فوجئ المجتمع الدولى فى الأيام الأخيرة بنشوب اشتباكات حدودية فى ولاية ولاية القضارف بشرق السودان بين كل من إثيوبيا والسودان، ما أدى لاستدعاء وزارة الخارجية السودانية القائم بالأعمال الإثيوبى فى الخرطوم احتجاجا على عدوان الميليشيات الإثيوبية المدعومة من الجيش الإثيوبى.كما صدربيان ورد فيه إن الأمر أدى إلى مقتل عدد من العسكريين السودانيين والمواطنين بينهم طفل.وندد البيان بالهجوم الذى يأتى فى وقت التحضير لعقد جولة ثانية للجنة مشتركة لترسيم الحدود بين البلدين. هذه المفاجأة لا تأتى بعيدا عن الوضع الداخلى للنظام الإثيوبى الحاكم غير المستقر، بالرغم من مرور ما يقارب 5 أعوام على انتخابات، وقرب الانتخابات الجديدة وهى «كلمة السر» فى ما ستشهده إثيوبيا ومنطقة شرق أفريقيا من عدم استقرار، مما سينعكس على التعامل مع المواضيع المطروحة للحوار مع مصر والسدوان للمزيد من التشدد. الواضح أن قرار رئيس الوزراء أبى أحمد بتأجيل الانتخابات فى إثيوبيا قد أسفر عن خلق أزمة دستورية، وكانت جائحة COVID-19 هى الحجة المستخدمة لهذا التأجيل ولكنهالم تكن السبب الحقيقى. قررت الحكومة الإثيوبية تأجيل الانتخابات المقررة لفترة غير محدودة نتيجة للوباء. لكن هذا التمديد يأتى بمشكلة فريدة وصلت حد إطلاق المعارضة الإثيوبية عليها «أزمة دستورية». فمن المقررانتهاء فترة الخمس سنوات الخاصة بمدة الهيئات التشريعية الاتحادية والإقليمية المنتخبة وكذلك إداراة أبيى أحمد فى 30 سبتمبر. وهذا يؤدى إلى تحدٍٍ واضح للدستور الإثيوبى. من هنا قام الحزب الحاكم بتقديم أربعة سيناريوهات محتملة للتحايل على الأزمة الدستورية: جاءت كالتالى أما حل البرلمان؛ أو إعلان حالة الطوارئ؛ أو إجراء تعديل دستوري؛ نهاية بالسعى لخلق تفسير دستورى يتيح لحكومة المنتهية صلاحيتها بالاستمرار فى الحكم. من بين الخيارات الأربعة السابق الإشارة إليها، كان الحزب الحاكم جزئيًا مع اللجوء للتفسير الدستورى، وقد صدق البرلمان على ذلك فى 5 مايو 2020. كما طلب الحزب الحاكم من مجلس الاتحاد إصدار تفسير خلال شهر. لكن النتيجة جاءت عكس توقعات الحزب الحاكم؛ فقد رفضت معظم أحزاب المعارضة ذات الدوائر الانتخابية المهمة القرار.فقد رفضه الكونجرس الفيدرالى للأورومو وأحزاب الائتلاف الستة، ودعوا إلى حوار لإيجاد حل سياسى. ورفضت جبهة تحرير شعب تيجراى ذلك الاقتراح لأنه غير دستورى وقالت إنها ستستعد للانتخابات الإقليمية. وقالت إن هذا من شأنه أن يتجنب انتزاع السلطة من السلطة الحالية. والمتابع للمشهد العرقى السياسى الإثنى فى إثيوبيا، سيعى أن الانتخابات المخطط لها هذا العام دائمًا مسألة صعبة. هذا الموقف الصعب ينطبق عليه قول الفيلسوف الأسترالى مايكل ديفيت «عندما يبدأ أحدهم فى الحديث عن التفسير، حاول الوصول إلى بندقيتك». وبالرغم من تصريح رئيس الوزراء الإثيوبى أبى أحمد فى أكتوبر 2019 (بعد إعلان لجنة نوبل أن أحمد قد فاز بجائزة نوبل للسلام)؛ صراحة أن أى تأخير فى الاستطلاع سيؤثر على شرعيته