شهد الكونجرس الأمريكى على مدى يومين ثلاث جلسات استماع من أجل مساءلة أو فلنقل محاسبة دور العمالقة من وسائط التواصل الاجتماعى بحضور ممثلى فيس بوك وتويتر وجوجل. وكان الدافع الأساسى أو الرئيسى هو مناقشة ملف التدخل الروسى فى الانتخابات الأمريكية فى عام 2016 ومدى قدرة هذه الشركات الكبرى فى وضع حد للأخبار الكاذبة وترويج الشائعات وتشويه الحقائق - وعما إذا كانت فى الأصل راغبة فى فعل ذلك. المواجهة كانت حادة وساخنة ليس فقط بسبب ما حدث سياسيًا وما تفجر إعلاميًا، بل بسبب تغول دور وسائط التواصل الاجتماعى فى عالمنا الحالى، ومن ثم خلق فوضى معلومات ومواقف احتار معها البشر. فسكان فيس بوك على سبيل المثال اقترب عددهم من مليارى فيس بوكى - والزيادة مستمرة بمعدل سريع ومخيف فى الوقت نفسه. ووصف الحالة أو التشخيص كان واضحا- لا لبس فيه - الفيس بوك أمامكم والتويتر وأخواتها وراءكم، وبالتالى لا مفر من الاعتراف بأن وسائط التواصل الاجتماعى سيطرت وهيمنت على حياتنا أينما كنا على خريطة العالم - شرقا كنًا أم غربًا. متواصلون بلا حدود، ولم يعد سرًا أن هذه الوسائط أو الوسائل سلاح ذو حدين - فيها نفع وأيضًا ضرر لنا، وبالتالى استخدامها فى حاجة إلى توعية وترشيد وتوجيه ووعى وإدراك بحيث نعرف رأسنا من رجلينا. أعضاء الكونجرس فى تساؤلاتهم وانتقاداتهم تناولوا كل صغيرة وكبيرة فى هذا الطوفان التواصلى شددوا على مسئولية الشركات الكبرى فى ترتيب أمور البيت وإلا.. كانت الفوضى الهدامة. المسئول القانونى لإحدى الشركات لم يتردد فى القول فى إحدى اللحظات إن هذه الوسائط لا تصنع المضمون ولا تنتج الرسالة وإنها فقط تقوم بتوصيلها من جهة إلى جهة أخرى، وبالتالى لا يمكن إلقاء اللوم عليها. فى المقابل أحد أعضاء الكونجرس بعد أن فاض به الكيل من تبريرات وتفسيرات المستشارين القانونيين لهذه الشركات الكبرى قال بحدة ما معناه: أعتقد أن رؤساء الشركات بأنفسهم هم الذين يجب أن يحضروا مثل هذه الجلسات فى المستقبل لأنهم هم الذين يصنعون السياسات، وأن التغيير يتطلب قرارات حاسمة منهم، وخلال المناقشات التى دارت فى الكونجرس والجدل المثار فى وسائل الإعلام أثير أيضًا مدى هيمنة وسائط التواصل الاجتماعى على حياتنا، والأخطر إدماننا لها، لدرجة لا نستطيع الفكاك منها. هكذا نصبح أسرى هذه الوسائط مثلنا مثل غيرنا. والنتيجة الكل يشكو والكل يحتج ويطالب بوضع قوانين وقيود تحد من سطوة هذه الوسائل أو قدرتها على بسط نفوذها وأيضًا سوء استعمالها دون أى ضوابط. إحدى المشاركات فى الجدل المثار إعلاميًا كانت إميلى باركر - وهى تتابع وتحلل الظواهر المتعلقة بانتشار وتفشى وسائط التواصل الاجتماعى مثل فيس بوك وتويتر، كتبت فى مقال لها فى نيويورك تايمز أنها ترى مبالغة فى تحديد وتوصيف الدور الروسى فى نشر الشائعات والأكاذيب خلال الحملة الانتخابية الأمريكية على أساس أن هذه الشائعات والأكاذيب كانت صناعة أمريكية قامت روسيا فقط بترويجها ونشرها على نطاق أوسع. وأضافت: إن وسائط التواصل الاجتماعى.. المعروفة ب «سوشيال ميديا» تقوم بتكبير وتضخيم ما قد يكون سيئًا لدينا.. وربما تسانده وتساعده أيضًا.. إلا أنها لا تقوم بصنع وإيجاد هذا الأمر السيئ أو هذه العادة السيئة، وبالتالى فإن سيليكون فالى - وادى الابتكار والاختراع فى العالم الإلكترونى لا يقوم بتدمير ديموقراطية أمريكا - نحن فقط نستطيع القيام بذلك - هكذا كتبت إميلى باركر. وبلا شك فإن الجدل المثار مستمر.. وسوف يستمر من أجل إيجاد قواعد للعبة الجديدة التى صارت تربك الجميع. هل تذكرون جين فوندا؟ الممثلة الأمريكية الشهيرة جين فوندا التى أبهرتنا بأدائها وأدوارها على مدى سنوات طويلة يبدو أنها راغبة أيضًا الآن وقادرة على محاسبة نفسها.. وما حدث وما لم يحدث فى حياتها. فوندا التى حصلت على أوسكار التمثيل مرتين وتزوجت 3 مرات هى الآن فى ال79 من عمرها.. وكعادتها فى السنوات الأخيرة تفضفض فى حديثها عن حياتها وعن والدتها التى انتحرت وهى فى ال12 من عمرها.. ووالدها الممثل الشهير بيتر فوندا الذى كان قاسيًا معها فى حياتها. وفى تصريحات أخيرة لجين فوندا نجد أن الممثلة الشهيرة تتوافق مع ماضيها ولا تحاسب الوالدين بقدر ما تحاول أن تتفهم ظروفهما.. وهما عادة يسعيان لكى يعيشا ويقوما بتربية أولادهما.. مثلما كان الأمر معها أيضًا.. عندما صارت أمًا. وفى كل الأحوال ترى جين فوندا أننا يجب أن نعرف الكثير عن والدينا.. لكى ندرك ما فعلاه من أجلنا، وتنبه إن كان هناك تقصير فى بعض الأحيان فالسبب أنهم لا يعرفون كيف يحبونك.. ويعبرون عن مشاعرهم. ولا تتردد الممثلة الشهيرة فى القول بأنها بالفعل قصرت فى فهم والدها.. وأنها تفتقده كثيرًا اليوم.. بيتر فوندا توفى عام 1982.. وتقول: أعتقد أننى أستطيع أن أتحدث معه الآن.. وأن أستمع إليه. كما أنها لا تتردد فى القول أنها تعلمت الكثير عبر سنوات عمرها.. وأنها تريد حينما تموت أن تكون محاطة بأهلها.. وتؤمن بأن الحياة الأفضل تتحقق بسعينا الدائم لها.. لكى تصل إليها عليك أن تعمل بهمة من أجل أن تنكأ الجراح ويتم بناء الجسور.. لأن فى نهاية المطاف فإن ما لم نفعله هو الأمر الملح دائمًا وليس ما فعلناه. الصراحة راحة.. عبارة سمعناها كثيرًا فى حياتنا.. وما قالته جين فوندا تدخل فى إطار الصراحة والراحة أيضًا.•