تبنى الدول الرشيدة استراتيجيتها على توقعات الأحداث فى المدى الطويل، تستلزم التوقعات رؤى نافذة، وفق معطيات الحاضر.. وآثار الماضى.. فى الطريق للمستقبل. فى الاستراتيجيات لا مغامرات.. ولا مجال للتجريب.. تضع استراتيجيات الدول الرشيدة بدائل.. عادة ما تخضع البدائل لخطط مرنة للانتقال السهل وفق الأحداث وتطورات المعادلات السياسية على خرائط المنطقة.. والإقليم.. وعلى خرائط العالم. مصر دولة قوية رشيدة، وضعت الدولة المصرية استراتيجيتها على خريطة المنطقة والإقليم انطلاقًا من عدة مبادئ. أولًا: حفظ الأمن القومى خط أحمر لا يجوز لأحد تجاوزه. ثانيًا: مبادئ الشرعية الدولية والقانون هى أساس التعاملات والتعاون, وهى الأساس أيضًا الذى تنطلق منه إجراءات الدولة المشروعة لحماية أمنها القومى. ثالثًا: لا تدخل فى شئون الدول الأخرى، مع دعم مؤكد لحقوق المؤسسات الوطنية والجيوش المؤسسية فى العمل على ما يحفظ آمال الشعوب وتحقيق مطالبها. رابعًا: الحق الكامل للدول فى حفظ ثروات شعوبها والاستفادة منها، وفق مبادئ القانون الدولى والقرارات الأممية، لدفع مسارات التنمية الوطنية وتحقيق الرخاء. على محاور مختلفة حققت الدولة المصرية طفرات وقفزات، وفق العوامل الأربعة لمحددات استراتيجية دولة 30 يونيو. بالنسبة للمحور الرابع، سبقت الدولة المصرية الزمن وسبق عبدالفتاح السيسى بإعادة تشكيل خرائط الإقليم، باتفاقيات ترسيم مع قبرص واليونان، ثم دعم تأسيس منتدى غاز المتوسط، برؤية مصرية، استشرافية للغاز عنصر المستقبل، بديل عملة المستقبل، محل صراعات المنطقة فى المستقبل، أول مطالب الدول الكبرى والصغرى على الخريطة.. فى المستقبل.
اكتشاف حقل ظهر أحد ثمار ترسيم الحدود البحرية لمصر
(1) أحرزت مصر أهدافًا عدة فى معادلة استغلال ثرواتها الوطنية فى واحد من أكبر مخزونات الغاز الطبيعى فى المنطقة. ترسيم الحدود فى منطقة شرق المتوسط، أوجد: شرعية قانونية دولية مصرية لاستخراج الغاز الطبيعى وتحقيق الاكتفاء الذاتى منه محليًا. الطفرة التى حققها حقل «ظهر» فى معادلة الغاز الطبيعى فى المنطقة، أتاحت قدرة مصرية جبارة لتصدير بديل البترول المصرى بانعكاسات شديدة الإيجابية على الاقتصاد المصرى، وضع مصر على رأس قائمة الدول المستقرة القادرة على إحداث التوازن فى معادلة إمدادات الغاز إلى أوروبا، خصوصًا وأن أغلب نقاط الإمدادات من الدول الكبرى فى آسيا لدول أوروبا كلها نقاط غير مستقرة.. ذات مرجعيات تاريخية وجغرافية شديدة التعقيد. قبل اتفاقيات ترسيم الحدود التى قادتها مصر، كانت أطماع تركية تاريخية غير واقعية قد تمادت وتنامت، وبدأت تحركاتها ظاهرة على خريطة البحر المتوسط. سعى العثمانيون الجدد لتحقيق مصالح غير مستندة لا إلى قانون ولا إلى حقوق مشروعة. لعب العثمانيون الجدد على بؤر ومواطن الغاز فى شرق المتوسط، فى مناورات وصلت مداها