رغم الأجواء المرتبكة المرتبطة بفيروس كورونا والتى أعطت توقعات مُسبقة عن خروج الأعمال الدرامية بشكل سيئ فنيا، لاستعجال شركات الإنتاج على تنفيذ تعاقداتها الفنية قبل تطور الأمور. فمعظم ماشاهدته من مسلسلات هذا الموسم أثبت عكس هذه التوقعات. سخاء الإنتاج واضح سواء بالنسبة للعناصر التى خلف الكاميرا أو أمامها، ويأتى مسلسل «الاختيار» لأمير كرارة والمخرج بيتر ميمى والمؤلف باهر دويدار على أولى قائمة المسلسلات المتميزة على مستوى الإنتاج وموضوع العمل نفسه، لذلك ليس غريبًا أن يكون الأعلى فى نسبة المشاهدة ليأتى السؤال لماذا هذا النجاح ؟ هل الجمهور متشوق لمسلسلات السيرة الذاتية بشكل عام مثل التى تم تقديمها من قبل، أم أن شخصية الشهيد البطل أحمد المنسى هى كلمة السر فى جذب الجمهور لأول عمل فني حربى بالدراما التليفزيونية؟ فى تصورى أن جميع الأعمار من المُتفرجين أقبلت على مسلسل «الاختيار» لإحساسهم أنهم أمام أحد أبطال الجيش المصرى، بطل من لحم ودم، استشهد من ثلاث سنوات فقط بالهجوم الانتحارى على كتيبته فى شمال سيناء «بطل» لديه انتماء حقيقى لبلده وعلى استعداد دائم لنيل شرف الشهادة من أجل حماية وطنه، ليس ذلك فقط بل قدم المسلسل قصصًا حقيقية لشهداء أبطال سواء ضباطاً أو مُجندين، وأبناؤنا فى حاجة لمشاهدة توثيق حكاياتهم على الشاشة، وظهر ذلك جليًا من خلال فيلم «الممر» لأحمد عز، الذى حقق نجاحًا كبيرًا رغم عدم تجاوز عرضه الساعتين ونصف تقريبًا، ثُم أصبحت هناك حالة من الترقب لمشاهدة مسلسل «الاختيار» الذى ينتمى لنفس النوعية. تصدر «الاختيار» نسبة المشاهدة لصالحه من الحلقة الأولى ليؤكد مقولة «الفن نور». نعم يا سادة فمن خلال «الفن» نستطيع تنوير عقول أبنائنا وكشف أهداف الفكر الإرهابى القائم على خلفية إخوانية، لذلك ليس بالأمر الغريب حالة الغضب التى أصابت الإخوان المسلمين من مسلسل «الاختيار» ونسبة متابعة الناس لقصص شهدائه الأبطال ليزداد الانتماء الوطنى للأجيال الجديدة وللأطفال الذين لا يعرفون من هوالبطل أحمد المنسى رمز الوطنية والوفاء ليصبح مسلسل «الاختيار» وقبله فيلم «الممر» من الأعمال الحربية المُهمة للأجيال الجديدة والتاريخ . «أسماء لاتنسى» أمير كرارة كان على قدر مسئولية عمل بهذا الحجم، بذل مجهودًا واضحًا على الشاشة سواء فى التدريب الجسمانى أو صدق أدائه فى تجسيد تفاصيل شخصية أحمد المنسى كقائد صاعقة أو فى حياته الشخصية مع زوجته ووالده الذى لعب دوره بعبقرية «أحمد فؤاد سليم» وجيرانه وزملائه فى العمل. الوفاء للوطن سمة شخصية أحمد المنسى، مقابلة السمة المُضادة لشخصية هشام عشماوى «الخائن»، التى قدمها أحمد العوضى ومن خلالها قدم دور عمره بصدق أدائه ووعيه بأبعاد الشخصية وخلفيتها التى رسخها فى ذهنه والده منذ الطفولة، مع «العوضى» شاهدنا كمية تمثيل وانفعالات داخلية لا أعتقد أنه عاشها فى أى دور من قبل، وفى تصوري سيتم وضعه