وشرعية حكومته. وادعى المجلس الانتخابى الوطنى (NEBE) ورئيسه الجديد بيرتوكان ميديكا (زعيم المعارضة السابق) أنهما شرعا فى التحضير للانتخابات. ومع ذلك، تم إصدار الجدول الزمنى وموعد الانتخابات فى فبراير من هذا العام، وهذا يتعارض مع العرف الذى كان على المجلس بموجبه الإعلان عن التاريخ قبل تسعة أشهر من يوم الاقتراع، مما يثير الشكوك لدى المعارضة فى نوايا الحكومة الحالية. الوضع الحالى يفتح الباب لأمرين معا إلا وهما التفسير الدستورى وإعلان حالة الطوارئ. لدرجة أن ليديتو أياليوالقيادى فى «الحزب الديمقراطى» المعارض؛ أعلن مؤخرًا أنه لا يجب أن تكون محاميًا لتفسير الأحكام المثيرة للجدل - بالنسبة له كان كافيًا أن يكون قادرًا على القراءة، كما قد سبق وأن أعلن أن إثيوبيا غير مستعدة لإجراء انتخابات برلمانية»؛ نظرا للأوضاع الأمنية غير المستقرة. يعد تفسير القوانين جزءًا من أساس أى نظام قانونى، لكن التفسير ليس أمرا بسيطًا وكل شيء متعلقب «التفسير» يمكن أن يكون محل خلاف. فى الواقع، التفسير ومن يجب أن يشارك هو أحد أكثر المجالات المثيرة للجدل فى القانون: ما هو الدور الذى يجب أن يلعبه القاضى فى تفسير القوانين أو الدستور؟ هل يجب أن يشمل نية واضعى الدستور؟ هل يجب أن يكون التفسير «واسعًا» أو «ضيق»؟ وهل يجب أن تركز على نص وهيكل وهدف أو تاريخ وهدف المشرعين؟ هذه أسئلة ذات صلة بالأزمة الدستورية التى تواجهها إثيوبيا والتى أسفرت عن الوضع المتأزم. وفى هذا الصدد يعد الدستور الإثيوبى فريدًا من حيث أنه يمنح السلطة لمجلس التحقيق الدستورى (CCI) ومجلس النواب (HoF) فى تقديم التفسير حالة حدوث خلاف. ففى نهاية مارس، صرح المجلس الانتخابى الوطنى الإثيوبى إنه لا يمكنه إجراء الانتخابات فى 29 أغسطس بسبب COVID-19 وبسبب الأمطار. ومن ثم فى 8 أبريل، أعلن مجلس النواب حالة الطوارئ لمدة خمسة أشهر حتى 8 سبتمبر، وبموجب الدستور، تنتهى فترة الحكومة فى 5 أكتوبر.لذا فحتى إذا لم تستلزم أزمة COVID تمديد حالة الطوارئ، فسيكون من المستحيل التحضير للانتخابات فى شهر واحد. لذا، فإن المعضلة واضحة: إذا طبق الدستور، وفرضت حالة الطوارئ بشكل شرعى لأحد الأسباب المذكورة فيه، فلا يمكن إجراء الانتخابات فى موعدها. وإذا لم تجر الانتخابات، فإن ذلك يتعارض مع المادة 58 (3): قصر مدة الحكومة على خمس سنوات. ولحل هذه المشكلة، تقدم أبي أحمد رئيس الوزراء بأربعة مقترحات: حل البرلمان وفقًا للمادة 60، بينما تستمر الإدارة الحالية كجهة تصريف أعمال حتى الانتخابات فى غضون ستة أشهر؛ تمديد حالة الطوارئ وإطالة مدة الحكومة؛ تقديم تعديلات دستورية (المادتان 104 و 105) لحل القضية ؛ أو إحالة القضية إلى مجلس الاتحاد للتفسير. من هنا كرد فعل أصدرت خمسة أحزاب سياسية بيانا جاء فيه أن رئيس الوزراءلا يجب أن يبقى حتى يوم واحد بعد انتهاء ولايته البالغة خمس سنوات؛ حيث صرحت شخصيات معارضة بارزة، منهم جوار محمد وليديتو الإعلامى والعارض الشرس، أن الحكومة لن يكون لها شرعية