إنها قضية ملحة.. كيف يمكن مواجهة الشركات الكبرى المهيمنة على عالمنا الافتراضى الإلكترونى؟ الكونجرس من جانبه يحاول تلجيم (أو على الأقل تحجيم) شراسة فيسبوك وجوجل وآمازون.. نعم إنها محاولة طال انتظارنا لها خاصة أن ملايين من البشر أدمنوا العيش فى العالم الافتراضى الذى شكلته هذه الشركات العملاقة. إدمان آخر فرض نفسه على المشهد الأمريكى منذ سنوات.. الهيروين ومشتقاته.. صار وباءً مرعبًا يهدد أمريكا برمتها. وذلك من خلال أدوية ومسكنات آلام لجأ إليها البعض ثم تحولت إلى ظاهرة ووباء. خريطة الانتشار والابتلاء به على امتداد الولايات تظهر خطورة إدمان مسكنات آلام مثل أوكسيكونتين! أو منتج يتم ترويجه فى الأسواق مثل فنتانيل! ما وصف بأنه وباء لم يكن مبالغة أو تهويل من حجم المشكلة. نحن فى مواجهة انتشار مخيف وطوفان من نحو 76 مليارًا من حبوب أوكسيكونتين (أوكسيكودون) وهيدروكودون بالإضافة إلى منتجات أفيونية أخرى التى أغرقت أسواق أمريكا منذ سنوات التى ساهمت بشكل أو آخر فى حالات موت تقدر بأكثر من 400 ألف حالة منذ عام 2000. الأرقام قد تقول كل شىء وقد تعنى لا شىء طالما أنها تضيع وسط صخب أرقام وإحصاءات ونسب مئوية وجداول إنفوجرافيك تملأ دنيانا نهارًا وليلًا.. دون أن نلتفت إليها فى أغلب الأحيان وأن تم الالتفات لا تحدث المواجهة الحاسمة والرادعة. الدراسة الحكومية التى كشفت حجم المأساة خلال سنوات مضت سلطت عليها الأضواء صحيفة «واشنطن بوست» منذ أسبوعين بتحقيقات صحفية مطولة على مدى عدة أيام فى محاولة منها لكشف تفاصيل أكثر وأشمل لحجم الوباء وانتشاره فى المجتمع الأمريكى. ومعرفة كيف يمكن أن تتعامل الجهات المعنية الطبية والقانونية والأمنية مع هذا الوباء الذى صار يحذر منه جهات عديدة على مدى السنوات الماضية. خاصة أن الدراسة التفصيلية لهذا الوباء تكشف أن الشركات الموزعة لهذه الأدوية لا يزيد عددها على ست شركات روجت وساهمت على مدى سنوات عديدة هذه الأدوية على أساس أنها غير مدمنة وآمنة، ومن ثم شاركت فى انتشار هذا الوباء الأفيونى وفى مناطق جغرافية بعينها منها تحديدًا «منطقة آبالاشيا» الممتدة من جنوب ولاية نيويورك إلى شمال ألاباما وجورجيا. وفى بعض الولايات تحديدًا نورث فرجينيا وكنتاكى وساوث كارولينا وتينيسى. نحن نتعامل مع وباء بدأ يتغلل وينتشر منذ أكثر من عشر سنوات. وحسب ما ذكر فإن الولاياتالمتحدة التى يقدر عدد سكانها بنحو 306 ملايين نسمة وصل حجم ما تم توزيعه من الحبوب المذكورة فى السنوات الماضية (تحت مسمى مسكن للآلام) إلى ما يكفى لإعطاء كل بالغ وطفل 36 حبة كل عام! وقد شهدت واشنطن فى شهر أبريل الماضى مظاهرة للمطالبة بإجراء تعديلات وتصحيحات للقوانين والسياسات الخاصة باستعمال هذه الأدوية والحد من انتشارها.. وإحدى لافتات المتظاهرين كانت تقول 200 موتى كل يوم. كما انطلقت حملات سياسية وناشطة تسعى إلى معاقبة الشركات المنتجة للمنتجات الأفيونية ومنها شركة برديو ومالكها أسرة ساكلر الثرية واستجابة لمطلب بمقاطعة أسرة ساكلر قامت متحف اللوفر بباريس مؤخرًا بمسح اسم الأسرة من جدران أحد الأجنحة الخاص بآثار بلاد الفرس والشام. وكانت أسرة ساكلر قد ساهمت فى تجديد المتحف وإعادة افتتاحه عام 1979. الوباء منتشر وتسليط الأضواء عليه مستمر وسوف يستمر إلى الغد القريب والبعيد. وضع حد لشراسة فيسبوك وجوجل المواجهات الساخنة التى حدثت فى الفترة الأخيرة بين مسئولى فيسبوك وجوجل وآمازون وآبل من جهة وأعضاء الكونجرس من جهة أخرى لفتت الأنظار وصارت مادة للجدل والانتقاد والمحاسبة وأيضا السخرية سواء فى جلسات الكونجرس أو عبر وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعى. هذه الشركات العملاقة صارت كأمر واقع لا مفر منه تتواجد فى كل تفصيلة من تفاصيل حياتنا. ونحن صرنا نعتمد عليها ونكاد نثق فيها ثقة عمياء وبالتأكيد هم وعدوا بهذه الثقة