كانت لوحاته تعبيرًا عن مصر، ولذلك كان فنه مصريًا خالصًا، يستطيع المشاهد التعرف على لوحته منذ النظرة الأولى، لأنه ليس تقليدًا لأحد، وهو بلا جدال مبدع الهوية المصرية فى الفن. عاش محمود سعيد الذى ولد بالإسكندرية عام 1897 صراعًا داخليًا, فقد ملك حبه للفن نفسه وكيانه وهو فى الوقت نفسه يعمل فى سلك القضاء, إنه القاضى والمستشار وكان صراعه بين فنه ووظيفته. كان ينتمى للطبقة الاستقراطية, والده محمد سعيد باشا رئيس وزراء مصر إبان الحرب العالمية الأولى, وكان فى فنه يصور أعماق المجتمع وشخوصه وناسه البسطاء, كان مرهفًا وحساسًا وصادقًا فى فنه, لقد استطاع أن يصور روح وملامح مصر. لم يدخل كلية الفنون الجميلة فقد تعلم فى المراسم الخاصة التى كانت بالإسكندرية, كما كانت أسفاره الصيفية إلى أوروبا مصدرًا مهمًا فى تعلمه الفن, لقد درس بعض الوقت بأكاديمية جوليان بباريس, كما زار المتاحف وتعلم من أساتذة الفن أمثال روبنز وفان دايك, وكانت أضواء رمبرانت ينبوعا مهما لإلهامه وشغفه بالضوء فيما بعد، وكانت مرحلة التكوين لديه كبيرة وثرية, كانت فترة الثلاثينيات فى حياته غنية وأنتج فيها أعمالًا مهمة فى تاريخه الفنى, وقد أنهى صراعه بين فنه ووظيفته عام 1947 بعد فترة من القلق ليتفرغ تمامًا لفنه ويترك وظيفته وهو فى الخمسين من عمره. استولت موضوعات ثلاثة على إبداع محمود سعيد وكان لها نصيب الأسد فى إنتاجه الفنى, كما أثمرت شخصيته الفنية الفريدة وهى موضوعات: المرأة والموت والعبادة.. شغف محمود سعيد ببنت البلد ببشرتها السمراء النحاسية, كانت المرأة فى لوحاته عيونها عسلية وجسدها به حيوية وأنوثة, وهناك موضوع الجنازات ومراسم الدفن، وقد عبر عنها فى لوحة المقابر ولوحة«المقرئ» ثم كانت موضوعات العبادة مثل لوحة «الصلاة» ولوحة «الذِكُر ». استطاع محمود سعيد أن يبتكر لنفسه أسلوبًا خاصًا به لا تخطئه العين وتلك عظمته, لقد استلهم تراث بلده الفرعونى والقبطى والإسلامى إلى جانب الفنون الأوروبية، كانت لوحاته تجسيدًا لصورة مصر بنبضها الحمى, ومن سمات أسلوبه التحوير فى الأشكال والمبالغة فى الضوء حيث يجنح دائمًا في إبراز اسطوانية الأشياء من خلال الضوء والظل ومن سمات أسلوبه أيضا الترديد فى الأشكال فى لوحاته لتحقيق الإيقاع البصرى, وقد حقق فى أعماله شيئا من السحر والإحساس الأسطورى, وهو يجمع بين الواقع والرمز, كما كان مهتمًا بالتكوين الراسخ والتوازن بين الأشكال والفراغ. يقول الفنان محمود سعيد: «ما الفن إلا أداة سحرية للسيطرة على دنيا واقعية لا تزال مجهولة» بدأت ملامح أسلوبه تظهر فى لوحته التى رسمها لنفسه فى العشرينيات وقد رسم نفسه فيها وخلفه بيوت فى حضن الجبل وفى أحد الشوارع تسير بين البيوت جنازة!! وهناك لوحته المعروفة «الصلاة» التى صور فيها العلاقة الجميلة بين أقواس المسجد وأقواس ظهور المصلين عند الركوع مصورًا جوًا دينيًا روحيًا, وهناك لوحاته للمرأه مثل «بنات بحرى» و«حاملة القلل» ولوحته المعروفة «المدينة» التى أنجزها عام 1937 وهى مليئة بالمفردات والعناصر من بنات بحرى إلى بائع العرقسوس وهى صورة بانورامية لمصر فى الثلاثينيات, وفى تلك المرحلة أيضًا صورة لوحته «ذات الجدائل الذهبية» وهى محطة مهمة فى فنه لما بها من تحوير وحس أسطورى, وهناك لوحاته للعمل مثل لوحة «الصيادون فى رشيد» ولوحة «الشادوف», كما صور محمود سعيد الكثير من لوحات الصور الشخصية لأصدقائه وعائلته. ومن بداية الخمسينيات صَوّر مجموعات كثيرة للمناظر الطبيعية من الإسكندرية إلى مرسى مطروح ورشيد والبحر الأحمر. نال محمود سعيد أول جائزة تقديرية فى الفنون عام 1960 ورحل عن عالمنا عام 1964 بعد حياة حافلة بالإبداع.•