بعد 5 أكتوبر. وبدلًا من ذلك، اقترحوا بديلًا دستوريًا إضافيًا: حكومة انتقالية تشمل جميع الأحزاب السياسية المسجلة للمشاركة فى الانتخابات وهو ما سيرفضه رئيس الوزراء بالقطع. أصدرت جبهة تحرير شعب تيجراى (TPLF) وهى الجبة الأكثر شراسة فى المعارضة؛ بيانًا رفضت فيه اقتراح الحكومة، وأعلنت أنها ستجرى انتخابات فى تيجراى كما كان مقررًا سابقًا؛ وهى خطوة من شأنها أن تضع الجبهة الشعبية لتحرير تيجرى على مسار تصادم مع الحكومة الفيدرالية. وقد توصلت أطراف أخرى إلى بدائل. على سبيل المثال، دعا حزب «المواطنون الإثيوبيون من أجل العدالة الاجتماعية» (EZEMA إلى تعديل دستورى لتمديد ولاية رئيس الوزراء لعام واحد وهى مدة معقولة، لكن الاقتراح رفض من قبل المعارضة. فى سياق مخالف شكك بعض أحزاب المعارضة تحديدا جبهة التحرير الشعبية، فى كون أن أزمة COVID-19 مبررا لتأجيل الانتخابات. بالرغم مما هو معلوم بالانتخابات تتطلب الكثير من التفاعل الجسدى، واجتماعات والتجمعات. كما أ، هذه الانتخابات التاريخية ستثير بلا شك حماسا كبيرا، وتجمعات وإقبالا كبيرا، وبالتأكيد فى وجود COVID-19، لن يكون هذا ممكنًا. كما إن خيار استخدام طرق بديلة من وسائل التواصل الاجتماعى ووسائل الإعلام المطبوعة، والتليفزيون، والإذاعة وغيرها - فى إثيوبيا يكاد يكون ممكنا. لذلك، فإن حجة COVID-19 ليست مبررًا لتأجيل الانتخابات يصعب تصديقها من قبل المعارضة التى فقدت الثقة فى إدارة أبى. وبالتالى فهدفهم هو محاولة إنهاء احتكار الحكومة للسلطة السياسية؛ لذلك يطالبون بتقاسم السلطة أو المشاركة فى حكومة انتقالية. أما من يدعمون يدعمون النظام الحاكم، فهم لا يهتمون بما يقوله الدستور، بل يريدون اغتنام الفرصة لتمديد فترة النظام. لكن ما يدفع أكثر ليس التفسير القانونى، ولكن السياسة. ولسوء الحظ، بالنسبة لأولئك الذين يريدون تقاسم السلطة، لا يوفر الدستور أى دعم. ونتيجة لذلك، يبحثون فى خيارات غير دستورية. لكن حتى لو كان هناك أى اتفاق للبحث عن حل خارج الدستور، فإن اقتراح تشكيل حكومة انتقالية سيكون محفوفًا بالمشاكل. أهمها أن العداوة والخلافات العميقة القائمة بين الفصائل السياسية تعنى أنه سيكون من الصعب عليهم تشكيل حكومة قابلة للحياة. من هنا تحضر مقولة الفيلسوف الأسترالى مايكل ديفيت وضرورة اللجوء للبندقية كمخرج للنظام الإثيوبى الحاكم، لكن رفع السلاح هنا لن يكون على الشركاء الإثيوبيين، بل خلق حالة حرب «سواء كانت محدودة أو غير محدودة» مع أى طرف خارجى تعد مبررا أكثر قوة من COVID-19، وخاصة فى وجوده ليس لاستمرار حالة الطوارئ فحسب بل لوضع المعارضة فى موقف حرج وتوحيد الشعب الإثيوبى. واستخدام حالة الحرب كمسبب لتوحد الداخل وإسكات المعارض الإثيوبية استخدمت مرات ومرات من قبل، لذا فهى ليست جديدة. وهو ما يفسر وجود الجيش الإثيوبى مع الميليشيات التى اقتحمت الحدود واعتدت على مواطنين سودانيين مما يعد انتهكا للاتفاقات السابقة بين البلدين. فهل ينجح أبى فى تمرير مخططه أم لا؟!