كتب: لميس سامى شاهندة الباجورى ياسمين خلف شباب مصري عشق تراب وطنه.. وجعل من إرادته وعزيمته جسرا ليعبر عليه نحو الديمقراطية، لم يهب الموت .. فتح للنار صدره حتي استكان الرصاص الغادر داخل جسده الطاهر، ليرسم أبرع وأعظم ملاحم التضحية والفداء ذهبنا إليهم لتحيتهم علي شجاعتهم، ولنسمع منهم قصص البطولات التي ستسجل في تاريخ ثورة 25 يناير. وجدته يرقد علي السرير في مستشفي أحمد ماهر وبجواره والدته التي لم تجف دموعها حزنا وخوفا عليه.. أصوات الدعاء لا تنقطع من حوله إنه أحمد محمد عبد الحميد الذي لم يتجاوز عمره 21 سنة - أحد أبطال ثورة 25 يناير اختار أن يظل في ميدان التحرير مع زملائه حتي ينتصر علي الظلم ويجتثه من جذوره. تحدث معي بكلمات متقطعة تنم عن مقدار الألم الذي يشعر به، فقال : اسمي أحمد عبد الحميد، عندي 21 سنة كنت عائدا يوم الجمعة 28 يناير من محل قطع الغيار الذي أعمل به في منطقة التوفيقية إلي بيتي في الدرب الأحمر، وفي الطريق مررت علي التحرير، فوجدت الشباب يدافعون عن حقوقنا صامدين فاسترجعت وقتها كل الظلم الذي تعرضت له في حياتي ، فقد تركت دراستي في معهد الحاسب الآلي نظرا لضيق اليد وقلة الحيلة، ونزلت لأعمل حتي أساهم في مساعدة أسرتي . قررت بعد ذلك الانضمام لهؤلاء الشباب الأبطال لأكون واحداً منهم، وأدافع عن وطننا. وعند هذه الجملة سألته: ألم تكن خائفا من الضرب والرصاص؟ فأجابني : لا لم أخف، فعلي العكس لقد تمنيت الشهادة في سبيل الدفاع عن حقوق مصر ومطالبها، فأنا لست أقل من زملائي الشهداء المصريين. ويستكمل أحمد حديثه قائلا : بعد صلاة الجمعة فوجئنا بعناصر الأمن المركزي، وهم يمطروننا بوابل من الرصاص المطاطي والحي، فحاولنا الاحتماء بأي مبان، لكنهم حاصرونا من جميع الاتجاهات، فأصابوا أحد زملائي وعندما حاولت إسعافه جاءت رصاصتان من حظي إحداهما في بطني ، والأخري في فخذي. وبعدها فقدت الوعي ولم أدر بأي شيء. وهنا التقطت والدته الحاجة سمية طرف الحديث باكية: فوجئت بمن يتصل بي، ويخبرني بأن ابني في المستشفي نتيجة شعوره بتعب مفاجئ. وعلي الفور ذهبت إلي مستشفي أحمد ماهر لأجد أن ولدي في غرفة العمليات، وعلمت أنه مُصاب بطلق ناري بسبب تظاهره في ميدان التحرير. وبعد أكثر من ساعتين خرج الطبيب ليخبرني بأنه تم استخراج الرصاصتين، وبمجرد أن أفاق أخذ يصرخ ويتألم فناديت علي الطبيب وأمر بعمل أشعة مقطعية ليتضح منها أن أحمد مصاب بانسداد في الأمعاء وتبكي الأم بحرقة وتقول : ومن يومها وولدي علي هذا الحال ولم يفعل أي طبيب شيئاً له، وتتساءل الحاجة سمية قائلة : لماذا يحدث ذلك مع بطل من أبطال ثورة 25 يناير. • قرة عين والديه محمود محمد علي 24 سنة خريج خدمة اجتماعية أصيب في جمعة الغضب بطلق ناري في عظمة الحوض مما جعله يواجه العديد من المشاكل بعد تدهور حالته الصحية.. ومحمود هو الابن الوحيد علي خمس بنات وكما تقول راندا أخته أنه قرة