يظل مفهوم الذكورة والأنوثة هو محور الأفكار والدراسات التى تكشف أسباب رؤية المجتمع لدور المرأة وحقوقها، وما إذا كانت فى حاجة للمزيد من تلك الحقوق أم لا، كما تقول الخبيرة الدولية للنوع الاجتماعى، نشوى حبيب، مستطردة: المشكلة أن الكثير مما يروج من الأبحاث يتفق مع رؤية المجتمع، كالبحث الذى قرأته مؤخرا حول «علم سيكولوچيا الأعماق» الذى يرى مفهومى الأنوثة والذكورة كمفهومين شاملين يتخطيان الفوارق الﭙيولوﭽية والجنسية، ليطالا جميع مظاهر وأنماط المجتمع على جميع المستويات. وإن الذكورة تمثل القسم الأعلى من الحياة بينما الأنوثة تمثل القسم الأسفل! حيث الذكر يمثّل الظاهر من الشىء، بينما تمثّل الأنثى الأشياء الباطنية. بل إن الأنوثة والذكورة يمثلان المبادئ العامة فى كل شىء؛ كالطاقة، والشكل، والتفكير، والسلوك.. وحتى على مستوى المهن، فقد ذكر البحث أن علماء نفس الأعماق قاموا بتصنيف المهن إلى مؤنّثة ومذكّرة!
نظرية الذكورة والأنوثة
إلى هنا.. لا يبدو البحث جديدًا، تقول الأستاذة نشوى: أما الجديد فهو تفسير الباحث لهذه الافتراضات! حيث يرى إن السر وراء كل هذه المنظومة يعود للتفاعلات الجنسية بين الأنوثة والذكورة منذ اللحظات الأولى فى الحياة، كنتيجة لقدرة الحيوان المنوى الذى يحمل الكروموسومات الأنثوية على العيش لمدة 3 أيام منتظرًا تلقيحه، مقابل قدرة الحيوان المنوى الذى يحمل الكروموسومات الذكورية على الحياة ليوم واحد فقط.. ويربط الباحث بين ذلك وطبيعة المرأة والرجل؛ فتميز الكروموسومات الأنثوية يجعلها هى الصبورة والمنتظرة واللحوحة، بينما هو المتعجل والعصبى والمبادر ومتخذ القرار! وهكذا عُرِفَ عن المرأة بأنها هى التى تحاول الحفاظ على الحياة وإبقائها أطول فترة ممكنة، بينما الرجل يهرب من المسئولية ويهوى السعى وراء الطريف، ويتفاخر بإهدار فرص حياته بالمغامرة نحو المجهول! هى توصف بسعيها نحو البقاء والاستمرار والصيرورة، أما هو فآنٍ ومؤقت! هذه التفسيرات، التى تركز على الدور الپيولوچي/الجنسي/الطبيعى للإنسان بين الذكورة والأنوثة، متناسية ثنائية الدور الاجتماعى كرجل وامرأة! تستطرد الأستاذة نشوى: والطريف أن هذه النظرة لا تخص مجتمعاتنا فقط؛ بل العالم كله! كل الفرق أن شعوبنا توقفت عند الدور الجنسى وتمسكت به، مخالفة جميع الوقائع والحقائق؛ فتكافئ الرجل كذكر وتعاقب المرأة كأنثى! تسخر من المرأة غير الجميلة، وبمنتهى الازدواجية تلوم الجميلة، وتتعامل معها كمشاع.. ما يبرر للرجل معاكستها، والتحرش بها أو اغتصابها! والحجة جاهزة.. بأن التكوين الذكورى الخارجى للرجل يجعله يتأثر ويضعف أمام الأنوثة، فيصعب عليه التحكُّم فى غريزته! بينما يدعم البعض الرأى الذى يرى أن التكوين الجنسى الداخلى للمرأة يجعلها أقوى فى التحكم بغريزتها! وهو ما ساهم فى توجه البعض –مؤخرا- باتهام المغتَصبات بحجة أنهن كن يستطعن المقاومة لو أردن! أسألها: وماذا عن فكرة قوة الرجل وضعف المرأة؟ فتجيب: فى كل شىء ستجدين هذه الفكرة، إلا فيما يخص تبرير السلوك العاطفى والجنسى عند الرجل!
