كتبت: هبة حسنين ينتظر الكثيرون قدوم الصيف، للاستمتاع بالإجازة على الشواطئ، فيما ينتظره آخرون بشوق أكبر وبأحلام وترتيبات مختلفة، لأنه بالنسبة لهم هو موسم العمل والكسب وتوفير مصاريف بقية شهور العام، لأن «سبوبة الصيف» بالنسبة لهم هى الأمل الذى ينتظرونه لتحقيق أحلامهم المعلقة فى انتظار رزق الصيف. طفل لا يتعدى عمره الثالثة عشرة من عمره، بشرته معجونة من طين الصعيد ورغم سنوات عمره القصيرة، فإن آثار الشقاء المبكر ضربت علامات فى وجهه، ومع ذلك تعلوه ابتسامة جميلة تُشع أملا ومحبة يهديها لكل من يراه، مر أمامى على شاطئ العجمى حاملا عوامات متعددة الأشكال يبيعها وينادى عليها، عددها وحجمها ثلاثة أضعاف حجمه. ناديته فاستبشر وجهه وكأنه وجد من يشترى بعد طول عناء وانتظار، دعوته ليستريح قليلًا على وعد أن أشترى منه، وسألته عن اسمه وبلده فحكى حكايته قائلا: «اسمى موسى أحمد، طالب فى الصف الثانى الإعدادى، من منطقة الجزيرة بسوهاج، وأنا الأخ الأوسط بين خمسة إخوة آخرين، بدأت العمل فى إجازة الصيف بالإسكندرية منذ عامين، بعدما تعرض والدى لحادث مؤلم، أثناء عمله فى شغل البناء فقد بسببه القدرة على الحركة، وخضع لعمليتين جراحيتين، ولم تنجحا، فاتجهت بعد ذلك للعمل خلال إجازة الصيف بالإسكندرية مع شقيقى الأكبر بمساعدة أقاربنا ومعارفنا من البلد ممن يعملون فى بيع منتجات عديدة على شاطئ العجمى، وأعمل بقية أشهر السنة أثناء الدراسة، فى سوهاج بالمحلات والمطاعم. ويكمل موسى: أستيقظ فى الخامسة صباحًا وأعمل حتى السابعة مساءً، متجولا على الشواطئ حاملًا البضاعة أيًا كانت، فيومًا أبيع البنطلونات والبرمودا والمايوهات ويومًا آخر «أسرح» بالعوامات، أبيع أى شىء فى مقابل مبلغ بسيط أستطيع أن أعود به إلى المنزل لأرسله لوالدى ليعينهما على الحياة. بائع الحظ قصة أخرى لسبوبة المصيف بطلها «يوسف» عمره ثمانية عشر عامًا ولكنه ما زال فى العام الثانى من المرحلة الثانوية لأسباب رفض الإفصاح عنها، وقال: (أهوى عمل «الحظاظات»، واتخذتها مهنة أجمع منها مبلغًا من المال خلال شهور الصيف). يكمل: «أنا من الإسكندرية، وعندما تنتهى الامتحانات ويبدأ هجوم المصيفين على الإسكندرية، أستعد بطاولة صغيرة وكرسى ومجموعة كبيرة ومختلفة من الخرز أستطيع أن أصنع من خلالها أشكالا متعددة من الأساور والحظاظات التى يحبها الشباب والفتيات من مختلف الأعمار وأبيع الحظاظة الواحدة بعشرة جنيهات». «أضع ترابيزتى ومشغولاتى أمام أى محل بالمنطقة التى أصبحت معروفًا فيها، بداية من الساعة 5 مساءً وحتى 2 صباحًا طوال الصيف، وفى الشتاء أثناء الدراسة أكون مستمرًا فى عملى ولكن داخل أسوار المدرسة بين زملائى، والمكسب الذى أحصل عليه من المدرسة أعلى من الشارع». بائعة الفطير «أم منة» أشهر بائعة فطير بالعجمى، تملك محلًا صغيرًا بالمنطقة لبيع منتجات الألبان والبيض والفطير، ولكنه لا يدر عليها الكثير من الأموال، فلجأت إلى الشاطئ حاملة فوق رأسها طبقًا بلاستيكيًا كبيرًا ممتلئاً بالفطير المشلتت الساخن، تبيع الواحدة منه بخمسة عشر جنيهًا. قالت أم منة: «أستيقظ مبكرًا يوميًا لتحضير وخبز الفطير، ثم أصطحب ابنتى الكبيرة معى للشاطئ لنحاول بيع ما خبزناه، وفى نهاية اليوم لا أستطيع النوم من شدة