بالتذرع باتفاقية تركية مع حكومة غرب ليبيا السابقة (حكومة فايز السراج)، لم تكن فقط مخالفة لاتفاقيات البحار والدول المتشاطئة، إنما كانت مثيرة للدهشة، لأن الدفوع التركية كانت وهمية مخالفة لرسومات الخرائط فى الواقع. قطعت الاتفاقيات المصرية اليونانية القبرصية، ومن بعدها تدشين منتدى غاز المتوسط الطريق على أوهام العثمانيين الجدد. بعدها صدّرت أنقرة المرتزقة إلى طرابلس فى غرب المتوسط انتقامًا لأحلامها الضائعة فى شرقه! «الجون» الذى أحرزته مصر فى ملف غاز المتوسط وضع الدولة القوية الرشيدة على قمة بدائل تصدير احتياجات أوروبا من بديل البترول.. بخطوط الإمدادات عن طريق قبرص واليونان.. وإيطاليا. لدى مصر القدرة على تصدير غازها لدول البلقان.. بعدما احتلت مصر مركزًا أول فى الإنتاج.. والإسالة.. وإعادة التصدير ليس فى شرق المتوسط.. بل فى المنطقة.
قطعت الإتفاقيات المصرية الطريق على أوهام العثمانيين الجدد
(2) سبق عبدالفتاح السيسى الجميع، كانت دول شرق أوروبا، البلقان، على شفا نزاع محتوم.. وغليان مكتوم. أظهرت الحرب الروسية الأوكرانية انعكاساتها على سوق الغاز فى غرب أوروبا بوضوح شديد. خلال أيام صعدت معادلات (الغاز المتشابكة) التى كانت تدور أحداثها فى الكواليس على خشبة المسرح. هددت الولاياتالمتحدةروسيا بعقوبات وصفتها ب«غير المسبوقة»، تحاشت دول أوروبا تحقيق ما دعمته فى العلن أن تحققه فى الواقع. تزيد صادرات الغاز الروسى لأوروبا أكثر من 42 ٪ من احتياجاتها . تنقل روسيا غازها عبر أكثر من طريق يحتوى أنابيب النقل أكثرها فى منطقة البلطيق. إمدادات الغاز الروسى لأوروبا بلا بدائل حتى الآن، جعلت الحرب الروسية على الأراضى الأوكرانية أكثر من تشكيلات دبابات، واجتياحات مشاة، وإسنادات مدفعية روسية.. وهليكوبتر فوق الأراضى الأوكرانية. مهما كانت التطورات القريبة فيما يتعلق بالمسألة الروسية الأوكرانية، فإن الاستراتيجيات الأوروبية لضمان تأمين غاز المستقبل قيد البحث الآن. تظهر - وضع أكثر من خط هنا - مصر على رأس البدائل المتاحة لأوروبا، بالتزامن مع استمرار العمل فى خط التصدير المصرى فى معامل الإسالة فى دمياط وإدكو لقبرص واليونان. المعنى.. مكاسب طائلة على المدى المتوسط بالنسبة للمكاسب المحلية حسب الوضع الآنى، وحتى اليوم الرابع لبدء الحرب الروسية الأوكرانية، سجلت أسعار الغاز الطبيعى نسبة زيادة تخطت 6.2 ٪ لكل مليون وحدة. ارتفاع أسعار الغاز ينعكس بصورة شديدة الإيجابية على اقتصاد مصر إحدى أكبر الدول المصدرة. أسعار الغاز فى الطالع، وبعد الحرب الأخيرة متوقع مزيدًا من الارتفاعات المتتالية. خبراء أوروبا وصفوا الارتفاعات المقبلة بأنها ستكون «متواليات هندسية» يعنى «أضعاف أضعاف». مصر دولة الاستراتيجيات بعيدة المدى.. بمكاسب مؤكدة وفق ثوابت الأخلاق وشرعية القيم وحقوق الشعوب فى ثرواتها.