صداع شديد لا يطيق تحملّه وكأن أحدًا يريد الخروج من رأسه، محاولاً كسر جُمجُمته بكل قوته، دوار يزيل صور الأشياء من مخيّلته، ويجعل العالم من حوله أشباحًا وبقايا، جيوش حرب هى تلملم الهواء فى صندوق صغير، لا ينفد منه إلا القليل الذى يتيح بالكاد لحياة قصيرة، سقوط مدوٍ على أرضية الحمّام، قليل من الوقت أو هى ساعات لا يدرى؟ كطائر يحاول التحليق بجناحيه فى الهواء، يرتفع جفناه لأعلى كمَن يرى العالم من جديد، وجوه تعيد تشكيل الحياة لسابق عهدها، ممدد على أحد الأَسِرّة منفرداً، فقط يشاهد ولا يتكلم، يرى دموعًا ويشعر بزفرات ألم، لكنّها عيناه فقط هى من تستطيع أن تحتضن مشاعرهم وأن تبعث لهم برسائل طمأنينة، يتابع بقليل من التركيز ما يدور حوله، نبضات قلبه المتسارعة عبر جهاز مُعَلّق، دماء مختلطة بمحاليل وأدوية، صوت حديث لأحد يطمئن على حالته، فتاة ممشوقة القوام، تتنقّل بين الأَسِرّة، تخالها فراشة تتنقل بين الزهور، لا تخلو نظراتها من عطف، كما لم تخلُ نظراته إليها من إعجاب، فما زال قلب الشاعر ينبض بالحُب ويأسره الجَمال فى كل شىء، ما زال قلب الشاعر حُرّا لا تقيّده الظروف أو ضربات الألم. فماذا لو توقّف قلبُه وماذا لو أننا استطعنا الحياة بدون قلب؟، يا له من سؤال يبدو فى ظاهِره جنونًا، لا توجد إجابة شافية للسؤال، لكنها حقيقة واحدة.. نتنفّس هواء، نأكل ثم ننام، نستيقظ للعمل ثم نعود، فقط نعيش وكأننا آلة معدنية لا شعور لها، لم يفجعنا موتُ أحد أو فراقُ حبيب، نسمع أجمل الألحان والأغنيات، ولكنها لم تحرّك مشاعرَنا باشتياق، أو تتمايل أحاسيسنا طرباً، نتأمّل خضرة الربيع ونضارة الزهور، لكننا كمَن يشاهد صوراً مجرّدة من كل جَمال يفتح فى الحياة طرُقاً لعوالم أخرى، يا لها من لحظات موت قاسية! هى بالفعل فكرة مجنونة نظر إلى أعلى ضاحكاً، يحاول قراءة تفاصيل دقاّت قلبه، أو هى بالأحرَى محاولة ليتحقق من كونه ما زال على قيد الحياة.