التعب، الحمد لله على كل حال، الرزق لا يأتى بالساهل، وملاك الشواطئ يأخذون منى إتاوة، وإذا لم أدفع يقطعون رزقى ويطالبوننى بتصريح للبيع». «طوال اليوم أتجول للبيع على غالبية الشواطئ وهناك من يرق قلبه فيسمح لى بالجلوس قليلاً أسفل شمسيته والبعض لا يلق لى بالًا، وعندما أعود إلى منزلى بحصيلة بيع خمسين جنيهًا أشكر الله كثيرًا على ما رزقنى». نظرت إلى ابنتها التى تجلس بجوارها وقالت وهى تغالب دموعها: «بنتى البكرية شافت الهم بدرى لأن زوجى يعمل بإحدى الكافتيريات ومرتبه لا يتخطى ال700 جنيه، ندفعها إيجارًا للشقة ، فاضطررت إلى العمل خلال شهور الصيف فى البيع على الشاطئ لأساعد زوجى فى تربية وتعليم بناتنا الأربع، ولن أتقاعس عن تعليمهن مهما تكبدت من مشاق». «اضحك الصورة تطلع حلوة» تغير الزمن وطغت تكنولوجيا التصوير بأجهزة المحمول لتضرب مهنة التصوير والعاملين فيها فى مقتل، وما زال السبعينى عم محمد غريب، مصرًا على ارتداء بدلته الصيفية البيضاء العتيقة وحمل كاميرته والتجول بها على الشاطئ لعله يكون هناك من لا يزال يعشق صور المصورين القدامى، دعوته ليستريح قليلا فقال مبتسما: «أنا من مواليد روض الفرج بالقاهرة، وانتقلت للإقامة بالإسكندرية مع والدى عندما كنت طفلًا صغيرًا، عشقت مهنة التصوير وعملت بها 40 عامًا، وكنت أعمل فى الأساس بإحدى الشركات، ولكنى تركتها من أجل عشقى للكاميرا والتصوير، والآن وصل بى الحال ألا أجد قوت يومى أحيانا بسبب انصراف المصيفين عن التصوير الفوتوغرافى بعد الموبايلات الحديثة رغم أن سعر الصورة المطبوعة لا يتعدى عشرة جنيهات». بنبرة مشبعة بالحزن والأسى يكمل عم محمد:«كان عندى محل وأغلقته بعد أن ساءت الأحوال وتدهورت مهنة التصوير تمامًا منذ 4 سنوات، ولكنى لن أترك مهنتى أبدًا وسأرتدى كل يوم بدلتى البيضاء وأحمل كاميرتى، وربنا يرزقنا جميعًا». نموذج آخر لمن ينتظرون قدوم الصيف كل عام من أجل الرزق وليس من أجل التصييف.. «عم علاء» الذى ترتسم البساطة فى تجاعيد وجهه ويقول : «معى شهادة الابتدائية وأعمل بالنجارة طوال العام، ولكن فى شهور الصيف أتجه الى «شاطئ السلام» مع مجموعة من الزملاء لنصبح مسئولين عنه نقطع تذاكر دخول الشاطئ للمصيفين ونهتم بنظافة الشاطئ، والحى يقوم بتقسيم الشواطئ إلى قطع بالمقاس، ويعلنون مزادًا علنيا، ويحصل كل شخص على شاطئ ليصبح مسئولًا عنه خلال شهور الصيف و«يسترزق منه» وفى المقابل يدفع مبلغًا ماليا ضخما للحى. وبنبرة حزينة قال «الرجل خفت» عن المصايف والناس مش بتروح الشواطئ زى زمان، والمصيفون حاليًا يعتبرون ربع أعداد السنة اللى فاتت، بسبب غلاء الأسعار، فالمواصلات نفسها من القاهرة زادت الضعف خلال عام واحد، وإيجار الشقق فى ازدياد دائم». ..«كنا نتعامل قديمًا مع بشوات ولكن حاليًا نقابل أشخاصًا يتشاجرون معنا من أجل نصف جنيه، وأنا لا أعيب على هؤلاء، لأنى أعلم جيدًا أن العيشة بقت صعبة، فرغم أن رسم دخول الشاطئ 5جنيهات فقط شاملة الخدمة والحراسة والنظافة، إلا أننا نواجه مشاكل مع الأشخاص الذين يريدون دخول الشاطئ بدون دفع مليم». «الحى يجدد العقد كل عام بأموال كثيرة، وندفع أجور العاملين معنا، وكل ذلك من أجل أن نستطيع تحصيل مبلغ بسيط ندخره من «سبوبة المصيف». «الكرسى بخمسة جنيه