احتفلت أمريكا بعيد ميلادها ال244. وهى كما هو ظاهر لأهلها ولشعوب العالم تعيش لحظة حرجة وقلقة تعانى فيها من تبعات «كوفيد19-» والعنصرية المتفشية فى تفاصيل المشهد الأمريكى. مجلة «تايم» الأمريكية كعادتها السنوية احتفلت بعيد الاستقلال (4يوليو) وقررت أن تتصدى لقضايا العنصرية.. وأن يكون موضوع غلاف العدد الخاص بهذه المناسبة: أمريكا يجب أن تتغير. مجلة «تايم»، وهى تفتح صفحاتها لكل رياح الغضب والمطالبة بالتغيير التى اجتاحت البلاد فى الأسابيع الأخيرة، لم تتردد فى أن تتعامل مع هذه القضية الحيوية الشائكة بجرأة وصدق وأمانة وربما أكثر من أى وقت مضى، وأن تذكر من البداية: أن أمريكا فشلت ل 244 عامًا فى أن تعيش حسب مُثلها العليا. فهل ستلبى النداء لتصحيح المسار؟. من هذا المنطلق حسبما أوضح إدوارد فلسنثال- رئيس تحرير المجلة- دعت «تايم» لأصوات وأقلام من داخل المجلة وخارجها للكتابة والكشف عن إحباطات وآمال وتجارب المجموعات البشرية المهمشة التى «تعيش فى دولة تدّعى أن المساواة هى حَجَر الزاوية فى وجودها.. التوصيف السابق بكلماته الصادمة يتبع رئيس تحرير «تايم» وهو يصف ما حاول أن يحققه على صفحات المجلة.. أصوات تعكس كل أطياف الأقليات التى طرحت مؤخرًا ما كان مكتومًا من قبل .. ووقفت مع الغضب الأسود ..باعتباره غضبًا أمريكيّا يُعبر عن معاناة الكثير من فئات الشعب الأمريكى!! وحرص رئيس تحرير المجلة على التأكيد بأن «تايم» تقف ضد العنصرية البيضاء وضد قسوة التعامل من جانب الشرطة الأمريكية وأيضًا .. ضد العنصرية الممنهجة داخل المجتمع الأمريكى.. وأنها ستعمل من أجل التغيير. وحسب ما جرى فى السابق وما يجرى الآن وربما بشكل أكثر حدة وأكثر عمقًا فإن الحديث المثار لا يقتصر على وصف الحالة وبالتالى الشكوى فقط. بل يتم تقديم اقتراحات وطلبات وتصورات عملية لمواجهة العنصرية المتفشية والعمل على التصدى لمرتكبيها فى إطار تغيير شامل وواسع فى المنظومة السياسية/ الاقتصادية/ الاجتماعية.. وهذا هو التغيير المنشود والمطلوب. غلاف العدد الخاص للمجلة كان عملا فنيّا مميزًا من إبداع الفنان تشارلى بالمر من أطلنطا بولاية جورجيا. «تايم»، وهى تتحدث عن غلافها العمل الفنى الذى طلب من الفنان رسمه، قالت إن المطلوب من بالمر كان أن يعكس اللحظة التى تعيشها أمريكا ويُجسّدها. اللوحة تمت تسميتها «فى عينيها». وهى تمثل وتجسّد فتاة صغيرة تواجه عدم عدالة أو ظلم اليوم وأيضًا دَور أمريكا التاريخى فيما وصلت إليه. وهو يتحدث عن الغلاف الذى رسمه تذكّر بالمر (60 عامًا) أيام طفولته وكيف أنه كطفل أسود أحاطته والدته بكل الحب والعناية لكى تحميه من كل شرور العنصرية. وأنه اليوم لديه قلق تجاه أولاده وأحفاده وأقربائه.. والمجتمع الأسود ككل. وما يلاحظه المتأمل للوحة الغلاف أن بالمر كعادته منذ وفاة والدته ينثر زهورًا على لوحته ذاكرًا أن الزهور تمثل بالنسبة له الحياة والموت والحب والجمال والبهجة!!. ويحرص بالمر فى حواره مع المجلة على أن يؤكد بأن فنه فى ال25 السنة الماضية يمثل إنذارًا وتنبيهًا.. ويقول: أتمنى أن هذا الغلاف يحمل رسالته .. وهى حب الأسود .. وليس كراهية الأبيض!! والفنان الأمريكى الأسود صاحب غلاف «تايم» منشغل منذ فترة فى مشروعات فنية ثقافية تسعى إلى تعزيز الذاكرة السوداء للإبداع الأمريكى.. وأيضًا تأكيد معانى الإخاء والمحبة والكرامة الإنسانية. ••• ما شاهدناه ونشاهده هذه الأيام هو أن أمريكا تقف أمام المرآة.. وتحاسب نفسَها وتنتقد ذاتَها.. ولم يتردد أصحابُ الأقلام المستنيرة فى أن يقولوا ويكتبوا.. ما هى أمريكا فى مفهومك؟ ما هى أمريكا التى تريدها؟ ما هى أمريكا التى نحتاجها؟ ومن هنا كان من الطبيعى أن تطرح هذه الأسئلة وأسئلة أخرى مماثلة تسعى أن تصنع من المواجهة القاسية التى حدثت فى الأسابيع والشهور الأخيرة فرصة لمحاسبة الذات وتقييم الأداء وإعادة النظر فيما تحقق وفيما لم يتحقق بشكل عام فى كل تفاصيل الحياة الأمريكية. المهم تشغل بالك.. بعيدًا عن «كورونا» فى حالة الإغلاق التام التى عمّت البلاد بسبب جائحة الكورونا ما لفت الانتباه فى أمريكا زيادة اهتمام الناس بالمطبخ وأعمال الطبخ بشكل عام وأيضًا وصفات صُنع أنواع الخبز المختلفة، بالإضافة إلى الاهتمام بزراعة النباتات والخضروات والقيام أعمال التطريز. كما شهد المجتمع مع موجة «خليك فى البيت» هوجة الإقبال على ألعاب البازل وأيضًا كتُب التلوين للكبار وأكثر من نادى كتاب رشح قراءة رواية «الحرب والسلام» لتولستوى و«الحب فى زمن الكوليرا» لماركيز. وتزايد بشكل ملحوظ اقتناء القطط والكلاب.. وتعددت النصائح بخصوص محاولات التواصل مع حيوان السنجاب فى المنطقة المحيطة بالبيوت.. وهذا بالطبع إضافة إلى ما سمعناه وقرأناه من حواديت عن طرُق وأساليب مراقبة الطيور وطيرانها ومتابعة أغانيها الصباحية مع بدايات شروق الشمس!! ما ذكرته من ملامح المَشهد العام الأمريكى بعيدًا عن عالم الكورونا وضوضاء السياسة والإعلام يعطى فكرة عامّة عمّا فعله ويفعله الأمريكى فى بحثه عمّا يمكن أن يسحبه من جنون وكآبة الحالى.. إلى ما يُعد ملاذًا آمنًا واستراحة ضرورية من ضغوط المعيشة فى ظروف «كورونا»!! كتاب بولتون.. واللى بعده كتاب جون بولتون- مستشار الأمن القومى الأمريكى السابق- واسمه «الغرفة التى شهدت الأحداث» بالطبع أثار العديد من التساؤلات عن ترامب وإدارته وعمّا حدث فى البيت الأبيض. وتساءل الكل: وهل من جديد فى كتاب بولتون الجديد؟ خصوصًا أن كل ما يُقال ويُكتب عن ترامب يُعد تكرارًا لما عرفناه عنه وعن نرجسيته وعن جهله وأيضًا تجاهله لنصائح مستشاريه فى أى أمر من الأمور. إن الوصف (الذى اعتدنا سماعه) بأن الرئيس الأمريكى ال45، أى دونالد ترامب، لا يعرف أو لا يريد أن يعرف ما يجب أن يعرفه كرئيس للولايات المتحدة. فى أغلب الأمور شخصية ترامب وليس سياساته(!!!) هى السائدة والمهيمنة على إدارة أمور البلاد.. وهو صاحب القرار الأول والأخير.. بالمناسبة هناك كتاب آخر عن ترامب من تأليف الكاتب الصحفى الأشهَر بوب وودورد. وهذا الكتاب من المنتظر أن يصدر يوم 15سبتمبر المقبل. ويُعد هذا الكتاب الذى لم يتحدد بعد عنوانه ثانى كتاب لوودورد عن ترامب. والكتاب الأول «الخوف» صدر عام 2018. وودورد الذى احتفل بعيد ميلاده ال 77 فى شهر مارس الماضى هو الصحفى بواشنطن بوست الذى استطاع مع زميله كارل برنستين أن يكشف ويفجر فضيحة ووترجيت، تلك الفضيحة السياسية التى أطاحت بالرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون. وقد ذكر أن وودورد فى كتابته للكتاب الجديد جلس مع الرئيس ترامب وتحاور معه. وكان ترامب الذى انتقد بشدة كتاب وودورد الأول قد كشف فى حوار له مع لورا إنجرام بشبكة فوكس نيوز فى شهر يناير الماضى بأنه جلس فى حوار مع وودورد. إن لوودورد (لمن يعنيه الأمر) طريقة خاصة به فى إعداد الكتب السياسية المليئة بالتفاصيل والأسرار. وهى أنه يلتقى أو يتحاور مع عشرات ممن كانوا بالقرب من عملية صُنع القرار وإقرار السياسات وأساليب إدارة الأزمات والسعى لاحتواء تبعاتها.. إنه يجمع مادة أو مضمون الكتاب كصحفى يسأل الأسئلة ويسمع لمن له أو لها الإجابات.. ومن ثم تتلاقى وتتصادم الروايات المختلفة وهو (أى وودورد) يقوم بغربلة الأحداث والأسماء والحقائق ليصيغ فى نهاية المطاف كتابًا ملئًا بحواديت وأسماء شهيرة وأسرار مثيرة تخص عالم أهل واشنطن.. وبُكره نقعد عالحيطة ونسمع الزيطة!!.