وأكدوا عليها إلا أنهم مع مرور الأيام خذلونا وابتزونا.. ويجب وضع حد لهذه اللعبة التى لعبوها معانا. هذا كان توجه قيادات الكونجرس وهى تدعو لهذه الجلسات وهذه المواجهات العلنية لهؤلاء الكبار جدًا.. عدد مستخدميهم أو مستهلكيهم قد تقترب من 4 مليار ات من البشر فى العالم. ما لفت الانتباه فى مواجهات الكونجرس هو حرص مسئولى هذه الشركات العملاقة على تنقية الأجواء والعمل من أجل تخفيف التوتر السائد فى المشهد الأمريكى تجاه أدائهم وسلوكهم وتغولهم فى الهيمنة وإحكام السيطرة وفرض الاحتكار. لم يعد الأمر المطروح للنقاش فقط تغلغلهم فى الحياة الشخصية للمستهلك أو المستخدم لهم بل تحكمهم وبشكل مخيف فى اختياراته وذوقه وأيضًا قيامهم بمطاردته لضمان بقائه معهم لأطول فترة ممكنة. وكله بتمنه إلا أن الخطر الأكبر الذى ألح أعضاء الكونجرس (ممثلو الشعب) على طرحه فى النقاش الدائر هو احتكارهم للسوق وبالتالى لا خيار ولا اختيار للمستهلك. والمفهوم السائد: عاجبك مش عاجبك هو كده. وطالما نتحدث عن هذه الشركات لا يجب أن تنسى أن التواصل والتفاعل مع جماهير المستهلكين الملايين منهم بالنسبة لهذه الشركات العملاقة يتم افتراضيًا عبر الفضاء الإلكترونى وعبر الإشارات والإيموجيز وبالتالى لا مجال لفرصة التلاقى وجها لوجه ولاستخدام أسلوب الخد والهات وأن تفاصل أو أت تساوم فى توفير الخدمة وتخفيض أسعار الخدمة أو المنتج. ولم يتردد كل مسئول فى أن يكون بسيطًا فى اختياراته للألفاظ وفى شرحه لطيبة وحسن نية شركته.. والتذكير بأن ما يتردد عن الاحتكار لا يطابق الحقيقة. وقد قام كل مسئول بذكر أسماء شركات أخرى منافسة لهم موجودة وتعمل فى السوق. أى أنهم يؤمنون بالتنافسية. والتعبير الذى ورد فى ذهنى وأنا أتابع كلماتهم: على مين يابابا ولا شك أن الأسئلة التى طرحت فى الكونجرس عكست اهتمامات الناس أو على الأقل سعت لزحزحة الأوضاع السائدة والمهيمنة منذ سنوات على أن الخدمات التى تقدمها هذه الشركات هى الأفضل بلا أدنى شك وأنها تأخذ فى الاعتبار المستهلك دائما وبالتالى لا داعى لعرقلة المد الإلكترونى الافتراضى الذى تشهده و«تنعم به» الكرة الأرضية. لم تعد محاسبة فيس بوك وجوجل وآمازون أمرًا يمكن التغاضى عنه خاصة أن هذه الشركات صارت ضخمة وعملاقة للغاية بحيث لا تبدى اهتماما وربما لا تلتفت بحرص لما يشعر به وما يطلبه المستهلك العادى البسيط .. وعفوًا وادى سيليكون!! مدينة سان فرنسيسكو تعد أرض أحلام ومغامرات جيل الألفية وأجيال عديدة قبله وبعده. والكل يذهب إليها وينطلق منها فى مجال تكنولوجيا المعلومات وكل ما له صلة بالعالم الإلكترونى والثراء السريع. سان فرنسيسكو وتحديدًا وادى سيليكون فيها تعتبر مركزًا لصناعة الثراء والرخاء. ويذكر للعلم أن 74 مليارديرًا يعتبرون منطقة Bay Area عنوانهم الأساسى بيتهم. إلا أن هذه المدينة تحديدًا تعانى منذ سنوات من تزايد عدد من لا مأوى لهم. وقد وصل عددهم إلى نحو 10 آلاف شخص . وذلك بزيادة تقدر ب30 فى المائة مقارنة بعام 2017. وذلك حسب دراسة أصدرها مجلس المدينة. وهذا يعنى حسب ما ذكره موقع «صالون» أن أكثر من واحد فى المائة من سكان مدينة سان فرنسيسكو يمكن تصنيفهم بأن لا مأوى لهم. وسكان المدينة يقدر عددهم ب800 ألف نسمة. واتضح من الدراسة واستطلاع الرأى أن 63 فى المائة منهم قالوا إن السبب فى عدم وجود مأوى لهم أنه ليس باستطاعتهم دفع إيجار شقة أو منزل. على أساس أن متوسط إيجار شقة من حجرة واحدة يصل إلى ثلاثة آلاف و700 دولار شهريا. أرقام مخيفة صارت عادية فى تلك المدينة. وما يثير الانتباه أن عددًا من لا مأوى لهم أو المتشردين (كما اعتدنا الذكر) فى تناقص خلال العقد الماضى على امتداد البلاد .. إلا فى سان فرنسيسكو. هذا ما أشارت إليه صحيفة «واشنطن بوست».وهذا ما يدفع المراقبين إلى التساؤل هل سان فرنسيسكو تريد وتستطيع من هذه الحالة المقلقة؟!