لا يخفى على أحد السبب المباشر الذى تسبب فى وصف الموسم الدرامى الحالي بأنه «الأسوأ» فى تاريخ الدراما والمُتمثل فى ضعف السيناريوهات التى كتبها أعضاء ورش التأليف بكل مسلسل على حدة. . ولا يخفى على أحد أيضًا ممن يعملون فى الصناعة أن «نظام ورش الكتابة» مُطبق فى جميع أنحاء العالم لكن بآلية مُختلفة تمامًا عن المطروحة لدينا، وأهمها أن أعضاء الورشة أنفسهم يتمتعون بموهبة حقيقية وقد يكونون من الكُتاب المُحترفين وفى الوقت ذاته يرأسهم كاتب كبيرى يتمتع بثقافة وخبرة تتيح لهم التعلم منه. لكن ما يحدث لدينا بشأن «ورش الكتابة» لاعلاقة له بما يحدث فى الدول المُتقدمة. إذا ألقينا نظرة سريعة على الأمر لدينا، لن نجد أكثر من ورشتين يتوافر بهما قدر معقول من الاحتراف، ولكن ما شاهدناه من أعمال فى هذا الموسم مع بعض الاستثناءات البسيطة أكد عدم احترافية القائمين على هذه الورش، وأنه لاعلاقة لهم بفن كتابة السيناريو ووحدة البناء الدرامى. والموهوب منهم يضيع حقه وسطهم لأن كل عضو بالورشة له ثقافته وتفكيره وروح مُختلفة تمامًا عن زميله بنفس الورشة، وبالتالى ينعكس ذلك بالسلب عند عرض المسلسل، يجد المُتفرج نفسه أمام مسلسل يفتقد سمات «الدراماتورجى»- باللغة الدارجة لكبار المؤلفين المُبدعين- الحريص على الوحدة الفنية للعمل ككل. ليأتى السؤال ولماذا إذًا يستعين كبار مُنتجى المسلسلات «بورش الكتابة»؟! وهل الأمر له علاقة بأنهم أقل أجرًا من كبار المؤلفين؟! الحقيقة المؤكدة أن الأمر لاعلاقة له برخص ورش التأليف مقارنة بأجور كبار المؤلفين، نظرًا لارتفاع ميزانيات المسلسلات بشكل عام، وبالتالى لن يفرق مع المُنتج أى أجر يطلبه كبار المؤلفين. لكن الأمر له علاقة ب«أحلام النجم أو النجمة» والتى لن يحققها «كبار المؤلفين»، الذين عاشوا العصر الذهبى للدراما واعتادوا على آلية عمل تبدأ باتصال هاتفى من المُنتج للمؤلف يطلب عمل يحمل وجهة نظر أو قضية عاكسة لوضع المجتمع وفى الوقت نفسه تحمل جانبًا تنويريًا وفى حالة الوصول للموضوع، يتم التحدث مع المُخرج المناسب لطبيعة المسلسل لتبدأ المرحلة النهائية باختيار الأبطال. هذه الآلية انتهت تقريبًا وأصبحنا أمام معادلة عكسية سائدة بكل المسلسلات حاليًا أولها «النجم» الذى يحدد ورشة شبابية بعينها لتحقق أحلامه وطموحاته وشطحاته، وهذه الورشة تقول للنجم سمعًا وطاعة، بدايةً من اختياره للموضوع ومرورًا بالمخرج ونهاية باختيار فريق العمل، وطبعًا هذه المعادلة ماهى إلا احتقار ومهانة للنص وباسم أى مؤلف ذي قيمة. وأمام هذا الوضع وجدنا كبار الكُتاب الذين يعتبرون «ثروة قومية» يجلسون حاليًا فى بيوتهم بلا عمل قلوبهم تملأها الحزن والحسرة على العصر الذهبى للدراما وقتما كان نجم العمل هو «المؤلف» مثل أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد ومصطفى محرم وغيرهم. نحن لسنا ضد «ورش الكتابة» لكن الأمر يحتاج آلية عمل جديدة بمعنى اختيار أعضاء الورشة من الدارسين الموهوبين ذوى مستوى فكرى راقٍ يعلمهم ويشرف عليهم كبار المؤلفين، وبالتوازى مع ذلك لا بد من وجود المُنتج الفنان مثل ممدوح الليثى فى العصر الذهبى للدراما وما تبعه من مُنتجين جُدد أثروا الشاشة بأعمال مُتميزة خلال السنوات الأخيرة - منهم على سبيل المثال وليس الحصر جمال العدل ومحمد مشيش وغيرهما - لأن المنتج الفنان لن يقبل بورشة كتابة دون مستوى. والحقيقة أن «أعضاء ورش التأليف» ليسوا بمفردهم الذين تسببوا فى سوء الموسم الدرامى الحالى بل هناك آخرون وجهت لهم الاتهامات بشكل علنى مثلما حدث مع مؤلف بحجم عبدالرحيم كمال والذى يعرف الجمهور أسلوبه فى كتابة السيناريو والحوار، حتى إذا لم يكتب اسمه على التيتر، حيث فوجئ بعبث مخرج مسلسل «زلزال» فى السيناريو والحوار الذى كتبه لدرجة أنه أنذره أكثر من مرة ولم يستجب المخرج مما دفع المؤلف بالتقدم بشكوى رسمية ضده. نفس الأمر حدث بتفاصيل مختلفة فى مسلسل «ولد الغلابة». وغيره من المسلسلات الأمر الذى يُحتم على الشركات الكبرى المُسيطرة على الإنتاج الدرامى إعادة اتخاذ أسلوب مُختلف لإنتاج الأعمال الدرامية على مستوى اختيار السيناريوهات والموضوعات التى ستقدم العام القادم مع الوضع فى الاعتبار ضرورة التنوع بينها، واتخاذ قرارات رادعة للمُخرجين وأبطال المسلسلات عن العبث بإبداع المؤلف الذى هو جُزء أصيل من تفكيره وقناعاته، وليس عيبًا على الإطلاق استعانة شركات الإنتاج بالخبرات الفنية والإنتاجية التى تستطيع القيام بهذة المُهمة بشكل أكثر احترافية.