كنت لم أبلغ من العمر السادسة والعشرين عندما توفى زوجى وكان معى أولادى «لوجى ويوسف» لم يكملا السنتين من عمرهما. كان الخبر من شدته لم أستطع أن أستوعبه فلابد من الوقوف صلبة لترتيبات الدفن والعزاء وبعد إجراءات الدفن عدت مع أهل زوجى إلى القاهرة لجلسة بدت جلسة عرفية. أخبرونى بأنه لا بد من إجراءات الوصاية وأنها مجرد إجراءات روتينية وأوراق لا بد من عملها لتقديمها للمجلس الحسبى لتعيين وصى عليهم. وبالفعل تم إصدار الوصاية وأصبح الجد هو الوصى وعشت معهم لتربية أولادى بمساعدة جدهم لأنه لا يمكننى العيش بمفردى خصوصا أن أبى وأمى منفصلان منذ زمن ولكل منهما حياة مستقلة! بعد أسبوع من الوفاة علمنا من شريك زوجى المحامى فى المكتب أن زوجى له حسابات بنكية وعليه أموال لصالح العمل وليست ملكه كما أن شقة المكتب ليست ملكه وطالب شريكه بحقه فيها. كانت صدمة لأن زوجى لم يخبرنى بكل هذا. قال جد أبنائى إن عليَّ أن أدفع نصيبى من الورث وأعطيه له حتى يقوم بسداد ديون أبو الأولاد. فوافقت وأخذ نصيبى من الورث لتسديد الديون! بخصوص شقة المكتب فقد قام الجد بتغيير العقد لتكون الشقة مناصفة بين أبو أولادى وشريكه وقام ببيعها وإعطاء الشريك نصيبه. أى أنه أعطى الغريب حقه لكنه يرى أنى لا حقوق لى. وبعد عدة أيام اكتشفنا أن زوجى قد اشترى شقة فى منطقة أخرى وصاحب العمارة جاء ليخبرنا لأنه يريد باقى مبلغ الشقة وهى 50 ألف جنيه. وأخبرنى جد الأولاد أنه سيقوم بدفع الفلوس ولكن بشرط تتم كتابة عقد جديد بأن يكون هو من اشترى الشقة للأولاد كهبة منه لهم وقرر ألا يعطينى حقى وورثى فيها فوافقت. عشت أنا وصغارى فى منزل الجد الوصى ولكن لم أستطع الاستمرار هناك فلا بد من الاعتراف بأن الجد والجدة لهما عقلية ووجهة نظر غير التى أفكر بها. فمثلا الجد يرانى الشابة الصغيرة التى ليس لديها الكفاءة بأن تتحمل مسئولية وإدارة ما تركه زوجى من أموال، فأبسط الأشياء التى كان يعارضها أن أشترى لعب لأولادى فهى أبسط حقوقهم كأطفال أو ملابس جديدة ورغم أنها من نقودى الخاصة. فكان الجد يرى أنه لا بد من ادخار أى نقود، وكان دائما يرانى الفتاة الصغيرة التى يمكن أن تتزوج مرة أخرى وزوجها يمكنه أن يضحك عليها ويأخذ نقود الصغار. أما الجدة فهى كبيرة فى السن تحب الهدوء والنظام والنظافة والصغار فى المنزل طوال الوقت بين بكاء وزن وطلبات يعنى إفساد أى نظام، لذلك كانت دائمة الاعتراض على سلوكياتهم كل هذا المواقف ولو بدت أنها بسيطة ولكنها كانت لها أثر نفسى عليّ أنا وصغارى. قررت أن أستقل بأولادى فى شقة حتى يشعروا بالاستقرار. وطلبت من الجد أن أنتقل إلى الشقة التى تم سداد دينها وتنازلت عن حقى فيها، وتمت كتابتها لأولادى فقط ولكنه رفض فى بادئ الأمر قبل أن يوافق. انتقلت أنا وأولادى للشقة الجديدة كانت فى الدور 11 بدون أسانسير وبلا أثاث!! ولكنى قررت أن أبدأ من الصفر. ومر الوقت وبدأ ابنى (يوسف) فى النمو ولكن لاحظت أنه لا يتحدث ولا يحب الاجتماعيات ودائم الصراخ فقط فقررت الكشف عليه ليخبرنى دكتور المخ والأعصاب أن لا بد من رنين على المخ. صدمة مرض يوسف كان ابتلائى الجديد فنسيت أنى أرملة صغيرة ونسيت كمية المضايقات والتحرش التى كنت أتعرض لها فى عملى وركزت فى البحث عن متخصصة للتخاطب ونجحت. تحملت الكثير أنا وصغارى فيكفى أنى أذهب لعملى وأقوم بتوصيل أولادى للحضانة وأذهب لجلسات التخاطب والمذاكرة وأتحمل عبء المصاريف وكل هذا بمفردى تماما.. وفى الوقت الذى كان فيه كل أصدقائى وأقاربى وأهل أبو أولادى مستمرين فى حياتهم بلا معاناة تذكر، كنت خارج كل هذا الإطار فلم يكن هناك من يسأل