يتصدر محمود سعيد الفنانين السكندريين الذين تلقوا دروسهم الأولي في مراسم الفنانين الأجانب ولكنهم تجاوزوا معلميهم من حيث القيمة الفنية فكان لهم شأن آخر علي الساحة التشكيلية في مصر وخارجها, فعندما بدأ محمود سعيد(19641897) دراسته الفنية في بعض المراسم الأجنبية لم تكن هوايته آنذاك للفن محاولة لشغل وقت الفراغ كما كانت بالنسبة لبعض أبناء الطبقة الارستقراطية الذين اعتبروا هذه الدروس نوعا من الترف للتباهي بها, لكن محمود سعيد اعتبر هوايته للفن مدخلا لقضية حياته حتي إنه استقال فيما بعد من عمله في السلك القضائي عام1947 وتفرغ لفنه وتمكن من تأسيس أسلوب مميز في مصريته متمسكا بتقاليد التراث المحلي منذ الفراعنة مرورا بالفن القبطي والإسلامي, واستطاع أن يذيب كل المؤثرات التي تلقاها في فنه ليعيد صياغتها بيد وعين مصرية. وكانت أول لوحة تقتنيها الدولة من أعماله هي تلك التي صور فيها نفسه, وتم تسجيلها ضمن مقتنيات متحف الفن الحديث. ولفن محمود سعيد خصوصية يتفرد بها خاصة بعد نضوجه الفني في مرحلة الثلاثينيات, فلم يكن يحب الوصفية الفوتوغرافية للواقع, وينبذ تثبيت الحركة في اللوحة وكان يفضل الانغماس وسط الطبيعة, وتحويل الواقع إلي عناصر تساعده في خلق عالم جديد مواز للعالم الواقعي, وكان ذلك بمثابة المدخل إلي عالم يزخر بالسحر والرؤي الأسطورية يستلهمها من الروح المصرية والتراث الشعبي والعمارة المصرية القديمة وفنون النحت, وهو ما يبدو في الألوان النحاسية المتوهجة علي أجساد الفلاحين والإيقاع الموسيقي المنتظم كالموشحات, وأمواج الإسكندرية المتلاطمة علي شواطئها وبيوتها التي تستحم في البحر, وقلاعها الصامدة, ومساجدها العامرة, كما كان يعشق رسم بنات بحري في الإسكندرية, والدراويش المولوية.. وغيرها من الأعمال. ويعتبر محمود سعيد من أكثر جيل الرواد اهتماما بالبحث عن الشخصية المصرية في فن التصوير الزيتي ولهذا يضعه مؤرخو ونقاد الفن التشكيلي في مكانة مماثلة لمحمود مختار في فن النحت, وكان سعيد أكثر الرواد جرأة في تناول الموضوعات فهو الذي أرسي تقاليد حرية الفنان في الرسم والعرض بعيدا عن قيود الرقابة التي كانت تكبل الفنون الأخري, ومع انتمائه للأسرة الملكية فقد كان يتخذ من الشخصيات الشعبية المصرية أبطالا للوحاته مثل بائع العرقسوس وحاملة الجرة وبائع البرتقال وبنات بحري والمدينة وذات الأساور الذهبية والشادوف والدراويش والمقرئ في السرادق وقد سجلت أعماله أعلي الأسعار للوحات الفنانين العرب في المزادات الدولية وضرب الرقم القياسي مرتين في عام واحد. ومحمود سعيد استطاع تنويع لوحاته بين السكوني والهادر, وجمع بين الحسي والروحاني في شخصية واحدة تتنازعها المحافظة والانطلاق, وصور أجمل وأعمق الصور الشخصية تعبيرا في الفن المصري الحديث.