خيانة الرجل
وبناء على ذلك التفسير الجنسى للإنسان، تم منح رخصة لسن القوانين، وترسيخ التقاليد والأعراف، وتنميط السلوك والصفات المقبولة للجنسين فى المجتمع! بل وتم تصنيف المهن والوظائف أيضا، فرأينا المجتمع يشجع النساء على ممارسة الوظائف الرعائية كالممرضة والمعلمة والطبيبة، والسكرتيرة، بينما الرجل هو السائق والمخترع، والجندى، والبحار، والمفكر، والقاضى، إلخ! مستطردة: ومشهورة جدا قصة الرجل الذى اغتصب فتاة، وحكمت عليه المحكمة بالإعدام -فى تسعينيات القرن الماضي- حينما أقامت نساء أسرته الدنيا غضبًا وصراخًا وهن يرددن: هايمّوِتوا راجل عشان حتة بت! رأينا المجتمع يقبل خيانة الرجل لزوجته، وفى الوقت نفسه يدينها هى.. ويتهمها بالتقصير فى إسعاده وإرضائه.. بغض النظر عن تقصيره هو معها وفى البيت ومع الأولاد! فالدور الجنسى يرى الناس ذكورا وإناثا فقط.. رغم إن مكانه هو حجرة النوم! متجاهلا الدور الاجتماعى الذى يتعامل مع معطيات الحياة اليومية كرجال ونساء يعملون ويبدعون ويكدحون فى الحياة العامة! ناهينا عن بعض القوانين التى تسير فى السياق نفسه، مثل قانون الشرف الذى يسمح للرجل بقتل أى من نساء أسرته ولو لمجرد شكه فى أخلاقها.. وتُعامل جريمته كجنحة! أما المرأة، فلا يحق لها معاملة خيانة زوجها كجريمة شرف، حتى لو شاهدته يخونها على فراش الزوجية، وتعاقب بأقصى العقوبات لو قتلته!
الموروث الثقافى
ورغم أن الأمور الخاصة بالحيوان المنوى الذكورى والأنثويSophisticated معقدة، وتحتاج للمزيد من الدراسات والتفكير العلمى، كما توضح الأستاذة نشوى: سنكتشف أنه لا يوجد -مثلا- شىء اسمه وظائف ذكورية وأنثوية؛ وإن ربط بعض الوظائف بالمرأة لأنها تناسب طبيعتها الطيبة والمضحية والعاطفية.. هى فى الحقيقة مجرد افتراضات وضعناها وصدقناها، مثل وظيفة التمريض التى ربطناها بالمرأة، بينما أثبتت التوجهات الحديثة تفوق الممرضين الرجال فيها بشكل ملحوظ.. حيث يتعلق الأمر بالعلم والمهارات والتدريب! الأمر نفسه بالنسبة لوظيفة التدريس التى ربطناها بالصفات الأمومية عند النساء، لكونها وظيفة آمنة اعتادت توفير بعض الامتيازات التى تناسب الظروف الاجتماعية للمرأة! بينما يقول العلم إن طفل المدرسة يحتاج لوجود المعلم والمعلمة محاكاة لدور الأب والأم فى الحياة! كما تشير الدراسات الجديدة أيضا إلى امتلاك النساء لقدرات مختلفة عن الرجال، لا علاقة لها بالوظائف الپيولوﭽية/الجنسية، بل لها علاقة بتكوين الإنسان، مثل استخدام العقل والقدرات العقلية، حيث اكتشف العلم أن المرأة تمتلك قدرة كبيرة على التواصل غير اللفظى، وبالتالى تبرع فى قراءة وتفسير لغة الجسد! ولكن المجتمع ربط تلك القدرة بدورها كأم تستطيع قراءة الحركات الجسدية للطفل، وأهملها كقدرة طبيعية يمكن الاستفادة منها فى الحياة العامة، كغيرها من الوظائف العقلية الأخرى! مثلما تتمتع البنات بالقدرة على الحياة أكثر من الأولاد – كما توضح معدلات وفاة الأطفال بعد الولادة- وهى قدرة لا علاقة لها بوظائفها الأنثوية، بقدر كونها صفة تطورت فى مسيرة حياتها، كحماية لها من الضغوط التى تتعرض لها بالأكثر، فصارت صفة سائدة تنتقل وراثيًا فى چيناتها عبر الكروموسومات الأنثوية! ومعروف بحسب علم الوراثة مبدأ سيادة وتنحى الصفات الوراثية فى الإنسان بناء على مدى استخدام القدرات التى يمتكلها؛ فاستخدام الرجل لعضلاته –مثلا- تجعل قوتها صفة سائدة، ومتوارثة عبر الكروموسومات، وبينما لا تستخدم المرأة قوة عضلاتها فتصبح قوتها صفة متنحية لا تورث، طبقا لنظرية التطور!
