كتب: صلاح خليل تشهد العديد من المدن الإثيوبية عصيانا مدنيا نفذته قوميتا الأورومو والأمهرا معا، على مدى الأيام القليلة الماضية. ثار خلالها المحتجون ضد سياسات الحكومة الإثيوبية، بقطع إمدادات الوقود لجميع أنحاء إثيوبيا، مما أصاب الحياة بالشلل التام، من خلال حملة قام بها النشطاء فى إثيوبيا بدأت يوم الاثنين 13 من مارس 2018، وتستمر لمدة أسبوع، احتجاجا على تمديد حالة الطوارئ، لم تكن هذه المرة الأولى التي تتصاعد فيها هذه الاحتجاجات، فهي امتداد لسلسلة طويلة شهدتها المدن الإثيوبية المختلفة خلال عامى 2015-2016، بالرغم من مصادقة البرلمان الإثيوبي على إعلان حالة الطوارئ فى البلاد منذ استقالة رئيس الوزراء هيلى ماريام ديسالين فى فبراير عام 2018. وفى ظل تصاعد المواجهة بين النظام والنشطاء، لجأ المحتجون لهذا النوع من الاحتجاج رفضا لقانون الطوارئ، الذي بموجبه يعطى سلطات كبيرة لقوات البوليس الفيدرالي والجيش معا، باستخدام القوة المفرطة لكبح المحتجين، والزج بهم فى المعتقلات، فضلا عن العنف الممنهج والجماعي المستمر من قبل قوات الأمن الإثيوبية ضدهم. يواصل المحتجون فى إثيوبيا مقاومتهم لحالة الطوارئ، بأدوات هى الأحدث، حيث سارع المتظاهرون بإطلاق حملة على شبكة التواصل الاجتماعي لمدة أسبوع تحت عنوان (حصار الوقود)، الذي يهدف إلى قطع جميع إمدادات البترول، وتكمن الفكرة أساسا فى ضمان بقاء ناقلات البترول لإثيوبيا، متوقفة سواء كانت داخلها أو القادمة إلى إثيوبيا. وتسبب الحصار وتداعياته في تعطل إمدادات الوقود طوال مدة الإضراب فى خسائر كبيرة، لدى شركات وخدمات النقل فى جميع أنحاء إثيوبيا، وتستورد إثيوبيا الوقود عبر مواني في السودان وجيبوتي، مما يوحي بأن المدن في هذه المناطق الحدودية ستكون الأكثر تضررا. فى الواقع أظهرت الصور المنشورة على شبكة التواصل الاجتماعي (Social Media) أن صهاريج سيارات الوقود فارغة فى أجزاء متفرقة من إثيوبيا، فيما نفدت محطات الوقود داخل العاصمة الإثيوبية من النفط. وشهدت الجولة الأولى من العصيان المدنى ضد حالة الطوارئ التى فرضتها السلطات فى 16 من فبراير 2016، تنفيذ العصيان لمدة ثلاثة أيام من (5 إلى 7) من مارس 2018، بنجاح، خاصة فى منطقة أوروميا أكبر مناطق فى إثيوبيا من حيث التعداد السكانى. وفي الوقت نفسه قالت السلطات الإثيوبية إن قانون الطوارئ كان الهدف منه الحد من انتشار العنف والجريمة فى البلاد. فإنه من الواضح أن قرار البرلمان الإثيوبي بإجازته الاعتراف باللغة الأورومية باعتبارها اللغة الرسمية الثانية، بعد الأمهرية، بمثابة رد فعل من جانب الحكومة الإثيوبية، بعد أن تم إعلان تشكيل أول قوى سياسية معارضة من قوميتي "الأورومو والأمهرا" ذات الأغلبية. يمثل نفوذ قومية الأورومو فى المناطق الممتدة من ساحل جيبوتي إلى أديس أبابا التي تجسد واقعا استراتيجيا على المستوى الداخلي اختبارا مهما فى تحقيق مطالبها الشرعية، فيما تمثل قومية الأمهرا فى المناطق المتاخمة لحدود السودان مركزا قويا لنشاطها إلى جميع مدن إثيوبيا، ومن خلال هذه الحراك توظف القوميتان أدواتهما معا كأهداف تتشابه إلى حد كبير ضد نظام "تيجراى" الذي يسيطر على السلطة منذ عام 1991. يبدو مؤشر العلاقة بين القوميتين أورومو وأمهرا فى حالة تجانس تام للضغط على النظام فى الاحتجاجات الشعبية، وقد تلعب الظروف الداخلية التى تمر بها إثيوبيا حاليا دورا فى بلورة رؤية بين القوميتين لاستعادة نفوذهما ودورهما، فى ظل الضغوطات التى تفرضها البيئة الداخلية، فضلا عن الضغوط التي تفرضها التحديات الإقليمية والدولية التى تترقب الحراك فى إثيوبيا. وعلى الرغم من أن التشكيل الوزاري الأخير فقد تخلت حكومة التيجراى عن بعض الوزارات المسيطرة عليها إبان الفترة السابقة، لبعض القوى السياسية الأخرى، ولكنها تمسكت بالوزارات السيادية مثل الدفاع، والداخلية، والمخابرات، فضلا عن أنها ما زالت تستحوذ على 30% من الدخل القومي لصالح إقليم التيجراى لمدة عشرين عاما، وهى مادة تمت إضافتها فى الدستور الإثيوبي، باعتبار أن التيجراى قدموا تضحيات إبان فترة إسقاط نظام مانجستو هيلى ماريام، ومن المفترض أن تنتهي فى مايو 2011، ولكن لاندلاع الحرب الإريترية الإثيوبية فى المثلث الحدودي "بادمى" تم تمديد هذه النسبة 30% لأجل غير مسمى. الجدير بالذكر أن العصيان المدني نجح بنسبة كبيرة في المرحلتين الأولى (5 من مارس حتى 7)، والثانية التى بدأت من (13 مارس حتى 18) 2018، استجابة لدعوات من ناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، وهي دعوات تكررت كثيرا خلال السنوات الخمس الماضية ضد سيطرة أقلية التيجراى على مقاليد السلطة التنفيذية فى الدولة الإثيوبية، وفى وقت أجبرت فيه هذه الاحتجاجات الحكومة الإثيوبية على إطلاق سراح الأمين العام مؤتمر أورومو الفيدرالي (OFC) ورئيس جبهة المعارضة بيكيلي جيربا (Bekele Gerba) وسبع شخصيات سياسية أخرى، أفرجت عنهم بعد ما أسقطت عنهم التهم بعد اعتقالهم منذ عام 2015. وعلى الرغم من إطلاق الحكومة الإثيوبية ما يقارب من 6000 سجين منذ يناير 2018، ومعظمهم من تم إطلاق سراحهم من إقليم أوروميا، بدرجة أقل فى إقليم أمهرا، اعتقلوا فى الاضطرابات التي شهدتها إثيوبيا بين عامى 2015- 2016، فإن منظمات دولية كثيرة تتهم إثيوبيا باستخدام المخاوف الأمنية كذريعة لكبت المعارضة، فضلا عن قمع المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام.