الحكومة: وقف تخفيف أحمال الكهرباء عن الكنائس خلال احتفالات عيد القيامة    أسعار الذهب فى منتصف تعاملات اليوم السبت    مدبولي يتفقد مصنعى فيله للصناعات الغذائية وduck للأحذية ببورسعيد    رئيس الوزراء يتفقد محطتى تحيا مصر 1 و2 بميناء دمياط    الزجاجة ب 65 جنيها.. هبوط أسعار زيت الطعام 25%    "رجال الأعمال المصريين" توقع بروتوكول تعاون مع مقاطعة تشجيانغ الصينية    أسعار سيارات فورد فوكاس موديل 2023 بعد التخفيضات الأخيرة.. تعرف عليها    تشكيل مازيمبي أمام الأهلي في دوري أبطال إفريقيا    "متبقي 4 مباريات".. هل يكسر مرموش رقم زيدان بالدوري الألماني؟    اتحاد الكرة: تواصلنا مع فيتوريا لسداد الشرط الجزائي.. ومحمد صلاح سينضم بالمعسكر المقبل    كشاف ريال مدريد السابق ل«أهل مصر»: مباراة الكلاسيكو في صالح الملكي.. وبرشلونة ليس لديه ما يخسره    تأجيل محاكمة متهم بهتك عرض فتاة وسرقتها بقصر النيل    تأجيل محاكمة المتهمين بالتنقيب عن الآثار في عابدين    ضبط عنصر إجرامى لإدارته ورشة تصنيع أسلحة بالأقصر    إصابة 16 شخصا بينهم 12 فتاة في انقلاب ميكروباص بالفيوم (أسماء)    وداعا "العمدة" صلاح السعدني    "قومية الإسكندرية" تقدم "سجن النسا" على مسرح قصر ثقافة الأنفوشي    مخاطرة بحرب إقليمية.. هآرتس تنتقد الهجوم الإسرائيلي على إيران    "الأعلى لشئون التعليم": تنفيذ المبادرة الرئاسية "الكشف الطبي على طلاب الجامعات" لتوفير بيئة تعليمية صحية    محافظ الغربية يتفقد 12 مشروعا لحياة كريمة ورصف القرى بزفتى    نتائج التحقيقات الأولية في انفجار قاعدة كالسو العراقية    واشنطن توافق على طلب النيجر بسحب قواتها من أراضيها    موسم استثنائي، أرقام مميزة لعمر مرموش مع آنتراخت فرانكفورت    مفتي الجمهورية: الاكتفاء بالاجتهاد الفردي أصبح أمرًا صعبًا مهما اتَّسع عِلم العلماء.. والواقع المتسارع يُملي علينا ضرورة التعاون لتوحيد الرؤى والأفكار    داعية يحذر "محدش يدعي على نفسه بالموت"    الحكومة: وقف تنفيذ قطع الكهرباء عن الكنائس خلال احتفالات العيد    5 أيام متتالية| مفاجأة بشأن إجازات شهر مايو.. إيه الحكاية؟    بمشاركة 24 دولة.. انطلاق معرض البنية التحتية وتكنولوجيا المياه بالقاهرة 28 أبريل    وفاة سيدة وإصابة طفلة في حريق منزل ببني سويف    مشوفتش عشيقة المدير نهائيًا.. أقوال شاهدة في قضية رشوة أسوان الكبرى.. فيديو    اليوم .. اجتماع هام لوزير التعليم استعداداً لامتحانات الدبلومات الفنية    حذرنا مرارا وتكرارا.. سامح شكري: قلقون من التصعيد القائم في المنطقة    تونس تؤكد دعمها للشعب الفلسطيني في الحصول على حقوقه    «يد الأهلي» يواجه أمل سكيكدة الجزائري بكأس الكؤوس    إياد نصار: بحب الناس بتناديني في الشارع ب «رشيد الطيار»    مفاجأة.. سبب عدم مشاركة صلاح السعدني في مسرحية مدرسة المشاغبين    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحقق مفاجأة في دور العرض.. تفاصيل    دخول 250 شاحنة مساعدات لغزة واستقبال أعداد من الجرحى والحالات الإنسانية    عبد الغفار يشهد توقيع مذكرة تفاهم بين أمانة الصحة النفسية و«أوتيزم سبيكس» العالمية    نجاح إعادة كف مبتورة لشاب عشريني في مستشفيات جامعة المنوفية    وزير الأوقاف ومحافظ جنوب سيناء يهنئان أسقف السمائيين بشرم الشيخ بالعودة من رحلة علاجية    فضل الذكر: قوة الاستماع والتفكير في ذكر الله    بالفيديو.. ناقد فني عن صلاح السعدني: ظنوه «أخرس» في أول أعماله لإتقانه الكبير للدور    فريدة الشوباشي: الولايات المتحدة الأمريكية سبب خراب العالم كله    منها زيادة الوزن.. خبراء يحذرون من أضرار الحليب المجفف    بروتوكول تعاون بين جامعة طيبة وجهاز المدينة الجديدة لتبادل الخبرات    مدير كلية الدفاع الوطني التنزاني يشكر مصر على ما تقدمه من دعم لدولته    كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا مضادا للطائرات    كيف أدعو الله بيقين؟ خطوات عملية لتعزيز الثقة بإجابة الدعاء    يُغسل ولا يُصلى عليه.. حكم الشرع تجاه العضو المبتور من جسد الإنسان    ابسط يا عم هتاكل فسيخ ورنجة براحتك.. موعد شم النسيم لعام 2024    أهالى شبرا الخيمة يشيعون جثمان الطفل المعثور على جثته بشقة ..صور    أدعية الرزق: أهميتها وفوائدها وكيفية استخدامها في الحياة اليومية    سيف الدين الجزيري: مباراة دريمز الغاني المقبلة صعبة    ناقد رياضي شهير ينتقد شيكابالا وتأثير مشاركاته مع الزمالك .. ماذا قال؟    خالد منتصر: ولادة التيار الإسلامي لحظة مؤلمة كلفت البلاد الكثير    آلام العظام: أسبابها وكيفية الوقاية منها    مرض القدم السكري: الأعراض والعلاج والوقاية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطيب الثورة: «القمص سرجيوس»
نشر في صباح الخير يوم 27 - 02 - 2019


كتب: د. محمد عفيفي
ربما ألتمس العذر للقارئ إذا لم يعرف سريعًا من هو سرجيوس؟ لقد طرحت هذا السؤال فى أثناء محاضراتى فى الجامعة على طلاب مرحلة الليسانس فى الدراسات التاريخية، وأيضًا على طلاب الفرقة الثانية فى كلية الإعلام، ولم أجد إجابة. والأكثر من ذلك أننى طرحت السؤال فى أثناء ندواتى فى الكنيسة القبطية على شباب الخدمة الكنسية ومجموعة المشاركة الوطنية، ولم تكن الإجابة بقدر ما انتظرت. وأحسست أن هناك شبه تعتيم مقصود أو غير مقصود على هذه الشخصية «رمز الوحدة الوطنية»، وما أحوجنا الآن لهذه الوحدة وهذه الشخصية.
بالنسبة لى تعرفت على شخصية سرجيوس لأول مرة من خلال فيلم «بين القصرين»، حيث يعرِّض المخرج فى نهاية الفيلم بعض المشاهد عن ثورة 1919، ومن هذه المشاهد يسترعى الانتباه هذا القس الذى يعتلى منبر المسجد خطيبًا للوطنية، ورمزًا للوحدة الوطنية فى لحظةٍ نادرة ومضيئة فى سجل أيامنا المصرية. فمن هو سرجيوس؟
النشأة والتكوين
وُلِّد سرجيوس فى جرجا فى الصعيد فى عام 1883. وأما عن الأصول الاجتماعية له فهو ينتمى إلى أسرة توارثت سلك الكهنوت، فكان أبوه قسيسًا وكذلك جده. من هنا كان طبيعيًا كما يروِى سرجيوس نفسه أن يكون كاهنًا، وأن يتمرس على الخطابة والوعظ.
هكذا تبدو نشأة سرجيوس عادية لا تختلف عن كثير من أقرانه آنذاك، غير أننا لا بد أن نرى جيدًا هذه النشأة فى إطار ظروف العصر. فأولاً كما نرى وُلِد سرجيوس عقب الاحتلال البريطانى لمصر فى عام 1882، من هنا شارك معاناة هذا الجيل الذى عاش تحت وطأة الاحتلال، ثم شاهد بدايات الحركة الوطنية ضد الاحتلال، وقمعها قبل الحرب العالمية الأولى، كما أحس هذا الجيل جيدًا بمعاناة مصر فى أثناء الاحتلال، وبالتالى لم يكن غريبًا أن يقود هذا الجيل ثورة 1919 حين كان سعد زغلول منفيًا خارج البلاد. ففى عام 1919 كان سرجيوس يبلغ من العمر ستة وثلاثين عامًا، إنها ذروة الشباب والتوهج الوطنى، وهى تقريبًا نفس المرحلة العمرية للجيل الثانى من «الوفد» الذى قاد التحرك الشعبى والعمل السرى للثورة.
الصعود إلى القمة «منبر الأزهر» 1919
وبمجىء عام 1919 يبدأ نجم سرجيوس الوطنى فى اللمعان نظرًا لطبيعة الدور الذى لعبه فى هذه الثورة، فهو كرجل دين قبطى، اعتُبِر بمشاركته فى الثورة رمزًا للوحدة الوطنية فى مصر. وكان هو على وعى تام بطبيعة الدور التاريخى الذى يلعبه فى هذه الفترة، حيث أدرك مبكرًا أن اشتراكه ككاهن مع شيوخ الأزهر فى العمل الوطنى يُعَد دليلاً على «وحدة المصريين وبراءة ثورتهم من تهمة الرجعية والتعصب»، هذه التهمة التى رماهم بها الاستعمار البريطانى. كما كان على وعى تام بأهمية الدور الذى يؤديه الأقباط فى هذه الثورة لتأكيد وحدة عنصرى الأمة واستجابة ل«نداء الوطن».
وسرجيوس هو خطيب الناس، وزعيم وُلِد فى الشارع. فهو يروى ذكرياته عن ثورة 1919، حيث سمع هتافات ومظاهرات فى الشارع فسأل عن السبب فقيل له لقد نفوا سعد باشا إلى الخارج لأنه يُطالِب بالاستقلال، فنزل سرجيوس إلى الشارع والتحم بالجماهير. هكذا يوُلَد الزعيم الشعبى، ليس فى أروقة السياسة والحزبية، ولكن من الشارع ومن بين الجماهير.
هكذا قاد سرجيوس الكاهن القبطى بزيِّه الأسود المسيرة الوطنية التى توجهت إلى الأزهر الشريف، حيث اعتلى سرجيوس منبر الأزهر، الذى يعتليه قس قبطى لأول مرة، خطيبًا وداعيًا إلى الثورة، فكان ذلك ظاهرة جديرة بالبقاء فى ذاكرة الأمة حتى الآن. وأنشد البعض تخليدًا لذلك:
فى الأزهر ارتفع الصليب مع الهلال / بفضل دعوة سرجيوس
تحيا البلاد وشعبها / تحيا المشايخ والقسوس
واستمر سرجيوس على ذلك وخطب فى عديدٍ من الجوامع، كما ترأس سرجيوس المظاهرات لاسيما فى الميادين العامة، مثل ميدان الأوبرا فى العتبة الذى كانت تتجمع فيه المظاهرات.
الاعتقال والنفى إلى رفح
استمر القمص سرجيوس فى نشاطه الثورى إلى أن أصدرت السلطات البريطانية أوامرها باعتقال سرجيوس فى أبريل 1919، ثم صدر الأمر بعد ذلك بنفيه إلى رفح، واستمر منفيًا هناك مع رفقاء الثورة مثل السياسى الشهير النقراشى وأيضًا بعض علماء الأزهر مثل الشيخ مصطفى القاياتى. وكتب سرجيوس هناك مذكراته الشخصية عن أيام الثورة والنفى.
الأسلوب الخطابى للقمص سرجيوس
تميَّز سرجيوس فى خطابه للجماهير بأسلوب سلس ولاذع وساخر ومثير للجماهير فى نفس الوقت. وربما ساعده على ذلك قربه الدائم من الناس عن طريق الوعظ والإرشاد، لاسيما للفئات المتوسطة والفقيرة.
ولم يقتصر استخدام سرجيوس لأسلوبه الشهير الجامع بين الدعابة والسخرية على مخاطبة الجماهير فقط، وإنما استخدمه أيضًا مع كبار الزعماء، حتى مع سعد زغلول نفسه. ففى السرادق الذى أُعِّد لتكريم سعد زغلول بعد عودته من المنفى هتفت الجماهير باسم سرجيوس ليُلقى كلمة ترحيب بعودة سعد من المنفى، فوقف سعد زغلول داعيًا سرجيوس لإلقاء كلمته قائلاً: فليُسمِّعنا خطيب الثورة كلمته.
وعلى عكس كل التوقعات وقف سرجيوس مُخاطِبًا سعدًا قائلاً: والله إنك لمجنون يا سعد!! وبُهِّت الجميع بما فيهم سعد من هذه البداية الغريبة، إلا أن سرجيوس سرعان ما استطرد قائلاً: والله إنك لمجنون يا سعد، تُقدِم على دولة عظمى خرجت منتصرة من حربٍ عظمى، وتملك كل شىء، ولا تملك أنت شيئًا، ثم تنتصر عليهم أنت، والله إنك لمجنون يا سعد! فوقف سعد ضاحكًا وقائلاً: مجنون والله أنت يا سرجيوس! فضَجَّ السرادق كله بالهتاف والتصفيق. والحق أن القدرة الخطابية الفذة هى أهم العوامل التى صنعت مجد سرجيوس، ووضعته كواحدٍ من أهم رموز الحركة الوطنية المصرية.
الرمز واستدعاء التاريخ
لا يمكن تلخيص حياة سرجيوس العامة منذ صعوده إلى منبر الأزهر فى عام 1919 إلى وفاته فى عام 1964 فى عُجالةٍ سريعة. إذ إن سيرة حياة القمص سرجيوس ثرية حقًا، عندما تُقلِّب صفحاتها ستجد مواقف ومعارك مع البابوات الأقباط من كيرلس الخامس وحتى كيرلس السادس فى سبيل الإصلاح القبطى. وأيضًا تجد معارك مع الزعامات والشخصيات التاريخية من سعد زغلول إلى النحاس؛ حسن البنا؛ النقراشى؛ مكرم عبيد؛ الملك فاروق؛ محمد نجيب وعبد الناصر. إنها سيرة حياة تحطِّم الحائط الوهمى بين الدين والسياسة فى تاريخ مصر المعاصر. ولكن ستبقى صورة سرجيوس على منبر الأزهر رمزًا للوحدة الوطنية فى العقل الجمعى المصرى. حيث تُستدعى صورة سرجيوس السابقة كلما هبت على الوطن حوادث طائفية، لاسيما فى فترة السبعينات التى شهدت تصاعُد حدة هذه الأحداث.
ففى عام 1972 والوطن جريح من هزيمة يونيو 67، وفى طريقه لنصر أكتوبر، شهدت مصر بعض الأحداث الطائفية العنيفة. وخصصت جريدة الأخبار افتتاحيتها لاستدعاء التاريخ لعلاج هذه الأحداث، حيث كان عنوان الافتتاحية «القمص سرجيوس وذكريات الوحدة الوطنية فى ثورة 1919». وقامت مجلة الشباب بنفس الشىء، إذ نشرت موضوعًا فى ديسمبر 1972 تحت عنوان «مولانا القاياتى وأبونا سرجيوس» لتوعية الشبان بتاريخهم، وإلقاء الضوء على مظاهر الوحدة الوطنية، حتى تختفى الحوادث الطائفية. وفى نوفمبر من نفس العام نشرت مجلة «حامل الرسالة» المسيحية موضوعًا عن القمص سرجيوس ودوره فى الوحدة الوطنية فى ثورة 1919 تحت عنوان «الدين لله والوطن للجميع» وصفت فيه سرجيوس بأنه «قديس الوحدة الوطنية والثورة المصرية».
وفى عام 1977 نشرت جريدة الجمهورية موضوعًا عن سرجيوس تحت عنوان «خطيب ثورة 1919»، وفى نفس العام أعادت مجلة الفداء المسيحية نشر ذكريات القمص سرجيوس عن ثورة 1919، ودوره فى الحركة الوطنية، مطالبةً «بعودة الروح» مرة أخرى.
وفى عام 1978 نشرت الصفحة الدينية فى الأخبار صورة سرجيوس وأشادت به خطيبًا وطنيًا على منبر الأزهر، مسترجعة بذلك ذكريات الوحدة الوطنية فى ثورة 1919.
وفى عام 1979 عندما بدأ الصحفى الكبير حافظ محمود كتابة ذكرياته عن قصة الوحدة الوطنية، كانت صورة سرجيوس خطيبًا فى الأزهر إبان ثورة 1919 هى حجر الزاوية الذى بنى عليه ذكرياته عن قصة الوحدة الوطنية.
هكذا أصبح سرجيوس ظاهرة مهمة فى تاريخنا المعاصر، وأصبح استدعاء الدور التاريخى لسرجيوس عاملاً من أهم عوامل مواجهة الفتنة الطائفية، فضلاً عن إبراز مدى أهمية التاريخ فى عودة الروح للوطن من جديد.•


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.