«معقولة أنا شريرة وانتقامية ولا أحترم القانون»، سألتنى صديقتى المقربة، أجبتها بشكل قاطع: «أكيد لا، لماذا تقولين هذا». قالت: «عجبنى جدًا مسلسل ب 100 وش، وأحب كل أفراد العصابة وأتمنى لهم النجاح فى كل عمليات النصب والاحتيال الذين يقومون بها، وأخاف أن تقبض عليهم الشرطة» . قلت لها: «اطمنى على نفسك، يبدو لى أن أغلب المتفرجين وأنا معهم لديهم نفس رغباتك»...واستطردت قائلة: وهذا لا يعنى أننا أشرار، بل يؤكد أن قدرة مخرجة العمل على رسم الشخصيات والأحداث بشكل طبيعي، قد جعلتنا نحبهم ونعيش معهم ونتمنى تحقيق أحلامهم حتى لو كانت خارجة على القانون!!! والسؤال الذى يطرح نفسه دائمًا: هل الجمهور وخاصة الأطفال والشباب يتأثرون بشكل مباشر بالدراما السينمائية والتليفزيونية، ويقلدون كل ما يرونه على الشاشة من أفعال وسلوكيات وألفاظ دون تفكير أو تأثيرات أخرى. وعلى سبيل، هل يمكن للشباب تقليد شخصية حمادة «الهاكر» الذى يخترق كل الشبكات الإلكترونية فى مسلسل «ب 100 وش»، ويرتكبون جريمة اختراق أجهزة التليفونات الخاصة بأصدقائهم لأغراض التلصص والمراقبة، انطلاقًا من اعتبار ذلك نوعًا من التحدى والذكاء فى فك الشيفرات الصعبة للأجهزة والشبكات الإلكترونية ليس إلا. ثم يفاجأون بأنهم قد تورطوا فى الدخول إلى عالم الجريمة الإلكترونية من باب اللعب والهزار!! بالتأكيد ممكن ووارد جدًا، خاصة أن المخرجة كاملة أبو ذكرى استطاعت حشد كل العناصر التى خلقت التعاطف بين الجمهور وشخصية حمادة؛ شاب ذكى جدًا، وخفيف الظل، أجبرته ظروفه العائلية والمجتمعية القاسية أن يعمل فى توصيل الوجبات السريعة، وأن يتخلى عن أحلامه الطبيعية فى أن يصبح مهندسًا متخصصًا فى النظم الإلكترونية. ما هى حدود مسئولية الدراما وتعتقد أغلب الأسر والمؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية، والتعليمية المصرية، أن تأثير الدراما والإعلام فى التربية والتنشئة الاجتماعية على الأجيال المختلفة ربما أصبح أكبر وأخطر من مؤسسات التنشئة الاجتماعية التقليدية «الأسرة – المدرسة الجامع/الكنيسة». وأن أغلب الانحرافات السلوكية والأخلاقية لدى الأطفال والشباب مصدرها الدراما والإعلام. ولانزال نذكر الانتقادات العنيفة التى وُجهت لمسرحية مدرسة المشاغبين فى مطلع السبعينيات، والتى اعتبرها البعض أنها أفسدت أجيال من الشباب وعلمتهم التطاول على الكبار والمدرسين. واليوم، وبعد مرور خمسين عامًا ً على عرض مدرسة المشاغبين، فإن الأعمال الدرامية التى تصور العنف والمخدرات والعلاقات الاجتماعية المنحرفة والألفاظ الخارجة قد ازدادت كمًا وكيفيًا. وبالمقارنة، تعتبر مسرحية مدرسة المشاغبين، الآن، عملًا فنيًا نظيفا !! ولاتزال مؤسسات التنشئة الاجتماعية ترى الحل فى تشديد الرقابة على الأعمال الدرامية ومنع كل المشاهد المسيئة والألفاظ الخارجة، وصنع دراما أخلاقية مكونة من شخصيات مثالية لا تخطئ، ودمج رسائل الشرف والفضيلة والأخلاق داخلها. وفى الوقت الذى تلقى فيه مؤسسات التنشئة باللوم كله على الدراما والأعلام، فإنها لا تقوم بمراجعات ذاتية لتقييم نجاحاتها وإخفاقاتها فى تربية وتنشئة الأطفال والشباب. فقد تكتشف أن أساليبها التقليدية فى التلقين وإسداء النصائح الأبوية السلطوية، قد فقدت الصلاحية مع أطفال وشباب باتوا يملكون سلطة المعرفة بين أيديهم. ولا يمكن التواصل معهم إلا عن طريق الحوار والمشاركة والمعرفة. .الدراما لا يمكن ان تكون مثالية، لأنها فى أبسط تعريفاتها تقوم على صراع داخلى للمشاعر والطموحات والغرائز الخاصة بكل شخصية درامية، ومن ثم صراعها مع الظروف الخارجية. ومن هنا تنشأ الأحداث وتتجسد الرواية...أما وأن تحتشد الدراما بالرسائل الأخلاقية والتعليمية المباشرة فسوف تصبح أقرب إلى الدرس المدرسى أو الوعظة الدينية. وهو ما يقلل من قيمتها الفنية وقدرتها على التأثير، لأن الجمهور وخاصة الشباب صاروا يكرهون الوعظ والإرشاد المباشر ويعتبرونه نوعا من «الكليشيهات». .واذا سألت المبدعين وصناع الدراما سيقولون لك، أن الدراما لا تأتى من الفراغ. وإنما تستمد شخصياتها وأحداثها من الواقع المحيط بها، وأنهم ينقلون تغييرات حقيقية فى الشارع وفى مشاعر وعلاقات المصريين، تعكس قدرًا من العشوائية والاضطراب. إن الدراما فن للتسلية والمتعة وليس للتعليم والإرشاد. وهو أمر حقيقي، بالرغم من أن بعض صناع الدراما يميلون إلى الاستسهال ويبالغون فى تصوير الواقع، وفى تحريك غرائز الانتقام والتملك والجنس بفجاجة لا مثيل لها. .وتقديري، أننا حتى لو أحببنا المحتالين على الشاشة فليس معنى هذا أننا أشرار، وأننا سوف نصبح مجرمين، بل تعكس قدرة الدراما على كشف ذواتنا الحقيقية التى تميل فى بعض الأحيان إلى الجنوح والانتقام والرغبة فى كسب المال السريع. وأننا مازلنا نحتاج بشدة إلى الأسرة والمدرسة والمؤسسات الثقافية، شريطة مواكبتها لفهم تحولات الواقع وقدرتها على إدراك النوازع والرغبات الشخصية للإنسان من خلال المشاركة والحوار والنقد...