والحسابة بتحسب» إبراهيم شاب فى الثامنة والعشرين، يعمل بمهن بحرية منذ أن كان طفلًا صغيرًا، فى الصباح يعمل بالصيد والسياحة للمصيفين بالمراكب داخل البحر، وحينما تسدل الشمس ستائرها يجهز «فرشته» على الشاطئ، وهى عبارة عن طاولات كل منها بأربعة كراسى بلاستيكية على الرصيف المطل على البحر بمنطقة بحرى، مثل غيره كثيرين، إيجار الكرسى بخمسة جنيهات مقابل مشروب ساخن أو بارد للفرد، وآخرون يؤجرونه بعشرة جنيهات». يقول إبراهيم: «توفى والدى وأنا طفل صغير فانتقلت إلى منزل أختى، وعلمتنى الاعتماد على نفسى، والحصول على القرش من عرق جبينى، فعملت سنوات طويلة حتى استطعت الزواج وكرمنى الله ببنتين، لذا فأنا أجد فى شهور الصيف «سبوبة حلوة» أعيش منها باقى شهور السنة، لأن الحالة بتكون كرب ومفيش زباين ولا شغل فى البحر ولا غيره، ورغم أن الفرشة الموجودة على البحر بسيطة، إلا أنها فاتحة أربعة بيوت، وتقسيم الرصيف بالمنطقة بيكون بالحب بيننا وبين الحى، وأحيانًا البلدية بتعمل حملات وتطردهم كلهم وتقطع عيشهم، وأتمنى أن أجد وظيفة تساعدنى فى الحصول على دخل ثابت لى ولبناتى». «السواق الفرفوش رزق» أثناء عودتنا إلى القاهرة، كان مقعدى بجوار سائق سيارة الأجرة، فاجأنى بقوله إنه خريج كلية الآداب قسم لغة إنجليزية بجامعة الإسكندرية، وقال إن خط سيره القانونى بين موقفى السلام ومحرم بك بالإسكندرية، وليس (رمسيس – العجمى)، وإنه لجأ الى تغيير خط سيره عشان لقمة العيش، لأن محطة محرم بك لا يستطيع جمع عدد كبير من الزبائن منها على عكس العجمى، والمحطة التى يقف بها فى العجمى بشارع الجمعية ليست قانونية وإنما موجودة (بالحب) ويحميها بلطجية ويأخذون منه (كارتة) 170 جنيهًا، وبالمثل يدفع نفس المبلغ فى رمسيس، وقال إنه يعمل على خط (رمسيس – العجمى) فى شهور الصيف فقط بسبب تكدس المصيفين. • هوا المصايف كلمات:صلاح فايز تلحين:محمد على سليمان غناء أنغام 1988
بهواك يا هوى المصايف.. بهواك وأنا قلبى خايف.. لو اجيلك السنة دى.. تجرحنى حد عارف ما هو الصيف اللى فات.. أنا راجعة بذكريات.. وحكاية كتير بتحصل.. لكتير أوى م البنات طمنى قول تعالى.. مش دايما بحرى عالى بهواك.. بهواك.. يا هوى المصاااااااااايف بحب البحر لكن.. مانزلش البحر أعوم بحبه وموجه سااااكن.. وأقول ياريت يدوم واختارلى حتة رايقة.. تبعدنى عن المضايقة أزرع شمسيتى.. وكتابى صحبتى.. من غير ما أشعر وأحس.. لمستنى الكورة لمس.. ووراها احلى حس رفعت عينيا أبص.. أبص.. عاللى جرالى عاللى.. لما قابلت عينيه شىء كدة هزنى كلى.. سلم قلبى إليه وهويت.. وغويت.. ياهوى المصاااااااااايف يا خساااااااارة.. يا خسارة الحلو مايكملش يا خسااااااااارة.. يا خسارة الحلم مطولش ده هوانا كان بيت من رملة.. الموج دوبه ماستحملشى راح فين راح فين؟؟ راح فين حبيبى يا بير مسعود؟ راح فين راح فين؟ راح فين كدة من غير ما يقول؟ هايجينى ولا مش هايعود ؟ ويسيبنى قلبى عليه مشغول؟؟ ولا ده كله وهم وطيف واهو انتهى بنهاية الصيف؟؟ أرجوك يا هوى المصايف.. لو اجيلك السنة دى.. تداوينى مانتا عارف جرح الصيف اللى فات.. وآلام الذكريات وحكاية كتير بتحصل.. لكتير أوى م البنات طمنى قولى حاضر.. مش دايما بحرى غادر أرجوك.. أرجوك.. يا هوى المصااااايف. •