فى منطقة مختلفة من قبل شركات الإنتاج الفترة القادمة. نعلم إن مسلسل «الاختيار» يقدم سيرة ذاتية للشهيد أحمد المنسى قائد الكتيبة 103 صاعقة الذى استشهد عام 2017 فى كمين «مربع البرث» بمدينة رفح، لكن المتفرج من المستحيل أن ينسى أسماء كان لها حضور قوى ومُميز ومؤثر جعلونا نبكى لاستشهادهم مثل محمد عادل أمام الذى ظهر فى نهاية الحلقة الرابعة بشخصية النقيب فتحى ليستشهد فى الحلقة الخامسة بأحد الأكمنة فى سيناء وكذلك كريم محمود عبد العزيز الذى ظهر فى الحلقة الأولى كعسكرى بكمين رفح واستشهد هو وزملاؤه فى شهر رمضان وقت أذان المغرب قبل تناولهم الإفطار، وآسر ياسين فى دور النقيب «على» ضابط بقوات الصاعقة الذى استشهد فى الحلقة الثالثة خلال مهمة مشتركة بين قوات «الصاعقة» و«المظلات». أما الطرف الآخر من الإرهابيين فلابد أن يستوقفك إبداع إيهاب فهمى فى دور الإرهابى «أبو مصعب»، وضياء عبد الخالق «أبو عُمر» زعيم الإرهابيين الذى أصر على تأدية هشام عشماوى يمين السمع والطاعة للجماعة قبل تكليفه بمهمة اغتيال وزير الداخلية فى أحد أجمل مشاهد المسلسل التى نرى فيها هشام عشماوى يتلقى الأوامر من إرهابى بعدما كان يصدر هو الأوامر أثناء وجوده فى الخدمة بالقوات المسلحة. الإخراج والتأليف باهر دويدار استخدم كل ما توفر له من معلومات غزيرة وصاغها بصدق فى سطور من نور أبكتنا لدرجة جعلت الأمر يختلط علينا هل نحن أمام مُمثلين أم نشاهد الشخصيات الحقيقية. يحسب لبيتر ميمى إدارته لهذا الكم من الممثلين بحرفية سواء فى الأدوار الكبيرة أو الصغيرة ليخرج الأداء التمثيلى بهذا المستوى الاحترافى بدرجة تجعلك تشعر أنهم لعبوا أدوارهم من قلوبهم. برافو بيتر ميمى حققت انتصارًا مُختلفًا يليق بعظمة شهدائنا من القوات المسلحة واستطعت تنفيذ مسلسلك بشكل مُشرف على مستوى الصوت والصورة وتنفيذ الاشتباكات والمعارك بين جنود القوات المسلحة والإرهابيين بحرفية شديدة. وأخيرًا: تحية لتامر مرسى على حماسه لصناعة مسلسل ضخم إنتاجيًا - يعادل صناعة 30 فيلمًا- تناول فترة 2012 إلى 2017، تضمن خلالها «عام» حكم الإخوان لمصر وما تلاها من عمليات إرهابية تصدى لها أبطال القوات المسلحة. ويحسب له إصراره على بذل أقصى مجهود للتغلب على العقبات من أجل خروج هذا العمل الهام للنور ليثبت أن المتفرجين وخاصة الأجيال الجديدة فى أشد الاحتياج لتقديم أعمال فنية تعكس الانتصارات والبطولات التى تمجد وطنية جنودنا فى القوات المسلحة، وتذكرالناس بعظمة ما قدمه الشهداء للوطن خاصة الشهيد أحمد المنسى الذى نور وشرف بيوتنا فى شهر رمضان ليعرف الناس من هو البطل أحمد المنسى المحارب والإنسان وإذا كان هذا العمل رد الاعتبار له فإنه أيضًا رد اعتبار كل شهدائنا الأبطال، مثلما صنع مسلسل «الاختيار» حالة فنية لم تحدث من قبل داخل البيوت المصرية نتمنى تكرارها من خلال مسلسلات تظهر عظمة شهدائنا وتصديهم للإرهابيين.