عين والديه ومثال للشاب البار تحكي راندا قصة أخيها محمود الذي نزل يوم 28 يناير وهو يوم جمعة الغضب في حدود الساعة العاشرة ليذهب لصديقه في البيت وعند عودته في حوالي الساعة التاسعة وجد مظاهرات في شارع الكنيسة الكائنة بمحرم بك فتشجع كباقي الشباب وشارك في المظاهرة وردد الهتافات وفجأة وجد ضرباً من الشرطة ومحمود لا يحب العنف أو الاصطدام مع أحد فقرر أن يعود إلي البيت ويترك المظاهرة فبدأت الشرطة والأمن المركزي بإطلاق الرصاص الحي بشكل عشوائي حوالي الساعة التاسعة والنصف وأصيب محمود برصاصة في فخذه من الجهة اليمني وظل ملقي في الشارع أكثر من نصف ساعة وتعرف عليه أحد سكان منطقتنا فأخذ محمود وذهب به إلي المستشفي القبطي وأخذ بطاقته وجاء إلينا ليخبرنا أن محمود أصيب وفي المستشفي. وهناك قاموا بإخراج الطلقة وخياطة الجرح وعلي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل خرج من المستشفي القبطي متجها إلي المستشفي الميري ليقوموا بعمل أشعة له ولكن تقول راندا : للأسف لم يكن هناك أي اهتمام في المستشفي وكان عدد الحالات المصابة كثيراً جدا وبعد عمل الأشعة أخبرونا أنه لا يوجد كسور فأخذنا محمود إلي البيت وعلي الساعة التاسعة صباحا صرخ محمود صرخة دوت في أرجاء البيت من شدة الألم فأخذناه إلي مستشفي البلسي عند كوبري كرموز وبعد عمل الأشعة تبين أن لديه كسراً في الحوض من الجهة اليسري فأرسلونا إلي مستشفي ناريمان ليقوم بعمل عملية في الحوض لتركيب شرائح ومسامير. وأثناء استعدادهم لإجراء العملية وجدوا أن الجرح السابق ملوث واشتبهوا أن تكون «غرغرينة» غازية فنقلوه إلي مستشفي الحميات وظللنا هناك مدة 5 أيام لعمل تحاليل حتي تبين أنه ميكروب أكسجيني فعدنا ثانية إلي مستشفي ناريمان وقاموا بتنظيف الجرح وفي اليوم التالي ارتفعت درجة حراته فتبين أن الميكروب يسري في الدم ووصل إلي المخ فقاموا بإدخاله إلي العناية المركزة في نفس المستشفي وظل لمدة 10 أيام ينقل إليه دم وبلازما وطلب الدكتور عمل بتر للقدم اليسري فلم نوافق واستعنا بدكاترة من خارج المستشفي ليحددوا ما إذا كانت الحالة تستحق بتراً أم لا فأخبرنا أحد دكاترة الأوعية الدموية دكتور محمد سالم بأننا سنجرب أدوية أخري وقمنا بشرائها من خارج المستشفي ثمنها ألفا جنيه وبعد 10 أيام تحسنت حالته وتم نقله من العناية المركزة إلي (غرفة العزل) لأن جرحه ملوث ووجوده في عنبر عام سينقل عدوي لغيره من المرضي، ولكن للأسف كان هناك إهمال شديد في المستشفي لدرجة أن القطط كانت تدخل إلي غرف المرضي وعندما بدأنا نشكو من الإهمال لم يرحمونا وأهملوا في تغيير جرح أخي والكشف عليه وبدأ يشعر أخي بعدم القدرة علي إتمام عملية الإخراج وبعد الكشف تبين أنه حدث له تهتك في فتحة الشرج وقاموا بعمل عملية وهي عبارة عن ثقب في المعدة موصل بكيس ليتم الإخراج عن طريق المعدة فقامت أختي الكبري بالذهاب إلي نقابة الأطباء لرفع