فى منطقة الدرب الأحمرفى قلب القاهرة، سيلفت نظرك الجامع الفريد بعمارته المملوكية المميزة، الذى أنشأه فى «1430 م - 740 هجرية» الأمير علاء الدين الطنبغا بن عبدالله الماردانى الساقي، المعروف بالطنبغا المارداني، أحد مماليك السلطان الناصر محمد بن قلاوون، ويتميز المسجد بأنه جمع فى بنائه بين أحجار من معابد فرعونية، وأعمدة قبطية وإغريقية ورومانية. «الطنبغا» ترجع أصول الطنبغا إلى مدينة «ماردين» فى آسيا الوسطي، وكلمة «الطنبغا» صفة تعنى بالتركية «الفحل» أى الشخص كبير الحجم، كما يوضح أستاذ الآثار بجامعة القاهرة، جمال عبدالرحيم. والطنبغا هو أحد أمراء الناصر محمد بن قلاوون وقلده العديد من المناصب، منها رئيس للطبلة خانة «الموسيقى العسكرية»، ثم أمير مئة، ثم مقدم ألف، ولشدة حب السلطان لساقيه المسئول عن شرابه «الطنبغا» زوجه من ابنته، لكنه توفى بحلب بسوريا فى عمر 24 سنة فى ظروف غامضة، وكان وسيمًا طويل القامة. أما المسجد نفسه فمن روائع العمارة المملوكية، وبناه مهندس العصر «ابن السيوفي» الذى بنى المدرسة الأقبغاوية بالأزهر، ويشبه فى تصميمه جامع الناصر محمد بن قلاوون فى القلعة. وبنى على نمط المساجد الجامعة «الجوامع»، وتصل أبعاد المسجد إلى 20 مترًا للعرض و22 ونصف المتر للطول، ويتميز بوجود أعمدة من الرخام وأخرى من الجرانيت منقولة من معابد إغريقية ورومانية وأعمدة أخرى قبطية، وتعرف هوية العمود من شكل التاج المميز لكل عصر. ويتوسط المسجد صحن تحيط به أربعة أروقة، أعمقها وأكبرها رواق القبلة، وللمسجد ثلاثة أبواب وتوجد على يسار المدخل المئذنة المكونة من ثلاثة أدوار. وللمسجد قبة بثمانية أعمدة جرانيتية تسبق المحراب، ويتوسط الصحن نافورة مثمنة «بثمانية أضلاع»، رخامية، نقلتها من مدرسة السلطان حسن، لجنة حفظ الآثار العربية، وواجهة الرواق الشمالى مغطاة برخام جميل، نقش عليه تاريخ الإنشاء، وباقى أجزاء حائط القبلة مغطى بوزرة من الرخام الدقيق المطعم بالصدف،ويفصل بين إيوان الصلاة والصحن، حجاب خشبى كبير. ترميم المسجد وتطوير السياحة لم يخضع المسجد لأعمال ترميم منذ نحو 120 سنة، أى منذ عام 1898 عندما انتهت لجنة حفظ الآثار العربية من أعمال ترميمه، وهى اللجنة التى شكلها الخديوى عباس حلمى الثاني، ويرجع لها الفضل فى أنها حافظت ورممت الكثير من الآثار الإسلامية فى مصر. الآن، يخضع الجامع صاحب المميزات الفريدة، لعملية ترميم لإعادة إحيائه من جديد، بدأت فى 2018 ومن المتوقع أن تستمر حتى 2020 بتمويل من الاتحاد الأوروبي، وتحت إشراف إدارة القاهرة التاريخية بوزارة الآثار وبالتعاون مع مؤسسة الأغاخان للخدمات الثقافية-مصر، التى يقوم خبراؤها ومهندسوها بأعمال الترميم. وتهتم مؤسسة أغاخان، بترميم هذا المسجد، لأن مساحة الجامع تسمح لسكان منطقة الدرب الأحمر باستخدامه فى إقامة المناسبات المختلفة، فضلًا عن الصلاة فيه، وهو قريب من باب زويلة والخيامية، ويقع فى نطاق مسارات الزيارة السياحية التى تربط بين قلعة صلاح الدين وباب زويلة، وحديقة الأزهر، وشارع باب الوزير الملييء بالآثار الإسلامية، كما يشرح المهندس نادر علي، الاستشارى بمؤسسة الأغاخان، ويوضح المهندس نادر أن تكلفة المشروع 30 مليون جنيه للمرحلة الأولي، التى تشمل ترميم إيوان القبلة المستخدم فى الصلاة، وترميم الواجهتين الرئيسيتين على باب الوزير، وترميم المئذنة والقبة من الداخل والخارج، ومعالجة الأسقف الخشبية، كما تشمل تطوير مسارات السياحة الأثرية بمنطقة باب الوزير بالدرب الأحمر، عن طريق إقامة محطات يقف عندها الزائر، لتأمل الكنوز المعمارية الموجودة بالمنطقة، والتعرف على أهلها، لتنمية المنطقة اجتماعيًا وثقافيًا، ولذا يجرى تدريب أهالى المنطقة على الأشغال اليدوية التى تتميز بها منطقة الخيامية، وكيفية تسويقها وكيفية التعامل مع السائحين، وهو ما يتم الآن بمدرسة درب شغلان. المنبر الذى سرق مرتين ويلفت المهندس نادر إلى وجود تحديات تواجه عملية الترميم، أهمها كيفية التعامل مع المنبر الذى سُرقت كل حشواته، حيث كانت تتميز كل حشوة بزخرفة خاصة بها، ولا توجد معلومات ولا صور للمنبر قبل سرقته، كما لا يوجد حرفيون أو عمال مهرة يستطيعون إعادته إلى ما كان عليه، وهناك مقترح بحسب نادر، بأن يتم الحفاظ على ما تبقى من المنبر، واستكمال الهيكل الأثري، وترميم خشب المنبر ومعالجته ضد الحشرات وعزله بمواد تقاوم الرطوبة لإطالة عمره. وللمنبر الخشبى للجامع قصة وحكاية، فقد سرق مرتين، الأولى من 120 سنة، واستردت لجنة حفظ الآثار حشواته المطعمة بالأبنوس والعاج وإعادة تركيبها مرة أخري. والمرة الثانية كانت فى عام 2008، وسرقت جميع الحشوات من المنبر، وهى من بين التحديات التى تواجه عملية الترميم الجارية الآن. محراب من الرخام والصدف ومن بين الصعوبات التى تواجه أعمال الترميم، ترميم المحراب المصنوع من الرخام الملون والصدف بألوان بديعة ونادرة فى عمارة المساجد المملوكية، فعندما قامت لجنة حفظ الآثار بترميمه قبل 120 سنة، استخدمت الخرسانة المسلحة فى الترميم، فصدأ حديد التسليح الموجود بها، وهناك تصدع بالبانوهات الرخام الموجودة بالمحراب. يكمل المهندس نادر: تجرى ترميمات المئذنة باستخدام أحدث أساليب الترميم الميكانيكية، ووصلنا إلى نصف المئذنة، كما يجرى ترميم الواجهات، بتنظيف وتغيير الأحجار المتدهورة والتالفة، بأخرى من نفس نوع الحجر القديم، وفى نفس الوقت يجرى ترميم الأسقف الخشبية، التى يتميز بها الجامع، وهى من أخشاب مزخرفة وملونة بزخارف نباتية وهندسية، وتصميماتها يندر تكرارها فى العمارة المملوكية، فبها شرائط كتابية بنصوص قرآنية، أسفل الأسقف الخشبية.