عنا إلا كل حين من باب المجاملة ليس أكثر. أصبح يوسف 5 سنوات ولا بد أن يدخل المدرسة ولكنه مازال لديه مشكلة فى الكلام والإدراك فأى مدرسة التى سوف تقبله بحالته. فأخبرت جده بمدرسة معينة تناسب حالته لا بد من إلحاقه بها ولكنه رفض بحجة أنه لا بد من أن يدخل نفس المدرسة التى بها أبناء عمته وأخته ولأنه الوصى والولاية التعليمية له صمم على رأيه وأصبح الاتفاق أن يلتحق يوسف بتلك المدرسة فوافقت مرغمة لأنه لا رأى لى. فأنا فى تلك الحالة عديمة الأهلية أمام القانون! وبسبب الغلاء كنت لا أستطيع أن أطالب بنقود من الجد بشكل مستمر فكنت أعمل بجانب عملى الأساسى عملًا آخر فى محاولة كى لا أحتاج لشيء فاضطر إلى اللجوء إلى جدهم أو المجلس الحسبي. ويشاء القدر أن أقابل شابا فى عملى محترم ويتقى الله وأراد أن يتزوجنى وعندما عرضت الموضوع فى بادئ الأمر على جد الأولاد قوبلت بهجوم شديد ولكنى قلت له (نفس القانون اللى منع عنى الوصاية وأنا وافقت هو هو نفس القانون اللى مدينى حق أتجوز وأنتو مش موافقين شوفتوا أنكم فى أى حالة من الحالات مش عاوزينى آخد أى حاجة». أدركت وقتها أن العيب فى المجتمع والناس قبل أن يكون العيب فى القانون والتشريعات، وصمت الجميع ووافقوا على زواجى، وتزوجت ومعى صغارى وكان زوجى ونعم السند والأب، وبعد سنين عشناها بعيدا عن الجد والمجلس الحسبى عرفت أن جد الأولاد قد توفى، ولما ذهبت إلى المجلس الحسبى لإجراءات الوصاية عشت أياما هناك لا أنساها ما حييت فقد عانيت الكثير من كثرة الإجراءات والأوراق المطلوبة فعند مقابلة معاونة النيابة طلبت منى رقم ملف قضية أولادى وطبعًا أنا لا أعرفها لأن الوصى كان يخفى كل شيء!! كيف يستمر هذا القانون الذى يجعلنى لا أعرف رقم ملف قضية أولادى؟ أذكر أن معاون النيابة طلب منى كشف حساب من البنك بأموال الصغار لتسليمه للمجلس. وهذا أيضا كان أزمة جديدة حماية أموال القصر؟! اكتشفت أن هناك حسابات لأولادى ليس المجلس على دراية بها، حيث لم يبلغ بها الجد قبل وفاته، ولم يبلغ الجد بهم!! فعندما ذهبت إلى البنك بناء على طلب المجلس لأفهم ما هذه الحسابات أخبرنى مدير البنك وقال (جدهم عمل لكل طفل شهادة وعمل حساب علشان ينزل عليها أرباح والشهادات دى طبعا هبة منه ليهم.. وشرط أن بموته يتقفل الحسابات وماحدش ياخد حاجة منهم ولا أى واصى من بعده ولما يبقى الأولاد يكبروا ويبقى عندهم 21 سنة يبقى يقدروا يصرفوا فلوسهم ولا يتم إبلاغ المجلس الحسبى. وهنا أتساءل أين وكيف سيعرف أولادى عندما سيبلغون السن القانونية أن لديهم أموالا من الأساس؟ أليس كل هذا عوارا فى القانون؟! الإجراءات التى قام بها جد الأولاد جعلت معاونة النيابة تتعنت معى وترفض المضى فى إجراءات الوصاية لأن هناك بهذا الشكل أموالا لا يوجد رقابة عليها بسبب الجد.. طلبت مقابلة رئيس النيابة الذى قرر استكمال إجراءات الوصاية، أما بخصوص الحسابات فهى ليست مسئولية المجلس لأن الجد لم يخطر المجلس فهى أموال بلا وصى للأسف والجد هو الذى سيحاسب عليها أمام الله. وبعد استكمال أوراق الوصاية تم إبلاغى من معاونة النيابة أن عليّ الانتظار لأن القاضى ينظر فى تلك القضايا كل يوم خميس فقط!! بعد انتهاء الرحلة حصلت على الوصاية لكنى رأيت على سلم محكمة الأسرة عند النيابة الحسبية الكثير من قصص لا حصر لها كفى ظلما لنا نحن الأمهات ولأولادنا.. كفانا أغراب يتحكمون فى مصير أولادنا. أتمنى بعد قصتى هذه لا يتم رفع سيوف عالم الرجال علىَّ واتهامى بأنى أريد أن ألعب فى الثوابت وأرجوكم كفاكم الاعتقاد نظرية (يحدث للآخرين فقط) أى لا بد من وضع نفس كأنت وأحبابك مكان غيرك.