قضية عليهم فقرروا له العلاج علي حساب لجنة الإغاثة التابعة للنقابة وانتقل أخي إلي مستشفي الملاح التخصصي في سيدي بشر.. ولا يزال أخي يعاني من كسر في الحوض ولن يتم إجراء عملية له حتي ينتهي الصديد الموجود بجسمه الناجم عن جرح فتحة الشرج ورجله.. وأثناء رحلة العذاب والتنقل بين المستشفيات أصبح أخي ملازم الفراش يتعذب من شدة الألم ووالدي ووالدتي يعتصرهما الألم والحسرة والعذاب لما آل إليه محمود الولد الوحيد الذي تمنوا أن يروه في أحسن حال ولكن إصابه غدر الداخلية • المصير المجهول ويروي محمد عبد العظيم قصة إصابة أخيه عنتر عبد العظيم 26 عاما.. الذي أصيب بطلقتين في جمعة الغضب حيث قال: كان من المفترض أن يتزوج أخي يوم الخميس الموافق 3 فبراير وفي يوم الجمعة المسمي بجمعة الغضب 28 يناير نزل إلي استوديو التصوير ليأخذ صور «قسيمة الزواج» والاستوديو بجوار قسم رمل ثان وأثناء عودته إلي المنزل بدأ ضباط القسم المكون من ثلاثة طوابق بإطلاق النار عشوائياً فأصيب أخي بطلقتين الأولي في رقبته وأثرت علي عضلة الرئة فأصبحت الرئة ميتة ولابد أن يعيش علي جهاز تنفس مدي الحياة وللأسف ثمن الجهاز يتراوح من 20 ألف جنيه إلي 22 ألف جنيه وهو ثمن كبير جدا فأنا وعنتر كنا نعمل باليومية في «النقاشة» أما الطلقة الثانية فجاءت في ظهره في الفقرة الثالثة تحديدا ونجم عنها كسر في الفقرات الأولي حتي الخامسة واخترقت الحبل الشوكي. فأصيب أخي بشلل رباعي وهو في احتياج لكرسي كهربائي ثمنه 8 آلاف جنيه وللأسف لا يوجد لدينا ما ننفقه علي علاج أخي فأنا أعمل باليومية ووالدانا متوفيان .. وتكاليف العلاج ونفقاتها لا نستطيع تحملها .. ففي بادئ الأمر بعدما أصيب أخي ذهبنا به إلي مستشفي شرق المدينة وطلبوا تأميناً قيمته ثلاثة آلاف جنيه لاستقبال الحالة ولم يكن معنا المبلغ فقاموا بنقله إلي المستشفي الميري أمام مركز نادي السيوف وأخي الآن في حالة حرجة ، حيث إن الرصاصة التي أصابته في رقبته خرجت في نفس الوقت من الناحية الأخري، أما الرصاصة التي أصابت ظهره مازالت موجودة حتي الآن وسيتم إجراء عملية له لتثبيت الفقرتين فقط، فبعد إصابة أخي وضياع مستقبله، أطاحت الطلقات النارية بحلم زفافه، وطلبت العروس كتب الكتاب ، ولكنه رفض لأنه أصبح عاجزاً وطلب منها أن تأخذ عفشها وتتركه وحيدا ليواجه مصيره المجهول ؟ عبد الرحمن أسامة - 10 سنوات - طفل في الصف الخامس الابتدائي.. متفوق في دراسته ومحبوب بين أصدقائه ومدرسيه.. معروف في منطقته بالجدعنه يخدم الكبير قبل الصغير علي الرغم من صغر سنه.. استيقظ «عبد الرحمن» يوم 28 يناير وكعادته ذهب لأداء صلاة الجمعة مع أخيه الكبير.. وفور عودتهما من الصلاة ، اتفق «عبد الرحمن» مع صديقه لتناول «كشري في الخارج» وهنا عارضته والدته وحاولت إقناعه بتناول الطعام الموجود في البيت.. لكنه أصر علي الخروج.. ولم يكن يعرف وقتها بأن حياته ستنقلب رأسا علي