى بذلك توجد رحلة أثناء العمل «اتكعبلت» فى حاجة أو إنك «تطير» فى منطقة أخرى لم تكن تقصدها، لكن البناء النهائى عضوى ناتج عن الحوار بينى وبين سطح اللوحة وبذلك انفرد بهذه البناية المعمارية الموجودة فى اللوحات.. العمل الفنى مثل الشجرة أثناء نموها تقابل رياح وتوجد فى تربة لها إمكانيات معينة وعوامل أخرى كثيرة ووسط كل ذلك يكتمل نموها بتوازنها الخاص. حدثنا عن الخامات فى أعمالك؟ - الرسم لدىّ هو أن أستفيد من تقنيات مختلفة، فمن الممكن بخامة استعير إمكانيات خامة أخرى يعنى ممكن أشتغل بخامة الألوان الزيتية واستعير من خلالها بشفافية الألوان المائية أو العكس.. فلا يوجد لدى الحدود القاطعة لخصوصية الخامات فلا أحبس نفسى داخل خامة، فلغة الخامة وإمكانياتها قادرة على أن تستعير إمكانيات أخرى. فأنا أتحرك بخامة عليها أن تلبى وتخدم رغبة التشكيل عندى بكل الخبرات التى مررت بها والرسم أساسى لدىّ ويجب أن يكون هناك إلحاح منى بأن أذهب لهذه الخامة وأتعامل معها هى تعمل بإمكانياتها وأنا أعمل بخبراتى ويكون بيننا أسئلة وردود «نقسّم» على بعض.
هل تعنى أن الصورة النهائية لعملك الفنى نتيجته غير مسبقة؟ - أنا بانتظر من اللوحة شىء ما يعنى لازم تقول حاجة، وممكن يحصل الشىء ده بالصدفة، وعليك كفنان أن تصطاد هذا الشىء، الفنان الحقيقى صائد فرص.. ممكن ضربة فرشاة غلط تقول: هى دى. ما مدى اهتمامك بردود فعل متلقى أعمالك؟ - المتلقى مشارك فى العرض - إحدى الزائرات فى أحد معارضى ولم يكن لديها ثقافة التشكيل- قالت إن اللوحات أثارت إعجابها لدرجة أنها تريد الدخول فى تكوين اللوحة وأن تلعب مع عناصرها وتضيف وتحذف منها، وكان تعليقها من أجمل وأروع التعليقات التى تلقيتها.. فكنت سعيد بأننى حققت الاستفزاز لدى المشاهد فأنا لا أحب التلقى السلبى، فالمتلقى طرف أصيل فى عملية الإبداع. ماذا عن «المنهجية» فى أعمالك وهل لها ضرورة؟ - يجب أن يكون للفنان منهجية خاصة به وله موقف من الحياة ومن العالم وهو ما يقوده وهو الشارع الرئيسى الذى يسير فيه.. ويحدد لأى قضية ينحاز، أما عن ضرورته فهو بذاته ضرورة وجودية فأنا لم أصنع يوما فنا من أجل معرض وأرسم لأن هناك دافعًا داخليًا يجب أن يقال. الملاحظ فى المعرض أنه لا توجد أعمال بأحجام كبيرة؟ - لا يهم حجم العمل.. المهم طاقة العمل أنا لست مع النقد التشريحى للعمل، النقد يقيس درجة الطاقة المنبعثة من العمل الفنى. بمن تأثرت فى حياتك الفنية؟ - أنا أسمى حسن فؤاد «الأب»، خرج من المعتقل ليعمل مستشارا فنياً ل «روزاليوسف» وهو كان «الحضَّانة» لكل المبدعين بالمعتقل.. وهو فنان تشكيلى عظيم ولكنه ضحى بذاتيته فى الفن من أجل أن يكون حاضنا لأى شخص يبدع.. ذهبت إليه فى مجلة «صباح الخير» أحمل لوحاتى وبعد رؤيته لها قال لى: «حلو قوى.. ولكن أوعى تقلق من صغرك وسط الكبار وقتها كنت صغيرًا تقريباً 17 سنة، وكنت مقرر أنى أصبح رسام كاريكاتير ونشر لى بعض الرسوم بالمجلة ثم ذهبت إلى الإسكندرية.. بعدها بسنوات ذهبت إلى صباح الخير وكان وقتها صلاح جاهين رئيس التحرير -وأنا أعشقه كفنان وشاعر- وأتذكر لى موقف معه لا يمكن أن أفعله أبدا مع شاب صغير وليس فنان كبير مثله ووقتها كنت أعمل بجريدة مستقلة اسمها «الحقائق» لصاحبها أنور زعلوك وكان ينشر بها مجدى نجيب ويحيى الطاهر عبدالله وكان لى مربع ثابت بجانب مانشيت الجريدة.. عندما رأى جاهين أعمالى قال لى: رسمك حلو سوف أنشر لك فى «نادى الرسامين» فوقفت تحملنى حماسة الشباب وقلت له: يعنى إنت شايف إن الرسوم ليست لفنان متميز.. وقطعت العلاقة من وقتها مع الكاريكاتير وعندما أتذكر هذه الواقعة انكسف من نفسى.
وماذا عن دراستك الفنية؟ - التحقت بالكلية وتركتها بعد وقت قليل من أجل العمل وبعد ذلك تعلمت بطريقتى واخترت أساتذتى، فدرست إجادة الرسم على يد الفنان كامل مصطفى، ومعمارية السطح عند حامد عويس، والموسيقى والدراما من سيف وانلى. وقررت وأنا موظف أن يكون لىّ منهج أقوى من منهج كليات الفنون وبدأت اقرأ تاريخ الفن والاقتصاد والفلسفة وغيرها لمدة خمس أعوام.. واكتشفت أن الكاريكاتير لايشبعنى فنيا فلدى ما هو أكثر لأقوله. إذن قاطعت الصحافة وصباح الخير؟ - صباح الخير على وجه العموم حاضنة للفنانين مثلا الأستاذ «إبراهيم عبدالملاك» كان فنان راقٍ وابن بلد كتب عنى وعن لوحاتى فى صباح الخير و«رؤوف عياد» من أصدقائى وكان كما يقولون «ابن نكتة» كما تأثرت برسوم طوغان وصاروخان وهم أصلا رسامون عظام وآدم حنين كان يرسم فى صباح الخير باسم هنرى صمويل ورسومه مذهلة وبها جرأة مدهشة. هل حققت الجاليرهات الخاصة المعادلة الصعبة فى عرض أعمال الفنانين؟ - الجالريهات الخاصة سلاح ذو حدين.. يعنى أنا مش ممكن أضبط نفسى فنيًا على ذوق مقتنى جديد غير مثقف فنيًا فبعض الجالريهات يسوّق لها مهندس ديكور.. وهناك استثناءات لجاليريهات تعرض أعمالاً جيدة.