ألعاب جنسية
ناهينا عن الموروث الثقافى للمجتمع الذى ينمط ويوجه التفاصيل التى تمر بالبنت والولد منذ مولدهما ليضعهما فى إطار الدور الذى يتوقعه منهما كنساء ورجال – كما تقول نشوى- بداية من اختيار الأهل للون البمبى لملابس البنت واللبنى للولد فى تقليد السبوع، مع جلب الإبريق كرمز للبنت والقُلة كرمز للولد، وهى رموز جنسية كما نلاحظ! حتى فى الألعاب، نعطى البندقية والمسدس للولد فيصبح عنيفا، بحجة إعداده لدور الأب! ونقدم العروسة وأدوات المطبخ للبنت لتصبح خاضعة مطيعة، بحجة إعدادها لدور الأم! رغم أن هذا قد لا يكون اختيار الأطفال أنفسهم؛ وهو ما تقوله نتائج الأبحاث التى أجريت على بعض الأطفال الذين لم يتعرضوا لمثل هذه المؤثرات الثقافية، فأثبتت أن الأطفال يختارون ألعابهم طبقا لألوانها والأصوات المصاحبة لها.. وليس بحسب الغريزة كما يظن البعض! أسأل الأستاذة نشوى: وماذا بعد؟ هل ساهمت كل هذه التفسيرات والتوضيحات فى حصول المرأة المصرية على حقوقها كما يدعى البعض؟ ماذا بعد المؤتمرات والمعاهدات والاتفاقات العالمية والمحلية لحماية حقوق المرأة؟ لتمكينها واستثمار قدراتها ومواهبها. فتجيب: بداية، نوجه النظر لخطأ مقولة الرجل رجل والمرأة مرأة.. وتصحيحها هو: الذكر ذكر والأنثى أنثى! فالوعى بهذه المعلومة يعد المدخل الحقيقى لقياس مدى الحقوق التى حصلت عليها المرأة فى بلدنا! وتصنيف الإنسان كرجل وامرأة يختص بالأدوار الاجتماعية التى تختلف بحسب الزمان والمكان، بناء على قدرة أى منهما للتعلم والعمل فى موقع ما أو وظيفة ما! أما الذكر والأنثى فهو تصنيف يعبر عن الدور الجنسى الطبيعى للإنسان.. الذى لم ولن يختلف ولا بحسب اختلاف الظروف ولا العقائد ولا الموروث! وبشكل عام، نحن على الطريق الصحيح كرؤية سياسية اجتماعية لتطوير المجتمع من خلال تمكين المرأة، كما يعتمد الأمر على أهمية دور المؤسسات الثقافية والإعلامية والتعليمية فى توجيه المجتمع لمعاملة المرأة كإنسان وليس كأنثى بالفعل.. وليس كخطاب نظرى! بينما يعتبر نجاح النساء فى مختلف الوظائف ومواقع اتخاذ القرار أكبر دليل على قدرة المرأة فى النجاح والتفوق إذا ما توفر لها التعليم والثقة .. مع التدريب والتأهيل الذى يبدأ من البيت .. ولا ينتهى أبدًا!