عقب.. فبعد شرائه وجبة الكشري.. وقف عبد الرحمن يشاهد ماذا يقول الناس.. وفوجئ بمن يطلق الرصاص علي الناس.. فحاول الذهاب إلي البيت مسرعا لكنه أصيب بطلق ناري في فخذه أدي لإجراء عملية جراحية لإخراج الرصاصة.. ولكن بعد إجرائها فوجئ بأن كل رجله انتشر فيها الرايش وتسبب ذلك في عدم قدرته علي الحركة بشكل طبيعي. وتقول والدته إن حالة ابني لم تتحسن بل تدهورت، كما أنه لن يتمكن من الذهاب إلي المدرسة إلا بعد ثلاثة شهور لحين إجراء عملية أخري لإخراج كل الرايش من قدميه. كما أضافت قائلة : بأنها تريد طبيباً كفأ يشخص حالة ابنها بطريقة صحيحة.. لأنها مازالت حتي الآن محتارة في علاجه.. ولا تعرف أين تذهب بابنها حتي تراه يسير علي قدميه مرة أخري.. وتهيب بكل من يستطيع مساعدتها لعلاج «عبد الرحمن» ألا يتردد في هذا.. صمتت للحظة و قالت بعدها: ضيعوا مستقبل ابني «حسبنا الله.. ونعم الوكيل». • «عمرو بهاء» - 26 سنة - عامل استورجي.. قبل 25 يناير كان يجهز لعش الزوجية مع فتاة أحلامه التي اختارها ، وكان قد اشترك في جمعية لشراء الشبكة.. ولكن القدر لم يمهله.. فقد اضاع أمله وانهارت أحلامه.. ففي يوم 25 يناير علم بأن أخته ستزورهم.. فعندما سمع بطلقات الرصاص.. هرع إلي الشارع لكي يجئ بأخته حتي لا تأتي بمفردها إلي المنزل.. ووقتها لم يكن يعلم بأن هذا الخروج سيكون هو سبب عرقلة حياته.. فقد أصيب عمرو بطلق ناري في الطحال أدي إلي استئصاله وجرح في الكبد.. تقول والدته : عمرو هو عائل الأسرة.. ووالده رجل مسن.. ساهم في زواج أخته الوسطي وساعد أخته الصغري علي إكمال تعليمها.. وكان يأخذ في الأسبوع 150 جنيهاً بالإضافة إلي الجمعية التي شارك فيها لشراء الشبكة وقرض من البنك لكي يساعده علي العيش.. لكن الآن طلب منه الطبيب الراحة التامة لمدة ستة شه ر.. وهذا معناه أنه سيخسر الكثير ولن يستطيع العمل قريبا. ويقول عمرو أتمني أن أستكمل علاجي لأمارس حياتي بشكل طبيعي كي أسدد ديوني التي تكاثرت علي ويضيف قائلا.. «الله يسامح إللي كانوا السبب» • منصور حسين أبو يوسف - 47سنة - يعمل صباغاً: كانت حياته تتسم بالهدوء والاستقرار.. إلي أن أصيب بطلق ناري في الفخذ ألزمه الفراش وعدم القدرة علي العمل إلا بعد مرور ستة شهور.. يقول أصبت في فخذي ذهبت إلي مستشفي الدمرداش.. وقالوا لي بأنني أصبت بخرطوشة.. واعتقدت بعدها أنهم أخرجوها.. لكني فوجئت بعد ذلك عندما ذهبت إلي طبيب آخر في عيادة خارجية لكي يغير لي علي الجرح.. فقال لي أن الرصاصة مازالت في فخذي ، بل تحركت واستقرت في الحوض.. ومن الخطر إجراء عملية له.. لأن نسبة نجاحها ضعيفة جدا.. ويتوقف منصور للحظة يحبس فيها دموعه ثم يقول : أنا أريد الآن طبيباً جيداً لكي يطمئن علي صحتي..وهل حالتي خطرة أم تسمح بإجراء عملية فأنا الآن في حيرة وأريد من يهتم بحالتي.. كما أتمني ألا يضيع حقنا وننتقم ممن كانوا يصطادوننا كالفئران.. «منهم الله»..